جديد الإبراهيمي.. قديم أنان!/ أكرم البني *
2012-09-04
ببساطة يمكن القول إن نجاح الأخضر الإبراهيمي في مهمته لوقف العنف ووضع الحالة السورية على سكة حل سياسي، يتطلب واحدا من خيارين، إما اقتناع النظام باستحالة الحسم العسكري ووصوله إلى حد من الإنهاك يجبره على اختيار طريق التسويات السياسية، وإما، في حال تعذر ذلك، أن تتكفل قوى خارجية، بإكراهه على اتباع هذه الطريق، عبر استخدام مختلف الضغوط، الدبلوماسية والاقتصادية دون استبعاد القوة العسكرية أو التلويح بها.في الحالة السورية، إلى اليوم، ليس ثمة فرصة لتقدم أحد هذين الخيارين، فالنظام ليس بوارد التراجع خطوة واحدة عن خياره الأمني والعسكري، بل يتضح للعيان وبعد أكثر من 17 شهرا أنه في وارد تجريب مختلف وسائل الفتك والتنكيل التي يمتلكها كسبيل أخير للحفاظ على سلطته ولسحق ما يعتبره مجموعات مسلحة متآمرة، فكيف الحال وهو خير من يدرك مخاطر السير في طريق السياسة، ليس فقط بسبب بنيته المعجونة بمنطق القهر والغلبة، والعصية على تقديم أي تنازل سياسي جوهري، أو لإدراك بعض رجالاته بأنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وأنهم بعد ما ارتكبوه يخوضون معركة حياة أو موت، بل لأن القطيعة بينه وبين الشعب وصلت إلى حد يصعب وصلها، ولأن القمع العنيف وأعداد الضحايا والمشردين وشيوع الدمار في كل مكان أفقدته القدرة على إعادة إنتاج حد أدنى من الشرعية والقبول، والأهم لأنه يدرك أن سحب آلته العسكرية من المدن والأحياء ودخول ميدان السياسة سوف يفقده ما تبقى من مظاهر قوته القمعية وهيبته، ويضعه في موقع لا يحسد عليه أمام مناصريه وحلفائه، معجلا من تفكك بطانته، ومسرعا من تعديل توازن القوى في مصلحة الحراك الشعبي، ما إن يتمكن الناس من الحضور إلى الساحات لتقرير مصير بلدهم.والقصد أن شرط قبول النظام بأي مبادرة سياسية، عربية كانت أم أممية، هو توظيفها كغطاء إعلامي لربح مزيد من الوقت كي يتوغل أكثر في القمع والتنكيل متوهما حسم الأمور لصالحه، وفي الطريق تسخير ما يمتلكه من خبرات لتمييع هذه المبادرة وإفراغها من محتواها، كإغراقها في التفاصيل وإشغالها ببعض الاشتراطات، والرهان عبرها على شق صفوف المعارضة السورية لمعرفته بتباين مواقفها تجاه الدور الخارجي! .. واستدراكا، طالما استمرت السلطة في خيارها الأمني والعسكري لا تهمها كل التحركات الخارجية ولا اسم المندوب الأممي المكلف، إن كان كوفي أنان أو الأخضر الإبراهيمي، وما يعزز هذه الحقيقة أنها تستند إلى اطمئنان مزدوج، من الحلفاء والأعداء على حد سواء، فهي مطمئنة بأن مصالح أصدقائها في الحفاظ على بقائها في الحكم قوية إلى درجة لن تفضي بأي حال إلى تركها وحيدة لمصيرها، فروسيا التي تمثلت جيدا درس ليبيا لن تفرط في النظام السوري، بل تخوض دفاعا عنه غمار صراع دولي بأمل تحسين أوراقها التفاوضية والحفاظ على آخر موقع لنفوذها في المشرق العربي، أما مواقف إيران وأنصارها في لبنان والعراق فهي واضحة بما يكفي لتجعل النظام متيقنا بأنه ضرب من المحال التفريط به أو بموقعه، بصفته حلقة نوعية مما يسمى محور الممانعة والمقاومة، والتي يفتح كسرها الباب أمام انهيارات متسارعة في وزن هذا المحور ودوره الإقليمي.وإذ تتحسب موسكو من الغرق في الملف السوري، وتعجز عن إخفاء حرجها من الأوضاع المأسوية التي تخلفها آلة الدمار وتمادي النظام في قمع وتنكيل لا يحتمله عقل أو ضمير، لتبدو أقرب إلى البحث عن مخرج سياسي، فإن إيران مستعدة للذهاب في دعم النظام إلى آخر الشوط ودفع موقفها إلى النهاية، حتى لو اضطرت لخوض حرب مساندة له، وهو ما عبرت عنه تصريحات كثيرة لمسؤولين سياسيين ولقادة في الحرس الثوري.من جهة ثانية يبدو النظام مطمئنا إلى عطالة السياسات الغربية التي لا تزال مترددة وتحجم عن الدخول بقوة في الصراع السوري كما كان الحال في ليبيا واليمن، والأسباب متعددة، منها التحسب من ردود فعل أطراف المحور الإيراني الداعمة للنظام، ومن حجم التكلفة في بلد لا يمتلك موارد للتعويض، ومنها تفهم الهموم الإسرائيلية وخشيتها من وصول سلطة جديدة إلى الحكم في سوريا تهدد أمنها واستقرار المنطقة، ولا يمكن هنا إغفال الوقت الضائع قبل الانتخابات الأميركية، لجهة حرص أوباما على دخول مرحلة التجديد دون التباسات قد يجرها التصعيد في سوريا، أو لجهة الفائدة الغربية عموما من تأخير المعالجة السياسية لاستنزاف النظام وحليفيه الإيراني والروسي أطول مدة ممكنة.وتأسيسا على ما سبق فإن جديد الإبراهيمي هو قديم أنان، ولن يتأخر الوقت كثيرا حتى يصل الخلف إلى ما وصل إليه السلف، مستخلصا نتيجة لا تحتمل التأويل في الخصوصية السورية، بأن باب المعالجة السياسية لا يفتحه غير استمرار الثورة، ففشل النظام في محاصرتها وكسر شوكتها - وهو الذي يجرب على مرأى من العالم كل أصناف الأسلحة والخطط الحربية ويعجز عن سحقها أو الحد من قدرتها على التجدد - سوف يزيد من ضعفه ومن تفكك مؤسساته وآلته الحربية وأعداد المنشقين ومن اتساع المناطق التي تخرج عن السيطرة، بما هو إكراه له على ترك الميدان لفرص جديدة ومعالجات من طراز مختلف! .. صحيح أن ثمة هامشا لا يزال متاحا أمام النخبة الحاكمة كي تتصرف بحرية وتتصدى للمحتجين بكل ما تملكه من وسائل فتك وتدمير، متكئة إلى ردود أفعال خارجية بطيئة ومترددة ولا ترقى إلى مستوى الحدث ومعاناة الشعب السوري، لكن الصحيح أيضا أن تكرار المشهد السوري المأساوي لم يعد ممكنا ولا مقبولا، مثلما لم تعد بعيدة لحظة سقوط أوهام العقل الأمني ولنقل لحظة الإدراك بلا جدوى هذا العنف والتنكيل البربري وبأنه قد يزيد التكلفة والأثمان، وربما يؤخر موعد الخلاص، لكنه آتٍ على أي حال.
عن جريدة الشرق الأوسط .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |