Alef Logo
نص الأمس
              

من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

ألف

خاص ألف

2012-03-11

ذكر خبر عمر بن أبي ربعية ونسبه
نسب عمر بن أبي ربيعة
هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. ويكنى عمر بن أبي ربيعة أبا الخطاب . وكان أبو ربيعة جده يسمى ذا الرمحين سمي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.
أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي ذا الرمحين لذلك.
وأخبرني بذلك أيضا علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري والمدائني والمسيبي ومحمد بن سلام، قالوا: وفيه يقول عبد الله بن الزبعرى:
ألا لـلـه قــوم و لدت أخت بني سهم
هشام وأبـو عـبـد مناف مدرة الخصم
وذو الرمحين أشبـاك على القوة والحـزم
فهــــذان يذودان وذا من كثب يرمي
أسود تزدهي الأقـرا ن مناعون للهضـم
وهم يوم عـكـاظ م نعوا الناس من الهزم
وهم من ولدوا أشبوا بسر الحسب الضخم
فإن أحلف وبيت الل ه لا أحلف على إثم
لما من إخـوة بـين قصور الشأم والردم
بأزكى من بني ريط ة أو أوزن في الحلم أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. وريطة هذه التي عناها هي أم بني المغيرة، وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاما وهاشما ربيعة والفاكه.
وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وجئته أطلب منه مغرما - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلا أن تقول: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فأبى علي وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليال. فأرسل إلي فقال: قل أبياتا تمدح بها هشاما - يعني ابن المغيرة - وبني أمية. فقلت: سمهم لي، فسماهم وقال: اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك. فقلت:
ألا لـلـه قــوم و لدت أخت بني سهم
قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، ولكن قل: قالها ابن الزبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبة في كتب الناس إلى ابن الزبعري.
قال الزبير: وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال: أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات:
ألا لـلـه قــوم و لدت أخت بني سهم
أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه. وزاد فيه عمر بن شبة: قال محمد بن يحيى: و أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم: هشام وهاشم وأبو ربيعة والفاكه، وعدة غيرهم لم يعقبوا، وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله:
صخب الشوارب لا يزال كأنه عبد لآل أبي ربيعة مسـبـع ضرب بعزهم المثل.
قال : وكان اسم عبد الله بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله، وكانت قريش تلقبه العدل ، لأن قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة، ويكسوها من ماله سنة، فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك.
وفيه يقول ابن الزبعري:
بحير بن ذي الرمحين قرب مجلسي وراح علي خيره غـير عـاتـم
وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.
وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجرا موسرا، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالا. وأمه أسماء بنت مخربة، وقيل: مخرمة، وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن. وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضا، فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة.
أخبرني الحرمي والطوسي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله بن مسعود - وقيل: بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطرا لها في نسوة، قالت: فسألت عنا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيده? تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرام علي أن أبيعك من عطري شيئا. قلت: وحرام علي أن أشتري منه شيئا، فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك، ثم قمت، ولا والله ما رأيت عطرا أطيب من عطرها، ولكني أردت أن أعيبه لأغيظها.
وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيرا، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟. فقال: لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس . واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها، فلم يزل عاملا عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا من رواية الزبير عن عمه. قال: وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان - رحمه الله - استعمله أيضا عليها.
أم عمر بن أبي ربيعة وأخوه الحارث الملقب بالقباع
وأم عمر بن أبي ربيعة أم ولد يقال لها مجد ، سبيت من حضرموت، ويقال من حمير. قال أبو محلم ومحمد بن سلام: هي من حمير، ومن هناك أتاه الغزل، يقال: غزل يمان، ودل حجازي.
وقال عمر بن شبة: أم عمر بن أبي ربيعة أم ولد سوداء من حبش يقال لهم: فرسان. وهذا غلط من أبي زيد، تلك أم أخيه الحارث بن عبد الله الذي يقال له: القباع ، وكانت نصرانية. وكان الحارث بن عبد الله شريفا كريما دينا وسيدا من سادات قريش.
قال الزبير بن بكار: ذكره عبد الملك بن مروان يوما وقد ولاه عبد الله بن الزبير، فقال: أرسل عوفا وقعد لا حر بوادي عوف . فقال له يحيى بن الحكم: ومن الحارث ابن السوداء فقال له عبد الملك: ما ولدت والله أمة خيرا مما ولدت أمه.
وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبير والمدائني والمسيبي: أن أمه ماتت نصرانية وكانت تسر ذلك منه. فحضر الأشراف جنازتها، وذلك في عهد عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فسمع الحارث من النساء لغطا، فسأل عن الخبر، فعرف أنها ماتت نصرانية وأنه وجد الصليب في عنقها، وكانت تكتمه ذلك. فخرج إلى الناس فقال: انصرفوا رحمكم الله، فإن لها أهل دين هم أولى بها منا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله.
نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء الغناء في ألا لله قوم ... الأبيات
ألا لـلـه قــوم و لدت أخت بني سهم
هشام وأبو عـبـد مناف مدرة الخصم
وذو الرمحين أشباك على القوة والحزم
فهـــذان يذودان وذا من كثب يرمي عروضه من مكفوف الهزج.
الغناء لمعبد خفيف رمل من رواية حماد.
رأي يزيد في غناء معبد وابن سريج
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمع أخبرنا المدائني عن رستم ابن صالح قال: قال يزيد بن عبد الملك يوما لمعبد: يا أبا عباد، أني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك، فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي، فقد أذنت لك. قال: يا أمير المؤمنين، لقد وضعك ربك بموضع لا يعصيك إلا ضال، ولا يرد عليك إلا مخطىء. قال: إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج: أجد في غنائك متانة، وفي غنائه انحناثا ولينا. قال معبد: والذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، وارتضاه لعباده، وجعله أمينا على أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، ما عدا صفتي وصفة ابن سريج، وكذا يقول ابن سريج وأقول، ولكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني ذاك عنده فعل. قال: لا والله، ولكني أؤثر الطرب على كل شيء.
قال: يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التام، فأغرب أنا ويشرق هو، فمتى نلتقي؟. قال: أفتقدر أن تحكي رقيق بن سريج؟. قال نعم، فصنع من وقته لحنا من الخفيف في:
ألا لـلـه قــوم و لدت أخت بني سهم الأربعة الأبيات.
فغناه، فصاح يزيد: أحسنت والله يا مولاي أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فرد عليه مثل قوله الأول، فأعاد. ثم قال: أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فاستخفه الطرب حتى وثب وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول:
يا دار دورينــي يا قرقر امسكيني
آليت منـذ حـين حقا لتصرمينـي
ولا تواصلـينـي بالله فارحمينـي
لم تذكري يميني قال: فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه، حتى خر مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يعقل ولا يعقلن، فابتدره الخدم فأقاموه وأقاموا من كان على ظهره من جواريه، وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت.
سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة
رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة بن صالح يقال له جوان ، وفيه يقول العرجي:
شهيدي جوان على حبها أليس بعدل عليها جوان
فأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال: جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد الله الحارثي وهو إذ ذاك أمير على الحجاز، فشهد عنده بشهادة، فتمثل:
شهيدي جوان على حبها أليس بعدل عليها جوان - وهذا الشعر للعرجي - ثم قال: قد أجزنا شهادتك، وقبله. وقال غير الزبير: إنه جاء إلى العرجي، فقال له: يا هذا ما لي وما لك تشهرني في شعرك متى أشهدتني على صاحبتك هذه ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا قال: وكان امرأ صالحا.
وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بكار بن عبد الله قال: استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة، فحمل على خثعم في صدقات أموالهم حملا شديدا، فجعلت خثعم سنة جوان تاريخا، فقال ضبارة بن الطفيل:
أتلبسنا ليلى على شعـث بـنـا من العام أو يرمى بنا الرجوان
رأتني كأشلاء اللجام وراقـهـا أخو غـزل ذو لـمة ودهـان
ولو شهدتني في ليال مضين لي لعامين مرا قبل عـام جـوان
رأتنا كريمي معشر حم بينـنـا هوى فحفظناه بحسـن صـيان
نذود النفوس الحائمات عن الصبا وهن بأعنـاق إلـيه ثـوانـي
ذكر حبش أن الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيل بالبنصر، وذكر الهشامي أنه لقراريط.
أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة قالوا: وكان لعمر أيضا بنت يقال لها: أمه الواحد وكانت مسترضعة في هذيل، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة - وقد خرج يطلبها فضل الطريق :
لم تدر وليغفر لها ربهـا ما جشمتنا أمة الواحـد
جشمت الهول براذيننـا نسأل عن بيت أبي خالد
نسأل عن شيخ بني كاهل أعيا خفاء نشدة الناشـد
مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب ووفاته وقد قارب السبعين
أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم - قال: أراه عن الحسن - قال: ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فأي حق رفع، وأي باطل وضع. قال عوانة: ومات وقد قارب السبعين أو جاوزها.
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال: كان عمر بن أبي ربيعة أكبر مني كأنه ولد في أول الإسلام.
عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام
أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر
حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترف من مترفي قريش فينشدك:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر
فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟. فقال: قال:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر
فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت قال: أجل وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحا. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئا قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: أمن آل نعم... فقال: إنا نستجيدها.
وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئا بعدنا? قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة:
فيضحى وأما بالعشي فيحضر قال: لا، بل:
فيخزى وأما بالعشي فيخسر قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده:
تشط غدا دار جيراننا وسكت، فقال ابن عباس:
وللدار بعد غد أبعد فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله – أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.
شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه
أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن إسحاق قال: كانت العرب تقر لقريش بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر، فإنها كانت لا تقر لها به، حتى كان عمر بن أبي ربيعة، فأقرت لها الشعراء بالشعر أيضا ولم تنازعها شيئا.
قال الزبير: وسمعت عمي مصعبا يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول. قال: وحدثني عدة من أهل العلم أن النصيب قال: لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة: ما يمنعك من مدحنا؟. قال: إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء. قال: وكان ابن جريج يقول: ما دخل على العواتق في حجالهن شيء أضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة.

قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضا إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطا، وأنشد:
لقد أرسلت جـاريتـي وقلت لها خذي حذرك
وقولي في مـلاطـفة لزينب: نولي عمرك
أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله قال: نعم وأستغفر الله.
قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حماد الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال: سمع الفرزدق شيئا من نسيب عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجل من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوما شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومر بهم حماد الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئا؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر.
قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شاب أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرة فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئا. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.
قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريرا فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئا. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.
قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيس، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأة قط شيئا لم تقله لي، وما كشفت ثوبا عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعا شديدا. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشة قط فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.
قال إسحاق: حدثني مصعب الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه، فإذا شيخ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له. فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما? فأخبرناه. فرحب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.
أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنة، ونسك أربعين سنة.
قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلام وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه. حتى فعل ذلك مرارا. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوك لي حر إن كنت كشفت عن فرج حرام قط فقمت وأنا متشكك في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبدا سوى غيرهم.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلة منزله وهو بفنائه ومعي دفتر، فقال: ما هذا معك؟ ودعاني. فجئته وقلت: شعر عمر بن أبي ربيعة. فقال: ويحك تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة إن لشعره لموقعا من القلوب ومدخلا لطيفا، لو كان شعر يسحر لكان هو، فارجعي به. قالت: ففعلت.
قال إسحاق : وأخبرني الهيثم بن عدي قال: قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء. فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه. فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها. فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحرمة. فألح عليها يكلمها، حتى خافت أن يشهرها. فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: أخرج معي يا أخي فأرني المناسك، فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها. فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها، فتمثلت المرأة بقول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامـي
قال إسحاق: فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال -وقد حدث بهذا الخبر-: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.
قال إسحاق: قال لي الأصمعي: عمر حجة في العربية، ولم يؤخذ عليه إلا قوله:
ثم قالوا تحبها قلـت بـهـرا عدد الرمل والحصى والتراب
وله في ذلك مخرج، إذ قد أتى به على سبيل الإخبار. قال: ومن الناس من يزعم أنه إنما قال:
قيل لي هل تحبها قلت بهرا نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها شعر عمر الذي غنى فيه المغنون منها ما يغنى فيه من قوله:
أمن آل نعم أنت غاد فـمـبـكـر غداة غـد أم رائح فـمـهـجـر
لحاجة نفس لم تقل في جـوابـهـا فتبلغ عذرا والـمـقـالة تـعـذر
أشارت بمدراها وقالت لأخـتـهـا أهذا المغيري الذي كـان يذكـر؟
فقالت: نعم لا شـك غـير لـونـه سر الليل يطوي نصه والتهـجـر
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخـصـر
أخا سفر جواب أرض تـقـاذفـت به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر
وليلة ذي دوران جشمتني السـرى وقد يجشم الهول المحب المغـرر
فقلت: أباديهم فـإمـا أفـوتـهـم وإما ينال السـيف ثـأرا فـيثـأر
هذه الأبيات جمعت على غير توال؛ لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعة. غنى في الأول والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن أحمد بن المكي وذكر حبش أن فيهما لمعبد لحنا من الثقيل الأول بالبنصر.
وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضا خفيف ثقيل بالوسطى، وذكر حبش أن فيهما لحنا من الهزج بالوسطى لحكم. وغنى ابن سريج في الخامس والسادس لحنا من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانه. وذكر يونس أن في السابع والثامن لابن سريج لحنا ولم يذكر طريقته، وذكر حبش أن فيهما لمالك لحنا من الثقيل الثاني بالبنصر.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي: أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال: متعني الله بك إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه، وقد قلت منه شيئا أحببت أن تسمعه وتستره علي. فقال: أنشدني، فأنشده:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر فقال له: أنت شاعر يا ابن أخي، فقل ما شئت. قال: وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكب، فوقف ومازال شانقا ناقته حتى كتبت له.
أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال: كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: هذا شعر تهامي إذا أنجد وجد البرد، حتى أنشد قوله:
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر
قليلا على ظهر المطية ظـلـه سوى ما نفى عنه الرداء المحبر
وأعجبها من عيشها ظل غـرفة وريان ملتف الحدائق أخضـر
ووال كفاها كل شيء يهمـهـا فليست لشيء آخر الليل تسهـر
فقال جرير: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.
أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله اليمامي قال حدثني الأصمعي قال: قال لي الرشيد: أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوحه السفر، فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجلا إذا ما الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فينحـصـر
أخا سفر جواب أرض تقـاذفـت به فلوات فهو أشـعـث أغـبـر ... الأبيات كلها.
قال: فقال لي الرشيد: أنا والله ذلك الرجل. قال: وهذا بعقب قدومه من بلاد الروم.
أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي: قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال: كان بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد الله بن معمر كلام، فسهرت ليلة فقالت: إن ابن أبي ربيعة لجاهل بليلتي هذه حيث يقول:
ووال كفاها كل شيء يهمهـا فليست لشيء آخر الليل تسهر
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن المدائني قال: عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرة، فمر به رجل من أهل الشأم معه ترس خلق سمج، فنظر إليه يزيد وضحك وقال له: ويحك ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك. يريد قول عمر:
فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: سمع أبو الحارث جميز مغنية تغني: أشارت بمدراها وقالت لأختهـا أهذا المغيري الذي كان يذكر؟
فقال جميز: امرأته طالق إن كانت أشارت إليه بمدراها إلا لتفقأ بها عينه، هلا أشارت إليه بنقانق مطرف بالخردل، أو سنبوسجة مغموسة في الخل، أو لوزينجة شرقة بالدهن فإن ذلك أنفع له، وأطيب لنفسه، وأدل على مودة صاحبته.
أخبرني الحرمي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطاف بن خالد الوابصي عن عبد الرحمن بن حرملة قال: أنشد سعيد بن المسيب قول عمر بن أبي ربيعة:
وغاب قمير كنت أرجو غيوبه وروح رعيان ونوم سـمـر
فقال: ما له قاتله الله لقد صغر ما عظم الله يقول الله عز وجل: والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow