التخطیط للثورة التحررية - من مذكرات أكرم الحوراني
خاص ألف
2011-12-03
كنت قاصدا في الخطاب الذي ألقیته في جامع السلطان، في مطلع تشرين الأول 1944 "مقارنة بین ثورتین " أن يكون مترافقا مع بدء السنة الدراسیة حیث يشكل الطلاب عنصرا مھما جدا في العمل الوطني دائما. فكانت مظاھرات الطلاب منذ افتتاح المدارس في خريف 1944 مستمرة مع الإضرابات الشعبیة والمظاھرات التي عمت معظم أنحاء البلاد، ثم امتدت إلى لبنان، تطالب باستلام الجیش، وقد استمرت ھذه المظاھرات حتى وقوع العدوان الفرنسي الأثیم في أواخر مايس - آذار 1945 ، وكان أبرز نقاط الخطة العملیة التي اتبعناھا بعد إلقاء ھذا الخطاب ھي النقاط التالیة :
أولا - جعل مجلس النواب منبرا للمطالبة المستمرة باستلام الجیش و ممارسة الاستقلال فعلا، والتحذير مما يھیئه الفرنسیون من مكائد و التنبیه إلى وسائل إحباطھا. و بكلمة مختصرة: جعل المجلس منبرا للدعوة للثورة والاستعداد لھا.
ثانیا: مواصلة التعبئة النفسیة للثورة لدى الجماھیر، وكانت في ازدياد مستمر يوما بعد يوم.
ثالثا: العمل لتقوية وحدة الصف الوطني والابتعاد عن كل ما يفرق فئات الشعب، وجعل المطلب الأساسي في تلك المرحلة استلام الجیش، و إرجاء كل الخلافات السیاسیة والاجتماعیة إالى ما بعد التحرير.
رابعا: قیام حزب الشباب بدوره في حماة لتكون المدينة التي تنطلق شرارة الثورة منھا.
خامسا: الاتصال السري بالضباط السوريین في الجیش، بواسطة الأستاذ نخلة كلاس الذي كانت له علاقات صداقة واسعة معھم ... وكانت ھذه المھمة منوطة بي، مع معرفة قیادة الحزب بذلك دون اطلاعھا على الأسماء.
وقد عقدت أول اجتماع مع الملازم عدنان المالكي، الذي كان من ضباط ثكنة حماة، كان الاجتماع سريا في بیت نخلة كلاس بحي "المدينة". وللوھلة الأولى وثقت بھذا الضابط الشاب وتیقنت من إخلاصه وصدق وطنیته، فلم أر داعیا للتريث في طرح الخطة التي ننوي تنفیذھا مستقبلا، فقلت له إن الفرنسیین لا يمكن أن يسلمونا الجیش إلا بالقوة، وأننا عزمنا على أن نھيء أنفسنا في حماة لانطلاق ثورة يمتد لھیبھا إلى جمیع أنحاء البلاد. والمطلوب من الضباط الوطنیین في الجیش السوري أن ينظموا الأمور منذ الآن بشكل سري ويعدوا أنفسھم للالتحاق بھذه الثورة، مما ينزل بالفرنسیین ضربة قاصمة ولا يبقى أمامھم سبیل إلا استقدام قوات من الخارج . ھذا الأمر الذي يصعب علیھم تحقیقه في ظروف الحرب، وإذا فعلوا فإن الثورة تكون قد بلغت من القوة ما يؤھلھا للصمود أمام القوات الغازية. كما أنه سیكون لذلك العدوان الفرنسي رد فعل عالمي يصعب معه استمرار القوات الغازية في القتال.
فوافقني عدنان دون تردد.
قلت: لنبدأ منذ الآن وتواعدنا على الاجتماع ثانیة في البیت ذاته، بعد أن يكاشف عدنان من يثق بھم من الضباط، وقد تم الاجتماع الثاني فحضره عدنان ورفیقاه ھشام السمان وعمر القباني . وقد جرت مناقشة قصیرة اقتنع الضباط على إثرھا بصواب الخطة. فأشرت علیھم أن يتصلوا بإخوانھم الضباط في المدن الأخرى لیحققوا التحاقا جماعیا بالثورة عند اشتعالھا، وقد أوصیتھم بالتكتم الشديد لئلا يتعرضوا للنقل أو الاعتقال.
كما كنت أجتمع سرا، في حمص ودمشق، بعدد من ضباط الجیش الآخرين الذين تعرفت علیھم في مناسبات سابقة.
وكانت الخطوة الثانیة توجیه الدعوة، من منبر المجلس النیابي، إلى ضباط وأفراد الجیش للالتحاق بالحكومة السورية، وكان الجیش السوري شديد التأثر بمناقشات المجلس النیابي، وكانت شعبیتي في أوساط الجیش في تصاعد مستمر، دون سائر نواب المعارضة الآخرين. فقد كان الأفراد السوريون في الجیش شديدي التوق للخلاص من تحكم الضباط الفرنسیین
المتغطرسین الذين يسیئون باستمرار لكرامتھم و مشاعرھم الوطنیة والقومیة. وكانوا يشعرون باعتزاز، بعد الاعتراف الدولي بالحكومة الوطنیة . وھو شعور كان يوحي بالثقة والاطمئنان لمستقبلھم، فكان ھذا عاملا نفسیا كبیر الأثر في تشجیع تفكیك ھذا الجیش ونزعه من يد الفرنسیین لیكون سلاحا بید الوطن، ولذلك كنت باستمرار أشید بوطنیة الجیش السوري وأؤكد يقیني بأنه سوف يلبي طلب البلاد بالتحاقه بالحكم الوطني، وقد أثمرت ھذه الخطة كثیرا كما سترد تفاصیل ذلك فیما بعد، كما كنت في الوقت ذاته ألح في مطالبة الحكومة على أمرين:
الأول: زيادة عدد قوات الدرك - التي يمكن تسلیحھا من الاإكلیز سلاحا خفیفا باعتبارھا من قوى الأمن الداخلي - لتكون في جانب الثورة عند انطلاقھا.
الثاني: إقناع الحكومة بشراء السلاح عن طريق التھريب، وتنظیم المیلیشیات الشعبیة الأمر الذي لم نصل به إلى نتیجة.
كانت فرنسا طیلة عھد الانتداب حريصة كل الحرص، وعاملة ما باستطاعتھا، لتجريد المواطنین من كل أنواع السلاح، وكانت مشكلة السلاح - كما أشرنا سابقا - من أھم المشاكل التي كانت تعاني منھا الثورات الوطنیة السابقة في سورية، وظلت ھذه المشكلة مستعصیة حتى بعد قیام الحكم الوطني، بالرغم مما توفر لديه من إمكانیات السلطة لتھريب السلاح بعد أن امتنع اإانكلیز والحلفاء عن بیع السلاح للحكومة السورية، وكانوا يھدفون من وراء ذلك الى غايات استعمارية حاولوا أن يقطفوا ثمارھا فیما بعد.
قضیة تشكیل الجیش السوري:
بالرغم من أن الأشھر الأخیرة من عام 1944 والأشھر الأولى من عام 1945 كانت مخصصة لبحث قضايا الموازنة، فقد كان ھمنا، باستمرار، إثارة قضیة الجیش بمناسبة وبلا مناسبة لیبقى الاتصال حیا بین المجلس وبین المظاھرات والإضرابات الشعبیة التي كانت تسود معظم أنحاء سوريا رافعة شعار "نريد جیشا للوطن ... ما في عیش بلا جیش".
ومنذ أن افتتحت في كانون الثاني 1945 دورة الموازنة العامة سعیت مع رئیف الملقي وقاسم الھنیدي ونواب آخرين لإقناع الرئیس الجابري بأن يخصص جلسة 13 كانون الثاني لبحث قضیة الجیش، فوافق الجابري، وقال عند افتتاح الجلسة : " بما أن لجنة الموازنة قد انتھت من تقريرھا ووزع علیكم. ولما كانت المادة 96 من النظام الداخلي تقول: تعین جلسة مناقشة الموازنة بعد انقضاء 48 ساعة على توزيع تقرير اللجنة المالیة على النواب، وبما أنه لیس لدينا أعمال لھذا الیوم، نؤجل الجلسة إذا رغبتم إلى يوم الثلاثاء القادم" وكان ھدف الجابري إتاحة المجال لمناقشة موضوع استلام الجیش.
فشعر رئیس الحكومة فارس الخوري بما يبیته رئیس المجلس فقال له: " ألیس لديكم أوراق واردة من الحكومة وأجوبة على أسئلة النواب؟"
فأجاب الجابري: "لیس لدي شيء من ذلك"
فطلب النواب تخصیص الجلسة لبحث موضوع الجیش فقال الجابري: " لا بأس من المذاكرة في ھذا الموضوع "... وكنت أول المتكلمین فقلت:
"لقد أظھرت الأمة شعورھا منذ العام الماضي وأعلنت رغبتھا في تألیف الجیش السوري . ولا أظن أن ھناك أي عثرة في سبیل تألیفه بعدما علمنا أن الجانب الإفرنسي تمنع عن تسلیم الجیش السوري. ولذلك اقترح على المجلس الكريم أن يقرر حالا في ھذه الجلسة تكلیف الحكومة بالشروع فورا في تألیف الجیش . وذلك وفقا للمادة 110 من الدستور والمجلس النیابي مستعد أن يمنح الحكومة حق إصدار المراسیم الاشتراعیة . كما أنه مستعد لتخصیص جمیع الاعتمادات اللازمة لتحقیق ھذه الغاية . ولذلك أرى أن نبت في ھذه القضیة سريعا وأن نجابھھا بصرامة وأن لا تكون المشاريع المقترحة لھذه الغاية عرضة للتسويف والتأ جیل والمماطلة، لذلك أرجو من الزملاء أن يقروا ما اقترحته".
حاول وزير الخارجیة جمیل مردم أن يقطع الطريق على الاستمرار في بحث ھذا الموضوع، فألقى كلمة حماسیة، بأسلوبه الخاص، انتھى فیھا إلى القول:
" كونوا على ثقة إذا طلبت منكم إرجاء البحث في ھذا الموضوع إلى أن أبحثه مع لجنة الشؤون الخارجیة ثم مع لجنة الدفاع الوطني من أنني لا أقصد من ذلك التسويف أو التأخیر، ولكن لكي يكون العمل كاملا من جمیع وجوھه الفنیة، ولھذا أعاھدكم عھدا أكیدا باسم الحكومة بأن ھذا الجیش الذي ھو رمز استقلال الأمة سنقوم بتحقیقه على الصورة التي تريدھا الأمة وعلى أتم ما يريده البعض".
فعقبت على كلمته بما يلي:
"اننا نشكر دولة وزير الخارجیة والدفاع على بیانه الفني القوي. ولكن يؤلمني أن أصرح علنا بأن الاندفاع والحماسة والتھديد والوعید لا ينتج أمرا محسوسا ملموسا، فالأجنبي أو الفرنسیون بصورة أوضح يماطلون ويسوفون لأنھم الآن ضعفاء، حتى إذا جاء الیوم الذي يشعرون فیه إنھم استعادوا قوتھم فإنھم لا يتقاعسون عن سلبنا استقلالنا وجمیع الصلاحیات التي استلمناھا منھم، والقضیة واضحة لا تحتاج إلى تطويل ولا إلى تسويف، فالأمة اعتبرت نفسھا مستقلة، بل ھي مستقلة بالفعل والفرنسیون ضعفاء الآن، ونحن لا نعترف بوجود أية سلطة أو میزة لأجنبي . والحكومة والأمة بحالة ثورة وانقلاب. وإرادتنا ھذه يجب أن يحققھا العمل ولا يحققھا إلا عندما نشرع في تألیف الجیش، ولا أعتقد أن تألیفه يحتاج إلى مفاوضات أو اجتماع لجان، وإنما يحتاج إلى عزم وحزم من الحكومة .لأن المال قد خصص في الموازنة".
وأما التشريع فإن المجلس مستعد للتنازل عن حقه التشريعي للحكومة في سبیل تحقیق ھذه الأمنیة وما دام ھذان الأمران قد تما من قبلنا فما ھو المانع الذي يمنع الحكومة من الشروع فورا في تألیف الجیش، وأما عبارات ( في وقت قريب، وبعد قلیل) فھذه أقوال لا أفھمھا جیدا، قال أحد الزملاء إنه يجب على الحكومة أن تحزم والحقیقة إنه يجب علیكم أنتم إن تحزموا. فإنكم عندما تقررون فإن إرادتكم يجب أن تحترم ورغبتكم يجب أن تحقق، أما أن نشتغل بوضع قوانین خاصة بالجیش ونتناقش بھا فما ھذا إلا مضیعة للوقت، لأننا لا ندرك ھذه الأمور التي يجب على الحكومة أن تعھد بھا إلى أخصائیین وخبراء في تألیف الجیوش وسن قوانینھا. فیجب أن نحزم نحن لا أن نقول لأحد يجب علیك أن تحزم. ولذلك أقول إني لم أفھم شیئا من ھذا التسويف، أما الأمر الواقع فھو أن الفرنسیین امتنعوا عن تسلیم الجیش الذي قلتم جمیعكم إنه سوري بلحمه ودمه. وما داموا قد امتنعوا عن تسلیمه أصبح من الواجب علینا أن نسرع بتألیفه وأن ندعو الضباط السوريین الموجوديین في الجیش السوري الحالي إلى الالتحاق بجیشھم الجديد، وعندئذ نرى أي جیش تستطیع فرنسا أن تشكل في ھذه البلاد، وعند ذلك يتحقق الانقلاب، وتتحقق الثورة التي ندين بھا جمیعا وندعو الیھا".
وتعاقب بعد ذلك عدد من النواب. كما تكلم رئیس الوزراء ...
ولئلا يذھب البحث سدى تقدمت بالاقتراح التالي:
"إن المجلس النیابي قد قرر تكلیف الحكومة بالشروع حالا بتألیف الجیش السوري، تنفیذا لحكم المادة ( 110 ) من الدستور، وھو يمنح الحكومة حق إإصدار المراسیم التشريعیة لأجل تشكیل الجیش، كما أنه مستعد لتقديم جمیع الاعتمادات التي تحتاج الیھا في ھذا السبیل.
لم يطرح رئیس المجلس ھذا الاقتراح على التصويت، بل أحاله الى اللجان، وھكذا انتھت الجلسة بدون نتائج ملموسة محددة ... ولكنني تابعت موضوع الجیش باستمرار خلال الجلسات التالیة المخصصة لمناقشة الموازنة . فقلت في جلسة 1945/1/24 بمناسبة بحث موازنة وزارة الدفاع:
"لا حاجة للاطالة، فالفرنسیون متعنتون، وقد تعنتوا حتى الآن بتسلیم الجیش، وإنني أقول بصراحة، لا بالتھديد والوعید ولكن بشعوري وشعور الامة، بأن ھذه المرحلة التي تقرر موقفنا من فرنسا الى الأبد ھي التي تثبت بأن عقلیة فرنسا لم تتغیر وأن موقعنا منھا سیتغیر الى الأبد فعلى فرنسا أن تضع الأمرين في المیزان وتتبع إحدى الخطتین. فإما أن نتعاون ونظل أصدقاء وإما أن نیأس منھا ومن عقلیتھا ونبت في كل أمر بیننا وبینھا، لنفرض أن الإفرنسیین لم ولن يسلموا الجیش، فماذا يجب أن يكون موقف الحكومة وموقفنا نحن؟ ... يجب أن نستمر بالمطالبة بتسلیم الجیش ولكن ما ھي الوسائل التنفیذية لاستلامه؟ ھناك وسائل عديدة فاذا امتنع الأجنبي عن تسلیمنا جیشنا فسنأخذه ونستلمه بالقوة لا بالواسطة، وعندھا يذھب دور المفاوضة ويأتي دور القوة.
سندعو ھؤلاء الجنود والضباط الذين ھم أخواننا وأبناؤنا إلى الانضمام لجیشنا الذي سنؤلفه. وسیندمج الجیش السوري بالجیش الذي سنؤلفه، وعندھا يرى الفرنسیون أن المواطن السوري لا يمكن أن يكون أداة لاستعمار أمته وھو ابنھا البار . ھذا ھو موقفنا وھذا الذي يجب أن يكون موقف الحكومة، وعمل المجلس التشريعي ھو تھیئة ھذا الأمر.
فلقد رصدت الحكومة في الموازنة المبالغ اللازمة لاستلام ھذا الجیش إيجاد جیش غیره، ولكن ھذا الرقم ظل خیالیا غیر حقیقي، نعم تقدمت الحكومة بمشروع قانون لإحداث ضرائب الجیش، ودرسته اللجان وأعادته للحكومة، ولم يزل ھذا المشروع في وزارة المالیة، فیجب علیھا أن ترسله الى المجلس لیقره عند البحث في قسم الواردات من الموازنة . وإذا كان لدى الحكومة مشروع آخر فنرجوا منھا اأ تتقدم به لیصیر إقراره ويكتسب الصفة القانونیة.
ھنالك أمر آخر يتعلق بالتشريع، وھو أن نعطي الحكومة سلطة إصدار المراسیم الاشتراعیة أو أن يظل ھذا المجلس منعقدا إلى أن تنتھي ھذه القضیة، وبذلك نكون قد أوجدنا العناصر الثلاثة التي يمكننا بواسطتھا حل ھذه القضیة. فقرار لجنة الموازنة الذي يمنع على الحكومة جباية ضمائم الجیش إلا بموجب قانون أراه غیر وارد في مثل ھذه الظرف، فأنا كما قلت إذا لم نشأ أن نعطي الحكومة سلطة واسعة للتصرف في أمور الجیش من ضرائب أو تشريع يجب علینا أن لا نبارح ھذا المكان، وأما وضع قید بعدم التصرف بھذه الأموال إلا بقانون فھذا يعرقل سیر الأعمال ... لھذا أرى أن يتخذ مجلسكم الكريم قرارا على ضوء الملاحظات التي أبديتھا، وأعتقد أنھا الحل الوحید لقضیة الجیش".
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |