الاغتيالات السياسية في المجتمع العربي الإسلامي ـ ج 2 ـ
خاص ألف
2012-08-31
- اغتيال الأمراء.
وفضلاً عما تقدم نجد أن الاغتيالات قد طالت أيضا فئة أخرى من المجتمع العرب الإسلامي وهي فئة الأمراء، وهم من أبناء الخلفاء وأخوتهم وأقاربهم بالذات من الذين لم يتولوا مناصب معينة في الدولة، وقد وقعت الأنظار عليهم لعلاقتهم بمنصب الخلافة مثلاً أو أنهم كانوا يطمحون لتولي كرسي الخلافة، فيشكلون عندئذ مصدر إزعاج وإرهاق للخلفاء أو المرشحين لتولي كرسي الخلافة، فيكون اغتيالهم أمرٌ لا بد منه وبدافع سياسي لإزالتهم من ترأس مؤسسة الخلافة في وقتها أو في المستقبل، لأنهم يشكلون خطراً كبيراً على أمن وسلامة الخلفاء المعنيين والمرشحين لتولي منصب الخلافة، لأن الخلفاء هم أعرف بمن يصلح للخلافة من بعدهم، فيذكر أن عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك كان يرشح نفسه للخلافة مدعياً أن يزيد بن الوليد الخليفة الأموي السابق قد وعده بولاية العهد، فلذلك أمر الخليفة مروان بن محمد باغتياله حتى لا يكون له منافساً على سلطان كرسي الخلافة. بيد أن هذا النوع من الاغتيالات أكثر ما نراه موجوداً في دار الخلافة العباسية، وقد يكون هذا الأمر طبيعياً لان هناك الكثير من الذين يرون أنفسهم في مكانة لا تقل عن مكانة من أهّل ليكون خليفة للمسلمين من قبل الخلفاء، في الوقت الذي حرص فيه الخلفاء أن تكون مسؤولية ترأس دار الخلافة من قبل أشخاص قد هيئوا من قبل الخلفاء، من ذلك نذكر حادثة اغتيال الخليفة أبو جعفر المنصور لمحمد بن أبي العباس السفاح، ومع أن المصادر تذكر أنه اغتاله لأنه كان على دين النصرانية، إلا أن واقع الحال ينبئ أنه كان مرشحاً قوياً لتولي منصب الخلافة لكونه ابن الخليفة السابق أبي العباس السفاح، في الوقت الذي أراد فيه أبو جعفر المنصور أن يكون ولده المهدي خليفة من بعده. وكذلك فعل الخليفة أبو جعفر المنصور مع عمه عبد الله بن علي لأنه خلع الطاعة وادعى أن الخليفة السابق أبو العباس السفاح جعله ولياً للعهد، وهذا ما يتناقض مع سياسية الخليفة المنصور لذلك بعث إليه أبا مسلم الخراساني فهرب عبد الله إلى البصرة وهناك القي القبض عليه ثم اغتيل في سجنه، كي يقطع المنصور دابر الفتنه وهي في مهدها، وهذا ما نراه نحن عملاً سياسياً محنكاً جاء في وقته للحفاظ على مؤسسة الخلافة في أبناء المنصور، وإلا ماذا كان ينتظر عبد الله من المنصور أن يفعل معه وقد هدد سلطانه وخلع طاعته. وروي أن الخليفة هارون الرشيد أمر باغتيال العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أحد أمراء البيت العباسي، ولا ندري لماذا اغتاله بالضبط ولكن نقول أن حادثة اغتياله كانت – يقيناً - خوفاً من مطالبته بكرسي الخلافة من بعد وفاة الرشيد لأن العباس بن محمد كان من الشخصيات المرموقة في المجتمع يومذاك، في الوقت الذي حرص فيه الرشيد أن تكون الخلافة بأبنائه من بعده، وهو النهج الذي كان يسير عليه غالبية الخلفاء الأمويين والعباسين.
وأمر الخليفة المأمون باغتيال اسحق بن موسى الهادي لأنه دعا لنفسه بالخلافة في أثناء خروج إبراهيم بن المهدي. كما أمر المأمون باغتيال عبد الله بن موسى الهادي، ومع أن الإشارة وردت إنه اغتيل لأنه كان مشاغباً معربداً سكيراً، إلا أن واقع الحال لا يدعو إلى الاطمئنان لهذا التعليل، فأغلب الظن أنه كان ممن يخاف المأمون منه على سلطانه. كما يذكر أن أحمد بن علي بن هارون الرشيد اغتيل من قبل غلام له يدعى نفيس، ونحن بدورنا نقول ربما كان الخليفة المأمون - وكان معاصراً له - وراء ذلك الاغتيال حرصاً منه على أن لا يكون له منافساً على السلطان في المستقبل على أقل تقدير.
- اغتيال الولاة والعمال.
وحينما نأتي إلى طبقة الولاة والعمال نجد هناك جمع غفير منهم كان عرضة للاغتيالات، أو أنهم اغتيلوا فعلاً من قبل جهات عدة ولأسباب سياسية متنوعة سنحاول حصرها هنا بحسب متداخلات الظرف المعني للاغتيال يومئذ، منه ما حدث بدوافع سياسية للحيلولة دون امتداد سلطان طرف معين ذي سلطان من قبل أنداده على مساحة أكبر، فيتم تصفية ولاته وعماله أو حتى أعوانه بغية تقليم أظافره وحصر سلطانه في أصغر نقطة ممكنة، وهذا ما حدث لمالك بن الحارث الأشتر حينما بعثه الإمام علي والياً على مصر، فقد أوعز معاوية بن أبي سفيان إلى من وضع له السم في العسل وهو في طريقه إلى مصر ومات على أثره. ولما بلغ معاوية الخبر قال: "إن لله جنوداً منها العسل". ثم عرج قائلاً: " كانت لعلي بن أبي طالب يدان قطعت إحداهما يوم صفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الأخرى اليوم يعني الاشتر". وقد يكون للخيانة دورٌ كبير في اغتيال الوالي من قبل مرؤوسه السابق ، وهذا ما حدث لعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فقد كان عبد الله والياً على العراق للخليفة مروان بن محمد قبل ابن هبيرة، فغلبت الخوارج على الكوفة وحاصروا واسط وكان زعيمهم الضحاك بن قيس الشيباني، فأراد عبد الله بن عمر المحافظة على نفسه فأعلن نفسه والياً للضحاك، لكن مروان بن محمد حينما قاتل الضحاك وتمكن من قتله، فألقي القبض على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز من قبل يزيد بن عمر بن هبيرة الذي أودعه السجن ثم دسّ إليه من اغتاله في سجنه، للإيحاء لعامة الناس وخواصهم أنه مات ميتةً طبيعة لثقل وزنه ومكانته ومكانة أسرته في المجتمع. وأحياناً نجد الولاة والعمال يغتالون من قبل عامة أهل المصر الذي يتولونه أو من قبل رعيتهم المرافقين لهم أو من قبل خدمهم، وذلك طبعاً بدوافع سياسية متنوعة، فترد الإشارة مثلاً إلى أن قتيبة بن مسلم الباهلي اغتيل من قبل عامة جنده، وربما كان حادث الاغتيال لسوء سياسته فيهم أو ربما لقلة عطائه لهم، أو بسبب وجود إساءة معينة تجاههم من قبل قتيبة. وهذا ما حدث أيضاً لعبد الملك بن محمد الذي بعثه الخليفة مروان بن محمد للوثوب بعبد الله بن يحيى الذي شغب في اليمن وقتل عاملها، فقتله عبد الملك ثم اغتيل أثناء انحداره إلى مكة من قبل عامة جنده، وهي أما أن تكون لتقصير معين منه تجاه رعيته فأوقعوا به، أو بسبب مؤامرة خارجية دبرت من قبل أصحاب عبد الله بن يحيى ونفذت بأيدي رعيته. أو أن يكون دافع الاغتيال للوالي من قبل أهل المصر الذي يتولاه لعدم موافقتهم على ولايته ولعدم توافق الأهداف، وهذا ما حدث للحلو بن عوف الازدي الذي بعثه الإمام علي عاملاً على عمان، فوثب إليه بنو ناجية واغتالوه وارتدوا عن الإسلام. وما حدث أيضاً للنعمان بن بشير الأنصاري حينما اغتيل من قبل أهل حمص لأنه أراد البيعة لعبد الله بن الزبير في الوقت الذي أرادوا فيه البيعة لمروان بن الحكم. ويمكن أن نستشفَّ من بعض حالات الاغتيال التي طالت الولاة أنها حدثت من قبل رعية الولاة المرافقين لهم أو خدمهم الخاصين بهم، وبدافع الانتقام السياسي لما طالهم من رقٍّ وظلم واضطهادٍ ومصادرة، كما حصل مع سعيد بن عثمان بن عفان حينما جلب معه رهائن وأسرى من سمرقند، ورفض أن يطلق سراحهم على الرغم من النداءات المتكررة من قبل خاتون ملكة بخارى، فلم يجد هؤلاء مفراً من اغتياله، شفاءً للغليل أو ربما بدافع التحرر كما هم يعتقدون. وهذا ما حصل أيضاً مع والي أفريقيا يزيد بن أبي مسلم، إذ يروى أنه حينما قدم أفريقيا أخذ موالي موسى بن نصير فوسم أيدهم وسلب حريتهم وجعلهم عبيداً له واستخدمهم حرساً له، فوثب غلام منهم فاغتاله. وما حدث أيضاً ليوسف بن عمر الثقفي الذي سجنه يزيد بن خالد بن عبد الله القسري ثم أغتاله في سجنه، إذ كان يوسف بن عمر هو الذي قتل خالد بن عبد الله القسري. وهناك كم من الاغتيالات تشير أنها حدثت بدافع التخوّف السياسي من تطلعات بعض الولاة أو أنهم لم يكونوا مصدر ثقة واطمئنان للسلطان، ولثقلهم السياسي يتم تصفيتهم لتجنب خطرهم، وعند الوقوف على حادثة يزيد بن عمر بن هبيرة من قبل الخليفة أبي جعفر المنصور، نجد أنها كانت بدافع الخوف من تطلعات ابن هبيرة، فقد كان ابن هبيرة عاملاً على العراق للخليفة مروان بن محمد، وبعد سقوط الدولة الأموية حدثت مناوشات ومفاوضات مع ابن هبيرة أعطي الأمان على أثرها من قبل أبي جعفر المنصور، فكان ابن هبيرة يدخل مجلس المنصور ويحدثه ويلاطفه، إلى أن قال يزيد بن هاشم لأبي جعفر: "أيها الأمير أن ابن هبيرة ليأتي فيتضع له العسكر وما نقص من سلطانه شيء"، فبعث إليه المنصور من قام باغتياله. وكان الخليفة هارون الرشيد كثيراً ما يتخوف من والي الجزيرة العباس بن محمد بن علي أخي أبي جعفر المنصور، فأغتاله وهو الذي تنسب إليه العباسية يومذاك. أو قد يغتال بعض الولاة والعمال من قبل أعداء الدولة، شأنهم هنا شأن بقية منتسبي الدولة المستهدفين من قبل أعدائها، وهذا ما حدث لمعن بن زائدة الشيباني الذي اغتالته الخوارج لأنه كان متشدداً عليهم فاغتالوه وهو في سجستان. وما حدث أيضا لعقبة بن سلم الذي كان والياً على البحرين أيام أبي جعفر المنصور فقد ورد انه أثخن في ربيعة أيام المنصور، فتحاملوا عليه وسنحت لهم الفرصة أيام خلافة المهدي فتبعه رجلٌ منهم واغتاله. كما نجد خلال تلك الفترة أن عامل المنافسة السياسية بين الولاة على ولاية المدن والأمصار الإسلامية الدور الكبير لبروز حوادث الاغتيالات فيما بينهم، إذ يحاول كلٌ منهم الفوز بولاية المدينة الإسلامية قبل غيره فإن وقف في طريقة شخصٌ عائق قام باغتياله، من ذلك ما روي أن ولاية البصرة أيام الخليفة هشام بن عبد الملك كان يتناوب عليها كل من عمر بن يزيد بن عمير الأسيدي، ومالك بن المنذر بن الجارود، وكانا صديقين ثم فسدت العلاقة فيما بينهم ربما بسب المنافسة على الولاية، فأخذ مالك يوغل عند خالد بن عبد الله القسري بعمر بن يزيد ويحمله عليه، فأمر خالد مالك بن المنذر بحبس عمر بن يزيد في داره ثم دسّ مالك من اغتال عمر بن يزيد فقتله. وكان العباس بن موسى بن عيسى العباسي يتولى ولاية مصر للخليفة المأمون، وقبله كان يتولاها المطلب بن عبد الله ثم عُزل، فأراد عبد المطلب الولاية مرة أخرى لكن العباس كان عائقاً في طريقة لذلك دبّرَ المطلب مؤامرة اغتيال نالَ فيها من العباس بن موسى وتولى مصر بدلا عنه. ونرى للانقلاب السياسي الذي حصل في عام 132 هـ من قبل العباسين على الدولة الأموية الدور الكبير في الاغتيالات التي حصلت وطالت العديد من الولاة والعمال الأمويين في شتى المدن والأمصار الإسلامية، فبعد نجاح تلك الثورة توجه إلى كل بلد أتباع بني العباس واتفقوا على اغتيال الولاة والعمال الأمويين في سائر البلدان في يوم واحد، فقتل أهل كل بلد واليهم واستبدلوهم بآخرين موالين للنظام الجديد.
- إغتيال قادة الجيش
بيد أن قادة الجيش كانوا أكثر عرضة للاغتيالات من غيرهم من فئات المجتمع العربي الإسلامي يومذاك، وذلك لما يمثله هؤلاء من وزن وثقل سياسي كبيرين في المجتمع، فضلاً عن الخطر الكبير الذي يعتريهم أحياناً، فيُغتالون سواء من قبل الأعداء الذين كانوا لا يعرفون معنى النصر إلا باغتيال القادة البارزين في الجيش العربي الإسلامي، أو سواء من قبل دار الخلافة حينما يظهر من القادة ما يستحق الاغتيال كالخيانة مثلاً. وفي ما يتعلّـق الأمر باغتيال القادة من قبل الأعداء، نجد أن كثيراً من أعداء الدولة كثيراً ما يعيهم أمر قادة الجيش في سوح المعركة أو قبل نشوب القتال، فيلجؤون إلى تدبير أمر اغتيالهم من أجل ضمان النصر في سوح المعركة، ونحن نجد أن حادثة اغتيال الحمزة بن عبد المطلب في معركة أُحد خيرَ مثالٍ حيٍّ لتلك الظاهرة، ففضلاً عن دافع الانتقام في قتل الحمزة بأمر من هند زوج أبي سفيان لأنه قتل أخاها وأباها في معركة بدر، يمكن القول مطمئنين أن حادثة اغتياله كانت لأسباب كبرى غير دافع الانتقام، إذ أن الحمزة كانت تتمركز فيه قوة المسلمين، ومن المناسب القول أن قريش وجدت أن الحل الأمثل لتحقيق النصر هو باغتيال الحمزة، فلذلك هيأت قريش عبداً يدعى وحشي اغتال الحمزة بحربة في أثناء المعركة، وربما توافقت أهداف هند وزعماء قريش فاتفقوا على اغتياله. وكان مقتله من ضمن الأسباب التي أدَّت إلى خسارة المسلمين في هذه المعركة. وحينما بعث معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة ليستولي عليها سياسياً في عام 38 هـ، وجّه إليها الإمام علي جيشاً بقيادة أعين بن ظبيعة المجاشعي ليحول دون سيطرة ابن الحضرمي على البصرة، ولكن أعين بن ظبيعة اغتيل في فراشه بعد مقدمه إلى البصرة، ولا نعلم على وجه التحديد من الذي اغتاله، لكن يمكننا القول أن مسؤولية اغتياله لا يمكن تنحيتها عن أثنين، أما من قبل عبد الله بن الحضرمي أو من قبل معاوية بن أبي سفيان وذلك تسهيلاً لمهمة ابن الحضرمي في البصرة، وفي كلتا الحالتين فأن حادثة اغتياله كانت تصب في تحقيق النصر في مهمة ابن الحضرمي في البصرة. وفي أثناء قتال عتاب بن ورقاء – أحد قادة مصعب بن الزبير – في أصفهان للخوارج، وجد هؤلاء أن الطاقة تعجز عن مقارعة عتاب، فدبروا له مكيدة بأن كمن له رجلٌ منهم يدعى عبيدة بن هلال وحاول اغتياله لكنه نجا من هذه المحاولة. وهذا يشير إلى أن الاغتيال كان هو الحل الأمثل لتحقيق النصر على جيوش الدولة العربية الإسلامية. وإذا كان عتاب قد نجي من تلك المحاولة، فقد وقع بمثلها مصعب بن الزبير في أثناء قتاله للحجاج بن يوسف الثقفي، فقد وردَ أن قادته خذلوه في أثناء القتال ثم اغتالوه. ولا يستبعد أن يكون عبد الملك بن مروان قد دبّر تلك المكيدة، فقد ورد أن عبد الملك كتبَ إلى جميع قادة مصعب يدعوهم إلى التخلّي عن مصعب والانضمام إلى جيشه فوافقوه على ذلك. كما جرت محاولة من قبل الخوارج لاغتيال المهلب بن أبي صفرة حينما أرهقهم أمره، فكمن له مائة فارس على سفح جبل لكن أمرهم انكشف وفشلت تلك المحاولة. وقد يكون الاغتيال من قبل الأعداء للقادة بدافع الانتقام، حينما يلحق الأعداء بالهزيمة أو حينما يقتل أحد قادتهم، وهذا ما فعله الخوارج مع عباد بن علقمة المازني في ولاية عبيد الله بن زياد على العراق، لأن عباد قتل أحد زعمائهم المعروف بأبي بلال مرداس بن أدية في الأهواز، فكمن لعباد عشرة من الخوارج واغتالوه لهذا السبب. وعلى النقيض من ذلك نجد بعض القادة يغتالون بأمر من الخلفاء، وليس ذلك بلا غاية إذ قد يكون في تصفيتهم واغتيالهم صلاحاً للملك وطمأنينة للنفوس، فالسلطان لا يجامل على كرسي الخلافة، نريد القول انه حينما تظهر من بعض القادة نوايا للخروج أو التآمر على الدولة، فهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى الاغتيال لا القتل علنا وذلك للثقل الذي يمثله هؤلاء القادة في صفوف الجند أو في وسط المجتمع يومذاك، فخوفاً من حصول الاضطرابات يتم اغتيالهم للإيحاء للناس أنهم قتلوا من قبل جهات مجهولة أو أنهم ماتوا ميتة طبيعية، ونحو ذلك. وهذه الحوادث أكثر ما نراها في الدولة العباسية تلك الدولة التي بناها العباسيون وقطفوا ثمارها بشق الأنفس، فلم يكن ليسمحوا بوجود بوادر الخطر على امن وسلامة دولتهم، ولعل قصة مقتل أبي مسلم الخراساني نموذج عن تلك الاغتيالات، فأبو مسلم ظهر منه استخفاف بالدولة وبسلطان أبي جعفر المنصور منذ أن كان ولياَ للعهد، فعزم المنصور على تصفيته واستشار في ذلك كبار قادته، لكنه لم يجد إلى ذلك سبيلاً لأن أبا مسلم كان متحرزاً حذراً من المنصور إلى أبعد الحدود، بيد أن المنصور استطاع في نهاية المطاف إقناعه أن يأتيه إلى بغداد، فكان يأتيه في كل يوم ويحدثه ويلاطفه إلى أن رصد له في أحد الأيام من اغتاله في مجلسه دون أن يعلم انه سيقتل. وكان حميد بن عبد الحميد الطوسي أحد قادة الدولة العباسية في خلافة المأمون، ولكن ولاءه كان للحسن بن سهل أكثر مما كان للمأمون، وكان يفخر بذلك ويقول: " ما للمأمون عندي يد، إنما الأيادي لأبي محمد الحسن بن سهل "، فكان ذلك دافعاً لامتعاض المأمون من حميد بن عبد الحميد ومن ثم اغتياله من قبل جبريل بن بختشيوع بأمر من المأمون. كما أمر الخليفة المأمون باغتيال القائد طاهر بن الحسين، وقد صرح المأمون بدافع الاغتيال قائلا: "أني ذكرت قتله لأخي وما ناله من الإهانة على يديّ طاهر، والله لا تفوته مني"، فضلاً عن استخفاف طاهر بالمأمون إذ ورد أنه خطب يوماً ولم يدعُ للمأمون على المنبر، فقتله غيلةً تجنباً للاضطرابات الداخلية التي قد تحدث عند قتله علناً.
(( أ . د . رحيم حلو محمد ))
نهاية الجزء الثاني
إعداد : ألف
يتبع *
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |