إخوان مصر: تباشير النهايات السعيدة
2007-01-13
طالما أن الصوت بدأ يصدر، ومن مصر هذه المرة، وبشكل قوي ومن قمة الهرم السلطوي ضد جماعات الإسلام السياسي، ومن الرئيس المصري حسني مبارك نفسه، وبشكل مباشر وبعيد عن اللغة الدبلوماسية المعتادة، فهذا يعني أن ثمة شيء غير اعتيادي يحدث، أو ربما قد حدث. ولم تصل الأمور إلى هذا الحد من الصدام والتصعيد قبل أن تمر بعدة مراحل وتطورات وتشهد بعض الإثارة. ولهذا مدلولاته السابقة الكثيرة والمتعددة والتي لن ندخل في سردها في هذه المقالة، إلا أن أبرزها، والذي كان قاصمة الظهر هو الاستعراض العسكري الميليشياوي الاستفزازي الذي قامت به مجموعات طلابية في قلب الأزهر.
ولم تكن تصريحات المرشد العام عن استعداده و"إمكانياته" لإرسال آلاف المتطوعين الجهاديين للقتال إلى جانب حزب الله خارج هذا السياق، أبداً. فالتحرك الجديد يعني أن "البلل قد وصل للذقن"، وأن الخطر قد وصل إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنها وأن الداء الإخواني الخطير قد استفحل واستشرى بما يستدعي "تحرك" ما، تحبل به القادمات من الأيام وما على الجميع سوى الترقب والانتظار. فالتصريحات القوية الأخيرة والمثيرة للرئيس مبارك ليست سوى بداية التهيئة لذاك "الإجراء" الذي لا يعلم بالضبط مدى شموليته وفعاليته واتجاهاته، وكيف سيتصرف الإخوان المسلمون حياله، وهل هي بداية لمواجهة شاملة يتم من خلالها استئصال شأفة الإخوان التي تجذرت عميقاً في المجتمع المصري ولا يمكن انتزاعها منه بسهولة؟
ومن مصر، بالذات، خرجت معظم "تقليعات" التأسلم ذات الصبغة السياسية بأطيافها وشعاراتها المختلفة، وصار لها مدارس ومريدون وأتباع، غير أنها تجتمع حول مبدأ عام واحد وهو تمجيد العنف والقتل، تلك التقليعات الفكرية التي اجتاحت لاحقاً الحواضر العربية الآمنة وأحالتها يباباً وخراباً وصفاراً، وقامت على أنقاض المشروع الحضاري الإنساني العلماني التنويري التحرري وشعاراته النهضوية بعد انهيار خلافة بني عثمان المتخلفة. فتصريحات الرئيس المصري حسني مبارك، عن الإخوان المسلمين، لا يمكن اعتبارها مجرد دردشة عادية، وحديث عاابر، وأن تمر هكذا مرور الكرام لولا أن هناك شيئاً خطيراً يعتمل في خلفية المشهد، وأنه بدأ يدرك حجم الخطر والتهديد الذي تمثله للأمن القومي والسلم الأهلي، ولا سيما بعد استعراض "فتوات"، وقبضايات الإخوان المسلمين لقوتهم بتلك الصورة الخارجة عن المألوف بكل ما يشكل ذلك من تحد للقانون وهيبة الدولة وقيم المجتمع.
المشروع الإسلاموي السياسي، كما بات معروفاً، وأثبتت التجربة في غير مكان، هو حرب أهلية مؤجلة، ومشروع تصادمي نكوصي وارتدادي بكل ما للكلام من معنى. تصادمي مع قيم العصر والحداثة والتطور والتنوير التي لا يقبلها، ولا يحاول البتة التكيف والتفاهم معها، ويصر على إلغائها، والعودة إلى عصر غابر آفل متحجر من الاستحالة بمكان العودة إليه، وإعادة بعثه واستحضاره وتمثل قيمه وسلوكه وإيديولوجيته. وهو تصادمي مع الآخر المختلف عنه، ولا يقبل البتة إلا بإخضاعه والهيمنة عليه، وإلا فالسيف هو الحكم والمرجعية. وفي كل بيئة ومكان تتواجد فيه هذه الجماعات، وهذه الأفكار فهذا سيعني صداماً، واقتتالاً، واحتراب. وهو مشروع رافض لكل جديد وتجديد وقابع في عالم وهمي افتراضي ماض وصار في ذمة التاريخ والزمان ولا تمكن العودة إليه بحال من الأحوال.
وفي ظل تغييب متعمد للأفكار التحررية، ووضع حجر وحظر أمام كل تجديد، فقد استخدمت هذه الجماعات، العقيدة الإسلامية، بكل مهارة، كدين تدين به الغالبية في المجتمع، كمنصة إيديولوجية جاهزة، ولغايات سياسية وسلطوية بحتة، وتحت مزاعم التمسك بحبال الدين، لإطباق سيطرتها على المجتمعات واستخدامها في مشاريع سياسية واضحة كان الله بغنى عنه ولو أرادها الله لقال لها كن فيكون وهو ليس بحاجة لخدماتهم ومساعدتهم وجهودهم. ولعبوا بذلك على حبال المتناقضات وسيل المشكلات التي تسود هذه المجتمعات وأطلقوا شعارهم السحري الواهم بأن الإسلام هو الحل لكل ذاك. لا بل صاروا يتحدون السلطات لإجراء أية انتخابات "حرة" ونزيهة مراهنين على الفوز بها أوتوماتيكياً، وذلك من خلال استغلال الإيديولوجية الدينية الموجودة، واستخدامها كغطاء لحزب ديني "تلقائي" موجود لتوه في المجتمع غير أنه لم يأخذ شكل الحزب المنظم، وهذه هي حجتهم في جميع المجتمعات التي لهم فيها نشاط ومن خلالها يعملون، وعليها يقوم أساس وجودهم التنظيمي باعتقاد افتراضي أن المسلمين جميعهم منضوون تحت لوائهم.
لعل هذه الخطوة والتصريحات الجريئة كانت واجبة منذ حادثة المنصة الشهيرة وعملية الغدر بالرئيس السادات الذي أخرجهم من قمقمهم علهم يساعدونه في كبح لجام المد التنويري النهضوي وجماعات اليسار، إلا أنهم انقلبوا عليهم، وتمسكنوا إلى أن تمكنوا وهذا ما سيفعلونه حيال أي شخص أو نظام يفتح لهم الذراع. وهم يمارسون التقية السياسية بأعلى مراحلها وأكثرها حربائية ومراوغة ودهاء، وهاهم بدؤوا مرحلتهم التالية في الانقضاض على المجتمع المصري والتي أعلن الرئيس مبارك بسببها الحرب عليهم.
إنهم خطر على مصر، وعلى كل مجتمع يتواجدون فيه، ليس فقط على الاقتصاد ورؤوس الأموال والتطور والازدهار، بل بداية لسلسلة من الأزمات ليس أولها الحصار، وليس آخرها العزلة والإفلاس، وأخشى ما يُخشى هو حمامات الدم، والمواجهات التي يعدّها، ويُضمرها شيوخ التكفير والإرهاب وقادة هذه التيار. فالمبدأ العام والمعروف بأنهم لا يؤمنون بالحوار والتعايش مع الآخر ويرفضون الاعتراف به إلا ذمياً، ومارقاً، وضالاً، ودافعاً للجزية وهو ذليل صاغر مهان. ومجمل مشروعهم العام وتصورهم ينحصر بسيادة نسخة غير منقحة من قانون آخر للطوارئ والأحكام العرفية وحظر التجوال التام تتعطل به المصالح والأعمال في أوقات الصلاة والصيام والآذان والوضوء والعبادات. وسيحدد بفرمان من المرشد العام طول اللحية وشعر العانة وأنواع العمامات التي يعتمرها السادة والعوام والدهماء. وسيزدهر الطهور والختان، ويفرض المسواك بدل معجون الأسنان، وستمنع وتحظر السياحة والخمور والرقص والسباحة والموسيقى والسينما وكل نشاط وفن فيه فكر، وموهبة، وإبداع بحجة التشبه بالنصارى واليهود والكفار، وستزدهر صناعة وتجارة السيوف، وتكثر ومشاهد التعزير وقطع الرأس وتصبح هي المتعة الوحيدة المسموح بمتابعتها على جمهرة الناس،وتندثر مهن كثيرة كالطب والخياطة والتطريز والحلاقة والكوافيرات ..وستبرقع النساء ويمنع الاختلاط بحجة محاربة الفجور والشيطان، وستهدم الإهرامات، وينسف أبو الهول بحجة أنه صنم كما نسفت تماثيل بوذا في أفغانستان، وتدفن المومياءات، وتدمر التماثيل وجميع الآثار الحضارية الهامة التي تدل على عظمة وروعة وإبداع البشرية. وسيعطل النصف الناعم والهام من المجتمع، ويسود الجهل والسحر والأباطيل والخرافات وتفسير الأحلام، وسيمنع الجميع من التفكير والإبداع ويتسيد المعممون والجهلة والأدعياء، ولن يتحرك أحد إلا بفتوى، ولن يفكر مفكر إلا ضمن ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولن ينبس أحد بكلمة خارج النص المتحجر المعروف وفتاوى فقهاء الدم المعروفين، ولن ينجز مشروع إلا بعد العودة للتراث و"القياس" عليه فيما كان يفعله البدو الأعراب في سالف الزمان. ولن يرى في المجتمعات سوى مفقوئي الأعين المرجومين والمجلودين ومبتوري الأيدي والأرجل ومقطعي الأوصال من خلاف نتيجة تطبيق الحدود على الفقراء والضعفاء، كما حصل في مهزلة تطبيق الشريعة في السودان التي جرّت على البلاد حرباً أهلية لم تبقي ولم تذر، وما زال الجميع يعيش تداعياتها حتى اليوم فقراً، وبؤساً، ودماراً وانقساماً مجتمعياً فظيعاً يكاد يكون حرباً أهلية غير معلنة فيما يصر أولئك على مشروعهم الدموي الحارق الماحق.
يستهجن كثيرون ما يجري في العراق من قتل واحتراب ونزيف دموي يومي، ويعتبرونه أمراً شاذاً وغير طبيعي. إلا أن كل ما يحدث هو أقل من طبيعي وعادي ولم يبلغ المأمول منه حسب تصور"آل سيّاف"، فهذا هو ديدنهم، وهذه هي حالة مجتمعاتنا فيما لو امتلكوا ناصية الحكم في أي بلد من البلدان. فلهم قانونهم وعرفهم الخاص البعيد عن أي اعتبار، وفيما لو ترك الحبل على الغارب لهذه الجماعات لتعيث تقتيلاً وتدميراً وفتكاً بالناس بالأسلوب والمنهج الوحيد الذي تتقنه وهو لغة الموت والرجم والدم. ما يجري في العراق هو الحالة الطبيعية وعكسه شذوذ في ظل هذه الإيديولوجيات العمياء الصماء. وهو الوضع الذي ستكون عليه جميع البلدان التي لهم فيها سطوة وقوة وباع. والبراهين كثيرة على ذلك من الجزائر إلى السودان، إلى مصر منتصف التسعينات، إلى الصومال، وأفغانستان، وجمهورية أبي سياف، وباكستان حيث التفجيرات، والقتل اليومي المتبادل على الهويات.
إنها خطوة متأخرة، ولكنها حتمية، ولن يكن منها بد ومهما طال الزمان، نحو حظر هذه الجماعات ومثيلاتها ومنعها من النشاط العلني العام. ولكن علها تكون خطوة موفقة تعيد لمصر ألقها ووجها الحضاري المشرق بعد أن جرها هؤلاء بعيداً إلى درك العصور الحجرية السالفة الدهماء.
هل هي بداية النهاية، وهل بدأ العد العكسي لشهر العسل الإخواني الطويل، والغزل المتبادل، مع السلطات المصرية؟ وهل هناك توافق دولي على التخلص من الجماعات السلفية والتكفيرية بعد أن استـُنفذوا، وانتفت الحاجة لوجودهم وخدماتهم؟ أسئلة كثيرة ستحمل الأيام القادمة إجاباتها القطعية. غير إنها على أية حال، وفي الأغلب، تباشير بداية النهايات السعيدة.
08-أيار-2021
24-أيلول-2007 | |
04-أيلول-2007 | |
17-آب-2007 | |
25-تموز-2007 | |
21-تموز-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |