قضية عادل إمام: علامة على الانتكاس / نهلة الشهال
2012-05-02
لا يعقل أن تجرى محاكمة أفعال، كائنة ما كانت - فكيف حين تكون فنية!؟ - بمفعول رجعي. فهذا يندرج في باب الانتقام. والأهم أنه علامة لا تخطئ على قيام حالة فيها كثير من سمات الأنظمة الشمولية، إن لم يكن الفاشية العادية. في ظل هذه وتلك، وبلا كثير عناء، بلا قلق على احترام الأصول الأساسية للحقوق الفردية والعامة، وبتعالي من يستند الى حقيقة مطلقة، ويَقبض عليها، تتم إدانة المخالِف، ويكون محظوظاً حين يلقى به في «الغولاغ» كمعزل للمرضى الميؤوس من شفائهم، أو كوسيلة لإعادة تربيته، وإلا انتزعت منه حياته.
كل تلك الحالات دينت عموماً ووصفت بالرهيبة، وافتُرض أنها بنات مرحلة تجاوزها البشر. وكان قد تمرد عليها من وقعوا تحت سلطتها، بعضهم بشجاعة أثناء سطوتها، وبعضهم الآخر بعدما زالت. وإن كان المثل يُضرب بهتلر وستالين، إلا أن قائمة أشباههم لهذه الجهة طويلة، وهي منتشرة في الزمان والمكان، بلا استثناء لقارة أو إيديولوجيا أو دين. والحالة تلك تتشكل في «نُظْمة» متماسكة (أو «سِيسْتم»)، ما يمنحها في وقتها هيمنة وقوة اشتغال.
ليست مصر في هذا الوارد. ليس ترفعاً من قبل قوى تعتقد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة وواجب هداية الناس اليها ولو بالسيف، ولكن لتنوع وتوازن القوى فيها، ما يحجب إمكانية تطور من هذا القبيل. وعلى رغم ذلك، فتثبيت إدانة عادل إمام بتهمة «ازدراء الاديان» من قبل محكمة استئناف الهرم، بعد الحكم الصادر من محكمة الجنح الابتدائية، حدث خطير. فهو يؤشر الى وجود ركائز قوية في القضاء لمعتوهين من قبيل هذا المحامي الذي يلاحق الفنانين، طلباً للشهرة على ما يقال، أو لاقتناع لديه بأنه على صواب. لكن دوافعه الشخصية لا تهم، بل ما يهم هو حكم القضاة وانحيازهم إليه. والأهم أن تكتسب هذه الحوادث صفة العادية، وأن «ينقسم» الناس حولها بين مؤيد ومعارض، فتضيع المقاييس وتحل محلها الأهواء وما يختلط بها من سيئات ليس أقلها الجهل.
من هنا نبدأ، من المقاييس. فلا بد من وجود نصوص قانونية حامية للناس ضد الاستنساب. صحيح أن تفسير القانون مطاط على الدوام، لكن ثمة سقفاً غير قابل للاختراق بالتأويل. وتلك النصوص أو البنود القانونية تحمي حقوق الناس وحرياتهم، وتحتاج الى تعيين دقيق، والى اعتبارها تأسيسية، بمعنى ورودها في القانون الاساسي أو الدستور. بعدها يمكن أن يقع نزاع، ويمكن أن تحصل أخطاء، لكن ذلك يبقى محدوداً.
وهذا صراع لم يتبلور بعد بصورة كافية في مصر، وهو يُطاح به كما يبدو بيسر نسبي بسبب انجرار القوى كافة الى منطق المشاكسة حول اللحظة - وحول الوصول الى السلطة أو الحصة الممكنة منها - أكثر من الانـشــغال بذلك التـأسيس. وهو كذلك يفوت لما يبدو من هيمنة السجال الإيديولوجي العمومي لدى مختلف القوى عوضاً عن الاعتناء بقوة المقترحات. هذا على رغم وجود مؤسسات قضائية وقانونية عريقة، ومستشارين من سوية عالـميـة وفي كل الميادين، ونوادي قـضـاة كان لهـا دور مهم في استيلاد التغيير الجاري.
بعد ذلك، لا بد في بلد أصدر فيه الأزهر وثيقته الاصلاحية والتوافقية المهمة (والتي لم تحظ بعد بالعناية التي تستحقها على المستويات كافة، في أرض النيل وخارجها)، لا بد من أن تُطرح مهمة تعيين الأسس التعريفية لما هو الدين! فهل هو «هُم»، أي رجال الدين، بينما يفترض أنهم ليسوا في الاسلام إكليروساً، ولا وسيطاً بين الله وعباده، والإسلام دين التوحيد بامتياز، وهو ما تترتب عليه نتائج فكرية وعملية على السواء. وفي الحالة العائدة لعادل إمام، يصبح الأمر أشد فداحة، إذ يتجاوز ذلك الاختلاط/الالتباس بين الدين ورجاله، المشايخ «الرسميين»، لينصِّب منتمون الى تأويل معين للإسلام أنفسهم سوبر-وصاة.
وفي هذه، لا بد من أن تتدخل اليوم وفي شكل علني شديد الوضوح، جماعة الاخوان المسلمين التي تطمح ليس للوصول الى السلطة فحسب، بل للاستحواذ الكامل عليها. تتدخل لتقول ما تعتقده، بلا مراوغةٍ وظائفها ليست سوى مراعاة أجواء وتيارات معيـنة، وحـسـابات ربـح وخـسـارة جـديـرة بالبقالين.
فمن يطمح للحكم عليه أن يكون بمستواه. ولا يمكن حكم مصر بهذا المقدار من الرداءة، فيفوّت «الاخوان» على أنفسهم، وعلى التجربة الإسلامية، فرصة أن تكون أحد نماذج أو خيارات نهضة طال انتظارها. وهذا، كي يكون، له شروطه. أما إذا كان «الاخوان» يرتضونها «قندهار»، فلا حاجة لأحد بهم، فقندهار الأصلية متوافرة! وهنا، فالتشاطر والتحايل صنوان للفشل، بعكس ما يُظَن من قدرتهما على تجميع قاعدة عريضة من «الأتباع» الذين تحركهم غرائزهم التي حطَّ بها البؤس والجهل والغوغائية الى أسفل درك.
كما يُطرح سؤال الاصلاح الديني، وقواه، ومفاصله. وهي مهمة ما زالت قائـمـة منذ زمن طويل، لا يمكن مروره مـحـوها، بل هي مثبتة كمهمة أســاسيـة غير مـنجـزة، ولـعلـها واحــد من المداخل إلى الأمـل بغدٍ ناهض، لا يـمـكـن المخططات الـسـياســية والاقتـصـادية ولا الأفكار المبدئية المـتـبناة، أن تتـكفل وحـدها بصـناعته.
رب قائل إن طرح إشكالية الاصلاح الديني في وقت نشهد تلك الفورة في الحركات الإسلامية المتشكلة على عجل، أو على انتهازية سلطوية، أو على مفاهيم بدائية أمية أو نصف أمية في مجالها نفسه…، هو أمر غريب. بل تـلـك الـحـالة تفـرض بمزيـد من الالحاح بروز مقابلها، أي قوى الاصلاح الديني، التي تصبح ضرورة عملية داهمة وليـسـت تـرفاً اسـتكـماليـاً لأي شيء.
وأخيراً، لعل من الأعطاب أن يمتنع (أو يتلكأ) بعض من ينتمي الى اليسار، الثوري أو المحافظ (!)، عن الدفاع عن عادل إمام بحجة أنه حوَّل نفسه الى بوق للنظام القديم، بل الى جزء من حاشـية جـمال مـبارك، وأنـه كان مـستـفيـداً على أكثر من صعيد من تلك المرحلة. وهذا الموقف - العلني أو الضمني - هو إطلاق ذاتي لرصاصة في الصدغ وليس في القدم. فمن يتخذ مثل هذا يشبه من حيث لا يدري، المحامي عـسران منصـور، المـدعي علـى إمـام. يـختلف الملـبـس والـلكـنة فحسب!
عن ملحق تيارات – جريدة الحياة
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |