نازك الملائكة ... وعن الأحياء الباقين
2007-07-12
فُجأة تعود إلى نبض الحروف، وفُجأة تسارع الأقلام إلى لَجفِ الكلمات من قاع بئر مهجورة، كذلك تعود الـ(نازك) إلى مجرّتها الكونية الأدبية، عام ونصف العام والأثواب البيضاء وحدها تقف تعاينها عن قرب، وربما كانت الأسئلة بغير طريقة المثقفين والكتّاب، وكانت على غير شُرعة قصائد النعي والندب والحسرات والتألم لرحيلها، كانت وأظنها كذلك مواساة للألم وليس للمرض، وقلة- إن وجدت- من كانت تذكر نازك الملائكة أو يعودها في مشفاها.
نازك التي تعلمانها طلاباً صغاراً قبل أن نُسجَّل تحت يافطات الأدباء والكتّاب والشعراء، نازك التي كانت درساً إلزامياً كي تتخطى بلاغتك القوة، وكي تضيف إلى معرفتك معرفة أخرى في عالم الأدب والبلاغة، لم نكن نحسبها عراقية أو شآمية أو مغاربية، كنا نحسبها عربية تعيش بين سطور الكلمات وتجدها مسافرة بين دفتي الكتب..
هذي نازك التي تعلمناها وحفظناها وعرفانها .
من قبل وَدعت الكاتبة المغربية مليكة مستظرف – وغيرها- الحياة بعد معاناة مع المرض شهدها كل كاتب وكاتبة، ولم يسعفها أحد إلا بعد رحيلها بكلمات النعي والحزن والبكاء ليسجل لها قاعة أدبية استعراضية باسمها!، وغير مليكة ونازك، وغيرهم كثر الذين لا نستذكرهم أحياء ونبكيهم أمواتاً ونذرف الدموع ونذرذر الحروف ونكتب.
لم أعرف نازك الملائكة شخصياً -وهذا طبيعي جدا- ً ولكن عرفتها كما عرفت نُخب الكتّاب والشعراء في عالمنا العربي... نصاً وكتاباً وإبداعاً، ولا أظن حين يذكر اسمها أن هناك من يتساءل عنها، فهي محفوظة الاسم والإبداع، وحين سمعت خبر وفاتها وقرأت الكم الهائل المتدفق من البكائيات والمراثي كأن الرافدين اجتاحا العالم بما فيهما من ماء لننسى أن هناك بحاراً ومحيطات مائية لكثرة ذلك التدفق السيّال من الكلمات من أجلها.
كنت أظنها قد توفها الله منذ زمن طويل، وشاطرني الكثير من الكتاب ذلك الظن، واستغرب أين كانت كل تلك الأقلام التي فُجعت وصُعقت وندبت ورثت وقصصت أحزانها وتألمها ووجعها على رحيل نازك الملائكة التي شكلّت أو كانت تشكّل حالة ما في الأدب المعاصر ومحدثة فيه؟!
وهناك- أيضاً- من تشردنا مع قصائده بين الحدود ومزقت الأسيجة الشائكة أرجلنا وعلقت قطع من أثوابنا عليها، طريح فراش وسرير المرض والمعاناة أيضاً.
من يسأل مظفر النواب عن غيابه؟! وهل تعودنا غياب الكبار المبدعين – ربما-؟! متى نسأل عن المبدع الذي نطرب لإبداعه إذا علمنا أنه غائب في حياته؟! أخشى أن أقلامنا تنتظر الغائب لنستعجله الرحيل كي نكتب لنرفد نهر الكتابة السيّالة بكلمات الوداع والنعي.
أظن أنه بات علينا أن نستذكرهم أحياء كي نؤجل رحيلهم قليلاً، أو حين يرحلون، يرحلون بابتسامة وفرح... بأنَّ هناك من يذكرهم... فيبتسمون عند شهقة الوداع.
وأظن أنه بات علينا أن نعيد ذكرى السيرة لمن نحسبهم أعلام إبداعنا الثقافي والفكري والأدبي، لعلنا نجد منهم حياً يُرزق فيبتسم، ونعيد له روحه الشابة التي أطفأها وأهلكها وأتعبها كي يكون لنا ما نتكئ عليه في إبداعنا... ولعلني أدق ناقوس التذكّر كي نجد من يَذكُرنا نحن كتّاب التدفق اليومي وأصحاب الجزالة والغزارة اللحظية كي نصحو من حالة التذكّر الموسمي لتكون حالة دائمة نكتب فيها عن الحي ليشهد ما يُكتب كي نَصْدُق بعد رحيله حين نكتب نص الرثاء.
- ربما نصحو على خبر عمّا قليل يُنبئنا بموت مي زيادة... ربما!!!
أقرأ له أيضا
08-أيار-2021
16-كانون الثاني-2009 | |
فلسفةٌ ساخرة وغزالات تائهة .../ " عُرف الديك" .. لـِ " راشد عيسى" (1) |
09-تشرين الثاني-2008 |
10-أيلول-2008 | |
29-آب-2008 | |
03-حزيران-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |