الانتصار على المشاكل بالمشاكل!
2012-01-08
صارت مقولة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن "الصفر مشاكل" التي وضعت تركيا استراتيجيتها للحركة بالمنطقة والعمل على أساس منها، مثيرة للسخرية. فحيثما التفت السياسيون والعسكريون الأتراك يجدون أكواماً من المشكلات تقف في وجوههم وتشلُّ حركتهم. هناك مشكلات مع إسرائيل ما تراجعت، ومشكلات متفاقمة مع سوريا، ومع المالكي بالعراق، ومع الأكراد، ومع أذربيجان، ومع الأرمن، ومع الروس، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع اليونان! وعندما مضى أوغلو إلى طهران قبل ثلاثة أيام أقرّ بوجود ثلاث مشكلات على الأقل يريد التحدث مع "الإخوة" هناك بشأن إيجاد مخارج منها: المسألة العراقية، والمسألة السورية، ومسألة التوتر المتصاعد بين الشيعة والسنة! ففي العراق زادت ضغوط المالكي على التركمان والسنة العرب بعد خروج الأميركيين مباشرة. وعاد "حزب العمال الكردستاني" إلى الحركة من جانب العراق ومن جانب سوريا. والعلاقات مع أكراد العراق مقبولة إلى حدما، لكنهم لايتابعون بعين الرضا الدخول العسكري التركي المتكرر إلى مناطقهم. وتركيا تعلم أنّ لإيران دوراً بارزاً ومتقدماً في مساعدة المالكي بالعراق، وقد تكون وراء حملته على خصومه السياسيين وفي طليعتهم الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية. ولدى الأتراك مشكلات ورهانات بالعراق ومعه. فمنطقته الكردية تعتمد في اقتصادها واتصالاتها على تركيا. والسنّة من عرب وتركمان تركيا هي مرجعهم. وتركيا تريد حدوداً مضبوطة لايستطيع "حزب العمال الكردستاني" اختراقها واستغلالها. ومن مصلحة تركيا قيام سلطة متوازنة بالعراق لا يُظلم فيها السنة والتركمان، ولا ينفصلُ الأكراد. والمفروض أن إيران التي تمتلك مصالح مشابهة، يمكنها التنسيقُ مع تركيا كما حصل خلال السنوات الماضية. لكن الواقع أن إيران صارت تعتبر العراق بعد الخروج الأميركي منطقة نفوذ خاصةٍ بها، وتريد استخدامه الآن لإقلاق أميركا وتركيا والسعودية والسُّنة، بحيث تردُّ الصاع صاعين بعد الضيق الذي نزل بها جرّاء التضييق الأميركي والأوروبي، وبسبب الثورة في سوريا، وانحشار "حزب الله" بلبنان، وابتعاد "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عنها بالتدريج. ولذلك لا أعتقد أنّ أوغلوا سوف يجلب معه تطمينات من طهران بشأن العراق. مع العلم أنه إذا لم يتعاون الأتراك والإيرانيون معاً، فإن الحل السياسي بالعراق ستتضاءلُ فرصُهُ، والعنف ستزداد وتائره.
وبالتأكيد لن يكون أوغلو أكثر توفيقاً بشأن سوريا في طهران ومعها. فقد أنفق الإيرانيون عدة مليارات من الدولارات لدعم نظام الأسد الذي يعاني ثورة شعبه عليه. ويقال إنهم أرسلوا العناصر والخبرات، هم والمالكي و"حزب الله"، وذلك لأن سوريا ،خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كانت ركيزة استراتيجية لطهران في المنطقة، ولن تدعها تضيع هكذا من دون بدائل أو خيارات. وقد راهنت تركيا طوال ست سنوات على إقامة علاقات وثيقة مع سوريا، دون أن يكون ذلك على حساب العلاقات مع طهران. وبلغ من "تفاني" تركيا في مساعدة الأسد، أنها قادت عملية تفاوض غير مباشر مع إسرائيل رجاء أن يؤدي ذلك إلى سلام يحرِّر الأرض السورية، ويغير موقع سوريا بالمنطقة. إنما منذ قامت الثورة السورية، فإنّ تلك العلاقات الوثيقة صارت نسياً منسياً! والحديث الآن بل، ومنذ خمسة أشهر، كيف تتدخل تركيا لحماية المدنيين بسوريا، وإعادة الاستقرار إلى ذلك البلد الواقع على حدودها!؟ طهران لن تتساهل ولن تتنازل شبراً في المسألة السورية، والتركي سيعود للتأكيد على أنه لن يتدخل إلا بقرار من مجلس الأمن. وإنما بخلاف إيران، تؤيد تركيا المبادرة العربية وتعتبرها الفرصة الأخيرة قبل التدويل، ويكون على طهران، إن أرادت مساعدة الأسد، نُصْحه بقبول المبادرة بالفعل، والتصرف على هذا الأساس، أو لا يبقى شيء يمكن تقديمه له شخصياً أو لنظامه.
ويُسمِي أوغلو التوتر الشيعي السني حرباً باردة، وهو يخشاها أشدّ الخشية، وطهران تعرف هذا الخطر وتتجنبه في العادة. لكنها استخدمته في السنوات الأخيرة بقصد إزعاج السعودية والعرب بعامة، وهي مضطرة لاستخدامه اليوم دونما غشاوة ولاغطاء، بل باعتباره حلفاً شيعياً مُمانِعاً لمواجهة الولايات المتحدة وأنصارها من العرب! وكانت طهران قد اعتادت طوال أكثر من عقد على سَتْر هذا التشيُّع المذهبي بتشيُّع سياسي عمادُهُ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وحركات "الإخوان المسلمين". وحتى عندما غزوا بيروت أو أشعلوا حرب غزة، وجدوا من المحسوبين على المسلمين السنّة من يدافع عن ذاك الاحتلال، بحجة أن كل ما يقوم به حزب المقاومة هو أمر سليم وصحيح ولا غبار عليه، والذين يعترضون على احتلال مُدُنهم واغتيال كبارهم هم عملاء لأميركا وإسرائيل! لقد قامت الثورات العربية، وامتدت إلى سوريا، واضطرت إيران التي رحّبت بالثورات الأولى، إلى إعلان وقوفها ضدها وبخاصة في سوريا. وخرج في وسائل إعلامها من يقول إن الولايات المتحدة هي التي صنعت وتصنع هذه الثورات! وهكذا ما بقي لإيران غير التنظيمات الشيعية التي أنشأتها والتي لاتخرج عن طوعها. وقد سمعتُ إيرانياً يقول إن الغدر من طبع العرب، وإلا فكيف تبرر "حماس" خروجها من سوريا، ومسارعتها للتفاوض (هي و"الجهاد") مع أبومازن، رغم أن المَغْرَفَة الإيرانية في أشداقهم من عقدين وأكثر! وعلى أيِّ حال لا تتردد إيران في القول الآن إن هناك جبهة شيعية صلبة مكوّنة من العراق ونظام الأسد و"حزب الله"! ومن الطبيعي ما دام الأمر كذلك، أن يحدث توتر شيعي سني بسبب الاستئثار بالسلطة، فكيف إذا أضيف لذلك هجوم مباشر ذو طابع طائفي أو سياسي طائفي مثلما فعل المالكي بالعراق، وبشار الأسد بسوريا، و"حزب الله" بلبنان!
سيحاول أوغلو أيضاً أن يحذّر الإيرانيين من مخاطر ازدياد النزاع الشيعي السني، والشواهد على ذلك كثيرة. فكلُّ يوم يسقط بالعراق عشرات في هجمات يُتَّهمُ بها سُنّةٌ أو شيعة. وكل يوم تُقصفُ المساجد بسوريا أو يُمْنعُ الناس من دخول الجوامع لإقامة صلاة الجمعة أو الجماعة خشية أن يخرجوا منها للتظاهر. وكل يوم تُهاجم وسائل الإعلام التابعة لـ"حزب الله" أو المتحالفة معه المسلمين السنة في لبنان، الذين يتضامنون مع الثورة السورية، بحجة أنهم من أنصار "القاعدة" أو سلفيين، وهم يتآمرون على المقاومة وعلى نظام الممانعة بسوريا!
ولستُ أدري كيف تكون الإجابة الإيرانية على مسألة الحرب الباردة الشيعية السنية. ربما ينكرون ذلك، أو يتهمون به السلفيين أو الجهات الأميركية المتآمرة. لكنهم في الواقع محتاجون إلى هذا "العَصَب" الآن بعد تراجع وسائل الضغط وتراجع تأثير الشعارات الفضفاضة، واستتباب وقائع جديدة في المنطقة. فقد سادت ثنائية على مدى أربعين عاماً طرفاها الاستبداديون والأصوليون المتطرفون. وكان الأميركيون يحاولون التحكم في الاستبداديين، وكان الإيرانيون وأنصارهم يمثّلون آمال الجماهير! وقامت الثورات فسقط الحكام، وذهب المتشددون المسلَّحون، ونزل الناس إلى الشارع، فاستغنينا عن الإيرانيين والأتراك الذين كانوا يصرُّون على المطالبة بحقوقنا نيابة عنا. لقد حضر صاحب الحق، فضاع الوكيل! ويكون على أوغلو وصالحي أن يعيدا حساباتهما!
اقرأ المزيد : وجهات نظر | الانتصار على المشاكل بالمشاكل! | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=63478#.TwlmWYOFRHk.facebook#ixzz1ir0X3auo
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |