دراسة الأديان المقارنة في ألمانيا كلاوس فون شتوش- من بادِربورن إلى قُم... منارة في عالم الأديان
2012-07-18
يُعتبر البروفيسور الشاب كلاوس فون شتوش من أهم المشتغلين بدراسة الأديان المقارنة في ألمانيا، وهو يتعاون مع باحثين مسلمين في فقه الدين. الصحافية الألمانية أورسولا روسمان تـُعرِّف في هذه المقالة بأستاذ اللاهوت في جامعة بادِربورن وتستعرض رؤاه بخصوص هذا التيار الحديث النشأة نسبيا في دراسات الأديان.
.
عندما كان كاثوليكيًا يافعًا طرح كلاوس فون شتوش ذات يومٍ على نفسه السؤال التالي: أيُّ معتقد ديني سأعتنق لو أنني نشأت وترعرعت في الهند، الإسلام أم الهندوسية؟ لم يكُن يومها الدين المسيحي "القويم إلى أبعد حدٍّ كما كان يشعر" وحده هناك، إنما أيضًا صهره المغربي المسلم المؤمن زوج شقيقته الذي أبهره أيما إبهار حسبما يتذكر أستاذ اللاهوت في جامعة بادِربورن الألمانية اليوم، حيث يقول: "طرح السؤال التالي نفسه بلا مقدمات: كيف هي الحال بالنسبة لمن يعيشون في كنف حضاراتٍ أخرى؟ وكيف تستوي الحقيقة التي أومن بها والحقيقة التي يؤمنون هم بها؟"
أسئلة من هذا القبيل وبكلماتٍ بسيطةٍ يطرحها اليوم تلامذة المدارس الابتدائية عندما يلاحظون أن زملاءهم المسلمين لديهم عطلة مدرسية في أيام عيد الفطر وأن هؤلاء لا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح. وهذه بعينها الأسئلة الجوهرية التي يبحث فيها كلاوس فون شتوش في "مركز دراسات الأديان المقارنة وعلوم الحضارة" ZeKK التابع لجامعة بادِربورن.
دراسات الأديان المقارنة، وهي تمثل تيارًا لاهوتيًا حديث العهد في العالم الناطق بالألمانية، تبحث عن إجابات مسيحية بخصوص الحياة اليومية المتعددة في المجتمعات الحديثة. كما تبحث عن طرقٍ ينهجها المسيحيون تمكـِّنهم من تقدير قناعات دينية أخرى دون أنْ يتخلوا عن دينهم الخاص بهم. ويكتب كلاوس فون شتوش في كتابه المرجعي إنَّ دراسات الأديان المقارنة هي "منارة راشدة في عالم الأديان". وليس هذا بتطلعٍ بسيط.
مُحاضِر زائر في قم
كلاوس فون شتوش أهم ممثِّلٍ لدراسات الأديان المقارنة في ألمانيا، وهو يعمل بشكلٍ وثيقٍ مع علماء مسلمين في المقام الأول. وقد قدَّم في الخريف سلسلةً من المحاضرات أمام طلبةٍ شيعةٍ في قم الإيرانية تناول فيها اللاهوت المسيحي. كما حل ومحمد خورشيد أستاذ التربية الدينية الإسلامية في جامعة مونستر ضيفين على كنيسة دورميتيو البنديكتية في القدس.
وكان موضوع ورشة العمل التي استمرت أسبوعًا "مفاهيم الإسخاتولوجيا [علم مؤشرات الآخرة] في الإسلام وفي المسيحية". تصورات عنيفة في الإنجيل وفي القرآن تم تناولها ضمن برنامج مؤتمرٍ عُقد في شفِرتِه في آذار/مارس الماضي وقد نظمه مركز دراسات الأديان المقارنة وعلوم الحضارة" التابع لجامعة بادِربورن بالتعاون مع مركز علوم الدين الإسلامي في جامعة مونستر ومؤسسة مِركاتور.
ينبثق الهدف من راهنية المواضيع، لتلبية احتياجات العصر، حيث يرى كلاوس فون شتوش في التحديد الجديد لعلاقة المسيحية بالأديان الأخرى "التحدي الأكبر على الإطلاق للاهوت المسيحي" ويرى في ذلك ضرورةً مجتمعيةً أيضًا.
ويقول كلاوس فون شتوش بهذا الصدد إنه من خلال ازدياد عيش بشر مختلفين ثقافيًا قرب بعضهم البعض تصبح المواجهة بين المعتقدات الدينية يومية، لذا من واجب اللاهوت وعلوم الدين أنْ "تعزز الجوانب المسالمة في الأديان ومن واجبها أيضًا أنْ تساهم في تحديدنا لهوياتنا من خلال الحوار مع الآخر لا من خلال الانعزال والابتعاد عنه"."
بحثًا عن القرابة والمشترك بين الأديان
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف لدراسة الأديان المقارنة أن تحقق ذلك؟ يكتب كلاوس فون شتوش: "تنطلق من ذاتها ولكنها تسعى للنظر إلى ذاتها انطلاقًا من الآخر ولأخذ ذلك بعين الاعتبار في الدراسات الخاصة بشأنها". إذن من يريد ممارسة دراسة الأديان المقارنة عليه في الحالة المثلى أن لا يكتفي بدراسة دينه بل علوم الأديان الأحرى أيضًا. ويطالب كلاوس فون شتوش في هذا الصدد بموقفٍ مثقفٍ مرحبٍ بالآخر قائلاً: "المطلوب أنْ أوفـِّر مساحةً للآخر في تفكيري، ... وأنْ أتلمس العالم الغريب الخاص بالآخر من أجل أنْ أثرى وأتحول عبر الحقائق التي أجدها هناك".
تبعًا لما يراه كلاوس فون شتوش لا يجب أنْ تصبح علوم الدين المقارنة مادة جديدة ضمن المقررات الجامعية بل مادة عابرةً لكل الاختصاصات الثيولوجية. وفقط عبر ذلك يمكن لمجمل اللاهوت المسيحي أنْ يأخذ وجُهاتٍ جديدة. أما من الناحية المنهجية فيراهن كلاوس فون شتوش على المقارنات الدقيقة في إطار كلِّ موضوعٍ على حدةٍ بغية اكتشاف القرابة والكشف عن المشترك بين الأديان.
مثالٌ على ذلك نأخذ الثالوث، حيث يبدو للوهلة الأولى إله المسيحيين (الثالوث المقدس) من المحرمات لدى المسلمين الذين يؤمنون أشد الإيمان بأحدية الله، راجع هنا سورة الإخلاص القائلة: “قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد”.
بينما رأى علماء اللاهوت المسيحيون في هذا الأمر سببًا لتفوق المسيحية قائلين إنَّ جوهر الله عند المسلمين لا يمكن أن يكون علاقة، وبالتالي جاء مأخذهم على الإسلام الذي يعجز بهذا الفهم عن رؤية صفة المحبة في الله، وبذلك لا يكون هنالك مكان للتعدد في الله من الناحية الفقهية، وبالتالي لا يمكن مطالبة المجتمعات الإسلامية بالقبول به على أساس ديني.
الله بوصفه ربًا بعيدًا عن البشر
تـُقبِلُ علوم الدين المقارنة على عالم الآخر الذهني/الفكري بانفتاح، ففي المعهد الذي يرأسه كلاوس فون شتوش مثلاً تبحث معيدةٌ مسلمة في تقاليد التحرر في المسيحية والإسلام، وقد اكتشفت شيئًا في الإسلام يمكن أنْ يكون مماثلاً للتفكير الثالوثي في المسيحية، والحديث هنا عن أسماء الله الحسنى التسعة وتسعين الواردة في القرآن وفي النصوص الإسلامية. وأسماء الله تأتي على شكل أضادٍ غالبًا مثل "الأول" / "الآخر" و "الظاهر" / "الباطن".
ويرى كلاوس فون شتوش في هذا "معادلاً في الإسلام وسبيلاً للمسلمين يدركون من خلاله التعدد في الوحدة". ولكنه يؤكد على: "أنه ليس لنا أنْ نختلف على من لديه الحق في هذا الأمر". إليكم مثال آخر يرتبط بتجلي الله: يرى كلاوس فون شتوش في هذا الأمر أيضًا اتهاماتٍ توجَّه للإسلام من الجانب المسيحي، حيث يبدو الله في هذه الاتهامات بعيدًا عن البشر يريد عبر القرآن أنْ يتجلى بإرادته فقط لا بنفسه، بينما يقولون إنَّ المسيحيين يؤمن بإله المحبة الذي ضحى بنفسه عندما تجسد بشرًا.
ترسم أفكار وأسس علوم الدين الإسلامي الحديثة صورةً مختلفةً، حيث يتكشف في دراسات محمد خورشيد أستاذ التربية الدينية الإسلامية في جامعة مونستر وحيُ الرحمة، إذ يُذكر الله في القرآن 598 مرة بوصفه الرحمان أو الرحيم أو ما شابه، وبالتالي فإنَّ "توصيف الله" لذاته دليلٌ على صفات كينونته العظيمة.
قال محمد خورشيد في كلمته التي ألقاها لدى زيارة الحبر الأعظم إلى برلين في عام 2011 إنَّ "رحمة الله لا توجد في كلمته التي جاءت في القرآن وحسب بل وفي الخلق نفسه أيضًا"، واقتبس من القرآن من سورة الروم الآية 50: "فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إنَّ ذلك لمحيي الموتى وهو على كلِّ شيءٍ قدير". ويتثبت أستاذ التربية الدينية الإسلامية في هذا "فهمًا بعبارتين" لله: الرب بوصفه المحبة بالمفهوم المسيحي والرحيم بالمفهوم الإسلامي، أي أن الله يتجلى في المحبة المعاشة الملموسة وفي الرحمة هنا والآن في هذا العالم.
يبحث الأديان المقارن عن أشياء مشتركة كهذه – دون السعي للمساواة الاعتباطية، فالغاية دائمًا تحقيق تفاهماتٍ ملموسةٍ عابرةٍ لحدود الأديان. هذا ما يتم منذ ثلاث سنواتٍ في مركز دراسات الأديان المقارنة وعلوم الحضارة" ZeKK التابع لجامعة بادِربورن.
وهناك اختصاص في هذه الجامعة هو "علم الأديان المقارن" يتخرج الطلبة منه بدرجة بكالوريوس، إضافة إلى توفر الحلقات العلمية في علم الأديان المقارن للطلبة الذين يريدون التخصص في تعليم الدين المسيحي الكاثوليكي أو البروتستانتي وطلبة الفلسفة، وسوف تتوفر قريبًا للطلبة الذين يريدون الاختصاص بتعليم الدين الإسلامي. أما الأساتذة الجامعيين فهم من علماء الدين المسلمين والمسيحيين على السواء، وهم يعتمدون منهج "التعليم في فريق" أي أن الدروس يقدمها بالتشارك أساتذة من أديانٍ مختلفةٍ لأنَّ ذلك يُعبِّر عن تعايشٍ أصيلٍ وحواريٍ بين الأديان.
اعتماد الحوار مبدأً، درس دين معاصر
ويشارك مركز دراسات الأديان المقارنة وعلوم الحضارة بالكلية الاتحادية للدراسات العليا في علوم الدين الإسلامي التي تؤهل جيلٍ جديدٍ لكليات الدين الإسلامي الجديدة. كما يُعد أربعة علماءٍ إيرانيين شيعة منذ شباط/فبراير أطروحة الدكتوراه في إطار الحوار الجامعي مع إيران. وهنا يؤكد كلاوس فون شتوش على "فرادة" جامعته قائلاً: "يجلس لدينا في حلقة مُعدِّي الدكتوراه مسلمون من ألمانيا ومسيحيون وشيعة من إيران سويةً، يتناقشون عن فريدريش نيتشه مثرين بذلك بعضهم البعض بشكلٍ هائل.
وبذلك تتوفر في وستفاليا الألمانية إمكانية التعلـُّم والبحث العابر للأديان، وهي إمكانية ما زالت غير متوفرةٍ في كثيرٍ من كليات اللاهوت الأخرى في ألمانيا. وهذا خارج سياق الزمن الرهن كما يقول كلاوس فون شتوش، إذ يجب على كافة كليات اللاهوت المسيحي أن تؤسس على المدى المتوسط على الأقل معهدًا لدينٍ غير مسيحي. كما يجب أنْ يصبح تأهيل أساتذة ومعلمات الدين عابرًا للأديان من أجل توفير درس دينٍ معاصرٍ في المدارس.
ويجد كلاوس فون شتوش في عودة التعصب الديني الشديد تحديًا ثقافيًا مهولاً، حيث يواجِه الأطفال والناشئة اليوم بعض الرؤى الخطيرة للعالم، ويكتب بهذا الصدد: "ولا يستطيعون أنْ يشكـِّلوا علاقةً نقديةً إزاءها بسبب ضعف معارفهم الدينية، لذلك يجب اعتماد درس الدين للجميع" بوصفه واحدًا من واجبات المدرسة.
وهو في هذا لا يدعو إلى تقديم درس دينٍ عابرٍ للمذاهب أو بعيدٍ عنها، لأن مثل هذا الدرس لا فرصة له ولن تقبل به الطوائف المختلفة، إنما يروج كلاوس فون شتوش لدرس دينٍ لكلِّ طائفة على حدةٍ مع دروسٍ مشتركةٍ في فتراتٍ محددة.
وهو يُثْنِي في هذا السياق على كتابٍ يدعو للتفكير ويصفه "بالراشد" وقد صدر عن الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا وحمل عنوان "الهوية والتفاهم. موقع وآفاق درس الدين في ظل التعددية"، مع أنَّ هذا الكتاب كان قد أُعدَّ في عام 1995 وما زال ينتظر تطبيق محتواه.
أورسولا روسمان
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |