مثلث برمودا الفكري: نقاب، وحجاب، وجلباب
2006-11-01
لم يطأ العرب، والمسلمون أرضاً
إلا وانتشرت فيها النزاعات، والحروب، والاقتتال، وفجّروا فيها من المشاكل، والصراعات التي لا يمكن أن تحل بعمر الزمان. وأما الأراضي، والمناطق التي "فتحها"(والتعبير الأدق أغلقها، وقفلها) المسلمون، صارت نكبة على أهلها، وسكانها المسلمين أولاً، والذين فقدوا أية قدرة على التطور، والانسجام مع مجتمعاتهم. وهذه "الجيوب" الإسلامية التي خلفها المسلمون وراء ظهورهم صارت بؤر توتر مستمرة، وناراً كامنة تحت الرماد تندلع فيها الحروب، والمذابح، والمنازعات، والاقتتال بين الفينة والأخرى. فثمة إشكالية كبرى في هذا العقل المنكوب، المجبول على التوجس، والخوف من الآخر، وتخوينه، وتكفيره، والقائم كلياً على نظرية المؤامرة. وقد أدت حالة الانكماش، والجمود الفكري، والعقائدي،
والاستبداد، والطغيان، التي تشهدها بلاد المسلمين عامة، إلى عملية هجرة معاكسة من هذه البلاد إلى بلاد، حباها الله، بنوع من الانفتاح، والتحرر، والإنعتاق من كل الخرابيط، والخزعبلات، والزعبرات، وذهبت نهائياً باتجاه ازدهار اقتصادي، واجتماعي، وسياسي عام.
ولقد وجد العرب والمسلمون في هذه البلدان الملجأ، والمأوى، والملاذ من بطش أبناء جلدتهم المسلمين، الذين أصبحوا رموزاً دولية، لا يشق لها غبار، في الإرهاب، والتنكيل، والاستبداد. إلا أن هؤلاء المهاجرين الجدد الذين، وبسبب من التركيبة العقلية الخاصة للعقل المشوه المعاق، لم يستطيعوا التأقلم مع هذه المجتمعات الجديدة، وحاولوا إعادة إنتاج المجتمعات التي فروا منها هاربين بالقوارب، حفاة، وعراة، تحت جنح الظلام، بكل ما فيها من ويلات، ومصائب، وآثام. ولذا نشأت حالة عداء، بينهم وبين هذه المجتمعات، فلا هم بقادرين على العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية التي خرجوا منها ولا هم بقادرين، بل من المستحيل عليهم، الانسجام، والتكيف، والذوبان في مجتمعاتهم الجديدة، واحترامها، والولاء لها، واعتبارها على الدوام دار كفر، وحرب، وخراب. وكانت تلك النتيجة المؤسفة التي نراها اليوم، من ضياع، ودمار، وانتشار للإرهاب، وتخبط، وتوهان، ورغبة عدوانية كامنة للانتقام، في أوساط هذه الجاليات المسلمة في الغرب.
وإن مثلث برمودا الفكري الفظيع الذي تتكون أضلاعه، من الحجاب، والجلباب، والنقاب يبدو أكثر المناطق خطورة، وسخونة، وقلقاً، يوشك على الانفجار، ويهدد السلم والأمن، للمغتربين في تلك البلدان. وتبرز مسالة النقاب، التي تبناها أصحاب الجلباب، كواحدة من أكبر التحديات، التي تواجها المرأة المسلمة في الغرب، الآن. فلا هي قادرة، وبفعل عوامل اجتماعية موروثة، على خلع هذا النقاب، و"التبرج" أمام الكفرة، وعابري السبيل، والغرباء، ولا هي بقادرة على استمرار لبسه، في مجتمعات باتت تنظر بريبة لهذه الظواهر الدنيو-سياسية، بكل ما ينطوي عليه ذلك من تحد للقيم، والعادات الاجتماعية السائدة في تلك البلدان. والأنكى من ذلك كله، أن العقل المشوه ذاته، يرى في كل من لا يتبرقع، ويلبس هذا اللباس، ويتحلى بهذه المظاهر كافراً، ومرتداً، وزنديقاً، ويريد التخلص منه، حتى لو كان يعيش في كنفه، ويستمر على خيره. والنقاب، بحد ذاته، يحمل الكثير من المتناقضات، والإشكاليات، التي لا يمكن تفكيك ألغازها البتة. فناهيك عن كونه أصلاً، رمزاً دينياً في مجتمعات علمانية يستفز وينقض، بل قد يقوض أسس وجودها السياسي، وبكل ما تحمله هذه العلمانية من خير للبشرية، فهو عادة اجتماعية شكك كثير من المفكرين المسلمين الشجعان، والمتنورين، في ضرورته الدينية، ووجوده، وجدواه، ويبرز السؤال البديهي البسيط التالي، لِمَ تحاول المرأة التي تتنقب، ولا تريد أن يراها أحد ما، الخروج من بيتها، أصلاً،، ولا تلتزم به، وهذا يعفيها من مشكلة الاصطدام، مع الناس، والمعايير والقيم السائدة في هذه المجتمعات. وأنا أرى في تسامح الغرب إزاء هذه الظاهرة المنفرة ضرباً من الكرم الذي لا يمكن أن يتوفر البتة للمنقبات ومن يقف وراءهم من جماعات التدين والتجارة بالأديان.
وإذا كانت المرأة المنقبة لا تثق بنفسها في مواجهة الرجال، كما تفعل كثير من "السافرات"، فهذا ليس ذنب الآخرين حتى تستفزهم بهذا اللباس، والأفضل لها أن تبقى تحت الأرض، وفي "مخدعها لا تبرحه طول الزمان، ولكي لا تشوه الوجه الحضاري لهذه المجتمعات، كما أسلفنا، وعلى أن يقوم، في الآن ذاته، جيش من الذكور، والفحول الكواسر الأقوياء، من الأخوة، والآباء، وأبناء العشيرة، والأقرباء، بحمايتها، ومراقبتها، ليل نهار، إذا كانوا يخافون عليها من الانزلاق، ولم يقوموا بتربيتها بالشكل الذي يحميها من الانحراف عند مقابلة أول رجل في الشارع، ولكي لا تقع في المحظور، وتفكر في أن تمارس إنسانيتها، وحياتها كالمعتاد. وإذا كانت لا تملك هذه الثقة بالنفس، والالتزام الذاتي، والقدرة الخاصة على مقاومة شتى الإغراءات، فهي بالتأكيد بحاجة إلى إعادة تربية، وتأهيل نفسي خاص، وليس إلى قطعة نقاب، لن تفيد في شيء، حين تسيطر على الجميع الغريزة الحيوانية، وتذهب الإنسانية، وتقضي على العقل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يعقل أن يكون جميع الرجال، في كل مكان تتواجد فيه النساء، هم مجموعة من الذئاب البشرية المتحفزة للانقضاض على أية امرأة، يرونها أمامهم. وحين تقابل المرأة المنقبة الرجل بذاك الزي المثير للاستغراب أي رجل، فهو انتقاص، وإهانة كبرى لهذا الرجل، على اعتبار أنه رجل لا يمكن الوثوق به، واعتباره مجرد وحش بشري سينقض على هذه المرأة بمجرد أن يخلو له الجو، وهذا مناقض للعقل، وللسلوك البشري الإنساني السوي العام الذي يتمتع به معظم الرجال، وللاحترام المتبادل بين الناس. وهنا لا ننكر أن هناك بعض الشواذ، والمغتصبين الذين يمكن أن يتسببوا بأذى وضرر، للنساء، ولكن الاستثناء لا يمكن أن يصبح قاعدة، ومقياساً على الدوام، وهي أشياء نادرة الحدوث في كل زمان، ومكان.
ومن الجدير ذكره، وهو الأهم على الإطلاق، أن عادة التنقيب، تنتشر فقط، وبكثرة في المجتمعات الذكورية المطلقة، والتي فيها عملية فرز اجتماعية سلبية بين الجنسين، وتشديد، ومنع للاختلاط، وتكثر فيها المثلية الذكورية، والأنثوية، على حد سواء، ولم يستطع "التنقيب"، والتبرقع، والاختفاء من منع انتشار أمراض اجتماعية، وجنسية، ونفسية قاتلة شلت تلك المجتمعات. أما في المجتمعات المفتوحة والمتحررة من هذه العلل، والآفات، ، والتي تحاول جماعات الإسلام السياسي، والتي لا تملك، عموماً، أية برامج تنموية وتوعوية وحضارية إنسانية، إدخال النقاب إليها للقضاء عليها، وإعادتها إلى عصور الذكورة، والفحولة والحرملك والانحطاط، فالمرأة مجرد كائن عادي لا يثير انتباه الذكور، وقد لا تثير فيهم أية نوازع "شيطانية"، كما هو الحال في المجتمعات الذكورية الشاذة المعروفة.
08-أيار-2021
24-أيلول-2007 | |
04-أيلول-2007 | |
17-آب-2007 | |
25-تموز-2007 | |
21-تموز-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |