قدم ھاني السباعي مشروعه بتعديل قانون الانتخاب، فأحاله المجلس إلى لجنة الداخلیة لدراسته، وعندما شعرت الحكومة بخطر موافقة اللجنة على المشروع، لجأت إلى الاستعانة بعدد من "المثقفین" للاشتراك في أبحاث لجنة الداخلیة كخبراء، أذكر منھم الدكتور منیر العجلاني، والدكتور أحمد السمان، وسھیل الخوري، وسیف الدين المأمون وفريد زين الدين، وكانت مھمة ھؤلاء اقناع لجنة الداخلیة بأفضلیة بقاء قانون الانتخاب على درجتین.
وعلى الرغم من أنني لست عضوا في لجنة الداخلیة، فقد حضرت اجتماعاتھا التي بلغت اثني عشر اجتماعا، واشتركت مع ھاني السباعي ورئیف الملقي بالرد على حجج ھؤلاء "الخبراء" ( يجوز حضور النائب غیر العضو اجتماعات اللجنة البرلمانیة ولكن لا يحق له التصويت ).
كان نظام القوتلي في حذر شديد من تعديل قانون الانتخاب، ومن تطبیق الخدمة الالزامیة، وقد تحايل على ھذا المطلب الشعبي الى ما بعد حرب 1948 ، أما تعديل قانون الانتخاب، فكان لا بد من إقراره بعد أن اقترب موعد الانتخابات العامة.
فشلت جهود ( الخبراء ) أمام الضغط الشعبي وردود نواب المعارضة فبدا للحكومة أن تقوم بتسوية، بأن تجعل الانتخابات في المدن على درجة واحدة وفي الريف على درجتین، لتظل محتفظة بالأكثرية النیابیة الموالیة، ولكن ھذه المحاولة فشلت أيضا.
تلي تقرير لجنة الداخلیة في جلسة 16 – 12 – 1946 الذي تقول فیه انھا "عقدت 12 جلسة متتابعة مع العلماء والخبراء. وفي جلستھا الأخیرة في نفس الیوم رأت ان تتقدم إلى المجلس الكريم مبینة له خطورة ھذا القانون لما له من مساس مباشرة بحقوق الشعب وما يجري تأمینه من العدل بین أفراد الأمة بممارسة ھذا الحق والقیام بما يفرضه من واجب مع المحافظة على مصالح الدولة ... ولما كان وزير الداخلیة حضر في ھذه الجلسة وأفاد بأن الحكومة لم تبت برأيھا بعد وأنھا بحاجة لمدة أسبوع آخر تعتقد أنھا كافیة لاتمام دراستھا وتكوين فكرتھا النھائیة لھذا القانون... ولذلك فإن اللجنة قررت بأكثريتھا أن تطلب إلى المجلس أن يمھل الحكومة مدة ھذا الاسبوع ".

انحلال حكومة الجابري في غیابه

رفع خالد العظم رئیس الوزراء بالوكالة في صباح السبت 21 – 12 – 1946 و الورزاء استقالتھم، فقبلھا رئیس الجمھورية وطلب إلیھم تصريف الأمور ريثما تتشكل وزارة جديدة. ويشیر خالد العظم في مذكراته الى ھذه الاستقالة بما يلي :
" أرسل القوتلي محسن البرازي إلى الاسكندرية لیجتمع بالسید سعدالله الجابري، ويأخذ منه كتاب الاستقالة، فقابله الجابري باشمئزاز، وحمله رسالة شديدة اللھجة إلى القوتلي لأنه استعجل في طلب الاستقالة، معتبرا أن ذلك دلیلا على القنوط من شفائه، مما يؤدي إلى انھیار مقاومته المعنوية للمرض، ومع ذلك وضع الأمر تحت تصرف القوتلي" ( 329 الجزء الأول).
ولا شك أن استقالة الحكومة على ھذا الشكل، كانت أحد الأسباب التي جعلت أكثرية أعضاء لجنة الداخلیة تقرر مبدأ الانتخاب على درجة واحدة.
ولكن ھذه الحكومة لم تشأ أن تنحل دون أن تسدد آخر ما في جعبتھا من سھام مسمومة، إذ كان آخر ما اتخذته من مراسیم تعطیل جريدة البعث شھرا كاملا "لنشرھا مقالا يثیر الرأي العام".
كما ارتكب وزير الدفاع أحمد الشرباتي مخالفة شنیعة بقبول ثلاثة طلاب بالكلیة العسكرية لا يحملون - كما يقضي نظام الكلیة - شھادة الدراسة الثانوية فقدم طلاب الكلیة العسكرية استقالتھم، احتجاجا على ھذه المخالفة، وھكذا "لعبت ھذه المداخلات والتوصیات دورا رئیسیا، وفي أخطر مكان يمس حیاة الأمة وشبابھا المثقف في الكلیة العسكرية التي أنشئت لكي تقدم لنا ضباطا يؤمنون بالقیم" ( جريدة الیقظة ).
بعد أن فشل نظام القوتلي بفرض ديكتاتوريته المقنعة فشلا ذريعا، لم ير أمامه بدا من التراجع أمام صلابة المعارضة وعنف الانتفاضة الشعبیة، فتألفت الحكومة الجديدة برئاسة جمیل مردم على أساس التراجع قلیلا إلى الوراء.
وفي نفس الیوم الذي تشكلت فیه الوزارة، وھو28 – 12 – 1946 أوعز صبري العسلي لتوفیق حبوباتي أن يعتدي على أحمد علوش رئیس تحرير الیقظة وكان السبب المباشر لھذا الاعتداء، ما نشرته الیقظة قبل يوم تحت عنوان : "ھزل الدھر مرة " وھو مقال انتقادي لاذع فیه إشارة إلى نادي الصفا، لصاحبه توفیق حبوباتي، دعامة صبري العسلي ومفتاحه الانتخابي والسیاسي في الأحیاء الدمشقیة، وقد كان نادي الصفا، كما أصبح فیما بعد نادي الشرق وفندق بلودان، مقرا لمقالب صبري العسلي السیاسیة ومباذله الشخصیة، ولذلك اعتبر التلمیح لنادي الصفا قضیة تمسه شخصیا. وبینما كان أحمد علوش يھم بدخول دار جريدة الأيام فاجأه من ورائه شخص عرف فیما بعد أنه يدعى محمود الدرويش، فأخذ يضربه على رأسه بحجرين مدببین أنتجا جرحا عمیقا في رأسه، وقد بادر من كان في دار الأيام إلى اللحاق به، فقبضوا علیه وسلموه للشرطة، وبعد أن أجرى الطبیب الشرعي المعاينة أعطى السید علوش تقريرا بعشرين يوما للتداوي، وإثني عشر يوما يتعطل خلالھا عن العمل . ولیس من قبیل الصدفة، أن يشترك المعتدي محمود الدرويش نفسه باغتیال رفیقنا الشھید الشیخ عادل العلواني، بعد ثلاث سنوات، مما سآتي على ذكره بالتفصیل، ولا شك عندي بأن ھذا المجرم كان عمیلا للمخابرات البريطانیة.
كما أنه لیس من باب الصدف، أن يبعث إلینا مراسل الیقظة بحماه الاسبوع نفسه بما يلي:
أمّ حماه المیجر ھارفي بصحبة المیجر داردن باللباس المدني، وقد أقام لھما نائب حماه نجیب البرازي حفلة غداء في قصره ضمن الاصدقاء والمحبین. والذي علمته أن المستر دردن عاد حديثا من السودان بعد أن قام ببعض الأعمال الفنیة !! فھل في سورية ما يشبه الأوضاع في السودان أو مجال لخبرة المستر داردن؟ أم أنه ألف شركة متعددة الحلقات في الوطن العربي يعمل الآن لربط حلقاتھا ببعضھا ؟ . "