الموت .. والقش .. والظهيرة / إبراهيم الزبيدي
خاص ألف
2012-05-28
( 1 )
وأفقنا
نحنُ خمسون صبيّـاً وصبيّــة
حقلنا خلف التلال الساحليّـــه
بيننا خمس صحارى ،
فحملنا الأفؤس البيض الفتيّــه
وتركنا بيتنا الراكع ِ في الليل ..
وأسرجنا الخيول العربيه
وانطلقنا .. نتبارى ..
ونغنِّـي
ونجوم الليل تفاح ضياء ِ
وشذى الرمل بخورٌ . والمدى دون انتهاء ِ
....
( 2 )
حينما اجتزنا ربا الصبّـار .. أصبحنا رفوفْ
ــ كلُ رفٍّ عشرةٌ منا ــ
ولكنّـا انطلقنا
دون أن نسمع أصوات الكهوفْ
فلقد أغْـلَـقَـنَـا عنها هوانا :
ربوةٌ .
أخرى .
والخيولْ
كرماح النهار تجتاز القفار .
بعدُ لم نلمحْ على الأفق مناديلَ النهار .
...
( 3 )
ها هنا بعض ُ بقايا مقبره
لاكها الريحُ ، ومجّـتها الرمال
لم تزل فيها بقايا مقصلة
يحتها بعضُ عظام ٍ عافها كفُّ الزّوالْ
وطرابيشُ وصُرّه
غرست في الوحل خمسين " مجيدي "
فبصقنا فوقها .. ثم انطلقنا من جديد ِ
بيد أَنّــا قد نقصنا نصف رفْ
....
( 4 )
لم نزلْ نركض، والفجر أطلْ
فوقنا تركضُ أفراسُ غمامْ
وزقازيق حمامْ .
قد بلغنا من صحارانا الأخيره
لم نزل فيها ، ولكنّــا افترقنا :
خمسةٌ ساروا على أقصى اليسار
فتلوا الطين شواربْ !
ومضوا عنّــا إلى دنيا العجائبْ .
عشرة ساروا على أقصى اليمينْ
لبسوا ( تفتا ) وصاروا فجأة ً زرقَ العيونْ
يرقصون
يتساقون طلىً أسودَ كالدمِّ . تركناهم سكارى
وانطلقنا للأمامْ
ــ لم نعد إلاّ ثلاثين صبيّــاً وصبيّــة ــ
نتبارى .
لم نزل نركض والفجر أطلْ .
....
( 5 )
قد وصلنا حقلنا عند الظّهيره
فأقمنا خيمة ً من فرح ِ
ونزعنا عندها عبءَ الطريق
شبحٌ كان فذرْذرنا حطامَ الشّبح ِ
وحملنا بأغانينا المحاريث الكبيره
ومضينا نزرع الخبزَ لأطفال قرانا
ــ لم نكن إلاّ ثلاثين صبيّـاً وصبيّـة ــ
آه ٍ ما أحلى الظهيرة
حينما تشهد ميلاداً جديداً لقرانا ..؟!
....
( 6 )
حقلنا كان جزيرة :
من هنا تلٌ .. وتلٌ من هناك
من هنا كهفٌ .. وكهفٌ من هناك
وإذ ِ انداحت أيادينا القصيرة
تسحب الشمسَ إلى شاطي الجزيرة
هزَّنا صوتٌ مخيفٌ من بعيد
مثل جبل ٍ من دم ٍ خضَّ سفينة .
كان في شاطئنا الآخر شيخ ٌ يطلب الغوثَ ويبكي :
( أنا أجوفْ ،
أنا مملوء ٌ بقشٍّ وغبار ِ ،
أرضُنا أمست يبابا ،
عشعشَ الموتُ علينا ) .
لم نشخ نحن :
ــ ( مَـن الصارخ ُ ؟ )
( إني أنا إليوتُ العجوز )
كان قطّاً شاخَ في ليل ِ المدينه ،
فركضنا نحوه ُ نحن المليئين بأرحام سكينه .
....
( 7 )
لم أخفْ قطُ ، ولكنّ رفاقي
رنّحوا الشمسَ ، وضجّوا باختناق ِ .
( لم يعدْ من حولنا غير أفاع ٍ ، وضبابْ
ها هو الأفقُ مغطّىً بالصديدْ
بالجليدْ
وبأشباح الظلامْ
قلقٌ يأكلنا .. يَـفْري دمانا ) .
نظروا ..
لم يبصروا كفَّ المسيح ِ
عائداً يحملُ كالورد ِ عيونَ الشهداء ِ
لم يرو ِ رأس " برومثيوس " المورِّدْ
يتحدى الريح في درب ِ الفداء ِ ،
لم يروا نور محمد
ــ ( أي جدوى ) ؟!
ألف جدوى
حينما نكسرُ أنيابَ أسانا ،
قبل أن تنشب َ في لحم ِ سوانا ،
أن نلاقي الموتَ بالورد ــ بطوله
فلقد ملَّ دمَ الطّافينَ في قيءِ الرجوله .
...
( 8)
أنكروا شمسَ الظهيره
فإذا الحبّ عويلُ
وإذا الأعين أبوابُ قبور ٍ ، والدمُ الساخنُ تَـفْـلٌ ووحولُ
خيلُـهم صارت خيولاً من تمور ٍ أكلوها !
وإذا اليأس ُ علامه
حفرتها قطّـة ٌ فوق جباه الشعراءْ
أصبح الكلُ ( مليئين بقشٍّ وغبار )
( غرباءْ )
وتهاووا
سقطوا للخوف والزيف ضحايا
وربانا
لم تزل ترقب أن نزرع شيئاً لقرانا .
...
( 9 )
وبلا ــ دود ٍ بعينيَّ ــ تطلّعتُ إلى أفقي المنوّر
فإذا قَّبة ُ عطر ٍ ، ومرايا ،
وشراع ٌ أخضرُ البوْح ِ منشّرْ
وإذا حقلي فمٌ فكَّ لجامَـهْ
صار في قلبي حمامـــهْ
فضحكتُ
وتفّـتحتُ : ( إلى ألف ِ جهنّـم
أيها الجوّفُ المليئون بقشٍّ وغبار ) .
وانحنيتُ
أحفرُ الأرضَ بأسناني .. وأحلامي الجديده
أفتحُ الباب لإنسان بلادي
ليرى الله على كلّ الوهاد ِ
ويوارى بالحكايات السعيده
صحبَـنا الجوفَ .. الضحايا ..
....
( 10 )
كلُّ عِـرْق ٍ يهتفْ :
ولنعش في أرضنا البكر البطوله
وأيادينا القصيره
والغناء
ولتعش شمسُ الظهيره .
( مجيدي : عملة عثمانية )
بغداد ـ إبراهيم الزبيدي *
عن مجلة ــ شعر ــ شهرية للشعر العربي ( القاهرة ) .
العدد الرابع عشر " السنة الثانية 1965 "
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |