رسالة من أبي العلاء المعري لداعي الدعاة الفاطمي
خاص ألف
2012-03-04
تبادل أبو العلاء المعري مع المؤيد في الدين أبي نصر بن أبي عمران داعي دعاة الفاطميين خمس رسائل مفيدة حول فلسفته و اجتنابه أكل اللحوم. و هي آخر ما أملاه أبو العلاء من آثاره الأدبية. و فيما يلي مقتطفات من الجواب الأول على أول رسالة.
قال العبد الضعيف العاجز أحمد بن عبدالله بن سليمان:
.........
إن الله سبحانه يفعل الخير و الشر. فإن أبى ذلك رجع إلى ما يقوله المجوس من أن للعالم خلقين: أحدهما بردان و هو فاعل الخير، و الآخر أهرمز و هو فاعل الشر. و معاذ الله أن نقول هذه المقالة ، بل نكرم شرعنا، و نبسط في اتباعه ذرعنا.و لما توفي ابراهيم عليه السلام بكى عليه، فقيل: يا رسول الله أنت تنهانا عن البكاء. فقال: تدمع العين، و يخشع القلب، و لا نقول ما يسخط الرب، و انا عليك يا إبراهيم لمحزونون. أفموت ابراهيم مما كان النبي عليه السلام يراه خيرا أم شرا؟ و يقول القائل المجترئ: أفما كان من قتل الحسين و سمّ الحن، المشرد عن العين طيب الوسن، أخيرا أم شرا؟ فإن قال إنه خير، فعلام نلعن القاتل في صبح مساء، و نزعم أن سفنه في المآثم ذوات ارساء؟ و للباري عزت قدرته أسرار، وقف دونها الأبرار. و لعل هذه الأشياء مخفاة، إلى أن تقبض الحي وفاة. و كذلك الذين قتلوا يوم أحد شأنهم مشكل، و النظر في حديثهم يشكل.
أفقتل حمزة حسب مما يحمد، أم هو عبرة للعين و رمد؟ و الحديث المشهور أن الغزاة لملا رجعوا إلى المدينة بكت النساء على قتلاها فقال صلى الله عليه و سلم " لكن حمزة لا بواكي له " فصار النساء يبدأن ببكاء حمزة ثم ينتقلن إلى من فارقهن. و قال كعب بن مالك الأنصاري:
صفية قومي و لا تعجزي و بكي النساء على حمزة
و لا تتركي أن تطيلي البكا ء على أسد الله في الهزة
و البكاء إنما يحدث من الحجزن ، و ان الأيام لكثيرة المحن.
و لم يزل من ينتسب إلى الدين يرغب في هجران اللحوم، لأنها لا يوصل إليها إلا بالإيلام لحيوان، يفر منه في كل أوان. و ان الضانية لتكون في محل القوم و هي حامل ( 1 )، فاذا وضعت و بلغ ولدها شهرا أو نحوه اعتبط فأكل نحضه و رغبوا في اللبن، و لم يعتدوا ذلك من الغبن. و باتت أمه ناغية، لو تقدر لسعت له باغية.
و قد تردد في كلام العرب ذكر ما يلحق الوحشية من الوجد، و ترددها من الغلة يغور و نجد. و كذلك ولد الناقة إا فقدت الفصيل، ذكرته غداتها و الأصيل.
كما قال القائل :
فما وجدت كوجدي أم سقب أضلته فرجعت الحنينا
و لا شمطاء لم يترك شقاها لها من تسعة إلا جنينا
و قال الآخر:
فما وجد أظآر ثلاث روائم أصبن مجورا من جوار و مصرعا
يذكرن ذا الشجو الحزين بشجوه إذا ناحت الأولى سجعن لها معا
بأوجد مني يوم فارقت مالكا فأصبحت محزونا لذاك مفجعا
و قال الآخر:
كأن قتود ( 2 ) رحلي يوم ضمت حوالب غرّرزا و معىً جياعا
على وحشية خلجت خلوجا و كام لها طلا طفل فضاعا
فكرت عند فيقتها إليه فألفت عند مربضه السباعا
لعبن به فلم يتركن إلا إهابا قد تمزق أو كراعا
شبه ناقته في سرعتها و ترددها بالوحشية المفجوعة بولدها، لأنها نهاية في الأسف و القلق. و قال أبو ذؤيب الهذلي:
أودى بنيّ و أعقبوني حسرة بعد الرقاد و عبرة ما تقلع
فالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك، فهي عور تدمع
أفهذا خير أم شر؟ و قال أبو ذؤيب ( 3 ) أيضا:
فدع عنك هذا و لا تبتهج لخير، و لا تبتئس عند ضرّ
و خفض عليك من االحادثا ت و لا تلفين كئيبا بشر
فان الرجال إلى الحادثا ت فاستبقين أحب الجزر
أبعد ابن عجزة ليث العريـ ن أمسى كأن لم يكن ذا نفر
و هم سبعة كعوالي الرما ح حسان الوجوه لطاف الأزر
فيقال ان ابن عجرة قتل له سبعة بنين في وقت واحد. و قد قيل ان أبا ذؤيب كان له سبعة بنين فشربوا من لبن قد شربت منه حية ثم قاءت فيه فهلكوا في يوم واحد.
و للسائل أن يقول: ان كان الخير لا يريد ربنا عزت قدرته سواه فالشر لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قد علم به، و إما أن يكون غير عالم به ( و نعوذ بالله من هذه المقالة ). فإن كان عالما به فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون مريدا له، أو غير مريد. فإن كان مريدا فكأنه الفاعل كما أن القائل يقول: قطع الأمير يد السارق، فالأمير قطعها إلا أنه لم يل ذلك بنفسه. و إن كان غير مريد له فقد جاز عليه ما لا يجوز مثله على أمير في الأرض له نظراء كثير، لأنه اذا فعل في ولايته شيء لا يرضاه نكره أشد النكير، و أمر بزواله عن غير. هذه العقد قد جهد في حلها المتكلمون من أهل الشرائع فلم يجدوا لها انحلالا، و أصبح مقالهم ضلالا.
هوامش الناشر :
1 – كانت في الأصل حائل.
2 – رواية اللسان بمادة غرز : لسوع.
3 – كانت في الأصل أبو زيد.
منشورات المطبعة السلفية و مكتبتها. القاهرة. 1349 .
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |