من كتاب الفتوحات المكية لابن عربي
خاص ألف
2012-03-23
وصل في فصل العلم اللدنيّ والمكتسب
العلم علمان موهوب ومكتسب فالعلم الموهوب لا ميزان له والعلم المكتسب هو ما حصل عن التقوى والعمل الصالح وتدخله الموازنة والتعيين فإن كل تقوى وعمل مخصوص له علم خاص لا يكون الإله فثم من يتقي الله لله ومن يتقي الله للنار ومن يتقي الله للشيطان ومن يتقي الله لمن لا يتقي الله وكل تقوى لها عمل خاص وعلم خاص يحصل لمن له هذه التقوى فإنفاق الرجل على نفسه الذي له به صدقة هو ما يغذيها به من هذه العلوم المكتسبة التي بها حياته الأبدية في الدنيا والآخرة وذلك أن كل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ولا معروف إلا الله فلا أهل إلا أهل الله فالناصح نفسه من وقي عرضه فإنه من صدقاته على نفسه ووقاية العرض أن لا يجري عليه من جانب الحق لسان ذمّ لا غير فيكون محموداً بلسان الشرع وبكل لسان إلهيّ من ملك وحيوان ونبات ومعدن وفلك وكل ما عدا الثقلين وبعض الثقلين وهل يتصوّر أن يقي عرضه من جميع الثقلين هذا لا يتصوّر لأن الأصل الذي هو الله لم يق عرضه من ألسنة خلقه إلا أنه يمكن أن يرتفع عن العرض وإذا أمكن فقد وقي نفسه الذي هو عرضه أن يكون له أثر في نفسه لا إنه وقي عرضه أن يقال فيه وهو معنى قوله " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن أنفق ليبتني مجداً في ألسنة الخلق فهو لما أنفق فإن ابتنى إعادة الثناء على الله من حيث أنه آل الله فإن أنفق في هذا الشأن ولا يرى أنه المنفق وأنفق في معصية إبليس ولا يرى العصمة والإنفاق إلا من يد الله فمثل هذا يستثنى في كل إنفاق إذا كان هذا حاله وذوقه فلا يجد الثواب على من يعود إلى على معطيه فيد الله منفقة ويد الرحمن آخذة منها
فيد الله منفقة ... ويد الرحمن آخذة
فالتي للجود خالية ... والتي للعبد عاطلة
فصلت آياته عجبا ... وهي للأعيان الواصلة
لو تراها في تقلبها ... وهي في الأكوان جائلة
قلت أغراضي تصرّفها ... وهي بالبرهان ساكنة
ويؤيد ما ذكرناه ما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقي به رجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية ذكر هذا الحديث أبو أحمد من حديث جابر قال عبد الحميد وهو الذي روى عنه أبو أحمد قلت لابن المنكدر ما وقي به الرجل عرضه يعني ما معناه قال يعطي الشاعر وذا اللسان.
وصل في فصل بين العبودية والحرّية
إضافة الإنسان بالعبودية إلى ربه أو إلى العبودية أفضل من إضافته بالحرّية إلى الغير بأن يقال حرّ عن رق الأغيار فإن الحرّية عن الله ما تصح فإذا كان الإنسان في مقام الحرّية لم يكن مشهوده إلا أعيان الأغيار لأن بشهودهم تثبت الحرّية عنهم وهو في هذه الحال غائب عن عبوديته وعبودته معاً فمقام العبودية أشرف من مقام الحرّية في حق الإنسان والعبودة أشرف من العبودية وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا في حديث ميمونة بنت الحارث لما أعتقت وليدة لها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك فمقام العبودية رجح على ثواب الحرّية كما رجح الفقر إلى الله على الغنى بالله بعض أشياخنا حدثني عبد الله القلفاط بجزيرة طريف سنة تسعين وخمسمائة وقد جرى بيننا الكلام على المفاضلة بين الغنيّ والفقير أعني الغنيّ الشاكر والفقير الصابر وهي مسئلة طبوليه وانجرّ في ذلك حال الفقر والغنىّ فقال لي حضرت عند بعض المشايخ أو حكاها لي عن أبي الربيع الكفيف المالقيّ تلميذ أبي العباس بن العريف الصنهاجيّ قال وأنّ رجلين كان عند كل واحد منهما عشرة دنانير فتصدق أحدهما من العشرة بدينار واحد وتصدق الآخر بتسعة دنانير من العشرة التي عنده أيهما أفضل فقال الحاضرون الذي تصدق بالتسعة فقال بماذا فضلتموه فقالوا له لأنه تصدق بأكثر مما تصدق به صاحبه فقال حسن ولكن ننصكم روح المسئلة وغاب عنكم قيل له وما هو قال فرضناهما على التساوي في المال فالذي تصدق بالأكثر كان دخوله إلى الفقر أكثر من صاحبه ففضل بسبقه إلى جانب الفقر وهذا لا ينكره من يعرف المقامات والأحوال فإن القوم ما وقفوا مع الأجور وإنما وقفوا مع الحقائق والأحوال وما يعطيه الكشف وبهذا فضلوا على علماء الرسوم ولو تصدق بالكل وبقي على أصله لا شيء له كان أعلى فنقصه من الدرجة والذوق على قدر ما تمسك به ألا ترى ما قاله شيخنا أبو العباس السبتي رحمه الله في المحتضر يوصي بالثلث فإن المحتضر ما يملك من المال إلا الثلث فخرج عما يملك وما أبقى شيأ وأجاز له الشارع أن يتصدق بالثلث كله الذي يملكه وهو محمود في ذلك شرعاً فلقي الله فقيراً على حكم الأصل كما خرج من عنده رجع إليه صفر اليدين قال بعضهم في هذا المعنى:
إذا ولد المولود يقبض كفه ... دليل على الحرص المركب في الحيّ
ويبسطها عند الممات مواعظاً ... ألا فانظرني قد خرجت بلا شيّ
فكان أفضل ممن لم يتصدق بذلك الثلث الذي يملكه أو تصدق بأقل من الثلث وينوي بما يبقيه أنه صدقة على ورثته وفيه إشارة عجيبة.
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |