الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
2006-12-08
يخيّل إليك، أحياناً، وأنت تتعامل، هنا، مع واحدة من أكثر اختراعات العصر تقنية، وتعقيداً، بأن الغاية الحقيقية من إدخال هذه الخدمة المدهشة هو دعوي بحت، ولا علاقة له بالتطوير والتحديث،ولتعزيز إيمان الإنسان بالله وبالخوارق ، ليس إلا، ولتقوية الصبر والجلد في نفوس الناس، نظراً لما للصبر من قيمة عليا عند الله، باعتبار إن الله مع الصابرين، والصبر مفتاح الفرج، والبشرى الكبرى هي للمؤمنين الذين إن إصابتهم مصيبة سوء الإنترنت قالوا إن لله وإن إليه راجعون. وصرت متأكداً تماماً أن وزارة الاتصالات هي فرع، أو قسم ملحق بوزارة الأوقاف التي من مهامها الأساسية نشر الدعوة والإرشاد وترسيخ الإيمان بالله وليس تعميم التكنولوجيا ونشر ثقافة العصر المعلوماتية، وذلك عبر تقديم معجزة كبرى، وبيّنة فصحاء لا تقبل التأويل، والشك، والشرك والبهتان اسمها الإنترنت السوري، وأن موظفيها هم مجموعة من المعممين والدعاة والفقهاء من خريجي الأزهر وجامعة الزيتونة وليس نخبة موهوبة من الفنيين التكنوقراط.
فكثيراً ما يترافق دخول المرء على شبكة الإنترنت، هنا، بكثير من الطقوس، والشعائر، والرهبة التي لا تتوافق مطلقاً مع الدقة الرياضية، والإليكترونية لهذه التكنولوجيا فائقة التعقيد والتقدم، والتي لا تقبل المزح على الإطلاق. وأول ما أفعله حين أغامر مغامرتي الكبرى في حقول النت، هو محاولة قراءة تلك الآيات الكريمة من القرآن التي يقرأها، مثلاً، المسافرون، والذاهبون إلى عوالم مجهولة لا قانون، ولا معيار، ولا ضابط لها. وتراني أردد في نفسي سبحان من سخر لنا هذا، وأتمنى منه تعالى أن يجيرني من "وعثاء" الإنترنت مثلاً، ومن انقطاعه، ومن بطئه، وتلكؤه، ومن تشفير صفحاته التي تظهر لك بيضاوية تماماً، ودائماً على عكس الواقع، فيما يقوم العداد باحتساب ساعات استخدام فعلية عليك دون أن تكون قد حققت أية فائدة أو فتحت لك أية صفحات. كما أنني أبدأ دخولي على الإنترنت بمجموعة من التعاويذ، والبسملات، والابتهالات، والأدعية المختارة من السنة النبوية، والحديث الشريف التي وضعتها خصيصاً لهذه الغاية على جهاز الكومبيوتر. كما أنني صرت أحتفظ بخطب وكاسيتات لفقهاء العصر المعروفين وخاصة تلك التي تحض على الصبر، وعدم اليأس من رحمته، وانتظار الفرج من عند الله والساعة الآتية التي لا ريب فيها على الإطلاق وهي ساعة الفالج ودنو الأجل، وانفجار الدماغ بإذن الله حيث لم يبق من حل إلاّه. وصرت زبونا مدمناً على برامج قناة "إقرأ"، ولا تفوتني أبداً، حلقة واحدة من الشريعة والحياة. وحين يفتح الإنترنت أشكر الله وأقول سبحان قدرته جل وعلا، وهو على كل شيء قدير، ولا شك بأنه راض عني في هذه الأيام بسبب بر الوالدين ودعاء "ست الحبايب" لي على الطالعة والنازلة. وحين يحرد، ويتمنع، ويحرن أحاول أن أستذكر فيما إذا كنت قد خالفت تعاليم السماء في أية شاردة أو واردة، وأقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنها مشيئة العزيز القهار، واللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه.
وحين أدخل إلى النت، فكثيراً ما أشعل البخور لأطهر المكان من الأرواح الشريرة، وطرد الأشباح والعفاريت، والجان، وأضع يدي على قلبي ثم أرفعهما في طقوس وجدانية خالصة وصادقة تبتهل إلى الله تعالى. كما أنني اقتنيت مجموعة نادرة من الأعشاب السحرية، كما يفعل البوذيون وفقراء الهند، وأشربها قبل وبعد الدخول للنت، علّ ذلك يفك السحر، ويبعد النحس والتشفير والانقطاع عنه. وكم صرت أكثر من العبادات، وأقوم الليل، والنهار، وأكثر من التراويح، والفروض والنوافل، وأصوم عشراً من شوال، وثمان من آذار، ونصف "تشرين"، والثلث الأخير من شباط، وألعن دائماً ماركس وغاليلو وإينشتاين. وحين ذهب صديقي الأصولي العابد الناسك الفقير لله، إلى أحد المزارات القريبة في الجوار، لزيارة بعض الأضرحة المقدسة، أرسلت معه جهازي المحمول لكي يتشرف ويتبارك بالأتقياء، وطلبت منه أن يحضر لي حجاباً، و"خلعة" خضراء، ما زلت أضعها على الكومبيوتر منذ ذلك التاريخ علّها تساعد في فتحه، وتسريعه، وعدم انقطاعه، وفك تشفيره.
وكثيراً ما كلفت نفسي أكثر من طاقتها حين كنت أتعهد بتقديم النذر، وراء النذر، لوجه الله تعالى، وأوليائه الصالحين، والصحابة الكرام، والعشرة المبشرين بالجنة، علّني أوفق بيوم إنترنتي بدون مشاكل أو انقطاع. بحيث صرت لا أعرف عدد الثيران، والخرفان، والتيوس، والديوك، والصيصان التي يترتب عليّ إيفاءها. ولا أدري بالضبط من أين سأوفر كل تلك الأموال لأفي بعهدي أمام الله. كما أنني قررت التوبة عن كافة المعاصي، والموبقات كشرب المنكر، والعياذ بالله، ومصاحبة العلمانيين والليبراليين والثورجيين والمعارضين الملاعين الكبار، أوأكل لحم الخنزير، ومصاحبة الزنادقة والكفار، وغض البصر كلياً، حتى عن موجز الأخبار المحلي، والامتناع نهائياً عن النظر إلى عناوين جرائد الصباح، والإقلاع بتاتاً عن النميمة، والوشاية، أوالكتابة عن الفساد، و"استغياب" المسؤولين، وأولاد الحلال.
فلا عجب بعد ذلك كله، أن تزداد كل مظاهر الورع، والتقوى، والإيمان، وترى كل تلك المشاهد الطالبانية في الشوارع والأزقة والحارات والأسواق. وبالأمس فقط، وحين رأيت قافلة من المنقبات "المُشَدّرات" من الأعلى إلى أخمص الأقدام، يلحقهن طابور سادس من أصحاب الدشاديش، واللحى والعمائم المائلات، أدركت على الفور أنهم ربما زملاء أنترنت، وهم مثلي من ضحايا تمنع وحرن تلك التكنولوجيا البلهاء، اللذين هداهم الله، كما هداني، ودخلوا جميعاً في دين الله أفواجاً أفواج، بعد نزوات آثمة للعصرنة، ومحاولات فاشلة ومريرة لدخول الحضارة، وخلع أثواب الغيبيات
08-أيار-2021
24-أيلول-2007 | |
04-أيلول-2007 | |
17-آب-2007 | |
25-تموز-2007 | |
21-تموز-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |