رابطة الكتاب السوريين على صراط الاتهامات: تعالوا نشاهد الغابة / حسام الدين محمد!
2012-11-23
'الحقيقة جمال والجمال حقيقة' (جون كيتس)
كنت أود الانخراط بالبكاء مع زميلنا الاستاذ ماهر شرف الدين الذي سالت دموعه على مشهد للصديق الشاعر نوري الجراح على 'يوتيوب' وهو يقدم المهندس وليد الزعبي للحاضرين في اجتماع الأمانة العامة لرابطة الكتاب السوريين بالقاهرة (والزعبي كان، بالمناسبة، واحدا من عشرات من الذين ألقوا كلمات في اجتماع الأمانة العامة، ولم يلق كلمة الافتتاح كما أشاع البعض)... لكنني لم أستطع الا مغالبة ابتسامتي من هذه المبالغة الشعرية الظريفة التي وردت في مقالته في 'القدس العربي' بتاريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، المعنونة 'ما تعريف 'الأجندة' بالله عليكم؟'.
لا أخفي إعجابي بدأب ماهر شرف الدين ومواظبته على دوره كرئيس اركان الهجوم على الرابطة منذ تأسيسها وحتى ولادة هياكلها الادارية في ذلك المشهد العجيب الباعث على البكاء!
يدافع شرف الدين عن المهنية والنزاهة والصدقية والثقافة والثورة لكنه يستهين في دفاعه بالحقائق والأزمنة والتفاصيل بشكل يضعف كلامه كثيرا ويبين أنه مشغول بكسب معركة أكثر مما هو مهتم بتدوين الحقيقة والدفاع عنها سواء كانت معه او عليه.
ولأنني أتمنى لرابطة الكتاب السوريين ان تعيش في الهواء الطلق وأن لا تخشى النقد مهما كان شرساً ومندفعاً نحو تحطيمها والاساءة الى سمعتها، أجد من الضرورة ايضاح رأيي في بعض ما أورده الزميل (اضافة الى ما كتبه الزميلان حكم البابا وعمر سليمان):
حول لغة التخوين
يقول ماهر شرف الدين: 'سأعذر له (أي لي) لغته التخوينية المستغربة'.
وللابانة في موضوع التخوين هذا أحيل القراء مجددا الى مقالة عمر سليمان التي نشرها شرف الدين في 'الغاوون' بعنوان 'رابطة الكتاب وحوت الفساد' وهي موجودة ومتداولة على الانترنت ومقالتي التي ردّت عليها بتاريخ 25 تشرين الأول (اكتوبر) 2012 وعنوانها: 'من له مصلحة في اغتيال رابطة الكتاب السوريين؟' وهي موجودة على موقع 'القدس العربي'، ثم مقالة ماهر شرف الدين الأخيرة المذكورة (وهي أيضا موجودة في موقع 'القدس العربي').
في مقالة عمر سليمان الأولى وردت اتهامات واضحة وصريحة لوليد الزعبي بالفساد وبالعلاقة مع النظام السوري وبأن مؤسسي رابطة الكتاب السوريين 'مقربون من النظام' واتهامات أخرى عديدة منفلتة من كل عقال، وفي مقالة ماهر شرف الدين التي حاول ضبطها وتهذيبها ما أمكن تتحول العلاقة مع النظام الى 'شبهات وردت على الانترنت'، لكنه لا يربأ بنفسه عن استخدام مفردة 'الفساد' في وصف ما يجري في رابطة الكتاب السوريين.
في مقالتي التي ردّت على سليمان حاولت تقديم تحليل فكري للعقلية التدميرية التي تقبع خلف مقالة سليمان وقد عزوت ذلك للاستبداد وتأثيره في الشخصية السورية، لكنني، وكي أتجنب هذه العقلية نفسها اعتبرت ان ما ينسحب 'على بعض ناقدي رابطة الكتاب السوريين يجب ان ينسحب أيضا على تجربة تأسيس الرابطة ككل'. كما قلت ان 'رابطة الكتاب السوريين هي ابنة الواقع السوري بكل تناقضاته في محاولتها الخروج من عقلية الاستبداد وتمظهراته بقوة الرغبة بالتضامن والثقل الاخلاقي للثورة السورية لكنها بقيت تعاني من غياب تقاليد ديمقراطية راسخة'، فهل هذا 'النقد المزدوج' (بحسب مصطلح عبد الكبير الخطيبي)، الذي لا يستثني النفس من النقد فيه تخوين لعمر سليمان وماهر شرف الدين، وهل قمت، على عادة سجالات الديوك، بردّ التهمة التي اتهمونا بها اليهم، معتبراً اياهم عملاء للنظام السوري وغارقين في الفساد وطائفيين (الى آخر مسلسل ما اتهمنا به)، لا سمح الله؟
من الذين يخوّن من؟
أليس الذي يرمي شخصا تبرع بكلفة اجتماع واحد يتيم للرابطة بأنه (كان) على علاقة برامي مخلوف، قاصداً من ذلك تشويه سمعة الرجل والرابطة وربطهما بالنظام السوري؟ وهل كان المقصود من ذلك التشهير العلني خدمة الحقيقة والنزاهة والصدقية ام كان هدم الرابطة على رؤوس ساكنيها؟
حول الكذب والديماغوجيا
يقول ماهر شرف الدين: 'وبخصوص قوله (أي قولي انا) ان استقالة عدد من كتاب الرابطة هو 'كذب وديماغوجيا' فأرجو منه... الخ'، والحقيقة ان كلمتي الكذب والديماغوجيا جاءتا في وصف قول عمر سليمان ان مؤسسي الرابطة كانوا 'قريبين من النظام' وليس في الموضع الذي ذكره، وهو 'خطأ' (ولا أقول كذب وديماغوجيا) كنت أتمنى على ماهر شرف الدين ان يستنكف عنه.
حول الانتخابات
يقول الكاتب 'هل تذكر يا أخي حسام حينما انتظرتم الى ما قبل ساعات قليلة فقط من بدء الانتخابات لتعلنوا على الموقع لائحة يتيمة بعنوان (أ) مكونة من 25 اسما بينها اسمك فارضين علينا انتخابها كلها'، وهذا ايضا يا اخي ماهر غير صحيح إطلاقاً، فالفترة بين ظهور القائمة وانتهاء الانتخابات كانت اسابيع وليست ساعات ولا ايام، واريد ان اذكرك انه بعد مقالك الأول الذي تنبأت فيه بأن كل ما يجري هو فبركات ليتم بعدها انتخاب نوري الجراح رئيسا للرابطة، وبعد آراء عديدة لكتاب سوريين على صفحة الرابطة على موقع فيسبوك توافقنا على ان يكون الانتخاب مفتوحاً فمن أراد انتخاب القائمة فلينتخب ومن اراد تشكيل قائمة أخرى فليشكل كما يريد، فهل يتّسق يا أخي ماهر كلامك عن 'الساعات القليلة' مع ما جرى بعد ذلك من محاولات من بعض الزملاء لتشكيل قائمة وانضمام البعض اليها ام أنك لا تتذكر؟
صفحة الفيسبوك ما زالت موجودة ويمكن للأخوة الكتاب العودة اليها وعدّ الأيام والساعات فيها، وكذلك موقع الرابطة ما زال موجوداً وفي وثائقه ما يبين ان الانتخابات تم تمديدها عدة مرات، بما يكفي لأي شخص بالغ وراشد أن يؤلف القائمة التي يريد، وللأشخاص الذين انتخبوا أن يلغوا من يريدون ويصوتوا لمن يريدون.
وخلاصة الأمر في موضوع القائمة أنه وبسبب تواضع خبرة بعضنا من الذين تعاونوا على إنشاء الرابطة بشؤون الانتخاب، فقد استشرنا كتابا عربا خاضوا تجارب انتخابية في اتحاداتهم فأشاروا علينا بهذه الطريقة، وحين ثار نقاش واعتراض عليها قمنا بالطلب من الأعضاء فتح القائمة فكان للمنتخب ان يشطب من يريد ويضيف من يريد، وهذا ما حصل وهو ما يفسّر تراجع أصوات بعض من كانوا في القائمة (وأنا منهم) وارتفاع أصوات البعض الآخر (وبينهم صادق جلال العظم وروزا ياسين حسن).
وكان تصويت مئة وعدة أصوات من أعضاء الرابطة، بمن فيهم صوت الزميل ماهر شرف الدين نفسه، إقرارا بشرعية هذا التصويت، بل كان ايضا استفتاء ضمنياً على فكرة القائمة وعلى الأسماء الموجودة فيها.
كان احتمال سقوط اسمي وسقوط غيري من الأسماء خيارا مفتوحاً للناخب، لو ارتأت أغلبية المنتخبين ذلك، فهم نخبة من مثقفي سورية ولا يعقل ان يقوم اختيارهم إلا على رأيهم الخاص بالمرشحين سواء كانت هناك قائمة مغلقة او مفتوحة او لم يكن هناك قوائم أصلا.
كان موضوع القائمة اجتهادا استندنا فيه على سوابق في اتحادات كتاب عربية ديمقراطية مثل اتحاد كتاب المغرب، فلو أخطأنا فيه فلنا أجر، كما يقول الحديث النبوي، ولو أصبنا، فلنا أجران!
المسؤول المالي!
يصفني شرف الدين بأنني 'المسؤول المالي للرابطة'، وهذا الوصف مثل الكثير من الأوصاف العديدة التي ينتقيها الزميل انتقاء مقصودا وينثرها عبر مقالته لا تتقصد الوصف الموضوعي، فوليد الزعبي بتعريف شرف الدين هو 'الملياردير وليد الزعبي'، اما انا ف'المسؤول المالي للرابطة'، والمقصود من اللقبين ربطنا بالمال فحسب، وهذا تصويب وتهديف واختزال كان شرف الدين بغنى عنها، فاستخدامه هذا النعت، فيما يخصّني، لا يتّسق منطقيا مع سياق الحديث الذي لا علاقة له بالمال فهو يستخدمه بالتعاكس مع ما يصفه ب'الجواب الحاد والانفعالي' في مقالتي، وما استخدامه هذا الوصف بدل استخدام اسمي وحده (او وصفي بنائب رئيس الرابطة مثلا، وهو صحيح وأقرب الى سياق الكلام عن عدم الاجابة الحادة والانفعالية) إلا محاولة مؤسفة ومحزنة وتسفّ بالمقالة الى درك لا أرتضيه لنفسي ولا له.
أظن هنا، وبعض الظن إثم، ان ماهر شرف الدين يتعرض بشكل 'مهضوم' لذمتي المالية ولهذا فان عليّ أن أذكر أنني أعيش من راتبي في 'القدس العربي'، وأنني، باستثناء بطاقة الطائرة وحجز الفندق في اجتماع الأمانة العامة بالقاهرة لم أتلقّ أي مال نقدي او عينيّ من أي شخص كان لقاء عملي في الرابطة، بل انني، وكذلك نوري الجراح، رغم وضعه المالي المزريّ، قمنا أكثر من مرة بمساعدة أكثر من كاتب من مالنا الخاص (وهو أمر نتركه لأصحاب العلاقة لاعلانه او كتمانه، واذا احتاج الأمر فسنطالبهم بذلك لاحقاق الحقّ) كما حصل أن أمنّا، بالتعاون مع الصديقين فرج بيرقدار وغياث الجندي ومؤسسة 'قلم' مساعدات عاجلة لكتاب وكاتبات سوريين آخرين، وإحدى هذه المساعدات جرت بعد مناشدة من الصديقة غالية قباني على صفحة فيسبوك الرابطة.
أما بالنسبة ل'مالية' الرابطة، فهي ما تزال في عباب الغيب، بانتظار تشكيل جمعية قانونية تستطيع فتح حساب مصرفي، وهذه 'المالية' العتيدة ستكون مفتوحة للتدقيق لكل أعضاء الرابطة، وليس فقط لمكتبها التنفيذي او أمانتها العامة.
التفاصيل الشخصية:
يقول شرف الدين أنني أقحمت 'التفاصيل الشخصية لعمر سليمان وزوجته الفنانة فدوى سليمان بشكل غير مهني إطلاقا'.
أولا: لقد قامت الفنانة فدوى سليمان بالتعليق على موضوع الرابطة كما ذكر خبر 'ايلاف' بصفتها شخصية سورية عامة ولا يصح بالتالي، مهنياً، تجاهل رأيها في الموضوع.
ثانياً: كان ذكري لاتصال الفنانة فدوى سليمان وعمر سليمان بي تنبيها للأخ سليمان بأسهل طريقة يمكن للمنطق أن يستوعبها، وهي تذكيره أنني دافعت عن زوجته ضد النظام نفسه الذي يتهمني بالقربى منه!
قام سليمان بهجومه العنيف عليّ ووصفني مع مؤسسي الرابطة بأننا من المقربين من النظام، فلو كان عمر سليمان لم يتعرف عليّ ويتحدث معي ولم يعرف موقفي المشهود منذ سنين طويلة نحو النظام، لقلنا أنه جاهل وما كنت مضطرا لتذكيره بما حصل، فهل كان هذا أمراً مهنياً ام شخصيا، وعلى ماذا يتحرّج الأستاذان عمر وماهر من ذكر أمر يشرّف السيدة ويشرّف عمر سليمان الذي طلب عملاً هو أحقّ به من غيره ولم يمنّنه أحد به او يعيّره أحد في ما طلب، وهل فدوى سليمان من سكّان الحرملك أم هي شخصية عامّة يشرّف ذكرها من يتحدث عنها؟
الفساد
رغم قوله في موقفه من 'الملياردير وليد الزعبي' ان هناك ضده اتهامات لا نهاية لها ولا عد 'ولكنه لا يتبناها ولا ينفيها'، فان شرف الدين يعزو استقالات كتاب الرابطة الذين يورد اسماءهم الى احتجاجهم على 'الفساد'.
الفساد يا عزيزي ماهر؟
فساد ماذا ولماذا ومن؟
ألم نوضّح موقفنا في هذا الأمر مراراً وتكراراً؟
واذا كنت لا تتبنى ولا تنفي 'الشبهات' حول الرجل كما تقول، واذا كانت اثباتاتك ووثائقك هي 'ما يكتب على الانترنت' وما يقذفه جبروت 'غوغل' إلينا نحن الناس الفانين على هذه الأرض الفانية فهل هذا دليل؟ وهل هذه دقة ومهنية؟
ثم ما ذنب النفر القليل من مؤسسي رابطة الكتاب لو كان الأمر كما تفترض ما دمنا لم نعلم بتلك 'الشبهات' التي تتحدث عنها، وهل كان علينا أن نأخذ بشبهات ظهرت على الانترنت لنقوم بالحكم على البشر بدل ان نحكم عليهم بأفعالهم؟
قبل اجتماع الأمانة العامة كتبت انا شخصيا في صفحة الرابطة على فيسبوك ان الاجتماع سيتكفل به رجل أعمال سوري، وكنت قد سألت أصدقاء لي عنه فكانت الردود ايجابية، ولم يكلّف أحد في الصفحة نفسه للتساؤل عن الأمر، وحصل الاجتماع كما جرى وشرحنا فأين حصل الفساد بالضبط؟ هل قام وليد الزعبي بشراء ذممنا فنصبناه زعيماً علينا؟ هل هناك إثباتات للتهم غير ما يقوله غوغل عنه؟ واذا كان الرجل، فرضاً، في يوم من الأيام، شريكاً لرامي مخلوف كما يقول الزعم الغوغلي الرهيب، ألا يجوز له الانشقاق عن النظام والابتعاد عنه؟
لا يبدو ان هذه الأسئلة تشغل بال الزميل ولا تؤرق ضميره السياسي والثقافي، وهنا أسأل لعلّ هذا القلق يتحرك عند زميلنا ماهر:
لنفترض ان الشخص المعروف الذي بدأ الحملة ضد وليد الزعبي قد نقل البندقية الى الكتف الأخرى ووجه مدفعيته الانترنتية ضدك، زاعماً انك أسست دار نشرك ومجلتك من أموال السي آي ايه والصهيونية العالمية او النظام السوري وايران والمافيا الروسية فهل تتوقع ان نتعاضد معك ككتاب سوريين ومثقفين ام أن تظن اننا سنستغل ذلك لنقوم بافتراسك مع المفترسين؟
هل يمكن ان تقبل باعتقالك على حاجز بناء على الشبهة؟
هل تقبل ان تهان او يساء لسمعتك لأن أحداً كتب اتهامات ضدك على الانترنت؟
هل تؤمن بتصفية البشر واعدامهم بناء على الاشاعة والكلمة أم تؤمن بالمحاكمة القانونية العادلة التي تتيح حتى للمجرمين الدفاع عن أنفسهم؟
ثم ما هو هذا المنطق الذي لا يقبل من الناس التغيّر والتبدّل؟
يقبل الله توبة البشر، لو كانوا مخطئين، أما المثقف السوري فلا يقبل ذلك!
بالله عليكم، أليس من الأولى ان تترك النخبة المثقفة شيئا واحداً لعناصر المخابرات وللشبيحة وللقتلة يتفاخرون به علينا: تصفية الناس على الشبهة؟
الاعتذار واللباقة
يستكثر ماهر شرف الدين الاعتذار من الروائي السوري فواز حداد ويعتبر ما قاله له 'لباقة'، فاذا افترضنا ان ما قاله 'لباقة' فهل يصبّ انتخاب شرف الدين للزميل حداد في باب اللباقة أيضا؟، وبعد لباقة المشاركة في الانتخابات ما هي اللباقة في وصف ما حصل بأنه فضيحة؟ وأين الفضيحة ما دام المنتخبون صوّتوا لمن انتخبوهم؟ وهل لو خرجت الانتخابات بنتائج مختلفة لما عادت الانتخابات فضيحة تؤسس لما بعدها من 'فضائح'؟
باعادة ماهر شرف الدين أمور 'الخيانة والفساد' الى 'فضيحة الانتخابات' باعتبارها الخطيئة الأصلية التي أنزلت الرابطة من جنّة المثل العليا والملائكة الطاهرين الى أرض الشياطين والفاسدين فإنه مثله مثل عمر سليمان يختصر هذا الجهد الجماعي الكبير الذي اسمه الرابطة الى 'كنزة صوف' يمكن كرّها واعادة حياكتها من جديد في انتخابات سيفوز بها ماهر شرف الدين وعمر سليمان وحواريوهما فتمتلئ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وفساداً.
أقولها صدقاً ومن كل جوارحي: أتمنى للمهدي المنتظر (للرابطة) ألا ينتظر كثيرا!
منسّق أعمال الرابطة
يقول ماهر شرف الدين 'الشاعر نوري الجراح منسّق أعمال 'الرابطة' هو أيضاً المنسّق لمؤتمر حزب السيد الزعبي'. هذه الجملة البليغة لا ينقصها سوى كلمتين ليكون لها صدقية وإلا كانت قدحاً يحمل سوء نية، وهو ما أربأ ماهر عنه، فهذه الجملة كان يجب ان تكون 'الشاعر نوري الجراح (الذي كان) منسّق أعمال 'الرابطة' هو أيضاً المنسّق لمؤتمر حزب السيد الزعبي'، وفي اغفاله هاتين الكلمتين قام شرف الدين بتجاوز نتائج انتخابات الرابطة وانتخاب مكتبها التنفيذي وامانتها العامة واعتبرهما عصفاً مأكولا، فهل المقصود من ذلك التشويه والاساءة أم هو عدم دقة فحسب؟
منصب 'منسق أعمال الرابطة' كان مركزا عملياً واضطراريا تكفّل به نوري الجراح مشكورا الى ان تتأسس كيانات ادارية للرابطة أما وقد جرى ذلك واكتمل فقد تحوّل نوري الجراح الى عضو في الرابطة يحقّ له ان ينسّق أي مؤتمر أراد، وما عاد هناك تناقض في المصالح بين كونه عضواً وبين عمله في أي هيئة أخرى.
عن الجراح، الذي كان الموضوع المفضل لهجوم الناقدين للرابطة فيجب ان أقول، وبعد عشرين عاما من معرفتي كصديق به، أنه من أكرم الناس الذين عرفتهم في حياتي، ومن أكثرهم طاقة وقدرة على التواصل والتنسيق والتنظيم، وهو نظيف اليد وعفيف اللسان، وقد عرضت عليه، خلال نشاطاته الكثيرة التي ينظمها ضمن مشروع 'ارتياد الآفاق: المركز العربي للأدب الجغرافي'، عروض مالية عربية كثيرة عفّ عنها لأسباب أخلاقية وسياسية، وهو فوق كل ذلك قدرة هائلة على انتاج الأفكار الجديدة وابتكار المعاني.
نوري الجراح نشأ طفلاً في رحاب الحزب الشيوعي السوري وبعد خروجه من سورية كان دائما منخرطا في النضالات الوطنية اللبنانية والفلسطينية والعربية، واذا كانت تسعيرة الوطنية والثورية هي كتابة المقالات ضد النظام السوري فليعذرنا ماهر شرف الدين على عدم اتفاقنا معه.
لا يمكن الغاء تاريخ البشر بجرّة قلم ولا يمكن السخرية من نواياهم حتى لو كانت تطوعا للعمل في مشروع ثقافي يموّله ملياردير. التطوّع يا عزيزي ماهر حصانة اخلاقية كبيرة، وللناس ان يختاروا الطريقة التي يعملون بها، ولك أن تسأل في هذا الأمر صديقنا الآخر حكم البابا الذي عرض عليه المال أيضا بعد عمله متطوعا في فعالية 'مثقفون من أجل سورية' في قطر ورفضه.
وبمناسبة الحديث عن الصديق والزميل حكم البابا الذي أدلى بدلوه في موضوع انسحابه من رابطة الكتاب السوريين (في مقالة نشرت في 'القدس العربي' بعنوان 'بمثابة اعلان: عن عضويتي في رابطة الكتاب السوريين') وعزاه الى 'تحكم شخص او شخصين في الرابطة'، كما طالب بحذف اسمه من قائمة الأعضاء كنوع من الاحتجاج على تكفّل الزعبي لاجتماع بمصاريف الفندق والتذاكر لاجتماع الأمانة العامة للرابطة في القاهرة فلي في ما أورده سرديّة تختلف عن سردية البابا.
ففي بدايات الرابطة كنت على تواصل مع حكم الذي كان متحمساً للمشروع وراغباً في المشاركة بتأسيسه، وفي احدى الليالي اتصل بي على سكايب، وكانت في منزلي مجموعة من الأصدقاء للتخطيط لحفل خيري لدعم الثورة السورية تشارك فيه فرقة الثلاثي خوري الفلسطينية (وهو أمر حصل لاحقا)، وسمع الحاضرون في بيتي الصديق البابا يطالبني بأن تلغي الرابطة عضوية من دخل فيها من اتحاد الكتاب العرب، وهو منظمة الكتاب الرسمية في سورية، وأجبته بأنني استشرت مجموعة من الشخصيات السورية الحكيمة وبينهم ياسين الحاج صالح وغيره في هذا الموضوع وقد ارتأوا ان لا تكون الرابطة اقصائية بل تفتح مظلتها لتضم كل الكتاب السوريين، وكان ذلك أيضا رأيي الشخصي حيث اننا كمؤسسين لا يحق لنا ان نحذف أحداً طلب الانضمام الينا الى ان تتشكل جهة مختصة في الرابطة لدراسة كل اشكاليات العضوية، وتحسم في قانونية من دخل اليها.
ردّ فعل البابا كان باعلانه انسحابه منها على فيسبوك فيما نزال نتحدّث على سكايب وبحضور كل ضيوفي. هذا ما جرى تماماً، اما عن قوله ان الرابطة كان يتحكم فيها شخص او شخصان، فالأصح ان يقال ان من يديرها كانوا مجموعة من الأشخاص (مؤسسو الرابطة) وهذا ليس سراً كي يفتضح، بل كان اشكالية وعبئا لم نستطع ان نتخلص منهما الى ان عقد الاجتماع المذكور في القاهرة فانتخب مكتبا تنفيذيا وأعلنت اللجان وانتخب أعضاء في المكتب التنفيذي للرابطة لادارتها.
بمثابة خلاصة
من الطبيعي والواقعي والمنطقي ان تنطبع رابطة الكتاب السوريين بآراء وشخصيات الأفراد القلائل الذين عملوا على تأسيسها، وكان الأمر ليجري المجرى ذاته، لو كان ماهر شرف الدين او حكم البابا او خليل النعيمي مكان نوري الجراح وفرج بيرقدار وخلدون الشمعة وأضرابهما.
لقد شاركت بصدق وعفوية وايجابية في كل فعالية سورية دعيت اليها او قمت بالمساهمة في تنظيمها، وأذكر هنا فعاليتان أدارهما الصديق حكم البابا، الاولى كانت المؤتمر الأول للمعارضة السورية في انطاليا بتركيا، والثانية فعالية 'مثقفون من أجل سورية' التي نظمت في الدوحة.
كانت الفعاليتان في نظري ايجابيتين وعتلتين دافعتين لفعاليات أخرى في السياسة والثقافة السوريتين. حكم، بالمقابل، رأى في الفعالية الأولى، بعد ان اختلف مع أحد مموليها (وبعضهم تمت الاساءة إليه على الانترنت سياسيا او ماليا كما حصل مع الزعبي) مساوئ كبيرة، اما أنا فرأيت العكس، فذلك المؤتمر، بكل أخطائه، كان مقدمة لتقوم النخبة السياسية السورية بتجميع نفسها في اطار سياسي، وهو الأمر الأول للفعل والحركة قبل النقد والتصحيح.
كذلك الأمر فيما يتعلّق بفعالية الدوحة التي انكفأ عنها بعض المثقفين لأنها عقدت في قطر، وأتذكر وقتها أنني اتصلت بماهر شرف الدين داعياً اياه اليها، ثم معرّفاً إياه بحكم.
كل هذه الفعاليات هي محاولات من الجماعة البشرية السورية للوصول الى حلول لمعضلاتها الثقافية والسياسية المستحكمة التي يربط بين حلقاتها الاستبداد، وهي صورة تعكس هذه الجماعة بكل جمالياتها وبشاعاتها، شئنا ذلك أم أبينا.
أخيرا، يا أعزائي الذين لا يريدون ان تتلوّث ثيابهم بالشبهات، واولئك الذين يحاولون تلويث سمعة من ارتكبوا إثم محاولة انشاء رابطة للكتاب السوريين: شكراً على ما فعلتم!
لمن انتسبوا وما زالوا مؤمنين بامكان الرابطة أن تضيء ولو شمعة في طريق الكتاب السوريين: شكرا!
ولمن انسحبوا: شكراً لكم على صبركم علينا. لقد سجّلتم موقفاً نحترمه.
ولمن انتقدوا: شكرا لكم على نقدكم أياً كانت أسبابه فنقدكم جعل الرابطة أكثر شفافية ووضوحا... وقوة.
لم تكن الرابطة ولن تكون ملكاً لشخص أو شخصين ولن تكون. لقد اجتازت مرحلة الادارة المحدودة وصارت جاهزة للتصرف كناظم جماعي للكتاب السوريين فتنشر مجلة وكتبا لهم وتؤسس لجاناً للمساهمة في الدفاع عن حقوقهم وتقيم علاقات مع اتحادات الكتاب العربية والعالمية وتعيد الروابط مع كتاب الداخل وتنتخب ممثلين لها في بلدان العالم، وتعود لاصدار بياناتها بدل القيام بالردود على التشهير بها، الى آخر ما يمكن ان تنجزه من مهمات.
كل الزملاء الكتاب مسؤولين أن يمدّوا يد العون للرابطة التي شاركوا بخلقها على صورتهم، من خلال نقدهم وتعاطفهم، شعرهم ونثرهم، نزقهم وهدوئهم، غضبهم وتسامحهم، شفافيتهم وكواليسهم، عاطفيتهم وتصلبهم، تجريحهم وتقريظهم، وانسحاباتهم وعودتهم.
هي دعوة بعد كل شيء لنرى الغابة كما رأينا الشجرة.
' كاتب من أسرة 'القدس العربي'
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |