أدباء بلا ألقاب
خاص ألف
2007-05-16
منذ سنوات قليلة أخذت بالانكماش تدريجياً ظاهرة إعلانية تمثلت بتظهير المؤلف ، على غلاف كتابه ، صورة شخصية له وبعضا ً من فتوحاته الثقافية والمهنية .. وإذا كان هذا الفائض الإعلاني قد وجد له ما يبرره في حينه ، فإننا اليوم نـُفاجئ بفائض إعلاني من نوع آخر وعلى المستوى الثقيل.. حيث لا تكاد تخلو مجلة أو صحيفة يومية من عشرات الكتاب الذين يزينون أسمائهم بـ /د/ اختصارا ً للقب الدكتور.
ورغم حساسية التعرض لظاهرة كهذه ، انتشرت في الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة ، وخشيتي من تـُهمَتي الحسد وضيق العين لخلوّ سجلي الشخصي من هذا اللقب الجليل ...
رغم كل هذه المحاذير فإنني أطمئن البعض إلى أنني لن أتعرض ، في هذه العجالة ، للكيفية التي حصلوا فيها على هذه الـ / د / ولن أشير إلى المؤسسات المشبوهة داخل الوطن العربي وخارجه التي أتاحت للكثيرين من أدعياء العلم والثقافة إمكانية شراء هذا اللقب حتى صار بمقدور حملة الابتدائية ( وحتى الذين لا يحملونها ) تزيين أسمائهم بلقب دكتور .
في مقابل كل هذا لم يغب عن بالي ، ولن يغيب ، مدى ما يوحي به هذا اللقب ، ومدى مكانته ورفعة شأن حامليه ممن حصلوا عليه بالعراق والجهد وسهر الليالي ، وأدرك ، وإن اختلط الحابل بالنابل ، أن الزبد سيذهب جـُفاء ً ..
وأنا في هذا المكان ، لن أشتغل بفرز زوّان الدكاترة عن قمحهم .. فقط ، سأحاول تسليط ضوء صغير على العشوائية التي يستخدم فيها هذا اللقب .
مرة،كنت شاهدا" على موقفين متناقضين لشاعرين معروفين، وهو ما لفت نظري إلى هذه العشوائية في الاستخدام :
الموقف الأول تمثل في الغضب الهادئ والخجول لشاعر على مسافة بضع مواد من نيل لقبه كطبيب ( دكتور ) حينما اعترض على تثبيت الـ / د / قبل أسمه أثناء نشر قصيدة له في إحدى الدوريات المحلية .
الموقف الثاني تمثل في الغضب الحاد الذي اعترى شاعرا ً ومسرحيا ً معروفا ً لأن دورية محلية أسقطت ( بقصد أو بغير قصد ) الـ / د / من اسمه أثناء نشر مادة أدبية له .
هذا الغضب وصل إلى حد التلاسن مع رئيس التحرير الذي (بقّ البحصة) وطالب الأديب (الدكتور) بشهادة السرتفيكا ليثبـّت الـ ( د ) .
في الموقف الأول رأيت الكثير من المنطقية في اعتراض الشاعر على تثبيت الـ / د / لأنه ، وحسبما برر ذلك ، كان ينشر مادة أدبية وليس بحثا ً في اختصاصه الأكاديمي .
/
وفي الموقف الثاني رأيت أيضا الكثير من المنطقية في مشاكسة رئيس التحرير للأديب المذكور وإسقاطه الـ / د / من اسمه لمعرفته الأكيدة في (الأسواق ) و الكيفية التي اشترى فيها هذا الأديب شهادة الدكتوراه .
هذان الموقفان ألا يثيران فينا فكرة البحث عن كيفية لضبط استخدام هذا اللقب وإبعاده عن العشوائية ..وربما تنظيفه ؟
وهذه العشوائية .. أليست وليدة الاستخدام المتعدد الأغراض لهذا اللقب ..؟
وتعدد الأغراض ألا يطوح أحيانا ً كثيرة بقيمة هذا اللقب ورفعه شأنه من خلال العيوب اللغوية والفنية والمعرفية التي تظهر في النسيج الأدبي لدكاترة غير مختصين بالآداب عموما ً ..؟
يقول قائل بأن من الدكاترة غير المختصين بالآداب من عـُرف بعلو كعبها الأدبي وبز أقرانه من الأدباء الدكاترة المختصين بالأدب .. ثمة من سيقول هذا .. وأقول بدوري نعم .. وهل ينسى الدكتور عبد السلام العجيلي والدكتور إبراهيم ناجي والدكتور عبدالرحمن منيف .. وغيرهم ولكن حلا ً للمشاكل التي قد تنجم عن الاستخدام العشوائي للقب نرى ضرورة ضبط الأمر بآلية بسيطة تقتضي تثبيت الـ / د / فقط لأسماء الكتاب المتخصصين عندما يـُراد نشر مادة متعلقة حصرا ً باختصاصهم الأكاديمي ، فيما يُكتفى بتذييل حاشية بلقب الكاتب واختصاصه في الحالات الأخرى غير الاختصاصية .
همسة أخيرة في آذان الذين سوف يأخذون على خاطرهم .. ألا ترون بأن لنا أسوة حسنة بأدبائنا الكبار ..؟
هل رأيتم مثلا" هذه الـ / د / تسبق أسماء أدو نيس وخليل حاوي وعبدالرحمن منيف على كتاب أو مجلة أو صحيفة رغم أن الثلاثة من حملة الدكتوراه ؟
ألا تؤمنون بأن الفن عموما اكبر من اللالقاب ؟
وما الذي منع هؤلاء الكبار وغيرهم من إسقاط الـ /د / من أسمائهم سوى يقينهم من أن الأدب اكبر من الألقاب ..؟
هل سنرى أدبا ً متخففا" من فائض زينته ..؟
وهل سنرى الأدباء بلا الألقاب ..؟
08-أيار-2021
12-آذار-2016 | |
21-تموز-2012 | |
05-تموز-2012 | |
05-حزيران-2012 | |
24-آب-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |