صحافة بلا تفكير وبلا تنوير لا مستقبل لها
2006-11-28
الوسائل الاعلامية ليست محدودة .إنما تعوم على بحر هائل من الأفاق الإعلامية . ولا أعني بالبحر الهائل مجرد العمل على نشر الاخبار الجاهزة التي توزعها المؤسسات بل صناعة الاخبار وتحريك الرأي العام.
في المجتمع العربي في أسرائيل عدة وسائل إعلامية . الصحافة المطبوعة , صحافة الانترنت والراديو , وما زلنا نفتقد للأعلام التلفزيوني ... ومع ذلك الصورة التي يعكسها الواقع الاعلامي المحلي تبدو بائسة جدا.
حتى اليوم لا يوجد اعلام يمثل مصالح وتطلعات المجتمع العربي في اسرائيل - هناك اعلام حزبي مباشر . وهو اقرب للنشرات الحزبية الداخلية, ويتميز بتمجيد القيادات الحزبية والتطبيل
والتزمير والترويج للحزب .. ومديح حتى ظل الزعماء , لدرجة من الصعب اعتباره اعلاماً اجتماعياً وسياسياً عاماً , إنما اخبار ونشاطات الاحزاب وممثيليها في البرلمان والسلطات المحلية , أحيانا مقابل دفع رسمي أو دفع مستتر من تحت الطاولة لنشر المادة الحزبية كخبر وليس كأعلان في الصحافة المستقلة - التي يسميها البعض تجارية.
الصحافة المستقلة يحكمها نهج السوق وليس نهج التفكير والتنوير , وهي اقرب للتذلل والتسول , ولا أقول ذلك من منطلق الهجوم , إنما من واقع أليم قائم قد تسميه ادارات الصحف المستقلة , بالعمل التجاري الذي لا بد منه لاستمرار صدور الصحيفة , واعترف ان هذا صحيح تماماً , والى مدى بعيد جدا يتحكم بسياسة النشر في الصحف المستقلة - التجارية .
ليس عاراً ان تكون وسيلة الاعلام تجارية , هذا امرا طبيعي , أما غير الطبيعي فهو الركود الإعلامي للصحف المستقلة ولهذا الركود اسباب مختلفة ابرزها:
1- شح الميزانيات الذي يفرض على الصحيفة نهجاً صحفياً محافظاً في النشر , لدرجة ان اكثر من 90% من الأخبار المنشورة بعيدة عن اهتمامات القاريء, وتتميز بكونها اخبار مؤسسات (أحياناً اعلانات بشكل خبر ) وعلاقات عامة , طمعاً في الحصول على اعلانات .
2- المستوى المهنى للصحفيين , وهي ظاهرة مقلقة وتفسيرها الوحيد هي الأجرة المتدنية التي تدفعها الصحيفة لكوادرها , مما يجعل التفكير بالعمل الصحفي , يعني الاستعداد لحياة الاملاق والفقر , وهذة الظاهرة ايضا تحد من الحوافز لدى الصحفيين لأعطاء مجهود صحفي اكبر .
3- النشر حسب ما يتلاءم وسياسة الاعلانات ، المهمة العظمى بالنسبة للصحيفة هو الاعلان وليس الاحتياجات الحقيقية للقارئ ، وليس التنوير الثقافي والاجتماعي ، كل شيء يخضع للاعلان .. حتى اعمدة الرأي والثقافة والابداع الادبي وما شئتم !!
من المؤكد ان الواقع الاقتصادي للعرب في اسرائيل , يلعب دوراً سلبياً في تطوير الأعلام العربي في اسرائيل ... وحتى اليوم لم نشهد ان رجال اعمال عرب يعطون اي قيمة للإعلام , وما عدا استعدادهم لنشر بعض الاعلانات وبأسعار بخسة , لم تنشأ في مجتمعنا ظاهرة الارتباط بين الأعلام والمشاريع الاقتصادية بين الاعلام ورجال الأعمال.
كذلك لا يمكن ان نتجاهل ان هناك سياسة رسمية معادية للأعلام العربي في اسرائيل , الى جانب أن شركات الأعلان الاسرائيلية ( اليهودية ) تمارس تقريباً نفس السياسة . وحسب مصادر مختلفة , لا تزيد حصة الاعلام العربي في اسرائيل من كعكة الاعلانات الحكومية والخاصة ،لا تزيد عن 1%-1,5% من ميزانياتها ,مع ان العرب يشكلون 20% تقريبا من السكان.
هناك ضرورة لمواجهة هذا الواقع عبر سياسة مدروسة و لا تتعلق بوسائل الاعلام العربية فقط ، انما ايضاً بالمؤسسات الجماهرية والعامة للعرب في اسرائيل ، وللأسف حتى الأن لم يصل مجتمعنا العربي الى المستوى الذي يعطي لنفسه الأدوات الملائمة للتعامل مع الشركات التي تسوق منتوجاتها في الوسط العربي بنسبة تنخفض او تزيد عن نسبة العرب السكانية ، وبنفس الوقت لا تعطي لوسائل الاعلام العربية ، نفس النسبة من الاعلانات . ان وضع سياسة للأقلية القومية العربية تنهج على اساس الربط بين التسويق والاعلان ، بات قضية ملحة ، ليس لقيمتها الاقتصادية فقط ، انما ايضا لتحرير صحافتنا بعض الشيء من من التبعية (العبودية ) للاعلان ، لعلها تعود الى المفاهيم البديهية للصحافة في المجتمعات الحديثة .
إن "ثقافة الفقر" التي تسيطر على وسائل اعلامنا ، خاصة المطبوعة منها .. تنعكس سلبياً على دور هذه الوسائل , وعلى مستوى المنتوج الإعلامي الذي يقدم للمتلقى (المواطن) العربي .
هناك شبه غياب للتعددية الفكرية والحوار والنقاش في وسائل اعلامنا المطبوعة , وارى اهمية الدور الذي تلعبه بعض المواقع الالكترونية ( خاصة غير الحزبية ) في فتح صفحاتها لكل الاراء ، طبعا ضمن الاطيقا الصحفية ، ومن المهم جدا المحافظة على هذه الاطيقا .
اما الظاهرة المسيطرة في الاعلام المطبوع فهو الاستسلام للامر الواقع , ايضاً في النشر , فهل بالصدفة هذا التدني في المستوى الفكري والتنويري للنشر الاعلامي ؟! إن حرية النقد وحرية الفكر والتعددية الثقافية وتنوع الآراء تتحول الى مهمة عسيرة .. وأحيانا شبه مستحيلة , اولا لأن المساحة في الصحيفة لا تتسع ، واهتمامات سياسة التحرير لا تقع " جغرافيا " في هذه الناحية لانها قد تسبب زعل مؤسسة ما أو شخصية ما ..قد ينعكس سلباً على الاعلانات (البخسة الثمن اصلا) لذلك يفقد اعلامنا قيمة اساسية من قيمه ، بأن يكون منبر من لا منبر له.
بالتلخيص , لدينا وسائل اعلام غير قليلة , والمؤسف أن مفاهيم الفكر والتنوير والاستقلال والشجاعة في التعامل مع المواضيع المختلفة , هي الغائب الكبير عن اعلامنا المطبوع . وبالمقابل هناك ظاهرة مهمة ، بظهور اعلام الكتروني اكثر استجابة وفهم لأهمية تعدد الآراء والحوار الفكري والثقافي .
من تجربتي الشخصية , أعرف أنه من الصعب ان تكون صحفياً مستقلاً حراً في نقاشه للطروحات والاراء التي تنتقد بصراحة وجرأة الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والأدبي , أسوة بالصحافة العبرية ... فعدا الواقع الاعلامي الفقير ثقافياً نعيش واقعاً اجتماعياً وسياسياً داخلياً ليس اقل فقراً , واعلامنا في معظم الحالات غير مستعد (للأسف) للأنطلاق نحو افاق التنوير , كما أنه غير مستعد للمواجهة والصراحة.
نبيل عودة – روائي , قاص , ناقد وكاتب صحفي - الناصرة
08-أيار-2021
01-حزيران-2009 | |
20-تشرين الأول-2008 | |
دراستان علميتان رصينتان حول اليهودية والتلمود للباحث عمر امين مصالحة |
13-تشرين الأول-2008 |
03-تشرين الأول-2008 | |
22-آب-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |