( حيث أكون خالقاً أكون صادقاً )
***
"راينر ماريا ريلكه "
***
الجزء الأول
.....
( حسرة )
( ألستُ على حق ؟
أنت الذي وجدتَ طعماً بالغ المرارة
للحياة إذ ذقتَ حياتي يا أبي
وإذا استمررتَ تذوق طوال ما كنتُ اكبر ،
الماء الكدر الأول لواجبي
يقلقكَ مذاق مستقبل ٍ شديد البعد عن المألوف ،
وكنتَ تُسائل نظري الجامد ،
أنت الذي كثيرا ً يا أبي منذ وفاتك
تكابد القلق فيَّ في أملي .
وبسبب قَدَري الشحيح تخليتُ عن السكينة
التي يتحلّى بها الموتى ، عن عوالمهم من سكينة ،
ألستُ على حق ؟ ... )
***
( 1 )
رأى الكلّ أن قد جاء الخريف .
لم يلبث النور
أن قضى متخبّـطاً بدمه ،
في العتمة وحدها لا تزال كانت تلمع الزهرة
على قبعة الصغيرة المضطربة القالب
بقفازها الممزّق داعبتْ
يدي بتحفّظ .. بتملق
لا أحد سواها وسواي في الزقاق ...
في قلق ٍ قالت (( هل أنت ذاهب ؟ )) . أنا ذاهب
عند ذاك أخفتْ رأسها الأسيف
في قماش معطفي
وعلى القبعة رمزت الوردة بإيماءة ٍ حمراء ،
وابتسمَ المساءُ في إعياء .
" براغ ربيع 1896
( 2 )
ينبغي التفكير مليّـاً ... إذاً
أريد قول شيء ٍ في مثل ضياع
أعْـصُـر ِ الطفولة البالغة الطول تلك
التي لم ترجع أبداً كما كانت ــ لماذا ؟
هذا ما زال يخاطبنا ... في يوم ٍ مطير
لكنّـا لم نعد نعرف قراءة معناه ؟!
قطُّ لم توفر الحياة هذا الجمْ
من اللقاءات ومن التقدّم ومن المغادرات
قدر ما فعلتْ حين لم يكن يحدث لنا
أكثر مما يحدث للأشياء أو للحيوانات !.
كنا نعيش كمصير إنساني مصيرها
غدونا وإيّـاها صورة ً متكاملة ،
وفي مثل عزلة ِ راع ٍ
في تمادي آفاق ٍ بالغة ِ الرحابة
وكأنما هُـتِـفَ بنا وخوطبنا من بعيد جداً
وببطْ كسلْـك غير مستعمل
في تلك السلاسل من صور ٍ مُـدْرجة
حيث تُـحيِّرنا الآن الاستدامة .
) 3 )
ــ إذاً لا تظنّنَ أنه باطل
إن قلتُ لكَ أن أحداً لا يحيا حياته
الناس ُ مصادفات ، أصوات وأنقاض
كروب ، أيام كل الأيام ، سعادات تافهة ،
متخفّون منذ الطفولة ، متنكرون
أقنعة راشدة لكن وجوه خرساء؛
أحلمُ أن يجب أن تكون متاحف
حيث تحفظ هذه الحيوات المتعددة
كدروع ، محفّـات أو مهود ..
ما من مخلوق حقيقي استعملها ،
أو ألبسة لا تثبت بذاتها
وحدها وتنهار إذ تُـمسّ
جدراناً قوية ً معقودة من حجر
وحين أخرج مساء ً دائماً إلى أبعد
من حديقتي هرباً من سأمي
أعلم أنه عندئذ تقود كل الطرق
إلى ترسانة الأشياء غير المُـعاشة .
****
( القارئ )
" قصيدة من مجموعة ــ كتاب الصور ــ "
وإذا ما رفعتُ عينّي الآن عن الكتاب
لن يكون شيء موحشاً ، كل شيء ٍ سيكون عظيماً
في الخارج موجود كل ذلك الذي أعيشه في الباطن
هنا وهناك كل شيء ٍ بلا حدود ؛ في ما عدا
إني أصبحُ فيه منجدلاً بأوثق
حين تمضي نظراتي تنسجمُ مع الأشياء
ومع البساطة الوقورة للحجوم
عندئذ ٍ تكبر الأرضُ عن ما هي عليه
تبدو حاضنة العالم بأكمله
وكأن النجمة الأولى هي البيت الأخير .

وسترفيد أيلول 1901
يتبع ... ( خاص ألف )