كيف لا أثور!
خاص ألف
2012-03-03
كيف لا أثور، وكلُ ما فيّ يُوشي بستناي*، ربةً تكورت بي عند ضفة نهر الكوبان، كشفت عن مرمر رقبتها، كتفيها، صرتها، فخذيها، فافترش راعيها العشب نداوةً لجسديهما، لإلتواءاتهما، لحفيفهما، رغبةً لا موضع حجر.
كيف لا أثور، وأنا وليدةُ حبٍ طارىء منه الغوايات والنزوات، جيوبي، أصابعي، أغنياتي، تكدست فوق رفوف الذاكرة، بين حين وحين تعطس بياض الغبار.
كيف لا أثور، ومِرجلي الحانق عبثاً، يغلي من وراء سطوحه، يمزج في قيعانه النبع والدم ورفات النارتيين*، على أرضي يرتفع الشوح أزرقاً مخثراً بعثرات الرحيل.
كيف لا أثور، وسُفن أسلافي على عواتي البحار حُرقت، ذيلُ شراعِ التيه كفّنني، قبلاتُ الوداعِ افترستني، خنجرٌ شركسي هوى وانزرع في خاصرتي، دميةٌ غارقة احتضنتني، فعرّشت على أذنيّ صَدَفَتين، لعنةً، تمورُ بقصائد الأولين.
كيف لا أثور، وغصنُ دربٍ مهجور انتزع مني النوازع، هناك، في النفق المرئي، نُفق حبيبي وطفلي وأبي وأخي وجدي جيفةً، عطراً مسحوقاً، صدىً مخنوقاً، يَرِّن فوق ترابها، صلاةً، خُلخالُ الريح.
كيف لا أثور ..
أَوَيتعجبني أحدكم؟
في ذاكرة حبة صقيع بضعٌ من آلاف سنين.
كيف لا ؟
والعرش يَضيق، الأشباح تستبيح، من جلودنا قصوراً وعرباتٍ وجارياتٍ وعباءاتٍ تُحيك، دماؤنا نبيذاً على موائدهم تنسكب، ومن أفواهم المستطيلة تسيل.
كيف لا أثور، السجون والأقبية تتلاطم، تُصلي، تُكّبر، تكفر، تشتعل، تنطفىء، تلمع ثم تُضيء.
كيف لا ؟
والعظام تتكدس فوق أطلال بيتٍ له طعم الحريق، الخبزُ يَئنُ، والأب في الشارع فوق جداول دمه يستغيث، لا يُغرينّك وجه الطفل المسيح، جفونه الُمسدلة لا تتنزه في حلم قصير، بل رصاصةُ جهالةٍ في قلبه تستريح.
كيف لا أثور، ومُدني نفضت عنها رواسب الليل الطويل، خلعت خمارها، فتقت أزرارها، كشفت عن عُرِّيها للحربة، للرصاصة، للقذيفة، للمدفعية وقامت، أهازيجاً غزلت، مرثياتٍ علّقت ، والعالم عنها أصم .. أبكم .. أعمى، يُوليني المنافق ظهره، كلما شعبي للإبادة تَعرّض.
أَوَتسألني بعد .. كيف لا أثور؟
*ستناي ألهة الخصوبة عند الشركس، وتعني مانحة الروح وهي أم القفقاسيين جميعاً
*النارتيون هم الأبطال والحكماء في الأسطورة الشركسية
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
16-كانون الثاني-2021 | |
22-آب-2020 | |
14-آذار-2020 | |
16-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |