من كتاب الأسفار عن نتائج الاسفار ( ابن عربي )ج1
خاص ألف
2012-06-27
سفر رباني من العماء إلى عرش
الاستواء الذي تسلمه الاسم الرحمن :
وردَ خبرٌ وهو أن بعض الناس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق أو كما قال ، فقال رسول الله ( ص ) في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء فقد تكون لفظة ما هنا نافية وقد تكون بمعنى الذي . أعلم أن هذا سرداق الألوهية وحاجز عظيم يمنع الكون أن يتصل بالإلوهية ، وتمنع الإلوهية أن تتصل بالكون أعني في الحدود الذاتية ومن هذا العما يقول الله ما ورد في الصحيح عن النبي ( ص ) ما ترددت ُ أنا في شيء ٍ أنا فاعله ، ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من لقائي ، وقوله ( مايُبَدّلُالقوللدي )وإليه الإشارة بقوله ( وجاءربكَوالملكصفا )( وهلينظرونإلاأنيأتيهماللهفيظللمنالغمام ) يعني في يوم الفصل والقضاء وما أشبه هذا النوع مما وردَ في الأخبار ، فهذا من جانب الألوهة لما أرادت الوصول إلى المكان . وأما ما وردَ في هذا الفن عن الكون لما أراد الاتصال بالألوهة قوله صلى الله عليه وسلم : ــ لا أحصي ثناء ً عليك ــ وقوله ــ أو استأثرت به في علم غيبك ــ ، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه : " العجز عن إدراك الإدراك إدراك " فما أوجد دائرة الكون المحيطة المُعبَّر عنها بالعرش الذي هو السرير الأقدس فلا بدَّ من ملك ٍ لهذا السرير ، وهو الإيجاد ، والإيجاد يمده جود الوجود الإلهي ، ولا بد فلا بد من الرحمانية أن تكون الحاكمة في هذا الفصل فاستوى عليه الاسم الرحمن في سرداق العما الذي يليق بالرحمانية الإلهية ، وهو نوعٌ من العما الرباني ؛ وكان سفر الرحمانية من العما الرباني إلى الاستواء العرشي موجوداً عن الجود ، وما دون العرش موجود عن المستوى على العرش ، وهو الاسم الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء وجوباً منه ، ولما سافر هذا الاسم ( الرحمن ) سافرت معه جميع الأسماء المتعلقة بالكون ، فإنها وزعته وسدنته ، وأمراؤه كالرزاق والاسم المغيث والاسم المحيي والاسم المميت والاسم الضار والاسم النافع وجميع أسماء الأفعال خاصة ، فإن كل اسم لا يعرف إلا من فعل ، فهو من أسماء الأفعال ، وهو ممن سافر مع الاسم ـ الرحمن ـ وكل اسم لا يُعْرف من فعل فليس له في هذا السفر مدخل البتة ، فإذا أرادت أن تسافر في معرفة ٍ ما عدا أسماء الأفعال بأفكارها ، خرجت عن كرة العرش خروجاً غير مبائن ولا منفصل ، وأرادت التعلق بالجانب الأقدس الإلهي فوقعت في الحمى وهو سرادق العما فتخبطت فيه ، لكن لابدّ للواصل أن يلوح له من بوارق الألوهة ما تحصل له به معرفة ما ، ولهذا سمّاه الصدّيق بالإدراك ِ وسماه الصادق ُ صلى الله عليه وسلم ـ لا أحصي ثناء عليك ــ وذلك لما عاين ما لا يقبل ثناء معيناً ، لكن يقبل الثناء المجهول وهو لا أحصي ثناء ً عليك ، فإن الحيرة تقتضي ذلك ولا بد وأصحاب الفكر في عما ، وأصحاب الكشف في عما ، والكل في عما ، لأن الكل في عما ، والكل على صورة الكل وهذا السفر روحه ومعناه السفر من التنزيه إلى سدرة التشبيه من أجل إفهام المخاطبين ، وهذا أيضاً من العما عينه .
سفر الخلق والأمر وهو سفر الإبداع :
يقول تبارك وتعالى ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها ً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيزالعليم ) بالفتق ِ والرتق ( أولميرَالذينكفرواأنالسمواتوالأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ) وجاء بكلمة ثم بعد خلق الأرض توذن غالباً بأن الثاني بعد الأول بمهلة وهو زمان خلق الأرض وتقدير أقواتها في أربعة أيام ، من أيام الشأن يومان لشأنها في عينها وذاتها ، ويومٌ لظهورها وشهادتها ، ويوم ٌ لبطونها وغيبتها ، ويومان لما أودع فيها من الأقوات الغيبية والشهادية في يومين. ثم كان الاستواء الأقدس الذي هو المقصود والتوجّه إلى فتق السموات وفطرها ، فلما قضاهن سبع سموات في يومين من أيام الشأن أوحى في كل سماء ٍ أمرها ، فأودعَ فيها جميع ما تحتاج إليه المولدات من الأمور في تركيبها وتحليلها وتبديلها وتغييرها وانتقالها من حال ٍ إلى حال بالأدوار والأطوار ، هذا من المر الإلهي الموْدع في السموات في قوله : ( وأوحىفيكلسماءأمرها )من الروحانيات العلية فبرز بالتحريكات الفلكية ليظهر التكوين في الأركان بحسب الأمر الذي يكون في تلك الحركة وفي ذلك الفلك ، فلما فتقها من رِتقِها ودارت وكانت شفافة ً في ذاتها وجرمها حتى لا تكون ستراً لما ورائها أدركنا بالأبصارِ ما في الفلك الثامن من مصابيح النجوم أنها في السماء الدنيا والله يقول ( وزيّناالسماءَالدنيابمصابيح ) ولا يلزم من زينة الشيء أن يكون فيه ، وأما قوله ( وحفظاً ) فهي الرجوم التي تحدث في كرة الأثير لإحراق الذين يسترقون السمعَ من الشياطين ، فجعلَ الله لذلك شهاباً رصداً ، وهي الكواكب ذوات الأذناب ، ويخترق البصر الجو حتى يصل إلى السماء الدنيا فلا يرى من فطور فينفذ فيه فينقلب وهو حسير ، أي تداعى وجعل في كل سماء من هذه السبعة كوكباً سابحاً،
وهو قوله تعالى ( كلٌفيفلك ٍ يسبحون ) فتحدث الأفلاك بحركات الكواكب لا السموات ، فتشهد الحركات من السبعة السيّارة أن المصابيح في الفلك الثامن ، وزيّنا السماء الدنيا لأن البصرَ لا يدركها إلا فيها ، فوقع الخطاب بحسب ما تعطيه الروية لهذا قال ( زيّناالسماءالدنيابمصابيح) ولم يقل خلقناها فيها ، وليس من شرط ِ الزينة أن تكون في ذات المزين بها ، ولا بدّ فإن الرجل والخيل من زينة السلطان ، وما هم قائمان بذاته ، ولما كملت البنية الإنسانية وصحّت التسوية وكان التوجّه الإلهي بالنفخ العلْوي في حركة الفلك الرابع من السبعة وقبل هذا المسمّى الذي هو الإنسان لكمال تسويته السرّ الإلهي الذي لم يقبله غيره ، وبهذا صحَّ له مقام الصورة ومقام الخلافة . فلما كملت الأرض البدينة ، وقُدِّرَ فيها أقواتها وحصلَ فيها قواها الخاصة بها من كونها حيواناً نباتاً كالقوة الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة والنامية المغذّية ، وفتقت طبقاتها السبعة من جلد ٍ ولحم ٍ وشحم ٍ وعِرق وعصب ٍ وعضل وعظم ٍ استوى السرّ الإلهي الساري فيه منفخ النفخ الروحيإلى العالم العلوي من البدن ، وهو بخارات تصعد كالدخان ، ففتقَ فيها سبع سموات السماء والدنيا ، وهي الخنس وزينها بالنجوم والمصابيح مثل العنينين ، وسماء الخيال وسماء الفكر ، وسماء العقل ، وسماء الذِكر ، وسماء الحفظ ، وسماء الوهم . وأوحى في كل سماء ٍ أمرها ، وهو ما أودع في الحسّ من إدراك المحسوسات ولا نتعرض للكيفيّة في ذلك للخلاف الواقع ِ فيها وإن كنّـا نعلم ذلك فإن علمنا لا يرفع الخلاف من العالم وفي الخيال من متخيلات المستحيلات وفي العقل من المعقولات وهكذا في كل سماء ما يشأ كلها من جنسها فإن أهلَ كل سماء ٍ مخلقون منها ، فهم بحسب مزاج أماكنهم ، وخلق في كل سماء ٍ من هذه السبعة كوكباً سابحاً في مقابلةِ الكواكب السيّارة ، تسمى صفات ، وهي الحياة والسمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم والكلام ؛ كلٌ يجري إلى أجلٍ مُسمّى ، فلا تدرك قوة ً إلا ما خلقت له ، خاصة ً فالبصرُ لا يرى سوى المحسوسات المبصرات والحسّ ..فينقلبُ خاسئاً ، فإنه لا يجد قطراً ينفذ فيه والعقل يثبت هذا كلها ، يشهد بتلك الحركات الفلكية التي في الإنسان ، وذلك بتقدير العزيز العليم ؛ فهذا سفر أسفرَ عن محياه ودلَّ على تنزيه ٍ مولاه ، ونتجَ طهور العالم العلوي . فإن السفرَ إنما سُمّيَ سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال معناه ، أنه يُظْهر ما ينطوي عليه كل إنسان من الأخلاق المذمومة والمحمودة ؛ يُقال سفرت المرأة ُ عن وجهها ، إذا أزالت برقعها الذي يستر وجهها ، فبان للبصرِ ما هي عليه الصور الحسن والقبح .
قال الله تعالى يخاطب العرب ( والصبحإذاأسفر) معناه أظهر إلى الأبصار مبصراتها .
فقال الشاعر هنا :
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرقعتْ
فقط رابني منها الغداة سفورها
فإن العرب جرت عاداتهم أن المرأة إذا أرادتْ أن تعلم أن وراءها شراً أسْفَرَتْ عن وجهها ، وكان هذا القائل ، قد أعمل الحيلة فالوصول إلى محبوبته ، فشعرَ قومها به ، وعَرفتْ المرأةُ بشعورِهم، فعندما بصرت به ، أسفرتْ عن وجهها ، فعلِمَ أنَ وراءها الشر ، فخاف عليها وانصرف وهو ينشد .
فقد رابني منها الغداة سفورها
وما مثل هذا السفر ينزل ربنا
وأشباهه وقد أغنتْ الإشارة عن البسط والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
يتبع ألف
بمطبعة جمعية دائراة المعارف العثمانية
سنة 1367 هـ
1948 م
ألف
abdelkrim
2018-11-29
شكرا لكم .... ارجو الحصول على الكتاب كاملا بتنسيق word .. doc ;و كدلك كتاب التنزلات الموصلية
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |