التسلط الديكتاتوري - من مذكرات وذكريات عدنان سعد الدين
خاص ألف
2012-07-04
أوراق منقذة من مخطوط محترق لمرشد جماعة الأخوان المسلمينالسابق تم إنقاذها وحصلت ألف عليها، وقمنا بتصحيح بعض الأخطاء فيها لنقارن بين دكتاتورية الأمس و ما يجري اليوم
ألف
****
الذين يدققون في أحداث هذه المرحلة التي امتدت ثلاث سنوات إلا قليلا يلاحظ ما يلي :
1 - إن سورية استحالت إلى حقل تجارب لدى المغامرين العسكريين ، ومن يبحث عن الجاه الزائف والمغنم من المتسلقين ، إذ كانت الوزارة لا تستمر أكثر من فصل من فصول السنة تم تختفي وتنتهي ، وإذا سألت عن الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية ورجالات سورية ، الذين قادوا بلدهم إلى الاستقلال ، وعن شيوخ الإسلام وقادة الوطن ، وعن الاخوان المسلمين الذين كانوا يشكلون كتلة برلمانية كبيرة ، في ثقلها ونوعية رجالها بل إذا سألت عن الشعب كله أين هو من أحداث هذه المرحلة من 8-3-1963 وحتى 23-2-1966 فإنه في نظر المغامرين في خبر كان أوفي خانة الصفر ، لم يعد له وزن أي وجود في نظر الانقلابيين الذين هدموا الحياة الدستورية والبرلمانية والمدنية ومن القواعد.
لقد أعطى الانقلابيون لأنفسهم صلاحيات مطلقة في كل شيء بموجب الأحكام العرفية التي أعلنوها منذ الساعات الأولى للانقلاب في 8-3-1963 بالأمر العسكري رقم ( 2 ) دونما سند من مواد قانونية أو أسباب موجبة كالتي نص عليها قانون إعلان حالة الطوارئ مثل : حالة الحرب ، أو تعرض البلاد للخطر ، أو حدوث اضطرابات داخلية ، ووقوع كوارث عامة ، أن موافقة مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين ، أو عرضه على المجلس النيابي في أول اجتماع له. وبموجب هذه الأحكام العرفية التي أعلنت دونما سند قانوني ، توقف العمل بالدستور ، وبالقوانين أو معظمها ، وعطل القضاء إلا في بعض القضايا المدنية ، وحل مكانه القضاء العسكري والمحاكم الاستثنائية التي حكمت بالإعدام على الألوف دون السماح للمتهم بالدفاع عن نفسه ، أو توكيل محام عنه واستئناف الحكم الصادر عليه من عسكريين يجهلون القوانين وأصول المحاكمات ، والحدود الدنيا لمجريات القضاء ، فكانوا يحكمون بالموت على المتهم بعد دقائق يمثلها أمامهم ، ثم يدفعون به إلى ساحات الإعدام ولربما كان الضحية سعيدا بقتله ليتخلص من ألوان العذاب التي لم يسمع بها البشر من قبل ، ما سيأتي ذكره في حينه ، كما جاء في وثائق الدفاع التي نشرتها منظمات العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان.
والغريب أو المستهجن الذي تعاف سماعه النفوس أن الذين كانوا يساقون إلى المشنقة أو حقل الرمي ، كل يلفظ بالشهادة قبيل قتله ، فقرر السفاحون حرمانه من ذلك ، ووضعوا لاصقا على فمه حتى لا ينطق بالشهادتين ويقول : اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، كيلا يسمعه المكدسون في المهاجع ، والذين ينتظرون دورهم في الإعدام ، وبهذه الأساليب الهمجية والوسائل الوحشية نفذ حكم الإعدام بالألوف من عسكريين هم خيرة ضباط الجيش كفاءة وأخلاقا ، ومن علماء ومفكرين وشباب بأعمار الأزهار في مأساة ( لم اقرأ ولم أسمع بمثل قسوتها ) ما واجهها شعب من شعوب الأرض في النصف الثاني من القرن العشرين ، واستمرت حتى مطلع القرن الواحد والعشرين الذي نشهد سنواته الأولى ، وسوية لا تزال ترزح تحت وطأة الحكم العرفي ، وتسلط أجهزة الأمن على رقاب العباد وحياة المواطنين.
2 - كان الانقلابيون يفتقرون إلى أي تأيد شعبي عدا المرتزقة والانتهازيين الذين تحلقوا حول دبابات اللواء الذي ترك الجبهة مع العدو ، وإسرائيل لم تحرك ساكنا ، وجاء إلى العاصمة السورية محتلا ، وكان حزب البعث الذي رفع الانقلابيون رايته ، وحكموا باسمه ، قد تبعثر وتشتت ، وتحول إلى شظايا منذ أيام الوحدة حين التحق بعثيون كثيرون بالأحزاب الوحدوية والناصرية ، وترك بعضهم العمل وتواروا في عزلة ، وهاجم البعض من البعثيين الحزب واتهموه بالانحراف والطائفية كما صرح بذلك وكتب فيه منظر حزب البعث مطاع الصفدي ، والأمين العام السابق لحزب البعث منيف الرزاز ، ومن قبلهما جلال السيد أحد مؤسسي الحزب الأربعة ( ميشيل عفلق صلاح البيطار وأكرم الحوراني وجلال السيد ) فلم يكن عدد الذين استمروا بانتمائهم إلى الحزب الذي يقوده عفلق أكثر من 400 عضوا كما رأينا من قبل ، فلم يجد الانقلابيون ما يملؤون بهم الوظائف الكبيرة ودوائر الحكمة إلا المنافقين الذين يلهثون وراء المنصب والشهرة والجاه وتكديس المال الحرام.
لم يمض وقت طويل حتى كشف الانقلابيون عن بعض خططهم ، فحشدوا أبناء الطوائف والأقليات في الدوائر والمؤسسات ، وفي السلك الدبلوماسي وفي الجيش وأجهزة الأمن بشكل علني دون خجل أو حياء ، أو حاجة إلى مداراة أو تستر أو إنكار ، بعد أن حطموا كل مقومات الشعب وقدراته ، وجردوه من كل مناعة أو طاقة على مقاومة رجال السلطة الثورين التقدميين!!
ومن المفارقات العجيبة أن أحد دعائم الانقلاب على أديب الشيشكلي في مطلع عام 1954 الذي انضم فيما بعد إلى المعارضة السورية ، وكان عضوا في المكتب السياسي ، كثيرا ما كان يكرر بعد أن رأى ما حل بسورية وشعبها : لقد خرب العسكريون سورية وحطموها ، وعلى مسمع من أعضاء المكتب السياسي السبعة للتحالف الوطني لإنقاذ سورية ، هذا ما كنا نسعه مرارا من السيد مصطفى حمدون.
3 - تستر الانقلابيون أو الطائفيون زورا بحزب البعث وبالناصريين ، وزعموا أنهم سيعيدون الوحدة التي سوغوا بها انقلابهم للقضاء على الانفصال ، وبعد أن تمكنوا نسفوا الناصريين نسفا ، وقضوا عليهم وعلى كل ما يمت لهم بصلة ، قضاء مبرما ، بالقتل والإعدام والزج بهم في السجون والمعتقلات ( حتى غادر الكثيرون منهم أرض الوطن ) وبتصفية الجيش وأجهزة الأمن من الناصريين والبعثيين غير الطائفيين والإسلاميين ومن أبناء المدن حتى لم يبقوا في الجيش والقوات المسلحة من ذوي الخبرة العسكرية إلا ما ندر ، وإذا ذكرهم أو غيرهم أحد ممن لم يقع في قبضتهم أنهم قلة قليلة لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا من مجموع المواطنين قال رئيسهم أمين الحافظ ( الذي قدموه عليهم ، وأبرزوه واجهة يرتكبون كل الآثام باسمه وينسبونها إليه ) في خطبة أثناء جولاته :
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها : إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وكثيرا ما كنا نتندر مع أمين الحافظ حينما كنا نلقاه في بغداد ، فيقابل ذلك بالضحك العالي وعبارات الندم ، مدركا أنهم استغلوه وخدعوه ، واتخذوه واجهة لما اقترفت أيديهم من جرائم تقشعر من هولها الأبدان.
ومن أفظع ما اقترفوه من آثام في هذه الفترة العصيبة بحق المواطنين السوريين : تطاولهم على بعض النساء ، خطفا من الشارع أو بالتخويف أو الاغتصاب في أقبية التحقيق بعد الاعتقال وسوق الحرائر إلى غرف التحقيق ، والويل كل الويل لمن يسأل عن ابنه أو ابنته بعد خطفهم ، بل إن بعض الآباء ظلوا يجهلون مصير أبنائهم وبناتهم حتى كتابة هذه السطور.
الخداع باسم الوحدة
كانت الهوة سحيقة وعميقة بين الانقلابيين وبين جماهير السوريين أو معظم أطيافهم ، وكان تجسير الهوة بين الانقلابيين والجماهير بعيد المنال عبر الدبابات وبعض الفئات العسكرية المحدودة ، وللخروج من هذا المأزق أو هذه العزلة الشعبية ، أعلنت السلطة عن رغبتها في إعادة الوحدة بين سورية ومصر وأنهم - الانقلابيون- قاموا بانقلابهم لتحقيق هذا الهدف الكبير ، وأنهم في طريقهم إلى القاهرة لإجراء مباحثات مع عبد الناصر ، أعلنوا عن ذلك بعد قيام الانقلاب بستة أيام فقط.
سرعان ما سافر وفدهم إلى مصر ، وشرع في المفاوضات مع جمال عبد الناصر في 14-3-1963 والتي استمرت حتى 17-4-1963.
1 - انضمت بغداد إلى مباحثات الوحدة ، ودراسة مشروع اتحاد أو توحيد بين الأقطار الثلاثة ، مصر وسورية والعراق.
شرعت الأقطار الثلاثة في مباحثات الوحدة على دفعات ، من 14 إلى 16 آذار ، ومن 6 إلى 8 نيسان ، أما الثالثة فقد انتهت في 17-4-1963 عندما أعلن المتباحثون عن دستور ينص على قيام جمهورية عربية ثلاثية معتمدة.
حضر المباحثات ناصر ، وعامر وآخرون من مصر ، وعلي صالح السعدي ، وطالب شبيب ، وصالح مهدي عماش ، وأحمد حسن البكر ، عن العراق ، والحريري ، والقطيني ، وفواز محارب ، وفهد الشاعر ، عن سورية ، ثم حضر عن سورية في المرحلة الثالثة من السوريين ما يقل عن سبعة عشر يمثلون المجلس الوطني لقيادة الثورة والحكومة و الفئات الناصرية.
كان الانقلابيون السوريون يعملون على كسب الوقت ، لتثبيت دعائم حكمهم الانقلابي في وحدات الجيش والأجهزة الأمنية ودوائر الحكومة. ولم يكونوا جادين في إقامة وحدة مع مصر وسورية في أي وقت ، وبأي صورة من الصور ولم يكونوا يثقون بعبد الناصر ، ولكنهم خادعوه للوهلة الأولى ، وظن أن الأمر جد ، لقد كان عبد الناصر يتبنى لهجة أبوية استفزازية تجاه البعثيين السوريين ، ويضغط من أجل دمج جميع القوى السياسية في الأقطار الثلاث ، في تركيب حزبي واحد كما ذكر فان دام في كتابه وفي 17-4-1963 وبعد شهر من المباحثات الشاقة والمتقطعة أعلن دستور ينص على قيام جمهورية عربية متحدة ثلاثية ، كما جاء منذ قليل.
لم يضيع البعثون أو الذين يحكمون باسم البعث ساعة واحدة للسيطرة على مرافق الدولة في مقدمتها القوات المسلحة ، وتصفية الآخرين في الجيش من غير علويين ، بدءا بالسنيين ثم بالدروز والإسماعيليين ، فبعد ثلاثة أشهر من الاستيلاء على السلطة طردت اللجنة العسكرية اللواء زياد الحريري وزير الدفاع ورئيس الأركان الذي قام بالانقلاب بدور حصان طروادة مع مجموعة من كبار أنصاره الذين بلغ عددهم حوالي 25 ضابطا كما جاء في تقرير رقيب الشرق الأوسط.
ومما يجدر ذكره أن الحريري اسند إدارة المخابرات للضابط عارف الجاجه من مدنية حماة ، وقد عرفته معلما في المدرسة التي كنت فيها طالبا ، فرغبت باللقاء مع عدد من الإخوان عن طريق ضابط الاحتياط م س ، فالتقيناه كنا ثلاثة : الدكتور عبد الكريم عثمان رحمه الله ، والأخ الداعية م ص وكاتب هذه السطور ، فإذا بالضابط الجاجه يستند بالمنظمات الحزبية والجماهير الشعبية لفك الحصار الذي ضربته الفئات الطائفية بالجيش حول الحريري ، وطلب منا أن نخرج في مظاهرات صاخبة وداعمة.
فسألناه :
- تحت أي لافتة أو شعار تتحرك المظاهرات؟
فقال : تحت شعار : الحرية والوحدة الاشتراكية.
فالشيخ عارف كما كان يسمى وهو يزاول مهنة التعليم يريد من الإخوان أن يرفعوا شعارات البعث الذي احرق الأخضر واليابس ، فسرعان ما افترقنا مدركين ما كانت عليه هذه المجموعة من الغفلة و السذاجة ، وشعرنا بالخطر الذي يهدد الوطن في مستقبله ومصيره.
2 - كشر الانقلابيون عن أنيابهم ، وخمد الطائفيون رؤوسهم ، وظهروا للعيان دون وجل أو خجل ، فأدركت جمع المواطنين أن حزب البعث ليس اكثر من ستار لتكتل طائفي خطر ، وأن أبناء الأقليات يحكمون قبضتهم على الوحدات العسكرية ، وأنهم يمسكون بمفاصل القوات المسلحة ، ويبعدون عن القطعات العسكرية ، وعن الجيش ، أو بالأصح عن الوحدات المؤثرة كل من عداهم ، بادئين بحلفائهم الناصريين الذين شاركوهم في الانقلاب ، وتقاسموا معهم عدد الأعضاء في المجلس الوطني للثورة ، وعدد الوزارات ، حتى أجبروهم على التنحي ، فترك أكثر من ألف ناصري مواقعهم في الوزارات ، واضطروا إلى تقديم استقالاتهم.
تململ الناصريون من سوء ما لاقوه من شركائهم البعثيين فقرروا القيام بانقلاب عسكري يطيح بالبعثيين الذين خدعوهم بشعارات الوحدة أي أيدوها ظاهرا وعلانية ، وحاربوها في السر والخفاء واضطهدوا أنصارها والداعين إليها ، فقاموا في وضح النهار بانقلابهم الذي كان مكشوفا في 18-7-1963 ، وكان تنظيمهم مخترقا ، فجوبهوا بمقاومة شرسة ، ومطاردة عنيفة ، فقتل منهم من قتل ، وهرب من هرب ، واستسلم آخرون ، أو اسروا ليقدموا إلى محاكمة عسكرية ، سرعان ما أصدرت أحكاما بالإعدام على بضعة وثلاثين من الضباط والمشاركين ، لينفذ فيهم حكم الموت حالا بعد صدور الحكم ، وكان من أبرزهم العقيد هشام شبيب قائد سلاح الإشارة.
كان العقيد جاسم علوان كبير الانقلابيين ، وقائدهم ، والمعروف باتجاهه الوحدوي ، وتأييده المطلق لجمال عبد الناصر ، وقد عرفناه عن قرب من التحالف الوطني المعارض ، وزرناه مرارا وفي منزله في حي الزمالك بالقاهرة ، ولمسنا فيه النبل والخلق الرفيع والحمية والكرم ، غير أنه كان من البساطة والعفوية بحيث يقع في مزالق عدة ، كلفته الفشل تلو الفشل ، بعد أن ارتكب الخطأ الفادح عندما اعترف بأن الشيشكلي قد لفت نظره إلى عدم تغليب الأقليات في اختيار طلاب الكلية العسكرية ، وأن يأخذوا نصيبهم بقدر حجمهم ، لدى التحاقهم بالدراسة ، لكن العقيد جاسم رفض هذه الفكرة ، ولم يتقيد بتعليمات وتوجيهات الشيشكلي كما اعترف بذلك عندما كان مدربا بالفصل الذي كان يضم ضباطا علويين ، أمثال حافظ أسد ، وعلي اصلان ، ومحمد نبهان.
3 - كانت اللجنة العسكرية السرية المكونة من محمد عمران ، وحافظ أسد ، وصلاح جديد ، ومن انضم إليهم فيما بعد ، من أبناء الأقليات مثل عبد الكريم الجندي ، وأحمد المير ، تتحرك في أوساط الجيش كتنظيم من داخل تنظيم البعث ، وتتحكم في ترتيبات الجيش من وراء ستار ، وتستغل الجيش باسم الحزب ، والحزب باسم الجيش والشعب حسب تعبير الدكتور اللواء غسان حداد عضو مجلس قيادة الثورة وزير التخطيط- وتعمل على احتلال العلويين مواقع عسكرية قيادية ، فصلاح جديد غدا رئيس الأركان من عام 1963 وحتى 1965 ، وحافظ أسد قائد سلاح الطيران ، وعزت جديد قائد اللواء سبعين أقوى ألوية الجيش والممسك بخناق العاصمة ، وبيده مفتاحها.
من مذكرات عدنان سعد الدين المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |