Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

تلك المدينة الصغيرة الميتة / هيرمان هيسه *

ألف

خاص ألف

2012-07-16

أعرف، أنك تسيرين
غالباً ما أتمشى في الشوارع حتى وقت متأخر،
أخفض ناظري، وأحث الخطى، مليئاً بالجزع،
فجأة، وبصمت، قد تنهضين مجدداً
ويتوجب علي التحديث بكل حزنك بمقلتي،
بينما تطالبين بسعادتك، التي ماتت.
***
أعرف، أنك تسيرين خلفي، كل ليلة،
بوقع أقدام خفرة، في ثوب بال
وتسيرين ابتغاء للمال، بائسة المنظر:
الله يعلم ما يعلق بحذائك من أقذار،
الريح تداعب شعرك بفرح عابث ـ
تسيرين، وتسيرين، ولا تجدين منزلاً أبداً.
رافينا
أنا أيضاً كنت في رافينا
تلك المدينة الصغيرة الميتة
فيها الكنائس والوفير من الخرائب
يمكنك القراءة عنها في الكتب.
***
تتجول فيها وأنت تتلفت حولك
الشوارع موحلة، رطبة
ومشدوهة على هذه الحال لألف سنة،
والطحالب والعشب في كل مكان.
***
هذه حال الأغاني القديمة ـ
تصغي إليها، ولا أحد يضحك منشزاً
بل كل ينسحب الى
زمانه حتى يرخي الليل سدوله عليه.
***
2
(( الشاعر ))
علي فقط، أنا المتوحّد، المنعزل،
تشع نجوم الليل اللامتناهية،
النافورة الحجرية تهمس بأغنيتها السحرية،
ولي وحدي، لي أنا المتوحد المنعزل
تتحرك الظلال الملونة للسحب المتجولة
كالأحلام فوق الريف الطلق
لا منزل ولا مزرعة،
لا غابة ولا حق الصيد أعطي لي،
ما هو لي لا يملكه أحد،
الجدول المندفع بتهور خلف ستار الغابة،
البحر المخيف،
طنين لعب الأولاد الأشبه بجلبة الطير،
النحيب والغناء في المساء
لرجل يكتم حبه،
معابد الآلهة لي أيضاً، ولي أيضاً
بساتين الماضي الأرستقراطية.
وكذلك الحال، قبة
السماء المضيئة في المستقبل هي بيتي:
وغالباً، عامرة بالشوق تطير روحي باندفاع الى الأعلى،
لتحدث في مستقبل الرجال المباركين،
وفي الحب، الذي يسمو فوق القانون،
الحب من الناس إلى الناس.
أجدهم كلهم من جديد، وقد تحولوا بجلال:
المزارع، الملك، الحرفي، البحارة المنهمكون،
الراعي والبستاني، جميعهم
يحتفون، شاكرين، بمهرجان مستقبل العالم.
الشاعر وحده غائب
المتوحد الذي يتفرج،
حامل الشوق الإنساني، صاحب الصورة الشاحبة
الذي لم يعد من حاجة للمستقبل إليه لاكتمال صيرورة العالم من جديد.
العديد من أكاليل الزهور تذوي على قبره،
لكن لا احد يتذكره
الجبال ليلاً
البحيرة سكتت كالميت،
القصب، أسود في نومه،
يهمس في حلمه
ومنتشرة بكثافة في الريف،
تلوح الجبال، منثورة
هي لا ترتاح
تأخذ أنفاساً عميقة، وتتكاتف،
متلاصقة
متنفسة من الأعماق،
محملة بقوى صامتة
أسيرة هوى مضن
ليلاً في أعالي البحار
ليلاً، حين يمرجحني البحر
ويستلقي لمعان النجم الشاحب
على الأمواج العريضة،
عندها أحررُ نفسي تماماً
من كل نشاط وكل الحب
لأقف صامتاً وأتنفس هواء نقياً،
وحيداً، وحيداً يمرجحني البحر
المنبسط في الهناك، بارداً وصامتاً، بألف ضوء وضوء
بعدها أفكر بأصدقائي
ويقع بصري على بصرهم
وأسأل كل واحد منهم، صامتاً، وحيداً:
"هل ما زلت لي؟
هل أساي أساك، وموتي موتك؟
هل تشعر من خلال حبي، من خلال حزني،
بوجود ولو مجرد أنفاس، مجرد صدى؟"
***
والبحر وحده يرد النظرة، صامتاً،
ويبتسم: لا
ولا تأتيني تحية، ولا جواب
الأزهار، أيضاً
الأزهار، أيضاً، تقاسي الموت
مع أنها لم تقترف إثماً
وكذلك، جوهرنا مع أنه نقي
لا يعاني سوى مشاعر الحزن فقط
بينما نحن لا نودّ أن نفهم
ماندعوه إثماً
تشربه الشمس
يوافينا خارجاً من الحناجر النقية
للأزهار، ومن الضوع والنظرة القلقة للأطفال.
ومع موت الأزهار،
نموت، أيضاً،
فقط موت الخلاص،
فقط موت الانبعاث
الزمن الرديء"
الآن نحن صامتون،
ولم نعد نشدو بالأغاني،
خطواتنا أمست ثقيلة،
هذا هو الليل المقدر قدومه.
***
أعطني يدك،
ربما لم تزل أمامنا درب طويلة نسيرها
إنها تثلج، إنها تثلج
الشتاء شأن صعب في بلد غريب.
***
أين هو الزمن
الذي كان فيه النور، والمدفأة يضطرمان لنا!
أعطني يدك!
لعله لم تزل أمامنا درب طويلة نقطعها.
القدر
في معمعة غضبنا وتشوشنا
نتصرف كالأطفال، دون وازع،
هاربين من أنفسنا،
أسرى الخزي السخيف.
***
تمر السنوات متثاقلة
بآلامها، مسكونة بأمل الانتظار
ولا درب واحداً يعيدنا
إلى حديقة شبابنا
طفولة
يا وادي الأقصى،
سحرت وتلاشيت
مرات عدة، وسط حزني وكربي،
أومأت إليّ من أرض ظلالك
صوب الأعالي
وفتحت عينيك الأسطورية
حتى فقدت ذاتي بين يديك كلياً
بعد أن تهت في وهم عجول.
***
أواه، يا البوابات المعتمة
أواه، يا ساعة الموت المعتمة
تقدمي
لأتعافى من خواء هذه الحياة
وأعود الى أحلامي الخاصة
كم ثقيلة الأيام
كم ثقيلة هي الأيام
ليس من جذوة نار تدفئني،
لا شمس تشاركني الضحك،
كل شيء عار
كل شيء بارد وبلا رحمة،
وحتى النجوم الجميلة، الصافية
تنظر بدهشة الى الأسفل،
منذ أن أدرك فؤادي
أن الحب يموت
دونك
ليلاً تحدث بي وسادتي
فارغة كبلاطة القبر،
لم ادر أبداً مدى ما ستكونه مرارتي
وحيداً من دونك،
وألا أغفو بين خصلات شعرك.
***
أستلقي وحيداً في منزل صامت،
المصباح المتدلي انطفأ،
وعلى مهل أمد يديّ
لتأنسا بيديك،
وبرفق أضغط فمي الدافئ
باتجاه فمك، وأقبل ذاتي، منهكاً ضعيفاً
ثم فجأة أراني صاحياً
وحولي الليل البارد يزداد صمتاً
النجم في الشباك يشع صافيا
أين شعرك الأشقر،
أين فمك العذب؟
***
الآن أشرب الألم في كل مسرّة
والسمُّ في كل خمرة،
لم أدر مدى مرارة
أن أكون وحيداً
وحيداً، دونك.
كل الميتات
ذقت كل صنوف الموت،
وسأذوق كل الميتات من جديد،
موت الخشب في الشجرة،
موت الصخر في الجبل،
موت التربة في الرمال،
موت الورقة في عشب الصيف المتيبّس
والموت البشري اللئيم المثير للشفقة.
***
سأولَد من جديد، أزهاراً
شجرة وعشباً. سأولَد من جديد،
سمكاً وغزلاناً، طيراً وفراشات.
ومن أيّ شكل أتخذه،
سيجرّني الشوق على عتبات السلّم
إلى آخر معاناة،
إلى معاناة الرجال.
***
أواه، يا القوس المرتجّ،
عندما قبضة الشوق الغاضبة
تأمر طرفي العمر
بالدنو من بعضهما !
مع ذلك غالباً، ومرة إثر مرة،
أراكَ تعود وتطاردني من الموت الى الولادة
على درب الخليقة المؤلم،
على درب الخليقة المجيد.

ترجمات شعرية ( مجلة ثقافة الأسبوعية ) القاهرة
الثقافة والإرشاد القومي مصر 1965
هيرمان هيسه

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow