Alef Logo
دراسات
              

العرب عرفوا تذبذبا وعليهم الآن الاسترجاع هذا ما قاله هشام جعيط

زهير الخويلدي

2008-03-02

" العلم هاجر أوروبا ولم يعد الا أمريكيا"
هشام جعيط

منذ أن أصدر المفكر العربي هشام جعيط كتابه "تاريخية الدعوة المحمدية" أثار جدلا كبيرا وعقدت العديد من اللقاءات لمناقشة الأفكار الواردة في هذا المصنف "العلمي الجاد" وطرحت عدة استفهامات لمعرفة النتائج التي توصل إليها وقد نظمت نقابة الصحافيين التونسيين- المولود الفتي- في مقرها وكأول نشاط تقوم به يوم الجمعة 22 فيفري 2008 لقاء العادة معه أين تحدث فيها عن أشياء كثيرة مهمة ولم يقتصر كلامه على كتابة حياة الرسول محمد صلعم كتابة علمية بل تعدى ذلك الى الاهتمام بجدل الحضارات وواقع العلم والثقافة بين العرب والغرب . وبحث في علاقة الدين والفلسفة والعلم ودعا الى ضرورة التمييز بين هذه القطاعات الثلاثة وتجنب الوقوع في الخلط وسوء الفهم لأن ذلك قد يؤدي الى عواقب وخيمة على الصعيد الجماعي والحضاري.
من جهة أولى أكد جعيط أن الفلاسفة المسلمين بينوا أن حقيقة الفلسفة أرقى من حقيقة الدين لأن الفلسفة مجعولة للنخبة أما الدين فهو فلسفة شعبية تنظم سلوك الناس وتوجههم في حياتهم العلمية وينصح بألا تزاحم الفلسفة الدين في الفاعلية الاجتماعية وألا يزاحم الدين الفلسفة في الفاعلية المعرفية.
من جهة ثانية يشير مؤلف "الفتنة الكبرى" الى وجود علاقة بين العلم والدين،إذ هناك علوم دينية ويمكن إخضاع الديني الى مقاربات علمية مختلفة من بينها علم التاريخ. غير أن علم التاريخ شيء والدين شيء آخر لأن الدين يسيطر على المجتمع يمارس الاندماج الاجتماعي وله سلطة التاريخية بينما العامل التاريخي محدود والمؤرخ هو شاء أم أبى مرآة عصره وابن زمانه وتقتصر مهمته على تسجيل الأحداث التي جدت في عصره بطريقة منهجية منظمة.
من جهة ثالثة يطبق المؤرخ التونسي عدته المنهجية على حضارتنا ويستنتج أننا في العالم الإسلامي عشنا تصادما مع أوروبا منذ 1850 وأن هذا التصادم سرى مفعوله في كل شيء ينظم حياتنا وأحدث تغييرات جوهرية في رؤيتنا للعالم وفي شكل الحكم وأدى الى تغلغل الثقافة الأوروبية في مجتمعاتنا وفي تأثر النخب بهذه الثقافة. ومن بين مظاهر التغلغل ظهور نزعة ليبرالية تنقد الدين شبيهة بالإصلاح البروتستانتي جوبهت بردة فعل عنيفة من قبل التيار المحافظ.
كما أكد صاحب كتاب "الشخصية العربية الإسلامية" أن العرب عرفوا منذ هذا التصادم مع الغرب تذبذبا وطرحت مشاكل وتحديات وكانت منزلة الدين في الحياة هي أحد هذه المشاكل المستوردة من الغرب. وقد طرحت الأسئلة التالية: هل الدين الإسلامي وقع تحريفه أم هو صحيح؟ هل هو دين نصوص ومعجزات غيبية أم هو دين عقلاني وفطرة طبيعية؟ هل هو ثيوقراطي أم علماني؟ وهل دين مجرد ونخبوي أم يمكن تطبيقه لدى جميع الناس؟
أمام هذه التحديات حصل رد فعل عنيف من طرف فئة أصولية متشددة متشبثة بتراث الآباء والأجداد وأدى ذلك الى طرحت مشكلة الدين بشكل انفعالي سيء والآن يجب طرحها بكل موضوعية ومنهجية ويرى جعيط أن كتابه "تاريخية الدعوة المحمدية" يتنزل في هذا السياق الأكاديمي الجديد التي ينبغي أن يتوفر خاصة وأنه لم يصدر الى حد الآن كتاب علمي حول حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام سوى محاولات خطابية قام بها هيكل ومعروف الرصافي.
ان الدين الإسلامي حسب مفكرنا قد أصبح يثقل كاهل المسلمين دون أن يصدر عنهم أي كتاب علمي يساعدهم على تجاوز هذه التشنجات والتذبذبات وليظهر للعالم أن الحضارة العربية قادرة على أن تساؤل نفسها علميا وتنافس كتابات المستشرقين التي تجد فيها الجيد والرديء والمنصف والمتحيز.
وهذا الضعف يفسره جعيط بأنه انتكاسة عالمية للثقافة إذ أن الهم العلمي ضعف في بقاع كثيرة من العالم والاهتمام الإيديولوجي هو السائد وهو يغطي دار الإسلام ويمنعها من فهم ذاتها. وقد استخلص من رؤيته التاريخية أن العلم هاجر أوروبا ولم يعد الا أمريكيا لأن الولايات المتحدة الأمريكية عرفت كيف تزاوج بين ثقافة الميديا والعلم وسط الحضارة.
العرب حاولوا استئناف الحضارة وإمساك زمام المبادرة ولكن مدة الانحطاط كانت كبيرة واستمرت أربع قرون من 1500 الى1900 حيث غاب الهم المعرفي حتى من جهة علوم الشريعة التي كان لها تأثير في المجتمع وغطست في مرحلة من الاجترار والتقليد وهو أمر غريب وغير مفهوم.
الاسترجاع لم يكن ممكنا حسب جعيط الا في فترة متأخرة وقد انصب في البداية على استرجاع ما أمكن القيام به وهو عالم المعرفة ولذلك انطلقت موجة من الإحياء شملت اللغة والعلوم وأنتجت حركات سياسية وطنية وأفرزت فيما بعد نهضة شاملة في بداية القرن العشرين ولكن ذلك لم يؤدي الى استرجاع الهم المعرفي في ميدان العلوم ولا نقول العلوم الطبيعية والصحيحة لأن ذلك صعب المنال ولا يحصل الآن سوى في أمريكا ولكن العلوم الانسانية التي يمكن اللحاق بالأمم المتقدمة فيها والمشاركة في إنتاجها وهذه العلوم مثل تاريخ الأفكار والفلسفة.
يشير هشام جعيط الى أن العرب مقصرين جدا في عملية الاسترجاع وهذا ما يفسر ما نحن عليه من اضطراب في الواقع لأن الوعي الحضاري تابع لمستوى الوعي ولو وصل العرب الى درجة الوعي الثاقب فان فعلهم سيكون نابعا عن موقف سديد ولا يسقط بالتالي في الارتجال والانفعال والتذبذب. يفسر جعيط سبب هذا الاضطراب بغياب قادة من المفكرين الأحرار الذين يستنبتون أفكارهم من الواقع الاجتماعي الذين يعيشون فيه ويحاولون التأثير في مجرى الأحداث وتوجيه الرأي العام السياسي والشعبي الى رؤاهم الاستشرافية. ويدعو مؤرخ مدينة الكوفة الى تجنب الاضطرابات السياسية وقمع الكلمة الحرة والابتعاد عن التشنج والصراع الداخلي حيث تظهر ضراوة كل طرف إزاء طرف آخر ويطالب بضرورة الرفع من مستوى الفكر والوعي وعدم الانزلاق وراء السهولة والاختزال والتبسيط لأن ذلك يؤدي الى التخلف والتقليد والكسل.
صفوة القول أن هشام جعيط يطالب العرب بإعادة البناء والاسترجاع الحضاري ويعترف بأن كل نقطة بداية هي صعبة ولكنه يشير الى أن كل الأعمال العظيمة بما في ذلك الدعوة المحمدية شهدت في بداياتها صعوبات جمة ثم انطلقت مسيرتها فيما بعد نحو العالمية بشكل واثق وينصح بأن يعيش المفكر مشاكل عصره ويدقق أفكاره ليس بالانعزال بل بالحضور مع الغير والحوار. لكن ما يثير إشكال بالنسبة الينا هو العلاقة بين العرب والعلم والصورة التي ينبغي أن يقدموه عن أنفسهم للغير إذ: أليس من اللازم علينا أن نشرع في البحث عن شروط إمكان إنتاج العلم الصحيح عندنا خصوصا وأن الثروة المالية العربية في الحقبة النفطية قائمة الذات وتهدر فيما لا ينفع؟ واذا كنا نحن العرب عاجزين لأسباب هيكلية غير موضوعية عن إنتاج العلم الصحيح الطبيعي أو الصوري أليس من الممكن أن ننتج العلم الانساني طالما أنه لا يتطلب مخابر وتمويلات ضخمة بل فقط الإيمان بالعقول وكفاءات وتوفير مناخ من حرية التعبير يساعدهم على ذلك؟ فمتى نرى علوم إنسانية تنبثق من مسطح المحايثة الحضاري العربي الإسلامي وتطمح نحو الكونية؟ ألا تساهم هذه العلوم الانسانية المنشودة في فهم ذاتنا فهما أصيلا وفي تحقيق المصالحة مع العلم والآخر الانساني؟ فالي أي مدى يساعد هذا العمل العلمي الذي ابتكره جعيط عن الدعوة النبوية على إزالة سوء التفاهم بين العرب والعرب؟ كيف يتحول هذا العمل النقدي الى توضيح للصورة الحقيقية للرسول محمد صلعم وتفكيك كل الأحكام المسبقة والأقاويل المغشوشة التي نسجها الخيال والذاكرة والتاريخ الغربي حوله وإبراز الواقع الحقيقي للتجربة المحمدية دون انفعال دفاعي ودون تضخيم أبولوجي؟
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أهمية تدريس الفلسفة للأطفال

05-تشرين الأول-2019

هابرماس بين استعادة الحداثة وعقلنة الفعل التواصلي

10-آب-2019

إشكلات هرمينوطيقية

13-شباط-2010

تأملات لاديكارتية

12-تشرين الأول-2009

السببية بين العلم والفلسفة

23-أيلول-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow