الاسد واثق من البقاء في السلطة والعلويون يفرون الى مناطقهم على الساحل
2013-01-16
ابراهيم درويش
تشهد المدن السورية الكبرى التي يعيش فيها ابناء الطائفة العلوية رحيلا واسعا عنها الى المدن الساحلية والمناطق التقليدية التي يسكن فيها العلويون، وهي المناطق الجبلية والساحلية في اللاذقية وطرطوس. ويقال ان كبار القادة العسكريين في دمشق قاموا بنقل عائلاتهم الى المدينتين لابعادهم عن الحرب.
ويعتقد الكثير من قادة المعارضة المسلحة ان الاسد سيهرب الى هذه المناطق، في حالة انهيار نظامه، تماما كما فعل الرئيس العراقي السابق، صدام حسين الذي انسحب الى تكريت ومعمر القذافي الذي تراجع الى مدينة سرت. ويقول المعارضون ان القاعدة العسكرية الروسية في مدينة طرطوس قد تكون المهرب الاخير للاسد. وفي الوقت الذي لا يستطيع فيه الصحافيون الاجانب الوصول الى المناطق الساحلية الا ان ما ينقل عن الرحيل هذا وتحضيرات القادة العسكريين ومعظمهم علويون لملاجئ آمنة لعائلاتهم قائم على روايات من المقاتلين واللاجئين، حيث يقول هؤلاء ان النظام يقوم بتعزيز المناطق هذه بالوجود العسكري وتخزين الاسلحة.
ونقلت صحيفة 'التايمز' البريطانية عن ناشط سوري فر من اللاذقية قوله، ان الشبان والشابات العلويات يتلقون تدريبات على استخدام البنادق 'اي كي-47' وغيرها من الاسلحة في القاعدة البحرية فيها، فيما يقوم ابناء القرى العلوية بتعزيز دفاعات قراهم.
ويزعم المقاتلون ان النظام يحاول تطهير هذه المناطق من الوجود السني الكبير، حيث يقوم الشبيحة، وهم ميليشيات النظام بملاحقة الاثرياء السنة باختطاف ابنائهم، فيما يتم اعتقال شباب السنة على الحواجز ويقوم النظام بقطع الكهرباء عن الاحياء السنية وتنقل عن ثائر الذي فر من اللاذقية قوله ان الشباب السني في عمر الخدمة العسكرية يتم توقيفه على الحواجز العسكرية واعتقاله، حيث لم يعد امام الشبان اي خيار، إما الهرب او السجن. ويتوقع المقاتلون معركة كبيرة بين المناطق التي يسيطرون عليها والمناطق التي يعيش فيها العلويون. واشار التقرير الى ما حدث لبلدة كفريا في محافظة ادلب التي كانت تعيش فيها غالبية علوية، حيث فر سكانها الـ700 الى المناطق الساحلية، واصبحت القرية مهجورة، ويقول المقاتلون انهم هاجموها في الصيف الماضي وقتلوا حوالي 200 من الجنود وشبيحة النظام، وكتبوا شعارات ان الهجوم على القرداحة قادم. ويشير التقرير الى ان المقاتلين 'سمحوا للمدنيين' كي يخرجوا بسلام من القرية الى المناطق التي يريدون الهروب اليها.
لن ينهزم
وتختلف التقارير هذه مع النبرة التي ظهرت في خطاب الرئيس بشار الاسد في الاسبوع الماضي، الذي اكد فيه على ان نظامه يقاتل جماعات ارهابية مدعومة من الخارج، وانه لا مفاوضات او وقف للحرب الا بعد ان تتوقف الدول الخارجية عن دعم الجماعات بالسلاح والمقاتلين. وبدا الاسد واثقا من قدرته على التخلص من اعدائه.
وعلى الرغم من ان الاسد لا ينتصر في الحرب على المقاتلين الا انه لم ينهزم بعد، او في الوقت الحالي. فالاسد لا يشعر انه بحاجة للتخلي عن حله الامني والانخراط في المفاوضات التي تؤدي الى نهاية حكمه والتخلي عن مؤيديه الذين سيواجهون مصيرا غير معروف. وفي الوقت نفسه فمن الصعوبة بمكان تخيل ان يكون الاسد قادرا على استعادة ما خسر من مناطق، في ظل التقدم الذي يحققه المقاتلون، الذين استولوا على قاعدة جوية في شمال البلاد قبل ايام. وفي ضوء الواقع الذي تعيشه الانتفاضة السورية فان اسئلة باتت تطرح عن الوقت الذي يحتاجه المقاتلون لانهاء حكم الاسد، فيما تساءل اخرون في المعارضة عن سبب الثقة المتزايدة بالنفس لدى الاسد، اذا اخذنا الواقع الميداني في الاعتبار. ومن هنا فتقييم بعض الصحافيين والناشطين السوريين الذين نقلت عنهم صحيفة 'واشنطن بوست' يبدو قاتما حيث نقلت عن احدهم قوله ان المعارضة ومعها المجتمع الدولي اساءوا تقدير قوة الاسد. واضاف ان الاسد يلعب لعبة تحمل مخاطر عالية، ومع ذلك فهو يلعبها 'بشطارة' ويبدو انه ينتصر لسبب بسيط انه لا يزال في السلطة. وجاء في تقرير الصحيفة ان بعض السوريين يتساءل عن الطرف المنفصم عن الواقع، هل هوالاسد ام الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين سارعوا بوصف خطاب الاسد بانه كلام رجل لا صلة له بالواقع.
اسباب كثيرة
ويبدو ان الاسد لديه الكثير من الاسباب التي تجعله يعتقد بنهاية لصالحه في هذه الحرب الدموية، فالجيش لا يزال الى جانبه على الرغم من الضربات التي تعرض لها، ونقص قدراته العسكرية والحالة المعنوية التي اصابته بسبب انشقاق الكثير من الجنود والضباط ولكن عصب الجيش وهو الفرق العلوية الموالية للنظام لا تزال تقاتل وبشراسة. يضاف الى ذلك ان الحكومة السورية لا تزال الى جانب الرئيس. والمقاتلون الذي يتقدمون لم يستطيعوا ومنذ اكثر من شهرين تحقيق اي تقدم نحو العاصمة دمشق او حسم المعركة الدائرة في حلب، العاصمة الثانية، ومنذ ستة اشهر لصالحهم. وفي اطار اخر فالاسد لا يزال لديه حلفاء اقوياء وهم الروس والايرانيون، حيث لا يزال الروس يؤكدون على اهمية قيام السوريين بحل مشاكلهم، واكدت الخارجية الروسية ان رحيل الاسد يجب ان لا يكون جزءا في اي تسوية لحل الازمة. ويضاف الى كل هذا اعتقاد النظام السوري ان الغرب على الرغم من كل ما يقال لن يتدخل في سورية، كما تدخل في ليبيا، وزاد هذا الاعتقاد مع تصاعد العامل الجهادي في الانتفاضة السورية. وعلى الرغم من ذلك فرفض الاسد التفاوض حتى الان نابع من اعتقاده ان اي محاولة من هذا النوع نهاية نظامه، وبالتالي تعريض مصير الطائفة للخطر. وفي الوقت الذي يستبعد فيه المحللون اي انقلاب او تمرد من داخل النظام فهناك من يرى ان نهاية الاسد اصبحت قريبة، وهي بحسب جيفري وايت المحلل الدفاعي والباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى ان الاسد واقع تحت ضغط شديد وان نظامه 'امامه اسابيع او اشهر ، فسيظل متشبثا بقوة بالسلطة لكنه سينهار قريبا'.
ويظل هذا التحليل رهن التطورات فمن الواضح ان طرفي النزاع يعاني كل منهما من مشاكله فالاوضاع المعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المقاتلين تتراجع بشدة، فالضربات الجوية والقصف المدفعي المتواصل على هذه المناطق، ونقص المواد الغذائية وعدم قدرة المقاتلين على توفير الامن للسكان يعني تراجع الدعم لهم، حيث يؤدي تدخلهم الى الدمار والقتل. ويتهم المقاتلون النظام بانه يتبع استراتيجية الارض المحروقة كي لا يسمح للمعارضة بالانتصار حتى لو كانت قادرة على تحقيقه.
بوتين لا يساعد
ولعل اهم عامل في تعقد الازمة السورية هو تعقد العلاقات الامريكية الروسية، فعدم قدرة الرئيس الامريكي باراك اوباما في ولايته الاولى على بناء علاقات تعاون ثنائي مع روسيا تمثل للكثيرين فشلا له، خاصة ان موسكو وبالتحديد الرئيس فلاديمير بوتين لديه الكثير من الاوراق التي يمكن ان تساعد او تسبب الضرر لاوباما، وتضم هذه الاوراق كوريا الشمالية وسورية وايران، كما يحتاج اوباما التعاون الروسي كي يبدأ عمليات الانسحاب وتقليل الوجود الامريكي في افغانستان. ويبدو الرئيس بوتين غير مهتم بالمساعدة، خاصة في ضوء الانتقادات الامريكية لسجل بوتين في حقوق الانسان وموقفه من التظاهرات الداعية للديمقراطية ورد موسكو باصدار قانون يحظر على الامريكيين تبني اطفال روس.
ويعتقد محللون ان تعاون الرئيسين مرهون بوضع القضايا الخلافية جانبا سورية ودعم الديمقراطية - ان ارادا التعاون في قضايا اخرى. ووجه الاشكالية هو ان الموقف الروسي في مجلس الامن والفيتو على اي قرار سيقيد يدي اوباما في التدخل في ازمات اخرى. ويقول تقرير لصحيفة 'واشنطن بوست' ان الموقف كما يرى من موسكو يقوم على ان الادارة الامريكية قد تجاهلت قلق موسكو في موضوعين مهمين وهما الدرع الصاروخي في اوروبا وليبيا. ومع ان الرؤساء الامريكيين من ريغان حتى بوش لم يبدأوا ولايتهم الثانية بعلاقات جيدة مع روسيا، الا ان احدا منهم لم يبدأ ولايته بتداعيات سيئة، كما في حالة اوباما. وتنقل الصحيفة عن مسؤولين قولهم ان اوباما يعرف ان بوتين رجل ليس من السهل التعامل معه، لكن التراجع المتسارع في العلاقات كان مثيرا للدهشة، حيث اشاروا لسلسلة من القرارات التي اتخذتها موسكو، منها طرد الوكالة الامريكية للتطوير الدولي بشكل مفاجئ واعلان الحكومة الروسية نهاية الاتفاق على التحكم في الاسلحة، الذي شكل حجر الاساس للعلاقات الامريكية الروسية منذ نهاية الاتحاد السوفييتي. وفي ضوء هذا بدت تصريحات المسؤولين في البلدين تعكس هذا الوضع المتوتر، حيث اتهمت وزيرة الخارجية الامريكية، هيلاري كلينتون روسيا بانها تحاول احكام سيطرتها على الدول المستقلة في المنطقة. وجاءت تصريحات كلينتون قبل لقائها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف للتباحث حول سورية، وبحسب الصحيفة فان هذا يشير الى التناقض الظاهري في الموقف الامريكي، فمن جهة تشجب واشنطن روسيا وتطلب مساعدتها من جهة اخرى. فروسيا هي حليف سورية القوي في المنطقة ولاسباب متعددة ترفض حتى الان دعم اي تحرك دولي ضد الاسد. ويبدو ان الموقف الروسي تجاه امريكا مرتبط بالشك وان واشنطن عادة ما تستخدم الفرص لصالحها، ومع ان الروس يؤمنون بهذا الا ان بوتين يشعر به بشكل اعمق.
الصورة اقوى
في الوقت الذي تتصارع الدول الكبرى حول مصالحها يواصل اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري في الاردن واطمة في شمال سورية معاناتهم، خاصة بعد ان ضربت منطقة الشرق الاوسط موجة من الامطار والثلوج تركت خيامهم تسبح في المياه وخلفت وراءها شوارع طينية حمراء، حيث يرى لاجئون نقلت عنهم صحيفة 'نيويورك تايمز' انهم هربوا من موت ليواجهوا موتا اخر. ويقول لاجئ قدم نفسه على انه ابو طارق انه حضر لمخيم الزعتري قبل عشرة ايام فارا من القصف الذي تعرضت له قريته الواقعة في محافظة درعا، 'كنا هناك سنموت من النار وهنا سنموت من البرد، ولا نريد الموت في هذه الخيام'. وينظر للحياة في المخيم والمخيمات الاخرى على انها اشارة لتدهور الوضع الانساني، حيث تتوقع منظمات الاغاثة الدولية ان يرتفع عدد اللاجئين الى مليون هذا العام وان هناك حاجة الى اكثر من مليار دولار لمواجهة الكارثة الانسانية هذه. وكان الاسبوع الماضي الاسوأ في المخيمات، حيث شهد الاردن والدول المحيطة عاصفة ثلجية هي الاقسى منذ عشرين عاما وادت لوفاة طفلين ورجل في مخيم الزعتري.
ويجمع حتى العاملون فيه ان الزعتري ليس مكانا صالحا للسكن، ولكن المسؤولين في الامم المتحدة يقولون انهم يحاولون والمنظمات غير الحكومية تحسين الاوضاع، حيث يظهر الوضع البائس فيه من الاطفال الذين يمشون في شوارعه الموحلة حفاة، فهؤلاء الاطفال شاهدوا خلال العامين اكثر ما يمكن ان يشاهده اطفال اخرون في دول تعيش امنا، فقد شاهدوا بيوتهم تقصف وموت اقاربهم الاعزاء وتدمير قراهم واجبروا على ترك كل شيء وراءهم والعيش في مخيمات بائسة تفتقر لمتطلبات الحياة الانسانية، وفي حالة مخيم اطمة قرب الحدود مع تركيا، ماتوا بسبب الحرائق واعادهم حرس الحدود الاتراك الى ديارهم التي تحترق بالحرب. وفي ظل هذه الظروف يبحث الاطفال عن اشياء اخرى لنقل معاناتهم وهو ما فعلوه في اطمة بمساعدة صفا فقي المتخرجة من كلية الفنون الجميلة، حيث احضرت للاطفال اقلام تلوين اشترتها من جيبها الخاص، واعطتها للاطفال وطلبت منهم رسم اي شيء يخطر على بالهم، والنتيجة 800 رسم تمثل موضوع الحرب فيها نسبة 80 بالمئة، حيث رسم الاطفال بيوتا تقصف بالمدافع والطائرات ومروحيات ترمي قنابل تحرق البيوت. ورسم الاطفال القنابل بلون احمر ومنقطة للاشارة الى الشظايا التي تقتل الاطفال. وفي الرسوم يظهر المقاتلون وهم يطلقون النار على الطائرات، اما جنود النظام فيطلقون النار على سيارات الاسعاف. ويظهر المتظاهرون في رسوم اخرى وهم يحملون شعارات وعلم المعارضة ولكن بعضهم ملقى على الارض. وهناك صور للخيام وللاسلاك الشائكة على الحدود وجنود يحرسونها، فيما كتبت عبارة 'توقف' لمنع اللاجئين من المرور عبرها.
ويقول كاتب التقرير في صحيفة 'التايمز' مارتن فليتشر ان نسبة 20 بالمئة من الرسوم تركز على موضوعات تتعلق بالبراءة المفقودة، شواطئ وبيوت جميلة، فراشات واشجار وطيور واقواس قزح، واحيانا الوان من الطعام والكعك الذي لم يعد موجودا، وهناك اطفال رسموا علم سورية الرسمي وليس علم الانتفاضة لانهم يربطون الايام الجميلة بالعلم الرسمي. وتقول فقي ان بعض الاطفال لم يحمل قلما منذ عامين وان الكثير من الاطفال يريدون الانضمام لحصصها واحيانا تجد 200 طفل في انتظارها، مشيرة الى ان عقولهم قد تضررت ولانهم لا يستطيعون الحديث عن معاناتهم فالرسم يساعدهم على التحرر من الضغوط التي مرت عليهم.
عن جريدة القدس .
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |