أيها الطلبة ... اشتقتُ لكم
خاص ألف
2013-01-01
لم يمضي عليّ سوى سنواتٍ قليلةٍ في التعليم الجامعي، وهي فترةٌ لا تُقاسُ بالسنين والعقود التي أمضاها الأساتذة الكبار. ومن أجمل أيامي في العمل الأكاديمي كانتْ تلك التي قضيتها مع فريقٍ من طلبة كلية الطب في جامعة حلب. كان ذلك الفريق قد تطوّع للعمل في مشروعٍ بحثيٍ في مجال السرطان. تعتمد فكرة المشروع على استئصال الأورام من مرضى السرطان، ثم دراسة هذه الأورام في مخبر الأبحاث لقياس كمية بعض البروتينات فيها.
بالنسبة لي فالتعليم الأكاديمي عمليةٌ ثنائية الاتجاه، حيث يمارس كل طرفٍ دوراً في إغناء معرفة الطرف الآخر. ولهذا فقد كانت الجلسات القليلة التي قضيتها مع الطلبة فرصةً كي أتعلم، وكي أستفيد. وأعتقد أن الفارق العمري القليل نسبياً، ورغبتي في إدخال أساليب جديدة للتواصل مع الطلاب، كان عاملاً من العوامل التي سَهّلَتْ فكرة العمل الجماعي.
لا يمكن أن أنسى ذاك البريق البريء في عيونهم، وروح الحماسة والاندفاع المرتسمة في وجوههم، وطموحهم الواضح في التعلم واقتحام غمار البحوث العلمية التي طالما سمعنا عنها. لقد كانتْ تلك اللقاءات كافيةً كي تعطيني، كإنسانٍ سوريٍ يعمل في المجال الأكاديمي، جُرْعَةً قويةً من الأمل والفخر بأن سوريا تحوي هذا الرأسمال البشري الضخم، هذا الرأسمال الفكري الجبار الذي ينتظر اللحظة كي ينطلق ويبني لنا مستقبل هذه البلاد.
لكن الأحداث الدامية في سوريا قد فَرّقَتْنا. فالاستبداد اللعين لا يتوانى عن إيقاد نار الحرب المسعورة، ويأبى إلا أن ينتزع طلابنا بعيداً عن مسيرتهم التعليمية. لقد تم اختزال طلبتنا، ككل السوريين، في دوامة الصراع الذي يكتسح البلاد، عوضاً عن أن نستثمر في كفاءاتهم الكامنة في مستقبل بلادنا المُنْهَكَة. وفي زمن البحث عن رغيف الخبز والقراءة على ضوء الشموع، صار البحث العلمي "ترفاً غير قابل للتفكير فيه".
أسأل نفسي، حين أُدخل قاعة التدريس في غربتي في هذه البلاد المليئة بالمطر الرمادي والغيوم، وألقي التحية على الطلبة الإنكليز، أسأل نفسي ألف مرةٍ ما الذي ينقص سوريانا حتى نخفق في الخروج من قائمة الدول المتخلفة؟ ما الذي ينقص طلبتنا كي لا نباهي بهم الطلبة هذه الأرض؟
أسأل نفسي عن أحوالهم: فمن الطلبة من اعْتُقِل، ومنهم من اضطُر إلى مغادرة البلاد، منهم من نزح أو فقد المسكن، ومنهم من فَقَدَ عزيزاً أو غالياً، ومنهم من بقي خائفاً يترقب، ولا أدري فربما منهم من استشهد، أو حمل السلاح. ربما منهم من بات يكرهني بسبب مواقفي السياسية، ومنهم من ما يزال يحترمني، ربما منهم من يلومني، ومنهم لا يرى حاجةً لأيِّ حديثٍ في ظلِّ هذا الدمار.
أتنهد، ولا أملك، من مكاني هذا، إلا أن أبعث إليكم بسلامي ... لكم جميعاً ... أحبكم وأشتاق لكم ... أرجوكم كونوا بخير ... لأن سوريا تحتاج إليكم ... كما تحتاج كل أبنائها وبناتها ..
08-أيار-2021
22-نيسان-2017 | |
25-كانون الأول-2013 | |
10-آب-2013 | |
29-حزيران-2013 | |
16-نيسان-2013 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |