كاظمة البحور... أرض نقية وأغنية شجية / أحمد بن محارب الظفيري
2012-10-16
تجول الفرزدق على ذلوله في ربوع كاظمة وعاش فيها أيام الصبا والشباب فألهمته أعذب الأشعار." كاظمة" أرض عربية كويتية, عذية التربة, نقية الهواء, لها في كتب العرب وقلوبهم منذ الجاهلية وفي كل العصور, ذكريات خالدة ذكرها المؤرخون والبلدانيون العرب, وتغنى بها شعراؤهم من جاهليين وإسلاميين واصفين جمال سيفها وعذوبة نسيمها ونقاء ترابها وحسن نواوير أعشابها وأشجارها, سموها بـ"كاظمة البحور" وسموا سيفها بـ"سيف الكواظم", فآبارها في الصيف منازل للعربان, يقطنون على جيلانها ويشربون من مياهها, وتسرح أذوادهم وتظمأ على فلاة برها المحيط بها, لترعى حميس العشب والرمام والشجر المعمر المتجمع على أرض برها الممتد من سيف البحر إلى كل الجهات. وفي أيام الخريف والشتاء والربيع تصبح أرض كاظمة "منادي" للعربان حيث تنتشر بيوتهم وأذواد ابلهم على مراعيها الخصبة لترعى الكلأ ـ العشب والشجر. و"المنداة" و"المُنْدِى" أو "المَنْدَى" باللغة العربية الفصحى: هو المكان الذي تندى فيه الإبل ويصفه علماء اللغة: ان تورد الإبل الماء, فتشرب قليلاً, ثم تذهب إلى المرعى فترعى قليلاً ثم ترد الماء و"المندى" وجمعه "منادي": له نفس المعنى عند عربان اليوم, فحالما ينتهي الصيف وتبدأ نسانيس البراد بالهبوب في اوآخر الخريف فان العرب يرحلون عن آبارهم وينتشرون في ربوع باديتهم المؤمل سقوط الأمطار عليها, فيقال حينئذ: "العرب ندوا" أو "العرب بالمندى" أو "العرب بالمنادي" فالماء "ماء المطر" والمرعى قريبان من بعضهما.
وبر كاظمة من أحسن منادي العربان فمراعيها جيدة وخباريها "مناقع مياهها" كثيرة, وآبارها قريبة المدى "حسيان" ـ قليلة العمق - ماؤها شروب "صالح للشرب" واستسقاؤها ظاهر "تمتح باليد", ولأرضها في كل فصول السنة بنة مسكية فواحة لا يعرفها إلا من عاش على رياضها وتنقل في مرابعها بين روائح رمثها وزفرتها ونفلها وخزاماها وعرفجها, ورحم الله الفرزدق الذي تجول على ذلوله في ربوع كاظمة وعاش فيها أيام الصبا والشباب وبقية العمر كله فالهمته أعذب الأشعار وأشجن الألحان ومازلت اذكر تلك الأهزوجة الشعبية التي كان يرددها والدي ـ رحمة الله عليه ـ وسببها انهم نزلوا في سنة 1935م على "أم نقا" وهي أرض عشبية من بنات "كاظمة البحور" وعلى أرض أم نقا تزوج عدد من شباب القبيلة, فعمرت الأفراح مضارب الحي وتتابعت عليهم الليالي الملاح التي عبرت عنها هذه الأهزوجة:
"أم نقا" يا مال السيل
فتاحة باب العزبان
ريح أرضك زباد وهيل
زوجتي اعيال الظفران
والنقا أو النقى ـ في اللغة ـ قطعة من الرمل تنقاد محدودبة, والتثنية نقوان ونقيان, والجمع انقاء ونقي ونقيان والنقاة: كثيب الرمل المجتمع الأبيض الذي لا ينبت شيئاً والمسميات مازالت مستعملة عند عرب اليوم.
"الكظامات" و"الكواظم" آبار متناسقة
الكظامة أو الكظيمة ـ باللغة الفصحى: هي بئر تحفر إلى جنبها بئر أو عدة آبار في بطن الوادي, وتكون هذه الآبار عادة متناسقة وقليلة العمق "حسيان: أحساء" ويخرق ما بين كل بئرين أو اكثر بقناة يجري فيها الماء فتتزود البئر التي قل ماؤها من البئر أو الآبار التي جنبها, وبهذه الطريقة يتم سد عوز الماء في كل بئر بما يحتاج إليه أهلها للشرب وسقي الحيوانات فهذه الآبار قريبة المياه وتعمل عمل الاواني المستطرقة.
وفي الحديث النبوي الشريف: ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتى كظامة قوم فتوضأ منها ومسح على خفيه.
كاظمة في معاجم البلدان
قال شهاب الدين ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي "626هـ/1228م" صاحب كتاب "معجم البلدان" عن كاظمة ما يلي:
"كاظمة: جو على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة, بينها وبين البصرة مرحلتان, وفيها ركايا كثيرة, وماؤها شروب, واستسقاؤها ظاهر, وقد اكثر الشعراء من ذكرها" "1".
تفسير بعض المفردات في كلام ياقوت
جاء في "لسان العرب" لمحمد بن مكرم بن منظور " 711 هـ" تحت مادة "جوا": الجو: المنخفض من الأرض, والجمع جواء وأجوية, والجواء: هو الواسع من الأودية وجو كل شيء: بطنه وداخله.
قال الأزهري: الجو: ما اتسع من الأرض واطمأن وبرز, قال: وفي بلاد العرب أجوية كثيرة كل جو منها يعرف بما نسب اليه: فمنها جو الخزامي, ومنها جو الاحساء.
قال أبو عبيد: الجو: هو ما اتسع من الأودية.
ونحن نقول: إن عربان بوادي جزيرة العرب الحاليون, مازالوا حتى هذا اليوم يستخدمون مسمى "الجو" بنفس معناه المذكور في معاجم اللغة والبلدان. فاذا سألت أحدهم, أين نزل عربكم? اجابك: نزل عربنا على الجو الفلاني, مثلا: على جو الجهراء أو على جو لبن أو على جو العبد والاجوية كثيرة في بوادي جزيرة العرب ويعرف كل جو بما نسب إليه من اسم واذا سألت بدويا اليوم عن معنى "الجو" قال لك: الجو: هو الأرض الوسيعة المتطامنة "المنخفضة", وقد تحيط بها المرتفعات في بعض جهاتها احيانا ويجمعون الجو على "جيان" و"أجوية" ومصغرة عندهم "جوي".
والسيف: عند العرب الأوائل والعرب الاواخر هو ساحل البحر, والجمع اسياف.
"المرحلة": باللغة الفصحى: واحدة المراحل, يقال بيني وبين كذا مرحلة أو مرحلتان والمرحلة: المنزلة يرتحل منها, وما بين المنزلين مرحلة.
ونحن نقول: إن المرحلة التي يعنيها ياقوت في كلامه, هي وحدة قياس للمسافة يستخدمها العرب الأوائل والاواخر, وهي المسافة التي يقطعها راكب البعير طوال اليوم من بداية الحركة وحتى يحط رحاله على الأرض, وتقدر المسافة التي يقطعها بحوالي 45 كيلو متراً وكلامنا هذا ينطبق على مسير ظعون البدو عند الرحيل وعلى مسير جمال القوافل المحملة بالبضائع التي تسير بهدوء.
وبدو اليوم يستخدمون كلمة "الرحلة" أو "الرحلة" أو "المرحلة", فاذا سألت أحدهم, كم يبعد العرب الفلانيون عنكم? أجابك: يبعدون عنا مقدار رحلتين "أي مرحلتان حوالي 90 كيلو مترا" يقول ياقوت عن كاظمة: "وماؤها شروب" ويقصد بذلك ان ماءها صالح للشرب ويقول: "واستسقاؤها ظاهر" ويقصد بذلك ان ماءها قريب من سطح الأرض, وفعلاً قلبان "آبار" كاظمة القريبة من ساحل البحر, قليلة العمق لا تحتاج إلى السانية "الدابة" لاستخراج الماء منها, فماؤها يستخرج بواسطة المتح باليد, وهذا النوع من الآبار يطلق عليها البدو اسم "حسيان" ـ أي احساء ـ ومفردها "حسو" أي حسي.
وقال صاحب كتاب "تقويم البلدان" أبو الفداء عماد الدين اسماعيل بن محمد بن عمر "732 هـ/1331م" عن كاظمة:
"كاظمة: جو على ساحل البحر, بين البصرة والقطيف, وبين كاظمة والبصرة مسيرة يومين, وبين كاظمة والقطيف مسيرة أربعة أيام, وهي في سمت الجنوب عن البصرة, ويقال لها كاظمة البحور, وهي منازل للعرب وبها مراع جيدة, وآبار كثيرة قريبة المدا" "2".
توضيح لاسماء الأماكن التي جاءت في كلام أبي الفداء بأقوال الآخرين البصرة: هي المدينة العربية الإسلامية الشهيرة, التي بنيت في سنة 15 هـ/ 636م بأمر الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وأول من تولاها ومصرها بأمر الخليفة عمر هو الصحابي الجليل عتبة بن غزوان بن جابر المازني " 17هـ/638م, وموقع البصرة القديمة يقع على مشارف الصحراء بالقرب من مدينة الزبير الحالية.
القطيف: قال عنها الهمداني "3" " 360 هـ/970م" في كتابه "صفة جزيرة العرب": "القطيف موضع نخل وقرية, عظيمة الشأن وهي ساحل وساكنها جذيمة من عبدالقيس, سيدهم ابن مسمار ورهطه" وقال عنها الرحالة الفارسي ناصر خسرو القبادياني "4", "481 هـ/1088م" في كتابه "سفرنامة ناصر خسرو": "واذا اتجهت إلى شمال الاحساء وجدت القطيف على بعد سبعة فراسخ والقطيف مدينة كبيرة ذات نخيل وفير". وذكر ياقوت الحموي "5", "626 هـ/1228م" في كتابه "معجم البلدان": القطيف مدينة بالبحرين اليوم, من أعظم مدنها, وهي لجذيمة عبدالقيس. ووصف ابن بطوطة "6" " 770 هـ/1368م" القطيف قائلاً: »مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير ويسكنها طوائف من العرب, ونقول: ان المراجع العربية القديمة تسمي مدينة القطيف باسم"مدينة الخط" فهي قاعدة بلاد الخط, ويشمل مسمى "الخط" كما جاء في المراجع العربية القديمة: سيف هجر "الاحساء" والعقير والقطيف والبحرين وقطر وعمان ـ وكل هذه المدن وقراها تقع على هذا السيف الممتد كأنه الخط المرسوم- وكلها مرافئ للسفن, وتنسب اليها الرماح الخطية الذائعة الصيت عند العرب, وليست بلاد الخط بمنبت لهذه الرماح ولكنها مرافئ السفن التي تحمل أعواد القنا من الهند فتصنع وتقوم في مدن وقرى ساحل الخط وأجودها ما يصنع في مدينة القطيف "مدينة الخط". ويطلق المؤرخون والجغرافيون القدامى من يونان ورومان نقلاً عمن سبقوهم من أقوام على هذا الساحل اسم خاطيني أو كاتيني chateni ونظن ان المقصود بهذه الكلمة الافرنجية هو كلمة "الخط" العربية, التي أطلقها اجدادنا من العرب العاربة منذ فجر التاريخ على هذا الساحل الممتد على شكل خط مرسوم.
واضافة الى الرماح الخطية تذكر المصادر العربية "الرماح الردينية" والواحد الرمح الرديني: وهو منسوب الى امرأة تسمى ردينة وهي زوجة السمهري, وكانت هذه المرأة العربية تقوم القنا بخط هجر, وخط هجر هي "مدينة القطيف" فهي قاعدة خط هجر, وهجر هو الاسم القديم للاحساء, وقيل: خط هجر هو ساحل هجر, والسمهري القديم للاحساء, وقيل: خط هجر هو ساحل هجر, والسمهري زوج ردينة هو أيضا من أمهر صناع الرماح الحربية واليه تنسب الرماح السمهرية التي تغنى بها عرب الجاهلية والإسلام في ايام غزواتهم وفتوحاتهم.
تذكر معاجم اللغة والبلدان ان اسم "القطيف" على وزن "فعيل" جاء من الفعل: قطف يقطف فهو قاطف والمقطوف "قطيف".
نقول: قطف الرجل الثمر أو العنقود. واسم قرية القطيف أو منطقة القطيف عند مؤرخي اليونان والرومان الأقدمين هو "كيتوس" cateus ونظن انها محرفة من الكلمة العربية "قطيف" لتلائم النطق الأعجمي لأولئك الأقوام.
كاظمة في أشعار العرب
لنستمع الى ما يقوله الكاتب الشاعر مهيار الديلمي ت "428هـ/1036م" عن نسيم كاظمة, المهيج للاشجان والذكريات والأيام الخوالي, يقول:
يانسيم الصبح من "كاظمة"
شد ماهجت الجوى والبرحا
الصبا إن كان لابد الصبا
إنها كانت لقلبي أروحا
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا صبا إذا غنى بكم
شرب الدمع وعاف القدحا
ولنستمع الى البوصيري شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد "695هـ" صاحب القصيدة الذائعة الصيت المسماة بـ"البردة" الذي مدح فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لقد ذكر كاظمة في مطلع بردته, حيث قال:
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء "كاظمة"
وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك ان قلت اكففا همتا
وما لقلبك ان قلت استفق يهم
أيحسب الصب ان الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم
ذو سلم: وادٍ في الحجاز في طريق الحاج المصري. والسلم في الأصل شجر ينبت في هذا الوادي, وبه سمي.
إضم: واد في الحجاز يقع خلف جبل أحد بالقرب من المدينة تجتمع فيه السيول.
الدكتور عبدالوهاب عزام "1959م" أديب مصري ذائع الصيت, تولى عمادة كلية الآداب في جامعة القاهرة, كان سفيراً لبلاده في عدة بلدان, زار الكويت في سنة 1953م, وطلب من مضيفيه زيارة أرض كاظمة, فتجول على سيفها وبرها ومرتفعاتها, فتذكر أيام بني تميم والفرزدق ومنادي العربان على هذه الأرض العذية الفواحة بعطر التاريخ, فأنشد هذين البيتين:
بـ"كاظمة" طوفت في ميعة الضحى
وقلبي الى الماضين جم التشوق
أكاد أرى في رملها قبر غالب
وأسمع في الآفاق شعر الفرزدق
ولزيادة الفائدة, نذكر ان الأديب الشاعر الدكتور عبدالوهاب عزام- رحمه الله عليه- ينتمي الى عائلة "عزام" ذات الأصل الصعيدي, وهي من كبريات العوائل العربية الساكنة في محافظة الجيزة وأريافها, ولقد أنجبت هذه العائلة المباركة الكثير من الشخصيات العربية المتميزة ذات التاريخ الحافل, نذكر منهم عبدالرحمن عزام باشا أول أمين عام للجامعة العربية, وعبدالفتاح عزام الذي تولى منصب محافظة مدينة الجيزة في مصر.
وهذا الفرزدق أبوفراس همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي "110هـ أو 114هـ" بعد ان وصل الى المدينة مسافراً من ديرته كاظمة, أخذت ذلوله "مطيته" تحن كحنين الخلفة "الناقة الوالدة" المظيرة على البو "جلد ولد الناقة المحشو بالحشيش وأعواد الشجر" وسبب حنينا هو انها تبتغي ديرتها في شرقي نجد, حول فلج "وادي الباطن حالياً" أو حول سيف الكواظم "كاظمة وما حولها من بر وبحر", يقول الفرزدق:
تحن بزوراء المدينة ناقتي
حنين عجول تبتغي البو رائم
فياليت داري بالمدينة أصبحت
بأعفار فلج أو بسيف "الكواظم"
وهذا أبوحزرة جرير بن عطية بن خطفي اليربوعي التميمي "114هـ" يترنم بهذه الأبيات الشجية المتزينة بذكرى كاظمة:
هل ينفعنك ان جربت تجريب
أم هل شبابك بحد الشيب مطلوب
أم كلمتك بسلمانين منزلة
يا منزل الحي جادتك الأهاضيب
كلفت من حل ملحوباً و"كاظمة"
هيهات "كاظمة" منا وملحوب
قد كلف القلب حتى زاده شجناً
من لا يكلم إلا وهو محجوب
"سلمانين": المقصود هو "السلمان" من السلم والسلامة, وهو اسم بوضع, قال عنه ياقوت الحموي: السلمان منزل بين عين صيد وواقصة وهو ماء قديم جاهلي وبه قبر نوفل بن عبد مناف ويوم سلمان من أيام العرب المشهورة لبكر بن وائل على بني تميم".
ونحن نقول: ان السلمان مازال يحمل نفس الاسم اليوم, وهو ناحية مسكونة في وسط البادية الجنوبية من العراق, وهو بالاساس التاريخي قلبان "آبار" مياه.
ملحوب: اسم موضع قريب من كاظمة. وفي اللغة: الطريق الملحوب هو الطريق الواضح المنقاد الذي لا ينقطع.
وجاء ذكر كاظمة في أشعار الشيخ عثمان بن سند بن راشد النجدي الوائلي "1242هـ/ 1826م", ولد هذا الشيخ الشاعر في فيلكا سنة 1180هـ/ 1766م وعاش سنوات الصبا وشرخ الشباب على أرض كاظمة, ثم تنقل بين الاحساء والبصرة وبغداد طلباً للعلم والمعيشة, واستقر به المقام أخيراً عند والي بغداد العثماني الوزير داود باشا الأول, نديماً مقرباً وشاعراً متميزاً له الخطوة الكبيرة, يقول:
أحس نحوكما ما دام لي رمتي
شوقاً الى سمر أحلى من الثمر
فواصلاني ولو بساعة لطفت
فساعة الوصل لم تحسب من العمر
بحق من سحرتني يوم "كاظمة"
بناظر كامل بالسحر والحور
خود من البدو أبدت من محاسنها
كالشمس قنعها برد من الخفر
أبوالحارث الملك الضليل الشاعر امرؤ القيس حندج بن حجر الكندي "مات نحو 80ق.هـ/545م" يذكر كاظمة قائلاً:
إذ هن أقصاط كرجل الدبى
أو كقطا "كاظمة" الناهل
الدبى: صغار الجراد. و"رجل الدبى": قطعة من الدبى تتحرك مع بعضها سوية ويراد بالكلمة كثرة العدد ويرادفها بنفس المعنى "رحى الجراد أو الدبى" و"عمود الجراد" وكلها تعني العدد الكثير عند العرب الأوائل والآواخر.
القطا: هو الطائر المعروف, سمي بذلك لثقل مشيه, واحدته قطاة, والجمع قطوات. ويقال: قطت القطاة: صوتت فقالت قطا قطا, فاشتق اسمها من صوتها.
وتقول العرب في أمثالها: "لو ترك القطا لنام" يضرب مثلاً لمن يهيج إذا تهيج. وتضرب العرب هذا المثل بالرجل الخبير الدليل بدروب ومسالك الصحراء: "فلان أدل من قطاة" لان القطاة ترد الماء ليلاً من الغلاة البعيدة.
وهناك الكثير من الأمثال المستوحاة من القطاة مازالت مستعملة ومتوارثة عند عرب اليوم.
ويذكر كاتب هذه السطور, أن أرض كاظمة كانت فيما مضى موطنا لأسراب القطا بنوعية "الكدري" و"الصياح", وكانت مفاحص بيضها تنتشر بكثرة في أيام الربيع على أرض كاظمة الخضراء الملونة بالأزاهير والنواوير.
أنشد أعرابي من قبيلة بني كليب بن يربوع, وقيل أن الأعرابي المنشد من قبيلة بني أسد واسمه فروة الأسدي, يبشر إبله بسكنى كاظمة البحور:
عدتهن المخاوف عن سنيح
وعن رمل النقار فهن زور
ضمنت لهن أن يهجرن نجداً
وأن يسكن "كاظمة" البحور
سنيح: اسم موضع في نجد رمل النقار: اسم موضع في نجد والنقار: جمع النقرة وهي هبطة في الأرض. والنقر: ضرب الصخر أو النقش عليه.
(1) ياقوت الحموي. معجم البلدان 4/431. بيروت
(2) أبوالفداء. تقويم البلدان, بيروت ص85 .
(3) الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني. صفة جزيرة العرب- تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي, دار اليمامة, الرياض. ص280 .
(4) ناصر خسرو القبادياني. سفرنامة ناصر خسرو. ترجمة الدكتور أحمد خالد البديلي. جامعة الملك سعود. الرياض. ص175 .
(5) معجم البلدان 4/378, مرجع سابق.
(6) ابن بطوطة. رحلة ابن بطوطة, المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" القاهرة, 1383هـ/1964م, القاهرة. ص 177 .
عن جريدة السياسة *
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |