من ديوان ديك الجن الحمصي - جمع و تحقيق : مظهر الحجي
خاص ألف
2012-02-17
قال ديك الجن يفتخر :
1 – إنَّي بِبَابِكَ لاوُدِّي يُقَرِّبُني
ولا [ نَسِيبِيَ يَعْلُو بِي ] ولا نَسَبِي
2 – إنْ كَانَ عُرْفُكَ مَذْخُوراً لِذِي سَبَبٍ
فَاضْمُمْ يَدَيْكَ على حُرٍّ أَخِي سَبَبِ
3 – أَوْ كُنْتَ وافَقْتَهُ يوماً على نسَبٍ
فاقْبِضْ يَدَيْكَ فإنِّي لَسْتُ بالعَرَبِي
4 - إني امْرُؤٌ نازلٌ في ذِرْوَتَيْ شَرَفٍ
لِقَيْصَرٍ ولِكسْرَى مَحْتِدِي وأَبِي
5 - فإنْ تَجُدْ تَجِدِ النُّعْمَى وتَحْظَ بها
وإنْ تُضِقْ لا يَضِقْ في الأرضِ مُضْطَرَبِي
6 - حَرْفٌ أَمُونٌ ورَأْيٌ غيرُ مُشْتَرَكٍ
وصَارِمٌ من سُيوفِ الهِنْدِ ذُو شُطَبِ
7 - وخَوْضُ لَيْلٍ تَهابُ الجِنُّ لُجَّتَهُ
ويَنْطَوي جَيْشُها عن جَيْشِهِ اللَّجِبِ
8 - ما الشَّنْفَرى وسُلَيْكٌ في مُغَيِّبَةٍ
إلاّ رَضيعا لِبَانٍ في حِمىً أَشِبِ
9 - وَاللهِ رَبِّ النَّبِيِّ المُصْطَفَى قَسَماً
بَرّاً ،وحَقِّ مِنىً والبَيْتِ ذِي الحُجُبِ
10 - والخَمْسَةِ الغُرِّ أَصْحابِ الكِسَاءِ
مَعاً خَيْرِ البَرِيَّةِ مِنْ عُجْمٍ ومِنْ عَرَبِ
11 - ماشِدَّةُ الحِرْصِ مِنْ شَأْنِي ولا طَلَبِي
ولا المَكَاسِبُ مِنْ هَمِّي ولا أَرَبِي
12 - لكنْ نَوائِبُ نابَتْنِي وحادِثَةٌ
والدَّهْرُ يَطْرُقُ بالأَحْداثِ والنُّوَبِ
13 - وليسَ يَعْرِفُ لِي قَدْرِي ولا أَدَبِي
إلاّ امْرُؤٌ كانَ ذَا قَدْرٍ وذَا أَدَبِ
14 - لا يُفْلِتَنَّكَ شُكْرِي إذْ ظَفِرْتَ بِهِ
فإنَّها فُرْصَةٌ وافَتْكَ مِنْ كَثَبِ
15 - وَاعلَمْ بأنَّكَ ما أَسْدَيْتَ مِنْ حَسَنٍ
عِنْدِي [أَبا حَسَنٍ أَبْقَى] مِنَ الذَّهَبِ
مناسبة هذه القصيدة :
جاء في (تاريخ دمشق ): ج 42/ 237 – 238 " حَدَّثَنا أَبُو مُوسَى قال: كنتُ عند أَحْمَدَ بنِ المُدَبِّرِ بدِمَشْقَ، وهو يَليها وأَعْمالاً مُضَافةً إليها، لابْنِ طُولُونَ، فقَدِمَ علينا عبدُ السَّلامِ بنُ رَغْبَانَ، المعروفُ بديكِ الجِنِّ، فدفعَ إليَّ شِعْراً، وقال: تُوصله إلى أبي الحَسَنِ - وكان قد أقامَ ببابه أيّاما فلم يَصِلْهُ – فأوصلتهُ، فقرأهُ أَحْمَدُ، فإذا فيه: إني ببابكَ … (الأبيات ). فلما قرأ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُدَبِّرِ الشعرَ قال: أُريد أن أَوْلَعَ به. فوَقَّعَ في ظهر الرُّقْعَةِ:
- ما عندنا شيءٌ فنُعْطِيهِ
ولا يَفِي بالشُّكر شُكْرِيهِ
- فإنْ رَضِي بالشِّعْرِ عن شِعْرِهِ
عارَضْتُ في حُسْنِ قَوافِيهِ
- وإنْ يكنْ تَنْفَعُهُ دَعْوَةٌ
دَعَوْتُ رَبِّي أنْ يُعَافيهِ
- وإنْ رَضِي مِنَّا بِمَيْسُورِنا
أَمَرْتُ يَحْيَى أَنْ يُفَدِّيهِ
وأمرني بإخراج الأبيات إليه، فلما قرأها قال: والله لأُصَيِّرَنَّ باطنَ أُمِّه ظَاهِرَها، فقلتُ له: لا تَعْجَلْ، فإنَّهُ مازَحَكَ، وسترى ! ثم أَذِنَ لهُ، وخَلَعَ عليه وعاشَرَهُ وأَحْسَنَ إليهِ. وتَتَابَعَتْ صِلاتُه لَهُ، وانصرفَ وهو أَشْكَرُ النَّاسِ لَهُ ".
أما عن اسـمه ونسبه ولقبه :
هو عبدُ السَّلامِ بنُ رَغْبَانَ بنِ عبيد السلامِ بنِ حَبيب بنِ عبدِ الله بنِ رَغْبَانَ بنِ يزيدَ بنِ تَميم بن مَجْد، أبو مُحمد الكَلْبِيُّ، الحِمْصِيُّالسَّلَمانيُّ، الشِّيعيُّ، الشاعرُ المعروف بدِيكِ الجِنِّ .
إن كتب التراث تتّفق على اسمه، كما تتفق على نسبه، باستثناء جده (يزيد)، لأنه جاء في بعضها ( زيد ) ، و ( مزيد ) في بعضها الآخر. ولكنها لا تجمع كلها على لقب ( الكلبيّ )، بل تنفرد كتب المتأخرين بذكره، وهذا يحتاج الكثيرَ من التدقيق والتأمّل، لأن المشهور أن جَدَّه الأعلى ( تميماً ) هو من ( مُؤْتَة )، وأكبر الظن عندي أن المتأخرين استخلصوا هذا اللقب من قصيدته التي يفتخر فيها بقبيلة ( كَلْب )، والتي يقول في مطلعها :
كَلْبٌ قبيلي وكلبٌ خيـرُ مَنْ وَلَدَتْ حَوَّاءُ من عَـرَبٍ غُـرٍّ ومِن عَجَمِ
والمرجّح عندي أن افتخاره بقبيلة ( كَلْب ) لا ينبع من انتمائه إليها على الحقيقة،
وقد غلب عليه لقب " دِيكُ الجِنِّ " حتى كاد يطمس اسمه، فأصبحت معظم كتب الأدب تستغني بذكر اللقب عن ذكر اسمه، لأنه أصبح معروفاً به، ومشتهراً شهرة بالغة. وقد ذكرت كتب التراث أسباباً عدة لغلبة هذا اللقب عليه.
والسبب الأول : إدمانه الخروج إلى البساتين في ظاهر حمص.
وقد ربط هذا التعليل بين عبد السلام وبين دُوَيِّبَة صغيرة اسمها ( دِيكُ الجِنّ ). يقول الدُّمَيْرِيّ : " ديك الجن دويّبة توجد في البساتين، إذا أُلقيتْ في خمر عتيق حتى تموت. وتُترك في محارة. وتسد رأسها وتدفن في وسط الدار، فإنه لا يوجد فيها شيء من الأَرَضَة. ".
والسبب الثاني : الألوان.
وقد ربط هذا التعليل بين ألوان الديك المتنوعة وبين عيني عبد السلام الملوّنتين، فشُبِّه بالديك لتلوّن عينيه. ففي ( تاج العروس ) : " والديك أيضاً : الربيع في كلامهم. كأنه لتلوّن نباته. فيكون على التشـبيه بالديك. وديكُ الجِنِّ. لقب عبد السـلام بن رغبان الحمصيّ الشاعر المشهور. وفي (تاريخ دمشق) : " وكانت عيناه خضراوين. ولذلك سُمي ديكَ الجِنِّ ". وقد اتكأ ( الزركلي ) في ترجمته للشاعر. على هذا التعليل، فقال"سُمي بديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين"ـ.
والسبب الثالث : ذكرُه الديكَ في شعره .
فقد ورد في كتاب ( سرور النفس ) : " عبد السلام بنُ رغبانَ ديكُ الجن يرثي ديكاً لأبي عَمْرو عُمير ابن جَعفر، كان لـه عنده مدة، فذبحه وعمل عليه دعوة. وبها لقب ديك الجن ". ثم يذكر الأبيات ومنها :
دعانا أبو عَمْرٍو عُمَيْرُ بنُ جَعْفَرٍ على لحمِ ديكٍ دعوةً بعد موعدِ
فقدَّمَ ديكاً عُدْ مُلياً مُلَدَّحاً مُبَرْنَسَ أثيابٍ مُؤَذّنَ مَسْجدِ
وقد اتكأ الشيخ محمد السَّماوي، أول جامع لشعره، على هذا التعليل .
والسبب الرابع : جنونه وتقليده صوت الديك .
وقد ورد هذا السبب في كتاب ( نَفْحة اليمن )، في خبر مطول يروي لقاء الخليفة الرشيد بغلام ذميم ضعيف البدن يحفظ ثياب رفاقه وهم يلعبون، وكان ينشد شعراً ومنه :
قـولـي لطَيْفِـكِ يَـنْثَنـي عـنْ مُقْلَـتـي عـند الهُجـوعْ
ويعجب الرشيد بالغلام وشعره. ويسأله تغيير القافية، لأنه شكّ أن يكون الشعر له. فلما غيرها مرتين، سأله عن اسمه، فحمل ثياب رفاقه وصاح : قاق، قاق " فعلم الرشيدُ أنه ديكُ الجِنِّ ". وواضح أن هذه الرواية من صنع المتأخرين لأنه لم يُعرف عن ديك الجن أنه ضعيف، ذميم، أو مجنون، وما عرف عنه أنه دخل بغداد قطّ .
وباستثناء خبر جنونه فإن كل سبب من الأسباب الثلاثة المذكورة آنفاً يصلح ليكون تعليلاً مقبولاً لتسميته بهذا اللقب. لأن هذه الأسباب مرتبطة بالشاعر بشكل أو بآخر؛ بلون عينيه. أو بما أُثر عنه من خروج إلى البساتين، أو بما ورد على لسانه في رثاء الديك.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |