السياسة الفلسفية للفارابي / لمحمد خاتمي / ترجمة ماجد الغرباوي
خاص ألف
2012-02-10
مثل الفارابي بداية التفكير الجاد في القضايا السياسية و ( المدنية ) في العالم الإسلامي، غير أنه انتهى – للأسف – بوفاته، إذ تلاشى التفكير الفلسفي في حقل السياسة بشكل كامل، و غادر المتأخرون فلسفة الفارابي، بعد أن صارت الفلسفة النظرية همهم الشاغل، ليهيموا بوادي ما وراء الطبيعة اللامتناهي. و أما من ظل وفيا للفكر السياسي فإنه تأثر بالسياسات التي كانت سائدة قبل الإسلام و تأسى بالتجربة السياسية للإيرانيين، فاضطر بدل التفكير بعقلانية في القضايا السياسية إلى تبرير السياسات الاستبدادية السائدة و مقارنتها بالنموذج ( الإيراني القديم ). و إذا تحدث عن ( سياسة المدن ) لم يتجاوز أفكار المعلم الثاني و فلاسفة الايونان القديم. و قد اقتصرت الجهود الفكرية بعد الفارابي على بيان و تبرير السياسة الجارية، حتى لم تستنكر على المستبد ممارسته، بل حلت محل الاستنكار صيغ الاقتراح، إذ طلب إليه مراعاة العدل و إنصاف الناس، لضمان استتباب السياسة القائمة على الاستبداد و دوامها على أرض الواقع، لا تغييرها تغييرا جذريا.
و الآن نعود إلى بيان أفكار الفارابي، كبير فلاسفة السياسة في التاريخ الإسلامي:
السياسة في رأي الفارابي قسم من الفلسفة، أو حلقة في مجموعة مترابطة و منسجمة يطرحها الفيلسوف ضمن منظومته الفلسفية.
و يدور الحديث في السياسة حول ما يجب أن يكون، و عن سلوك الإنسان في المجموع. أما ( ما يجب ) محاطا بالحقائق و مسبوقا بأوامر موجوة فهو السياسة في إطار نظام من القيم الموجودة أيضا، إلا أنها ضمن نظام الوجود المعقول. و يمكن أن يقال: إن مبادئ السياسة لدى الفا رابي هي: نتيجة مترشحة عن مقدماته في معرفة العالم و رؤيته الكونية، لذا فإن أي خلل في تلك المقدمات سيظهر أيضا في نظامه السياسي العظيم.
و قد اعتمد الفارابي خلال طرحه للفكر السياسي على تراث كبيري فلاسفة اليونان و فلاسفة التاريخ االبشري، أفلاطون و أرسطو، و التصورات السياسية لفيلسوف المسلمين، كأفكاره عن معرفة العالم التي هي من سنخ الفلسفات اليونانية. و يعتبر الفارابي، تواضعا و عرفانا بالجميل أفلاطون و أرسطو أئمته في الفكر بل أئمة جميع الحكماء، و يعتبر عمله العظيم ( إحياء للفلسفة )( 1 ).
و قد اختص الفارابي بهذا النمط من التفكير في الفلسفة في العالم الإسلامي، و كما أكدنا سابقا أنه بدأ و انتهى به تقريبا، و ما جاء بعده من أفكار سياسية تختلف عن سياسته المدنية، و هذا يتجلى في الكتابات السياسية للكتاب من الصنف الآخر:
" ... إذ انشغلوا فكريا بالعلاقات السياسية للمجتمع برغم أنهم ليبسوا مفكرين فلسفيين، و أغلب الكتاب إن لم يكونوا في خدمة السلطان كانت لهم علاقة بالسياسة العملية، من هنا يمكن أن يقالك إن لهؤلاء، خلافا للفلاسفة السياسيين، دورا كبيرا في تكوين النظام السياسي للبلاد، و تأسيس إيديولوجيته السياسية "( 2 ).
و أعتقد من الضروري مراجعة أبرز الرسائل السياسية التي تصدت لشرح و تفسير و بيان ( التغلب ).
و كتابا: ( السياسة المدنية ) و ( آراء أهل المدينة الفاضلة )، اللذان يدور فيهما البحث حول السياسة، هما أهم كتب الفارابي الفلسفية ( 3 ). و في كلا الكتابين يبدأ الفارابي بتراث الفلسفة القديمة، أي معرفة الوجود، و مبادئ و وجود الموجودات.. و يحاول المؤلف أن يستعرض فيهما نظاما نظاما محكما معقولا له سلسلة من المراتب. و يرى هذا الفيلسوف أن الإنسان موجود ضمن نظام عظيم، هو مركزه. و السبب الأول و الموجود المفضل فيه، هو خالق جميع الموجودات، لا شيء سوى التعلق بذاته السرمدية التي هي عين الوجود و الكمال اللامتناهي. و إنما يكون لوجود الإنسان و سعادته معنى ضمن هذا النظام العقلاني الشامخ. و هدف الفيلسوف بيان هذا المعنى و بيان طريق السعادة للإنسان.
و في بداية كتابه ( سياسة المدن ) يقسم المؤلف سلسلة مبادئ الموجودات العالية إلى ست مراتب ، هي:
1 – السبب الأول في المرتبة الأولى.
2 – الأسباب الثانية في المرتبة الثانية.
3 – العقل الفعال في المرتبة الثالثة.
4 – النفس في المرتبة الرابعة.
5 – الصورة في المرتبة الخامسة.
6 – المادة في المرتبة السادسة ( 4 ).
ثم أخذ الفارابي في تعريف و توضيح كل واحدة منها حتى يصل إلى العقل العاشر ( العقل الفعال )، مدبر الحياة المادية و المعنوية للإنسان. و إنما يصل الإنسان إلى مراتب الكمال، و هو السعادة، بمفارقة النفس للجسم من غير حاجة إلى أمور مادية و جسمانية :
" و العقل الفعال، فعله العناية بالحيوان الناطق و التماس تبليغه أقصى مراتب الكمال لدى الإنسان أن يبلغه، و هو السعادة القصوى، و ذلك أن يصير الإنسان في مرتبة العقل الفعال، و إنما يكون ذلك بأن يحصل مفارقا للأجسام غير محتاج في قوامه إلى شيء ىخر مما هو دونه من جسم أو مادة أو عرض ... " ( 5 ).
هوامش :
1 – الفلسفة المدنية للفارابي ، مصدر سابق، ص 210 .
2 – طباطبائي، السيد جواد، در آمد فلسفي بر تاريخ أنديشه سياسي در إيران، دفتر مطالعات سياسي و بين المللي، 1988 م ، ص 19 .
3 – و كلا الكتابين نقلهما إلى الفارسية د. سجادي. و هذان الكتابان مصدرا بحثنا حول سياسة الفارابي، و ربما استفدنا أيضا من تراثه الآخر.
4 – الفارابي، أبو نصر، السياسة المدنية، منشورات الزهراء، 1987 م ، ص 31 .
5 – المصدر نفسه ، ص 32 .
من كتاب الدين و الفكر في شراك الاستبداد – لمحمد خاتمي – ترجمة ماجد الغرباوي – منشورات دار الفكر بدمشق بترخيص من مكتب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية . 2001 . ص 149 – 152 .
.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |