يتحدثون عن هدنة
خاص ألف
2012-12-04
لا أدري كيف أصف هذه الحالة، هذا الوباء، هذا البلاء الذي يجتاح بلادي.
فقد صار العنف جزءاً من روتين الحياة. ركناً من أركان الغرف ذات السقف الواطئ. طقساً يومياً يشبه التبول ومضغ الخبز. سفكُ الدم علامةٌ فارقةٌ تفصل بين التخلف والحضارة. وفي هذا الوطن الحزين، في هذا الزمان المهترئ، يتوالد سفك الدم أحقاداً لا تموت. سفكُ الدم يترعرع وينمو في منطق التبرير. في منطق النّعام. في منطق القطيع الذي يصفق. في منطق الرعيّة التي لا تفقه. في منطق الإنسان المنكسر والمهزوم واليائس. في منطق اللا إنسان. هو منطق اللا منطق.
هل اعتدنا على متابعة عدّاد الشهداء كل مساء؟ هل نخشى أن ينحدر العدّاد إلى الصفر؟ مخجلٌ هذا ... أليس كذلك؟ كيف سننام؟ أدوية الأرق مفقودةٌ من الصيدليات. كيف سنرقص على الأشلاء؟ فنحن نهوى الرقص بأقدامنا الباردة في الدم الدافئ. هل يعقل أن نغلق سوق الدم السوري؟ كيف لنا أن نبيع ونشتري ونساوم ونتسلق بدون دمٍ سوري؟
يتحدثون عن هدنة. تقرأ المذيعة الخبر بعيونٍ زجاجيةٍ لا تعرف طعم العاطفة، لا تعرف طعم العاصفة، لا تعرف معنى اليتم والبرد والتشرد. تقرأ الخبر ثم تسرد لنا ألم الحكاية ...
يتحدثون عن هدنة. لكن الدكتاتور ونظام الاستبداد القديم يحتاج وقتاً كي يقرر: هل نوقف سفك الدم؟
يتحدثون عن هدنة. وكتائب الاستبداد الجديد تحتاج وقتاً كي تقرر: هل نوقف سفك الدم؟
يتحدثون عن هدنة. ومثقفو العالم الموهوم على الفيسبوك يحتاجون وقتاً كي يقرروا: هل نوقف سفك الدم؟
هناك شبابٌ ورجالٌ ونساءٌ وأطفالٌ وشيوخٌ تقرأ في عيونهم الدامعة بحثاً عن أمل. عن لحظة سكينةٍ دون قصفٍ أو رصاصة. لحظة عناقٍ بلا صراخٍ أو نحيب. فرصةً لزيارة الأقارب، أو قبور الأحبة. سوريون على امتداد الوطن، في المنازل، في الخيام، في الطرقات. سوريون أصواتهم لا تصل ... أنتم لا تسمعون ... والكبار لا يهتمون بهم ... والشاشات لا تتحدث عنهم ... ولكنهم ينتظرون أن توقفوا سفك الدم.
لكن تمهلوا! فالقضية، بالتأكيد، بحاجةٍ إلى وقت كي تقرروا. بحاجةٍ إلى تفكيرٍ عميق. عميقٍ جداً. فالنطق بالحكم ليس شأناً عابراً. هو معيارٌ للعهر. العهر الذي سيُدْخِلكم عبر بوّابات التاريخ. ولهذا احرصوا على أن يكون عهراً مميزاً، وإياكم أن تفكروا أن سفك الدم خطيئة! لا يوجد دمٌ أهم من طموحكم في الوصول إلى عهرٍ مميز ... حتى لو كان دم أخيك ...
يقول لي صديقي، بعد أن ابتلع آخر ما تبقى في قاع الفنجان، وهو يكْبتُ الابتسامة، وهو يصرخ بتَحَدٍ وغرور، وهو يضرب على المنضدة الخشبية في ذاك المقهى النظيف والمضيء ... يقول لي صديقي، وهو يُضْمِرُ الرغبة العارمة في فشل الهدنة: بكم تراهن أن الهدنة ستفشل؟ ويبتسم كالثعالب. هي فطنة الحكماء. ذاك الجهبذ الذي لا يُشَقُّ له غبار ... كيف لم ينتبه العالم إلى العبقرية التي تجلس قبالتي ... عالمٌ أحمقٌ وقذر ومتآمر.
صديقي ... "ستربح" الرهان. بالتأكيد "ستربح" الرهان. عليك أن تستعد لشعائر الفرح لأنك "ستربح" الرهان.
ولكن تأكد أنك حين "تربح" الرهان، فهناك من "سيخسر" روحه يومياً. ربما مئة؟ ربما مئتان؟ أتحدث عن سوريين مثلي ومثلك. منهم من لديه أسرةٌ، منهم من لديه عائلة. كلهم لديهم أحلام. كلهم يصرخون ألماً قبل الموت. كلهم ينزفزن حين يخترقهم الرصاص. كلهم يتحولون إلى أشلاء على وقع القذائف. هل لك أن تتخيل!
هم "يخسرون" أرواحهم حتى تستمتع "أنت" بلحظات النشوة، بلحظات النصر، حين "تربح" رهانك.
وبعد كل هذا ... يأتي صديقي ليسألني: لماذا يغرق الوطن؟
08-أيار-2021
22-نيسان-2017 | |
25-كانون الأول-2013 | |
10-آب-2013 | |
29-حزيران-2013 | |
16-نيسان-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |