بيانكم أيها الرفاق غضّ طرفاً عن هذه الحقائق / حازم الأمين
2012-10-21
في الأسبوع الفائت، وقّع كتّاب وناشطون وصحافيون في بيروت بياناً دعوا فيه إلى اطلاق عبدالعزيز الخيّر، ورفيقيه إياس عيّاش وماهر طحّان، الذين جرى خطفهم واعتقالهم في 21/9/2012 في منطقة مطار دمشق، إثر عودتهم من زيارة إلى الصين. ووصف البيان الخيّر بأنه «قد يكون من أفضل من يمثّلون الخطّ السوريّ الوطنيّ العربيّ، الحليف لفلسطين وللمقاومة الوطنية اللبنانية، والبعيد عن عسكرة الانتفاضة السورية وتطييفها واستدعاءِ التدخلات الخارجية».
يستدعي البيان الكثير من الأسئلة، لا سيما ان موقّعيه من مستويات متفاوتة من اليساريين. بعضهم أقلع عن منصبه الرسمي، وبعضهم لا يزال، لكنهم في معظمهم يشكلون جزءاً من ضائقة الثورة السورية مع يساريي مجتمعها وبيئتها. فالثورة حائرة بهؤلاء حيرتها بعنف النظام وبطشه. لماذا كل هذا الارتباك سواء في تأييد الحراك أو في تأييد النظام أيها الرفاق؟ ثم لماذا على السوريين ان يتقدموا الى امتحانات العروبة والمقاومة التي تجرونها كل يوم حتى يليقوا ببيان إدانة لاختطافهم؟ ماذا لو كان المخطوف استاذ مادة الكيمياء في الجامعة السورية، ولم يسبق له أن كتب او قال شيئاً عن فلسطين! هل يستحق بيان تأييد منكم؟ ثم ماذا لو قال لكم سوري غير يساري ولا يحب «حزب الله»: «أنا ضد اسرائيل قبل أن تولدوا وقبل ان أولد أنا نفسي»، ألا يكون محقاً بذلك.
وبالمناسبة، فقد عاد الكلام في اسرائيل عن ان نظام «البعث» ضمانة للحدود، ويمثل وجهة النظر هذه جنرالات في الجيش وسياسيون في أقصى اليمين، وأضيف اليه هذه المرة إعجاب بالتزام «حزب الله» خط الهدنة في لبنان طوال أكثر من ست سنوات بعد الحرب. وبما ان عبدالعزيز الخيّر استحق بيانكم لحرصه على عروبة سورية، فماذا عن طبيب كردي خطف من المطار أيضاً وهو لا تعنيه عروبة سورية كما لا تعنيه كرديتها؟ هو طبيب فقط، وهو سوري. ألا ترقى ظلامته الى مثل تلك التي وهبتموها للخير؟
سيستدرج هذا الكلام ردوداً قد ترقى الى مستويات تخوينية، لا سيما أن نزع فلسطين من الهم المحلي ومن الطموحات التغييرية هو المستوى الأول من الصدام، كما ان المضمون الفعلي للمقولات التخوينية ركيك اذا قيس بالعمق «غير الديني» الذي من المفترض ان ينطوي عليه وعي الرفاق. ذاك ان «المقاومة» اليوم اسلامية، فقط اسلامية، وبمقدار ابتعاد المرء عن «حزب الله»، فقط «حزب الله» (تم طرد «حماس» أخيراً من «جنة» المقاومة)، يكون قد ابتعد عن المقاومة واقترب من اسرائيل.
السوري الذي قال لهؤلاء: «أنا ضد اسرائيل قبل ان تولدوا وقبل ان أولد أنا نفسي» ورفض الخضوع لامتحان الإقصاء، قُتل شقيقه في درعا (ليس بعيداً عن الجولان) ولكن على يد نظام «البعث». بيانكم أيها الرفاق غضّ طرفاً عن هذه الحقيقة.
أعلنتم شروطاً لانحيازكم الى الثورة، منها أن يتقدم «الخطّ السوريّ الوطنيّ العربيّ، الحليف لفلسطين وللمقاومة الوطنية اللبنانية» الهم التغييري في الثورة. ليس هذا هاجس الثورة في سورية. انها حقيقة ساطعة. وليس ذلك لأن الشعب السوري عميل، بل لأن جلاده اليوم ليس اسرائيل. ألا تستقيم هذه المعادلة في وعيكم؟ ثم إن ثمة ما يُضاعف المأزق، فـ «حزب الله»، أيقونة المقاومة وأيقونتكم، يقف الى جانب الجلاد في سورية، وهذا ما يجعل مهمتكم أصعب. فإذا أراد سوري ان يقف اليوم وسط دمشق وأن يُطلق العنان لمشاعر العداء لإسرائيل في أثناء تظاهره ضد النظام، على ما تطلبون، فلن يعوقه رصاص النظام فقط، انما أيضاً الخطب المتناسلة للأمين العام للمقاومة والتي كشف في آخر واحدة منها انه جزء مما يجري في سورية، وأن قتلى له سقطوا هناك.
ثم ان ذاك الشاب السوري الذي لا يُحب «حزب الله» والذي قال لكم: «أنا ضد اسرائيل قبل ان تولدوا وقبل ان أولد أنا نفسي»، هذا الشاب نفسه يقول «ان النظام جعل من اسرائيل حملاً وديعاً اذا قيست جرائمها بجرائمه»، وهذا وفقه سبب اضافي للسعي الى إسقاطه. اذ ان النظام وفي سياق المجازر التي ارتكبها، ارتكب واحدة ذهنية عبر تهشيمه حقيقة «ان اسرائيل عدوتنا قبل غيرها من الأعداء».
يشير البيان المقتضب للرفاق الى «عسكرة الانتفاضة»، والى «استدعاء التدخلات الخارجية»، وغالباً ما تُستحضر «العسكرة» من قناة ادانة الثورة لا النظام. فالإشارة الى العسكرة من دون ان تُشفع باستدراك ان النظام هو المسؤول الأول عنها تنطوي على رغبة واعية او لا واعية في انقاذ النظام. ثم ماذا عن استدعاء التدخل الخارجي؟ أنتم تعلمون ان السوريين هم أكثرنا تلهفاً لتدخل خارجي، وأن بعضكم قال ان الغرب لن يتدخل لأن لا نفط في سورية. ثم ان تجارب التدخل «الإمبريالي» في العراق وفي أفغانستان وفي ليبيا اختلطت فيها اليوم هوية المستعمر. من هي الإمبريالية اليوم في العراق؟ هل هي واشنطن أم طهران؟
انهم أكثر من ثلاثين ألف قتيل أيها الرفاق، وأكثر من مئة ألف جريح ومثلهم أسرى ومختفون! بيانكم يصلح بعد ثلاثة قتلى لا بعد ثلاثين ألف قتيل، والسلمية التي تدعون السوريين اليها هم من سبقكم الى اعتمادها في الأشهر الثمانية الأولى من عمر ثورتهم، وهم من يحاولون حتى اليوم استئنافها ما ان ينكفئ الجيش عن ساحاتهم، على رغم أثمانها الباهظة.
تحدثتم عن ضرب النظام القيم عبر اعتقاله الخيّر. «القيم» أيها الرفاق! هل ما زلنا هنا، عند ضربه القيم؟ هل شاهدتم تقرير التلفزيون السوري في داريا في أعقاب المجزرة؟ لقد ضرب النظام ما هو أكثر جوهرية من القيم، وأكثر بداهة... ضرب الحق في ان يكون الإنسان على قيد الحياة.
جريدة الحياة
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |