يوميات لقمان ديريكي / الزوج والشاعر والحمار
2007-05-21
كنت في شبابي متهوراً، ومن المؤكد أن هناك الكثير من الأصدقاء سيقولون (كنت؟!.. طيب لا تزعلوا)، كنت وما زلت متهوّراً، وفي إحدى غزواتي الخاسرة دخلت إلى مقهى القصر في حلب حيث يجتمع الأدباء والمثقفون والفنانون، ووقفت في باب المقهى وكان ممتلئاً على آخره وناديت بأعلى صوتي: (صمت.. صمت.. أنا تزوَّجت) نظر الجميع إلى شكلي الفوضوي الذي ما زال على ما كان عليه منذ ذلك الوقت أي بعد مرور عشرين عاماً بالتمام والكمال وساد صمت رهيب لم يكسره سوى صوت الأديب "وليد إخلاصي" ونظرات الدكتور "أحمد برقاوي" المندهشة مني ومن الفعل الذي قمت به، فقد كانت المرة الأولى التي يلمحني فيها على اعتبار أنه من مثقفي العاصمة بينما كنا نحن من أدباء الأقاليم، وثغره الباسم كالعادة وغليونه الضاحك في يده (أنت شاعر أم حمار)؟!.. فقهقه الدكتور "البرقاوي" وقهقه المقهى خلفه، قال "وليد إخلاصي" بوجهه الوضَّاح
نظرت إلى أستاذي الأنيق "وليد إخلاصي" (أنا شاعر وحمار.. شو ممنوع الجمع بيناتهن)؟!..
وبعد أن عدت إلى دمشق لأسكن إلى زوجتي الأولى اكتشفت أنني لا أستطيع أن أجمع بين الشاعر والحمار، وقرَّرت أن أبقى شاعراً فقط واخترت كما نادى بي معلمي "نزار قباني" (إني خيرتك فاختاري ما بين الشاعر والحمار) واخترت الشعر لأنني لا أملك شيئاً من صفات الحمير سوى الكسل والغباء، فأنا لست من الصبورين ولا من الذين يمكن أن تعتل عليهم ليلاً نهاراً، كما أنني لست وديعاً مع أنني من محبي "وديع الصافي" و"أبو وديع الوسوف"، وما كان اختياري للشعر مفاجئاً لأحد، ولكنني نسيت نصيحة وليد إخلاصي الذهبية ووقعت في الحفرة مرة أخرى مع أن الحمير لا تسقط في الحفرة ذاتها مرتين، وعُدت حماراً من جديد مع أنني خالفت قوانين الحمير، (يعني بصراحة صرت حماراً بالواسطة)، لأن ما من أحد قبل بطلب زواجي، لا أهلها ولا أهلي، ولكنني أصررتُ إصراراً وألححتُ إلحاحاً حتى كان لي ما أردت، فعادت أذناي الجميلتان إلى النهوض من نومهما الطويل وخرجت شامخة أبية من تحت ياقة القميص إلى الأعالي، فقرَّرت أن أطيل شعري كي أخفي أذني الحمار وبقيت على هذا المنوال ردحاً من الزمن.
غير أن المقرَّبين من أمثال الدكتور "برقاوي" نصحوا زوجتي لأن تنتبه إلى أنني شاعر ولست حماراً فقط، فكادت أن تندم لأنها عتلّت علي قليلاً في اليوم الذي مضى، وبكت قليلاً لأنها لم تقدر الشاعر ومزاجه وحريته ونمنا سعداء مسرورين، وفي الصباح "الماكر" سمعت صوتها وهي تناديني (قوم يا حمار جيب البقدونس والكوسا، ناقصنا شعراء بالبيت صارت الساعة سبعة)، وفي المساء نعود ونجتمع فيعود أحد البرقاويين ويفهمها بأنني شاعر عظيم، فتندم على إرسالها لي من الصباح الماكر قاطعة عليَّ أحلامي الشعرية وتبكي فأمسح دموعها بشمم الشعراء وإبائهم وننام سعداء ومسرورين، وفي الصباح الماكر جداً أعود وأسمع صوتها وهي تنادي (قوم يا حمار شوف أبو الصحيَّة شو بدك النسوان تشوفه)؟!..
وعدت من جديد شاعراً فلتاناً في شوارع دمشق أي مطلَّقاً.
لكن الزوجة ليست سيئة، فهي التي تنظف البيت كي تكتب شعراً جميلاً وهي التي تناديك (تعا حبيبي صار وقت الغدا)، وهي التي تُركِّب قنينة الغاز بيدها، ويمكنها أن تضرب الجيران إذ سوَّلت لهم أنفسهم بأن يزعجوك، وهي التي ترسل أطفالك إلى المدرسة وتكوي لهم قمصانهم التي تحبُّ أن تراها مكوية، وتسرح لهم شعرهم فيسقط قلبك إلى أسفل من شدة جمالهم ونظافتهم، نعم العائلة رائعة جداً ولكنها كي تزداد روعة تحتاج إلى حمار صبور وقوي ومطيع كي تعتّل العائلة عليه كلَّ همومها، لذلك ناضلتُ كي أتحدى أستاذي وليد إخلاصي بأن أكون شاعراً وحماراً في نفس الوقت، فخرجت من منزلي إلى الفضاء الحر الشاسع وأنا طالق، وفي غمرة انهماكي في الشعر لم أنس أبداً أنني أيضاً حمار، فكنت أعود إلى المنزل قليلاً وآخذ الهموم المتراكمة في البيت وأحملها على ظهري وأعدو سعيداً في الشوارع وأنا أصرخ، نعم... أنا شاعر وحمار في وقت واحد.
عن جريدة بلدنا بالاتفاق مع الكاتب
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |