عن موت علي الجندي وعن النسيان الخسيس
2007-10-02
يركنُ جامعو الحثالات إلى نصّهِمْ بنهمٍ يوازيركونهم إلى لَصََّهمْ ، بغال الحزبِ تجرُّ عرباتهم ، ومئة حوذيٍّ يجلدون الهواءَنقيقاً ..
الصحيفةُ السمينة والوحيدة كجرذٍ مدللٍ ، تقيءُ كُلَّ صباحٍ على قارئيها البؤساء ، هو غبطة استمراءُ قيءِ الآخر عليك ، آليّةِ المثقفِ السعيد في وطنٍ بائسْ .. ننتظرُ قيءَ صحيفة الصباح كما ننتظرُ الرغيف، افتتاحيةُ رئيس التحرير وجهها ، وما دبّج الشعراء قفاه ، ولأنَّ عنايتنا أزليّة بالقفا ، تقيءُ علينا الصحيفة من صفحتها الأخيرة .. ـ هو ما قبل الشعرـ ، ملاحق وصفحاتٍ ثقافية وكتباً شهرية لتبديد البلادة الأزلية ، وجحافل من الأجراء والأميين .. معلمين بالوكالة في مدارس بلا تلاميذ ، حاصدي شهاداتٍ عليا في غفلة الرعب الأزلي على رقاب العباد ، وموفدينَ لخارجٍ أنظفُ منهُ خروج المبطون ، حيثُ الشهادات المزركشة الأطراف بزجاجة - grantis – أصلية ، يكتبون الشعر حيثُ عزّت المهنْ ، كراسيّهم مقاعدُ مراحيض ، وطاولاتهم وَضمْ .
هو إذاً ثقافةُ القيء ـ أو قيءُ الثقافة .
الحقيقيون من ظلٍّ إلى ظلّ كعجائز الحواري ، بلا تفاحة الرغبة ، ولا هسيس أفعى الفتنة ، هم مبعدون عن فردوس المؤسسة الذي يكون الجحيم عنده أصلاً ـ برداً وسلاماً .
ـ 2 ـ
إذ ذاك تفرّخ القمم ، ويعود المبعدون طوعياً ، ويبنون مؤسساتهم الخاصة بهم ، متناغمةً تماماً مع المؤسسة الأم ، والذي إن بدا بينهما نفورٌ ما ولو على عيون الحسّاد .
أعداء الأمس يتراثون ، مهرجاناتٌ من الدرجة العاشرة تُلمّعُ وتغدوـ مَطْهَرَاً ـ ، حيثُ : ـ غفرتُ لك ذنوبك فادخل جنّتي آمناً ـ كلُّ شيءٍ جديرٌ بأن يُمدح ، الطريقُ إلى الوصي ، عرشهُ ، عباءته التي تتسعُ للجميعْ ، نحولهُ وقامته التي لا يُعرف مداها حيثُ لم يُرَ أبداً إلاّ جالساً . تماماً حيثُ ينتصفُ الصيف ، يجتمعُ الخطاءون في مَطْهَرِ الوصي ، من يقرضُ ومن يرسمُ ومن يغنّي ... مسبحين بكهنوتهِ ، ومن كُلِّ أصقاع الشعر ـ فلا يفهم الحدّاث إلاّ التراجمُ ـ . القلوبُ الشتّى تأتلفُ على مائدتهِ .. الخصومُ يتصافونَ على محبّتهِ ، آلية الخسارة الدائمة رابحةٌ بحضوره ، ابتسامتهُ مبعث الرضى ، سقفُ بيته رحمه ، يتذكّرُ الجميع ... ولا يتذكّر أحداً ، فالتناقضُ بناءُ كيانه ومحتواه ، ستحشى الجرائد والكتب بأخبار الوصي وكرنفاله السنوي ، ولا بدَّ لتلك القرية اللابدة أبداً في تلك الخضرة الأزلية أن تتمدد بعمادة وصيّها على صفحات التاريخ .
3 ـ
غيرُ بعيدٍ عن الكرنفال .. " وفي شقّةٍ نصفُ مفروشةٍ " ، مالحة الهواء ، تتقشّرُ عن جدرانها وحشةُ الشيخ السّاكن فيها ، يقبعُ أبو لهب "متبوب اليدِ والصوتِ والوجه " ، شائخاً وسَئِماً حتّى الثمالة ، " ومن يعش ، ثمانين حولاً لا أبالك يسأمِ" عكازه مسوّداته التي فاض عليها خزان المياه ذات بلل ، والتي تراكمت خلال عقدٍ ونصف ، غضَّ الجميع أعينهم وقلوبهم عنها وحضنها عبث الشاعر الوحيد والمستوحش كإلهٍ ضَجِرْ .
علي الجندي .. كما الجميع أنا ، وبفارغ صبري سأنتظر موتك ، هيأتُ شارات الحداد والمراثي ، مناديل التلويح المطوية جيداً نظيفة ومعطرة ، فور سماعي بغيابك سأنفض الغبار عن كتبك لأستعيد أشعارك ، وسأدبج المراثي والمدائح , وكما قبل ألفي عامٍ خلت سأمارس كناطقٍ بالضاد هذه المثيولوجيا " الطللية " العريقة العرف في تاريخ العرب ، وكيف لا وقد غاب شاعر عظيم.
ولكن الآن .. من تُرى يجرؤ على تذكرك ، من يجرؤ أن يقول أن هناك شاعراً مركوناً ومهملاً ووحيداً بين اللاذقية التي لم تحفل تاريخياً بأبنائها الحقيقيين ، وبين مدينتك سلميه العاقة أبداً لأبنائها ، والمشغولة عنك وعن غيرك بعطشها الأزلي ، وبأبواب السماء ومن ملكوا رقاب العباد الموصدة جيّداً في وجهها .
ليس لك مكان يا أبا لهب في صحفِ القيء ، ولا في كرنفالات الصامتين عن سنوات الرعب في منافيهم الطوعية الفردوسية ، والعائدين الآن شيوخاً ببخورهم وعباءاتهم وأياديهم الملثومه ، وتلاميذ الأمس الأغبياء ، لم يسمعوا بك بعد ، أما الأصدقاء فقد تابوا وأنابو ، ـ كلٌّ إلى ربّهِ ـ ، وهيهات لتائبٍ أن يعرف أو يتعرّف على متبوب اليد إذا كان قدّام ربّهِ مسؤولا .
وحيداً ستتأمل خزانة نسائك الفارغة عن آخرها ، هدأ غبار غزواتك ، وفتنتك بهتت ألوانها ، وعيناك المشتعلتان ناستا .... بلا يديك القابضتين على كلِّ ما تكوّر ، وبلا فمك إذ كان يدكُّ حصونهنَّ قُبلاً وشعراً ، ما عساك فاعل ؟ .
علي الجندي .. بعد قليل ، سَيُخرجُ الجميع رؤوسهم ، بعدّة الرثاء الكاملة والجاهزة ، وبكل أناقة ضميرهم المطعون بغيابك ، سيصطفون على قبرك جميعاً فرحين ، بأن غُبت وغابت معك جريمة صمتهمْ .
.. وحيداً في " مدار سرطانك " و " حمّاك الترابية " و " قصائدك الموقوتة " التي لم ولن يقربوها أبداً ، خشية انفجارها في وجوههم .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |