من كتاب مفاخرة الجواري والغلمان للجاحظ " كتاب القيان " ج4
خاص ألف
2012-06-13
ووجب أن تكون كذلك وأن يكون أحقَّ وأولى بها من سائر ما خُوِّل إذْ كانت مخلوقةً منه. وكانت بعضاً له وجزءاً من إنّ الفروع لا محالة راجعةٌ إلى أصولها، والأعجاز لاحقةٌ بصدورها، والموالي تبعٌ لأوليائها، وأمور العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة بالمضادَّة، وبعضها عِلَّةٌ لبعض، كالغيث علَّة السَّحاب والسَّحاب علَّة الماء والرُّطوبة، وكالحبّ عِلّته الزَّرع، والزَّرع علَّته الحبّ، والدَّجاجة علَّتها البيضة، والبيضة علَّتها الدجاجة، والإنسان علّته الإنسان. والفلك وجميع ما تحويه أقطار الأرض، وكلُّ ما تُقلُّه أكنافها للإنسان خولٌ ومتاعٌ إلى حين. إلاّ أنّ أقرب ما سُخِّر له من روحه وألطفه عند نفسه " الأُنثى " ؟ فإنّها خُلقت له ليسكن إليها، وجُعلت بينه وبينها مودّة ورحمة.
أجزائه، وكان بعض الشيء أشكل ببعض وأقرب به قُرباً من بعضه ببعض غيره. فالنساء حرثٌ للرجال، كما النبات رزقٌ لما جُعل رزقاً له من الحيوان. ولولا المحنة والبلوى في تحريم ما حرَّم وتحليل ما أحلّ، وتخليص المواليد من شُبهات الاشتراك فيها، وحصول المواريث في أيدي الأعقاب، لم يكن واحدٌ أحقَّ بواحدةٍ منهن من الآخر، كما ليس بعض السَّوام أحقَّ برعْي مواقع السَّحاب من بعض، ولكان الأمر كما قالت المجوس: إن للرجل الأقرب فالأقرب إليه رحماً وسبباً منهنّ. إلا أنّ الفرض وقع بالامتحان فخصَّ المطلق، كما فعل بالزَّرع فإنّه مرعىً لولد آدم ولسائر الحيوان إلاَّ ما منع منه التحريم. وكلُّ شيءٍ لم يُوجد محرَّماً في كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمباحٌ مُطلق. وليس على استقباح الناس واستحسانهم قياسٌ ما لم نخرج من التحريم دليلاً على حسنه، وداعياً إلى حلاله .
(( وللرواة في الإسلام عن التقرّب بين الزوجين والحب بعد ذلك ( جنس البشر ) أو التآلف بين الزوجين من سائر المخلوقات كما ذكر الجاحظ آنفاً )) قيل : وأعرسَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نُفيل، وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر، فمات عنها بعد أن اشترط عليها ألا تتزوَّج بعده أبداً، على أن نحلها قطعةً من ماله سوى الإرث، فخطبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأفتاها بأن يعطيها مثل ذلك من المال فتصدَّق به عن عبد الله بن أبي بكر، فقالت في مرثيته :
فأقسمت لا تنفكُّ عيني سخينةً عليك ولا ينفكُّ جلدي أغبـــرا
فلما ابتنى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أولم، ودعا المهاجرين والأنصار، فلمَّا دخل عليُّ بن أبي طالب عليه السلام قصد لبيت حجلتها، فرفع السِّجف ونظر إليها فقال:
فأقسمت لا تنفكُّ عيني سخينةً عليك ولا ينفكُّ جلدي أصفــــرا
فخجلت فأطرقت، وساء عمر رضي الله عنه ما رأى من خجلها وتشوُّرها عند تعيير عليٍّ إياها بنقض ما فارقت عليه زوجها، فقال: يا أبا الحسن، رحمك الله، ما أردت إلى هذا؟ فقال: حاجةٌ في نفسي قضيتها.
هذا. وأنتم تروون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أغير الناس، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: " إني رأيت قصراً في الجنة فسألت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لعمر بن الخطاب. فلم يمنعني من دخوله إلاّ لمعرفتي بغيرتك " . فقال عمر رضي الله عنه: وعليك يُغارُ يا نبيَّ الله!.
فلو كان النظر والحديث والدُّعابة يُغار منها، لكان عمر المقدَّم في إنكاره؛ لتقدُّمه في شدَّة الغيرة. ولو كان حراماً لمنع منه؛ إذ لا شكَّ في زهده وورعه وعلمه وتفقُّهه.
ودعا مصعب بن الزُّبير الشَّعبيَّ، وهو في قُبّةٍ له مجلَّلةٍ بوشى، معه فيها امرأته، فقال: يا شعبيُّ، من معي في هذه القبّة؟ فقال: لا أعلم أصلح الله الأمير! فرفع السِّجف، فإذا هو بعائشة ابنة طلحة.
والشعبيُّ فقيه أهل العراق وعالمهم، ولم يكن يستحلُّ أن ينظر إن كان النَّظر حراماً.
ورأى معاوية كاتباً له يكلِّم جاريةً لامرأته فاختة بنت قرظة، في بعض طُرق داره، ثم خطب ذلك الكاتب تلك الجارية فزوَّجها منه، فدخل معاوية إلى فاختة وهي متحشِّدة في تعبئة عطر لعرس جاريتها، فقال: هوِّني عليك يا ابنة قرظة، فإني أحسب الابتناء قد كان منذ حين!.
ومعاوية أحد الأئمّة، فلما لم يقع عنده ما رأى من الكلام موقع يقينٍ، وإنَّما حلَّ محلَّ ظنٍّ وحسبان، لم يقضِ به ولم يوجبْه، ولو أوجبه لحدَّ عليه.
وكان معاوية يؤتى بالجارية فيجرِّدها من ثيابها بحضرة جلسائه، ويضع القضيب على ركبها، ثم يقول: إنَّه لمتاعٌ لو وجد متاعاً! ثم يقول لصعصعة بن صوحان: خذها لبعض ولدك، فإنّها لا تحلُّ ليزيد بعد أن فعلت بها ما فعلت.
ولم يكن يُعدم من الخليفة ومن بمنزلته في القدرة والتأتِّي أن تقف على رأسه جارية تذبُّ عنه وتروِّحه، وتعاطيه أخرى في مجلسٍ عامٍّ بحضرة الرجال.
فمن ذلك حديث الوصيفة التي اطلَّعت في كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج وكان يُسرُّه، فلما فشا ما فيه رجع على الحجّاج باللَّوم وتمثَّل:
ألم ترَ أنَّ وشاة الرجــــــا ل لا يتركون أديماً صحيحاً
فلا تُفشِ سرَّك إلاَّ إليـــــك فإنَّ لكلِّ نصيحٍ نصيحــــــا
ثم نظر فوجد الجارية كانت تقرأ فنمَّت عليه.
ومن ذلك حديثه حين نعس فقال للفرزدق وجرير والأخطل: من وصف نُعاساً بشعرٍ وبمثلٍ يُصيب فيه ويُحسن التمثيل، فهذه الوصيفة له. فقال الفرزدق:
رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه أميم جلاميدٍ تركن به وقــــرا
فقال: شدختني ويلك يا فرزدق ! فقال جرير:
رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه يرى في سواد الليل قُنبرة سقرا
فقال: ويلك تركتني مجنوناً! ثم قال: يا أخطل فقل. قال:
رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه نديمٌ تروَّى بين ندمانه خمرا
قال: أحسنت، خُذْ إليك الجارية.
إعداد : أحمد بغدادي *
يُتبع ...
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |