أثر الرصاصة وذكريات الألم السعيد ج 2
خاص ألف
2012-10-28
اعذروني على ابتسامتي العريضة، أعرف أن القانون يمنع "الابتسام". لا أذكر متى تم إصدار هذا القانون، ومتى تم التصديق عليه من قبل مجلس الشعب، كما لا أعرف من اقترحه، لا أعرف عنوانه، أو رقم هاتفه الأرضي. ليس لدي أي اعتراض على القانون والعياذ بالله. بالعكس. موافق. أقولها بكلٍ صدق ودون أن أشعر بأي تهديد. أعرف أنكم لستم بحاجةٍ إلى رأيي، أو إلى موافقتي، ولكني فقط أحببتُ إبلاغكم بأني موافق. فأنا أتفق معكم تماماً بأن "الابتسام" مخالفٌ لآداب السلوك العام، وتصرفٌ مشينٌ يبعث على الاشمئزاز والتقيؤ. وشخصياً لا أستطيع أن أتخيل أن هناك مخلوقات بشرية ما تزال معتادةً، في القرن الواحد والعشرين، على مخالفة القانون، والقيام بمثل هذه الحركات التافهة كالابتسام. ولكني لم أستطع تمالك نفسي فقد تذكرتُ رصاصتكم! ولهذا فقد اضطررتُ (وأكرر أني اضطررتُ) للابتسام. إذ كما أخبرتكم في الجزء الأول، فأنا أشتاقُ، وبكل صدقٍ، إلى ذاك الشعور الجميل حين اخترقتني رصاصتكم.
عليّ أن أشير إلى أنها رصاصةٌ مهذبة. لا بد أنها رصاصةٌ مهذبة. لا توجد خياراتٌ أخرى. لماذا؟ سأجيب بثقةٍ وأنا أشْعل لفافة تبغٍ بعينين نصف مغمضتين تحدقان في "النافذة المكسورة": لأنه من الواضح أنها قد نالتْ حظاً من التربية في أسرةٍ متفاهمة. وأكاد أجزم أنها من خلفيةٍ برجوازية. ليس من عادتي أن أتحدث بنبرةٍ طبقية، وأنتم تعرفون ذلك، ولكن على ما يبدو فرصاصتكم المهذبة تنتمي إلى الطبقة المخملية ذات الزغب الناعم والشّبِق. وهذا قد يفسر التزامها بهذه التقاليد الصارمة. فهي ليست من النوع العادي والسائد. هي رصاصةٌ مصنوعةٌ، بكل تأكيد، من الرصاص الصلب والقاسي، الذي لا يطفو (ويرفض بشدة أن يطفو) على سطح الماء. هذا النوع من الرصاص يندرُ أن ينطلق بصمت، يندر أن ينحرف عن مساره المرسوم بدقة، ويندرُ أن يخطئ. ومما يزيد من يقيني بأن رصاصتكم مهذبة هو أنها قد دخلتْ بلا استئذان! ومن الناحية التقنية فقد تم ذلك بسرعةٍ خاطفةٍ كما يلي: سمعتُ الصوت، ثم أحسستُ بحرارة، ثم رأيتُ الدماء تسيل بجدٍ ونشاط! صوتٌ، ثم حرارةٌ، ثم دماء. ثلاثيةٌ مدهشة. لم أصدق ما يحدث، لكني حينها (أعتذر مرة أخرى على الإساءة) ابتسمتُ. ابتسمتُ وفق منهجٍ عريضٍ وأفقيٍ ممتدٍ عبر الزمن المرّ، ومخلوطٍ بزبدة الكاكاو، وعصير المانغو، والحسرة. وفجأةً تفجرت تحتي رغبةٌ دفينةٌ بالرثاء، واستيقظتْ موهبة كتابة التراجيديا كشجرة صنوبرٍ عتيقة يسيل منها المطاط الأرجواني.
وهكذا انتهى كل شيءٍ بلمح البصر بحيث لم يتسنى لي الوقت كي أركز. لكني، مع كل ذلك، تذكرتُ أشياء أعتقدتُ أني قد نسيتها. عبرتْ أمامي على سبيل المثال، وبسرعةٍ خاطفةٍ، صورةٌ لأختي الصغيرة! كانت صورتها مشوشة نوعاً ما. لم تكن الملامح واضحة، فالضباب كثيفٌ لدرجة العمى الأسود. ولكني تذكرتُ تماماً، دون الحاجة إلى أي صورة، تلك الأيام الجميلة حين كان عندي أختٌ صغيرة. كنا جزءاً من عائلة سعيدة تشتت شملها مؤخراً ... ... ... ...
لا. أنا لم أتوقف عن الكلام. لا توجد لدي نيةٌ كي أتوقف عن الكلام. شخصياً أشعر بالمتعة لأنكم منحتموني، من خلال رصاصتكم، الفرصة كي أتذكر أختي الصغيرة. وكي أتكلم. كم أشتاق إليها ... كم أشتاق! سأتشجع وأقول أني أشتاق إليها إلى حدٍ يقترب، نوعاً ما، من اشتياقي إلى رصاصتكم. أشتاق ... أشتاق ... أشتاقُ إلى أختي الصغيرة وإلى رصاصتكم ...
آه ... عند حضرتك سؤال؟ تفضل. الجواب: بالتأكيد لا. أنفي ذلك وبشدة. أنا لا أبكي!!! سأصدر بياناً إن تطلّب الأمر. أما بخصوص الدموع التي شاهدتموها تنسكب بغزارةٍ استوائيةٍ من عينيّ الحمراويين ... فهي ليست دموعاً! أقصد أنها ليست دموعاً ناجمةً عن البكاء. إنها مجرد دموعٍ ناجمةٍ عن حبيبات الغبار. نعم. نعم. حبيبات الغبار مزعجةٌ للعيون، وهي مصدرٌ من مصادر التحسس. حدث ذلك معي من قبل، ولا بد أنه قد حدث معكم أيضاً. على الأقل مع بعضكم. وقد تؤدي حبيبات الغبار تلك إلى انطباعٍ خاطئٍ ومضللٍ بأني أبكي حزناً. في الحقيقة لا يوجد أي سببٍ مقنعٍ للبكاء حزناً. وإن كان البكاء ضرورياً، حسب القانون، فلا بد أن يكون "بكاء الفرح"، لأني أعيش هذه اللحظات الخالدة، وأنا أتذكر، كيف كان عندي أختٌ صغيرة. أعرف أن الفضول يدفع بكم إلى التساؤل عن حكاية أختي الصغيرة. ولهذا سأقصها على مسامعكم.
يتبع ...
08-أيار-2021
22-نيسان-2017 | |
25-كانون الأول-2013 | |
10-آب-2013 | |
29-حزيران-2013 | |
16-نيسان-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |