هل العرب امة قابلة للنهوض ؟
خاص ألف
2012-03-24
ليسمح لي القارئ العربي بداية في طرح السؤال التالي : هل العرب امة قابلة للنهوض ؟ السؤال في الواقع ومنذ وقت بعيد كان ينخر في دماغي دون هوادة ، وكنت في كل مرة احاول ان اعود الى ما يمكن ان استعين به من اجل اخماده ، ولكن وبسبب ضعف لا اعلمه ، او ربما نشوة زائفة تلاحقني ، كنت دوما اعود خائب المسعى حتى هذه اللحظة . لاجدني من جديد اعيد السؤال على نفسي وبكثير من الملل والارهاق ، هل نحن امة قابلة للنهوض ؟ انا في هذا المجال لا احدد انتمائي اليها اديولوجيا او عرقيا او جغرافيا على اقل تقدير ... ولكني احاول كشفه حضاريا لا غير . سوف لن اذهب بعيدا جدا في التاريخ لانطلق من اواخر القرن الخمس عشرة واوائل القرن السادس عشرة ، اي من نهاية نهاية الاندلس وبداية التمدد العثماني في الشمال الافريقي .حيث كما هو معلوم ان المسلمين الاندلسيين قد هجروا بالقوة الى هذه المنطقة ليستقروا فيها كلاجئين لمدة من الزمن على امل ان يعودوا في يوم رجوه قريبا وهم يحتفظون بمفاتيح مساكنهم التي تركوها خلفهم ( وهذه حقيقة اعلمها من فم الاباء والاجداد وهم لم يسمعوا لا بالقومية العربية ولا بذكرى الخروج ، ولا كم مضى عليه من الزمن الى حدود ثلاثين سنة مرت ... المفاتيح في الخزائن تورث معك جملة واحدة : متع دارنا في غرناطة ) وينتضرون ان تسعى السلطنة من اجل ان تعيد لهم ارزاقهم وشيئا من حلمهم المتهالك على بعضه البعض . ولا ياتي ذلك اليوم ، لا لشيء الا لان موسم الازهار الحضاري ضل آفالا طيلة الحكم العثماني والذي لم يحاول ولو مجاراة ريه فهو قد قدم كما كل الفاتحين لبدان العالم ان ينسخ الموجود بما هو معه ، بداية من اللغة ووصولا الى الحاكم او النائب ذاته ... قد تكون هذه سنة الفتوحات ، ولكن ما لم يكن متفقا معها ابد هو ان الحاكم والعسكر والجباية والمذهب الديني ، ونمط العيش ، وما نسميه الان التقاليد ضلت مزدوجة في الايالة الواحدة ، بمعنى ان الاتراك في تونس مثلا لهم مذهبهم الفقهي والاهالي لهم مذهبهم ، الاتراك لهم لغتهم والاهالي لهم لغتهم ، الاتراك لهم نمط عيشهم وكذلك الاهالي ، الاتراك لهم عسكرهم النضامي والاهالي لهم امنهم الشعبي ... اما المنتوج الثقافي فلم يكن ليرتقي الى التميز من الجهتين لسبب بسيط وهو انه ما كان ليرتقي من جامع الزيتونة الى سدة الاتراك ، وما كان منتوج الاتراك ليخترق ابوابهم الى الخارج ... وبتوالي السنوات ما كان ليتطور شيء . فمنذ دخل بربروس الجزائر والى ان تم خلع الباي في تونس اي على امتداد اربعة قرون من الزمن تقريبا ما كنا لنشاهد اكثر من مساجد حنفية تبنى ، او البسة على المودال التركي او في ارفع الحالات القاب للحكام الجدد من باشا وباي وداي ... صحيح انهم صدوا هجومات الاسبان في بعض الاحيان ، وبعناء وبعد سنين من التحكم في احيان اخرى ولكن هل كانوا يفعلون ذلك تكرما ام بقسط من الاموال التي كانوا يجبونها ؟ وهل كان الاهالي سيقفون مكتوفي الايدي باقي الدهر ان لم يدافع عنهم ؟ لقد رضي الناس بهم حكاما لا لشيء اكثر من وحدة العقيدة التي تجمعهم وكفا للدماء كما يقال ولكنها كانت الفترة الاكثر ضحالة من الناحية الحضارية على الاقل ، في تاريخ الشمال الافريقي منذ تاسيس قرطاج وعبر العائلات الاربع الكبرى التي حكمت خلال التاريخ الاسلامي ... وهو ما دعى الى ظهور ما قد سمي بالنهضة . هذه التي ما كان لوجودها معنى لو ظهرت في القرون الماضية . وهذه التي لو لم تضع في جدول مقاصدها السلطنة ما كانت لتضل النهضة نائمة ، او ما كنا لنضل في اماكننا بين اليقضة والسباة الى اليوم من الافغاني الى محمد عبدة الى الكواكبي الى معروف الرصافي وابن باديس ، والخطابي وخير الدين ، والثعالبي والطاهر الحداد ... وغيرهم وغيرهم ... فقد سعوا الى الاضاءة من ناحية ، وضربونا على الناصية بقولهم اتباع الخليفة ، ووجوب التبرك بسلطته الدينية من ناحية اخرى فلا خرجنا من سلطته ولا واصلنا النوم في اماكننا ... اما تركيا فقد نفضت نفسها منه باغلى الاسعار . واما نحن فقد بقينا في اماكننا بدون اسعار ... قد يضن القارىء من خلال حديثي هذا اني اندب حظ الامة التعيس ولكني في الواقع احاول ان انبه الى ما نزال نواصل السير فيه ، فكل منتوجنا الحضاري اليوم ومنذ قرن من الزمان غير منسوب الينا وانما الى الغرب ، وكل الانجازات رغم قلتها من الاختراعات الى الاكتشافات الى البحوث ، الى الانماط السياسية ، الى المذاهب الاديولوجية ، الى المال الذي يتداول بين اصابعنا ، الى مصادر علمنا ومراجعنا ، الى تشريعنا ، الى آلة الحرب التي تقتلنا ، او نتقاتل بها ، وحتى اسماء ازقتنا وشوارعنا ، ونزلنا ، وهندسة منازلنا ، والمدافعون عن انسانيتنا وهم يحملون اسماءنا وعلى صدورهم شارات الانتماء حضاريا الى غيرنا ، او بالاحرى الى غير ما كان الجيل السابق يتخيل انه قد شرع في بنائه من جديد او بعث االروح فيه ... وان لم نقتنع فليسال اي منا نفسه بعد قرن من الزمان كيف سيعرف السيد زويل مثلا ؟ هل يمكن ان يقال بانه مصري او عربي ... لا اعتقد ابدا وان ابى هو ذلك ، فسيقال عنه كما يقال عن الخورزمي مثلا او عن الكندي ، او غيرهما ... وكذا الامر بالنسبة لنجيب محفوظ ، او للبرادعي او غيره (وانا اذكر هذه الاسماء فقط لانها الاكثر شهره ) اننا لا ننتمي الى انفسنا حضاريا ، وان كنا نتكلم هذه اللغة ، ونقدس لملوكنا صباحا مساء اننا ننتمي الى حضارة اخرى جايلناها لا اكثر ولا اقل ، ننتمي الى الغرب حتى وان لم نزره ليوم واحد في حياتنا ... قد لا نعي ذلك الان ، وربما يمضي وقت طويل قبل ان نعيه . ولككنا حينها سنجد الكثير الكثير قد تغير فلا نحن نحن ولا نحن غيرنا . ولكن نهوضنا بالتاكيد سيكون قاسيا ومكلفا جدا .
محمد علي الشحيمي
تونس . ايطاليا
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |