سورية و حضاراتها الأولى المعروفة – ما قبل سومر / أسد الأشقر
خاص ألف
2012-05-05
طرحت نظريات متباينة حول الوجود العربي في الهلال الخصيب، فهناك فريق يميل إلى الاعتقاد أن الهلال السوري و الجزيرة هما مهد " العنصر السامي " و أن نزوحات بشرية حصلت في البداية، في عصور لاتاريخية، من الهلال الخصيب باتجاه الجزيرة تحت وطأة عوامل طبيعية جائرة أصابت سورية لفترة و أن هذه النزوحات عادت فارتدت إلى سورية الطبيعية بفعل عوامل القحط التي اجتاحت الجزيرة. و هناك فريق آخر يقول بأن العنصر العربي صعد من الجزيرة باتجاهات متعددة شملت أطراف الجزيرة: اليمن، الخليج العربي و البحر الأحمر، كما شملت مصر و الهلال الخصيب و الحبشة.
و لكن من المؤكد أو المتفق عليه بين معظم المؤرخين أن الوجود العربي في الهلال السوري الخصيب يرقى إلى عصور التكون الأولى، و إن كانت أقدم النزوحات العربية المعروفة، ترقى، حسب التقديرات، إلى القرن الخامس و الأربعين أو الخامس و الخمسين قبل الميلاد و هي مجهولة الاسم، و تليها موجات تاريخية واضحة.
يقول المؤرخ فيليب حتي، كما رأينا، أن الموجة العربية الأولى من الجزيرة إلى الهلال الخصيب كانت حوالي 3500 ق.م.، و أن موجة عربية ثانية عاصرتها، صعدت من الجزيرة نحو صحراء سيناء، و من هناك اتجهت إلى مصر و استقرت في أرجائها. و هكذا يفهم من أكثر المؤرخين. فيكون السومريون حسب هذا القول السكان المتحضرين الأوائل في وادي الرافدين الأسفل.
و لكن العالم في الآثار السومرية و الآشورية و المؤرخ كرامر يؤكد في مؤلفه " التاريخ يبدأ في سومر"، أن هناك عصرا حضاريا عربيا – إيرانيا سبق العصور السومرية، و أن هناك امبراطورية سورية ( عربية – إيرانية )، سبقت الإمبراطورية الأكادية – السومرية، و أن الوجود العربي كان متغلبا على تلك الإمبراطورية بلغته و قوته العسكرية و السياسية، فضلا عن قابليته المتميزة للتفاعل و التعامل مع البيئة السورية، الطبيعية و الثقافية. و قد كانت ثقافة المرحلة الماقبل سومرية ثقافة زراعية - قروية، دخلت جنوب وادي الرافدين مع النازحين القادمين من جنوبي – غربي إيران. و قد عرفت هويتهم بفضل خزفهم الملون المميز الشكل. ثم تسرب العرب إلى المنطقة، سلميا أو عنوة، بعد الاستعمار الإيراني بقليل. و قد تولد من امتزاج العنصرين: إيرانيي الشرق و عرب الغرب، و من تلاقح الحضارتين، حضارة مدينية شملت، كالحضارة السومرية اللاحقة، عددا من المدن كانت تتنازع السلطة باستمرار على البلاد بكاملها. و يبدو أن وحدة البلاد و استقرارها قد تحققا مرات متعددة عبر القرون، خلال مراحل قصيرة على الأقل. و لا ريب أن تلك الدولة التي يسيطر فيها العنصر العربي، قد توصلت في في تلك الأزمنة إلى ممارسة سيطرتها على كثير من المناطق المجاورة، فأسست ما لا يستبعد أبدا عن أن يكون أول إمبراطورية في آسية الغربية، بل أول إمبراطورية في العالم.
يقول كرامر:" أما الأراضي التي تمكنت هذه الإمبراطورية أحيانا من السيطرة عليها ثقافيا و سياسيا في آن واحد، فكانت تشمل، فيما تشمل، أطراف المرتفعات الإيرانية الغربية، تلك المنطقة التي سميت عيلام فيما بعد.
" في أثناء هذا التوسع و الحروب التي رافقته، اصطدم سكان وادي الرافدين للمرة الأولى بالسومريين: هذا الشعب البدائي، أو المحتمل أن يكون بدويا، قد يكون أتى من وراء القفقاس أو بحر قزوين، كان يضغط على المناطق الإيرانية الغربية. و كان سكان وادي الرافدين يراقبون هذا الضغط إذ كان عليهم أن يدافعوا عن تلك المناطق بكل ثمن، لأنها كانت تكون دويلات – فواصل بين إمبراطوريتهم و بلدان البرابرة.
" في المعارك الأولى لم يكن على جيوش وادي الرافدين المتفوقة عسكريا أن تجهد نفسها كثيرا لتتغلب على القبائل السومرية. و لكن لم يكن هناك بد لهذه القبائل البدائية ، السريعة التحرك من أن تتوصل أخيرا إلى التفوق على خصومها الحضريين و الأكثر تمدنا منها فقد توصل المحاربون السومريون الذين كانوا يقيمون في مدن وادي الرافدين كرهائن، أو الذين كانوا يخدمون كمرتزقة في جيوشها، إلى أن يقتبسوا عن غالبيتهم مقومات الفن العسكري الذي كانوا يفتقرون إليه. و عندما ضعفت إمبراطورية وادي الرافدين و تزعزعت، اجتاز السومريون الدويلات – الفواصل في إيران الغربية و اجتاحوا وادي الرافدين الأسفل و صاروا أسياده.
" خلاصة ذلك هي أن مرحة العراق الماقبلسومرية بدأت بحضارة زراعية و قروية حملها الإيرانيون، ثم مرت في مرحلة وسطية بعد نزوح العرب و اجتياحهم، و بلغت ذروتها في أثناء مرحلة من الحضارة المدينية، تغلب فيها العرب على الأرجح، و قد أدت هذه المرحلة إلى إقامة امبراطورية خربتها القبائل السومرية ".
سومر ، ثقافة العصر
كان تغلب السومريين على الحضارة السورية الأولى ( العربية – الإيرانية )، الضربة الأولى للمجهود الحضاري الذي توالى مئات السنين، فتفاعل خلالها عنصران مختلفان، توصلا، بعد تصادم طويل، إلى انصهار اجتماعي منسجم، تغلب فيه الوجود العربي تغلبا إيجابيا بناء. فالإمبراطورية السورية الأولى ( العربية – الإيرانية ) كانت قد بدأت، قبيل الألف الثالث قبل الميلاد، توسع نفوذها، و تنشر إشعاعها على مناطق الهلال الخصيب و العالم القديم. و لكن السومريين البدائيين قد برهنوا، خلال حقبة لا تزيد عن القرون الثلاثة، على أنهم أقوام مؤهلة للتطور و التقدم، فقد تم انصهار خصب بين السومريين المتغلبين، و المجتمع السوري الأول ( العربي – الإيراني ) المغلوب، أدى إلى نهضة خلاقة نتج عنها اختراع الكتابة، و توحيد شعوب مختلفة ضمن إطار ثقافة واحدة، فتبنت شعوب الهلال الخصيب هذه الكتابة الجديدة و ما سجلته من عناصر ثقافية، و أصبحت الثقافة السومرية غاية النخبة المثقفة عند شعوب البيئة الواحدة.
خلال نحو سبعة قرون، من 3000 إلى 2300 ق.م.، تمكنت عبقرية السومريين، منطلقة من أساس الثقافة التي سبقتها، و بما أضافته هي من عبقريتها، في الكتابة و الفكر، من أن تبدع المرحلة الحضارية الثانية، لا الأولى، كما كان يعتقد من قبل، في جنوبي وادي الرافدين. فقد نشأت بضع دويلات مدينية تزعمتها أوروك، المدينة المقدسة. و بالرغم من الصراع الدائم فيما بين هذه الدويلات المسيطرة، و بالرغم من فشلها في إقامة وحدة سياسية كبيرة، تمكنها من مد سلطانها سياسيا و عسكريا على بيئتها كلها، استطاعت أن تهيمن بثقافتها و شرائعها و تقدمها الديمقراطي، كما فعل الآراميون من بعدها بقرون عديدة، و قدرت أيضا أن تتفاعل مع العنصر الأكادي الذي كان متمركزا في المنطقة الوسطى فتغذيه بجميع عناصر ثقافتها فيتغلب في النهاية على جميع الأقوام التي سبقته، و يهيمن على البيئة الطبيعية كلها.
و يستفاد من الآثار المكتشفة حديثا أن الحضارة السومرية لم تكن نوعا من " الثقافة البسيطة "، كتلك الثقافة المحدودة التي اكتشفت نماذج منها متباعدة في متاهات ما قبل التاريخ، بل كانت حضارة عارمة، واسعة النطاق، مكتملة المزايا الإنسانية، بكل ما في ذلك من العمق، و النضج، و الشمول، و بكل ما تفرضه الحياة الباذخة من تنوع النشاط في التنظيم الاجتماعي و السياسي، و في إنشاء المؤسسات العامة و الخاصة، و بناء المدن، و تحديد الحقوق و الواجبات، و ضبط وسائل الإنتاج و النقل و التجارة. ناهيك عن الحقول السياسية و الاقتصادية و المجتمعية و الإنسانية المتفاعلة حضاريا على أوسع مدى، و المشعة على من حولها.
و كان شعب سومر الخلاق يستطيع، منذ ذلك العهد، أن يفتخر بأن عنده مدنا كبيرة متعددة مجتمعة حول مبان عامة جبارة و ذات شهرة عالمية، و كان تجاره قد أقاموا علاقات عبر البر و البحر مع البلدان المجاورة. و كان أعمق مفكريه قد أنجزوا مجموعة أفكار دينية أصبحت إنجيلا، لا في سومر فحسب، بل عبر قسم كبير من العالم القديم، و كان ألمع شعرائه يمدحون آلهته و أبطاله و ملوكه بمحبة و إيمان. و أخيرا، و تتويجا لكل هذا، أنجز السومريون، تدريجيا، نظام كتابة تسجل على الفخار بقلم غزار. فاستطاع الإنسان للمرة الأولى أن يسجل وقائع دائمة لأبسط أعماله و آماله و رغباته و أحكامه و معتقداته. فلا ندهشن إذا إذا كان السومريون قد حققوا أيضا تقدما هاما في الميدان السياسي.
*من كتاب لأسد الأشقر بعنوان الخطوط الكبرى في تاريخ سورية و نشوء العالم العربي – نشوء المجتمع السوري البيئي الأول ( 3500 – 538 ق.م. ). الجزء الأول – القسم الأول. منشورات مجلة فكر. بيروت . ط2 ، 1981 .
عبد الكورد
2014-07-19
وليش عربي ايراني هل كلمة كورد ثقيلة على لسانكم؟
غياث
2020-03-18
ألم بكن هناك سكان اصليين قبل وصول موجات العرب و الايرانيين .....؟
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |