من كتاب * الرّوض العاطر في نزهة الخاطر * ج 6 والأخير
خاص ألف
2013-01-19
"الباب الثالث عشر"
أسباب شـــهوة الجمـــاع وما يقوّيـــــها
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن أسباب شهوة الجماع ستة : حرارة الصّبا ؛ وكثرة المني؛ و التقرب ممن يشتهي؛ و حسن الوجه؛ و أكل الأطعمةالمعروفة؛ والملامسة ... وثمانية أشياء تقوّي على الجماع وتعين عليه و هي : صحة البدن؛ و فراغ القلب من الهموم؛ و خلاء النفس؛ و كثرة الفرح؛ و حسن الغناء؛ واختلاف الوجوه والألوان .
و مما يقوّي على الجماع : يؤخذ حبّ القمح ويُدق ويُصب عليه الزيت والعسل المنزوع من الرغوة ثم يؤكل على الريق فإنه يقوي على الجماع ( قال جالينوس الحكيم : من ضعف عن الوطء فليشرب عند نومه كأساً من العسل الخاثر، و يأكل عشرين حبة من اللّوز و مائة حبة من الصنوبر، يداوم على ذلك ثلاثة أيام ) ومما يقوّي على الجماع أيضاً إذا طُلي الذّكر والفرج بمرارة الذئب فإنه يزيد في قوة الجماع، و كذلك بذر البصل يُدق و يُنخل و يُخلط بعسل ويُلعق على الريق في الصباح، وكذلك شحم ذروة الجمل يُذوّب
و يُطلىبه الذّكر وقت إرادة الجماع، فإن المرأة المنكوحة ترى به عجباً، و إذا أردت أن تطيب لك الشهوة فامدغ الكبابة واجعل منها على رأس ذكرك و جامع، فإنه يورث لذةً عظيمةً للذكر والأنثى، و كذلك يعمل دهن البيلسان، وإذا أردت القوة على الجماع تدق شيئاً من عاقر قرحاً وهي اللوز والزنجبيل دقاً ناعماً وتخلطها بدهن الزنبق وتدهن العانة و القصبةفإنك تجد القوة على الجماع، وإذا أردت القوة على الجماع ويزيد منيك وتقوى باءتك ويكثر انعضاضك، فكل من الشاي وزن خردلة فإنك تـنعض إنعاضاً شديداً ويزيد في كل ما ذكرنا، وإذا أردت أن تحبك المرأة في النكاح خذ شيئاً من الكبابة وعاقر قرحا و أمضغه عند الجماع وادهن به ذكرك وجامع فإنها تحبك حباً شديداً، و إذا دهن الذكر بلبن حمارة كان أعظم وأقوى، ومن أخذ الحمّص مع البصل وطحنةجيداً وطحن معه عاقر قرحا وأخذ من الزنجبيل شيئاً ويذره ذراً على الحمّص والبصل، و يأكل منه كثيراً فإنه يرى عجباً في النكاح .
"الباب الرّابع عشر"
العقـــــر وعلاجـــــــه:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن أهل الطب خاضوا في هذا البحر ومشى كل واحدٍ منهم على رأيه، فإن العقر له أمور كثيرةً مختلفةً ومتشابهةً، فمنها ما يعرض للنساء من قبل انسداد أرحامهم من الدّماء، من احتراق ماء المرأة وعدمها من الرجال، فتدخل لها أوجاع من داخل الأرحام واحتباس دم حيضها و ومائها، أومن شدة في الأرحام أو من يبوسة أو رخو أو ريح منعقدة أو فساد حيضها أو من سحر عملته لأرحامها أو من ضرر يكون من قبل الجان أو من التوابع وكذلك من تكون من النساء سمينة فان الرّحم لا يقبل النطفة خصوصاً إذا كان إير زوجها صغير أوتكون الزوجة سمينة فلا ينال مقـصوداً في الجماع .
الــعـــلاج : مخ قصب الجمل يجعل في قطنة وتدهن به المرأة على خدود الفرج بعد الطهر من الحيض ويأتيها زوجها، وتجعل جزءاً من عدب الذئب مسحوقاً منخولاً في زجاجةٍ وتغمسه بالخل وتشرب منه سبعة أيام على الريق، وإن زادت معه مهسماً وتدقه حتى يخرج فاذا اغتسلت من تلك الحيضة تأخذ من ذلك الدهن جزءاًوتأخذ من الزرنيخ الأحمر قدر فولة وتخلط وتشرب منه ثلاثة أيام ويجامعها زوجها في الشراب الأول واحدةً و هذا بعده فإنها تحمل إن شاء اللّه؛ أو تأخذ مرارة شاة وعنز وشيئاً من الزريعة وتجعله في صوفة وتتدهن به المرأة على خدود فرجها بعد الطّهر ويأتيها زوجها .
***
"الباب الخامس عشر"
أســـــباب عقم الرّجــــــال:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن من الرجال من يكون نطفته فاسدة باردة وكذلك به مرض السلس والنوازل، ومنه من يكون إيره معوجّ الثقب إلى أسفل و لا يُخرج الماء مستمراً و لكن ينزل إلى أسفل، ومنهم من يكون ذكره صغير لم يصل فرج المرأة، أو يكون ممن يعجلون بنزول الماء قبل نزول ماء المرأة، و لم يتفق أن يلتقيا جميعاً، فمن ذلك تكون قلة الحمل ومنهم من يكون عنيناً وهو في القصر، وأمر آخر وهو أن يأخذ من التسخين و التبريد مع الخلاف بينهما، فالذي يقبل الداء هو الذي تكون نطفته فيها من البرودة والسلس و النوازل وغير ذلك، والذي يعجّل بالنزول وعنده إير قصير، والمبتلى في إيره بقروح أو بغيرها فعليه بالمعاجين الحارّة مثل العسل والزنجبيل والثوم والقرفة وجوزةالطيب و لسان عصفور و دار صيني ودار فلفل وغير ذلك من المواد الحارة فإنه يعافي بحول اللّه و قوته،وغير ذلك مما ذكرنا مثل العنين ومعوج الثقب وغيرهما .
***
"الباب السادس عشر"
الأدويــــة التي تســـــقط النطفـــــة من الرّحــــــم:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن الأدوية التي تسقط النطفة والجنين من بطن المرأة كثيرةً لا تحصى وإنما أذكر هنا ما أحفظه وأعرف صحته ليعرف الناس مضارّها ومصالحها، فمن ذلك عرق القوة إذا أدخلته المرأة في فرجها رطباً يابساً مهشماً مبلولاً فإنه يفسد ماء الرجل ويقتل الجنين ويسقطه، وكذلك جذر الكرنب إذا تدخنت به المرأة في أنبوبه و أدخلتها في فرجها أسقط الجنين، وكذلك الشب إذا أدخلته في فرجها قبل الجماع أو طُلي به الذّكر قبل الإيلاج لم تحمل المرأة بإذن اللّه،وإذا واظبت عليه كثيراً صارت عقيمة ولم تحمل أبداً، وكذلك القطران إذا مسح به الذكر فإنّه يفسد النطفة وقت الجماع وفي وقت الحمل وهو أبلغ من الأدوية، حتى أن المرأة إذا استعملته كثيراً صارت عقيمة لأنه يفسد الجنين في الرحم فيسقط ميتاً، ومن شرب من النساء ماء الروند الطويل مع شيء من الفلفل نقي الرّحم من الخبائث وإن كانت حاملاً أُسقط الجنين،وإن كانت نافساً أسرع في إخراج المشيمة ونقي الرحم من الفضلات الغليظة، والدار الصيني مع المر الأحمر إذا شربته المرأة وكانت حاملاً ثم وضعت شيئاً منه وأدخلته داخل الفرج قتل الجنين وسقط ميتاً بإذن اللّه تعالى، وذلك صحيح مجرب لا شك فيه.
***
"الباب السابع عشر"
حل المعقــــود:
اعلم ... يرحمك اللّه ... إذا كان هناك امرأة أو رجل معقود أو فاشل أو يسبقه الماء فإنه يتبع التالي : فأما المعقود، فيأخذ الخودنجال الهندي والقرفة والطرطار الهندي وجوزة الشرق وجوزةالطيب والكبابة الهندية،ولسان العصفور والدار الصيني والفلفل الرومي والسلاس الهندي وعاقر قرحا ونوار القرنفل، و يسحق سحقاً ناعماً ويشرب مع المرفة؛وإن كانت مرقة الدجاج فلا بأس بذلك،فهوأفضل،ويأكله في الصباح والمساء بقدر الاستطاعة، و إن كان ممن يسبقهم الماء فيأخذ جوزة الطيب واللوبان ويلقيهما فيالعسل، و إن أخذه الفشل فيأخذ عاقر قرحا وزريعة الخروب وشيئاً من الزنجبيل الأخضر و يلعقه بالعسل فانه يزول فشله ويحل بذلك كل عقد ... و هذا مجرب صحيح .
"الباب الثامن عشر"
تكبير الإير الصغير وتعظيمه - حاجة جلّ الرّجال:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أيها الوزير أنّ هذا الباب لتغليظ الذكر نافع للرجال والنساء، لأن الذكر الصغير تكرهه المرأة عند الجماع كما تكره اللّين الضعيف المسترخي، وإن لذّة المرأة في الذكر الكبير، فمن كان ذكره صغيراً وأراد أن يعظمه ويقويه على الجماع فليدلّكه بالماء الفاتر وهو الحار حتى يحمرّ ويجري فيه الدم ويسخن،ثم يمسحه بعسل مربى الزنجبيل، ويتقدم حينئذٍ للجماع،فإنالمرأة تتلذذ به لذة عظيمة؛ وإن شاء فليزن من الفلفل والسنبل والمسك و الخولجان وزناً واحداً بعد الدق والتنخيل، ويعجن ذلك بعسل مربى الزنجبيل ويمسح به الذكر بعد أن يدلكه بالماء الفاتر دلكاً جيداً فانه يغلّظ، و تتلذذ به المرأة لذةً عظيمةً إن شاء اللّه؛ أو يأخذ ماءاً فاتراً ويدلكه حتى يحمر و ينتصب ثم يأخذ قطعة من الرف الرقيق و يجعل عليه من الزفت المسخن ثم يلقيها على الذكر وهو واقف منتشر حتى يبرد ذلك الزفت وينام الذكر ويفعل ذلك مراراً متعددة، فإنه يعظُم ويكبُر إن شاء اللّه، ثم يأخذ من العلق قدراً معلوماً وهو الذي يبقي في الماء ثم يجعل منها في زجاجة ما استطاع ويصب عليها الزيت ويجعلها في الشمس ثم يدهن بذلك الزيت ذكره أياماً متوالية فان ذكره يكبُر ويعظُم .
"الباب التاسع عشر"
إزالة بخوره الإبط و الفرج و تضييقه:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن الرائحة الرديئة في الفرج والإبط، وهو من أكبر المصائب، فإن أردت أن تزيل تلك الرائحة فدق المرّ الأحْمر وانخله واعجنه بماء الأس، ثم تتدهن به المرأة و الرجل فإنه يزيل بخوره الفرج والإبط وكذلك يدق السنبلة وينخل و يعجن بماء الورد الطيب وتغمس فيه صوفة ويتدهن به، فإنها تزيل الرائحة الرديئة التي في الفرج وتضيّقه؛ أو تحل الشّب في الماء وتستنجي به مع ماء السواك فانه يضيق الفرج؛ ولرد الرحم البارز يطبخ الخروب طبخاً ناعماً بعد إزالة نواه،مع قشور الرمان ثم تجلس المرأة عليه دائماً بقدر الاحتمال، فإذا برد تسخنه وتعيد الجلوس عليه، وتفعل ذلك مراراً، ثم تبخره بروث البقر فانه يرجع إنْ شاء اللّه؛ ولعفونة الإبط تأخذ الحديدة و المسكةوتسحقهما جميعاً وتجعلهما ناعماً ثمتضعهما في شيء من الماء حتى يحمر، و يدهن به الإبط فإنها تزيل عفونة الإبط بالدهن لعدة مرات ... و هذا مجرب صحيح .
***
"الباب العشرون"
عــــــلامات الحمل وما تلده الحامل:
اعلم ... يرحمك اللّه ... أن علامات الحمل معروفة عند النساء، وكذلك المرأة إذا يُبس فرجها حتى لا يكاد يسع المرود أن يدخل فيه، وتسود حلقة ثديها، ثم يؤيد ذلك قطع الحيض عنها؛ وعلامات ما تلده يظهر إذا تغير لون المرأة عندما يتبين حملها، فإذا لم تتغير وكان وجهها حسناً منيراً وقل الكلف من وجهها، فذلك علامة تدل على الذكر، و انتفاخ حلمة الثدي تدل على الذكر أيضاً، و خروج الدم من الأنف الأيمن يدل على الذكر، و حمرة الثدي تدل على الذكر أيضاً، وإذا كانت أنثى فيكثر الكلف ويتغير اللون و يسود الرحم والحلمة،ويثقل جنبها الأيسر من الأنف، فذلك كله يدل على الأنثى، وذلك مأخوذ من أقوال أهل العلم فيما جربوه وصح واللّه تعالى أعلم.
***
"الباب الحادي والعشرون"
منافع البيض وأشربة تقوّي على الجماع:
( خاتمة الكتاب )
اعلم ... يرحمك اللّه ... أيها الوزير أن هذا الباب فيه منافعكثيرةً وجميلةً تقوّي على الجماع للشيخ الكبير والطفل الصغير،وهؤلاء قال فيهم الشيخ الناصح لخلق اللّه : من داوم على مخاخ البيض كل يوم بلا بياض على الريق هيّج الجماع، ومن سلق أهيلول أو قلاةبالسّمن وصب عليه صفار البيض مع الإبزار الموقوف وهي العطرية وداوم على أكلها قوي الجماع وهاج عليه واشتاقه شوقاً عظيماً، ومن دقّ البصل ووضعه في برمةٍ وجعل عليه الإبزار العطريةوقلاها فيه،بزيت مع صفار البيض،وداوم عليها أياماً رأى من القوة على الجماع ما لا توصف به.ولبن النوق أيضاً ممزوج بعسل وداوم عليه يرى من القوة عجباً ، ولا ينام عليه إيره ليلاً ولا نهاراً، و من داوم على ألمشوي مع البُر والدار الصيني والفلفل أياماً زاد قوة في الجماع ودام عنده الانتشار حتى لا يكاد ينام، ومن أراد النكاح بالليل كله وأتاه ذلك على غفلة قبل أن يستعمل جميع ما ذكرنا فليأخذ من البيض قدر ما يجد به شبعاً ثم يلقيه في طاجين ويضع معه سمناً طرياً أو زبداً ويلقيه في النار حتى يطيب في ذلك السمن ويكون كثيراً ثم يلقي عليه ما يغمره عسلاً ويخلط بعضه على بعض ويأكله بشيء من الخبز شبعاً فإنه لا ينام إيره في تلك الليلة، وقال بعضهم في ذلك أبياتاً :
وحبي أبو الهيلوج قد قام إيره ثلاثين يوماً من تقوية البصل
وأيضا أبو الهيجاء قد اقتضليله ثمانين بكراً عن تمام ولم يكـــل
وكـان أبا الهيجاء يأكل حمصـــاً ويشرب لبن النوق ممزوجاً بالعسل
ولا تـنس ميموناً فقد بلغ المنى على نكحها، خمسين يوماً بلا مهل
فما برح الميمون يوماً لشرطها وزاد على الخمسين عشراً ولم يبــل
و كان غذاء العبد ميمون دائماً مخاخ اصفرار البيض بالخبز إن أكل
و حُكي ... يرحمك اللّه ... أنّ أبي الهيجاء و العبد ميمون و أبي الهيلوج مشهور و قصتهم معروفة، و حكايتها هي أن الشيخ النّاصر لدين اللّه قال : كان فيما مضى قبلكم من سالف الأزمان وقديم العصر والأوان ملك عظيم السلطان كثير الجنود، وكان له سبع بنات بارعات في الحسن والجمال والبهاء والكمال والدّلال،وسبعة على رؤوس بعضهم بعضاً ليس بينهن ذكر؛ خطبهن ملوك الزمان فأبين أن يتزوجن وكنّ يلبسن ملابس الرجال و يركبن على الخيول الموسومة و يتبارزن بالسيوف و يقاتلن الرجال في ميدان الحرب وكان لكلّ واحدة منهن قصر عظيم وخدام وعبيد قائمون بأمور القصر في كل ما يحتجن إليه من أكل وشرب و غير ذلك، فإذا أتى خطيب إلى أبيهن يبعث إليهن و يشاورهن، فيقلن هذا لا يكن أبداً، فأخذ الناس يتكلمون في أعراضهن، فبعض الناس يقول فيهنّ الخير وبعضهم يقول فيهنّ الشر و ذلك مدة من الزمان، ولكن لم يطلع أحد على أخبارهن إلى أن توفي أبوهنّ فاستولت البنت الكبيرة على الملك وكان اسمها فوتر واسم الثانية سلطانة الأقمار والثالثة البديعة والرابعة وردة والخامسة محمودة والسادسة الكاملةوالسابعة الزهرة وهي أصغرهن وأرجحهن عقلاً وأوفقهن رأياً وكانت مولعةً بالصيد فبينما هي يوماً في صيدها وقنصها إذْ التقت في طريقها بفارس ومعه عشرون مملوكاً فسلم فردت عليه السلام امرأة ثم أتى لبعض عبيدها و استخبر هم فأخبروه بالقضية كلها فسار معها فسمع كلامها وهي ضاربة النقاب؛ فقال : ليت شعري من يكن هذا ؟ أهو رجل أو امرأة ؟، إلى أن أتى فصل الغداء فجلس معها للأكل يريد أن ينظر وجهها فأبت أن تأكل وقالت : إني صائمة؛ فلمح عينيها ويديها فتمكن قلبه من تغنيج عينيها وقدّها واعتدالها فقال لها : هل لك في الصّحبة من شيء ؟؛ فقالت: صحبة الرجال لا تليق بالنساء لأنه اذا التقت الأنفاس وقع في قلوبهما الهواس ودخل بينهما الوسواس و وصلت أخبارهما للناس؛ فقال : صحبة الوفاء بلا غش ولاهفاء؛ فقالت له : إذا صحبت النساء الرجال كثرت فيهم الأقوال فيرجعون بأسوأ الأحوال فيقعون في نكال و أهوال؛ فقال: تكون صحبتنا خفية وأمورنا هنية و نلتقي في هذه البادية؛ فقالت : هذا شيء لا يكون وأمراً لا يهون و إن وقع وقعنا في الظنون وتغامزت بنا العيون؛ فقال لها : تكون صحبة وصال ومتعة و جمال وتعنيق ودلال وبدل نفس ومال؛ فقالت : حديثك شهي ونظرك بهي فلو كنت عن هذا نهي؛ فقال لها : حديثك يفوت وخبرك منعوت ووجهك في قلبي منبوت، و إن فارقتني لا شك أموت؛ فقالت : تروح لمكانك وأروح لمكاني وإن قدّر اللّه نراك وتراني؛ ثم افترقا وتواعدا و سارا كل واحدٍ منهما إلى منزله، فلم يطق الصبر وكان منزله منفرداً خارج البلد التي هو بها وكان أبوه تاجراً عظيماً له أموال لا تحصى يقال له حبرور وابنههذا اسمه أبو الهيجاء وبينه وبين منزله يوم المجد، فلما جنّ اللّيل نزع ثيابه وركب جواده وتقلّد سيفه و استصحب أحد عبيده يقال له ميمون وسار خفية تحت الظلام و لم يزل سائراً الليل كله إلى أن قرب الصبح فنزل على جبل ودخل في مغارة هناك وعبده ميمون و جوداه ثم أوصى العبد على الجواد و خرج يسير إلى أن قرب من القصر الذي فيه الزاهرة فوجد جداراً زاهراً شاهقاً فرجع و جعل يرصد من يخرج منه إلى أنْ تناصف الليل فنام و رأسه على ركبة العبد فبينما هو نائم و إذا بالعبد ميمون يوقظه، فقال : ما الخبر؛ فقال : يا سيدي إني أسمع حساً داخل المغارة ورأى ضوءاً قليلاً فقام ونظر إلى الضوء فخرج هو والعبد وأتى إلى مغارة أخرى بعيداً عنها و قال لعبده اجلس حتى أرى ما الخبر، ثم غاب ساعةً وقصد المغارة التي كان بها و دخل إلى أقصاها فوجد دهليزاً فهبط إليه فإذا فيه ضوء يخرج من بعض الثقب فوضع عينه في ثقبه ونظر فإذا هو بتلك البنت ومعها ما يقرب من مئة بكرٍ في قصرٍ عجيبٍ في ذلك الجبل، و فيه أنواع الفرش المذهبة على أشكال شتى وهنّ يأْكلن ويشربن ويتنادمن، فقال للعبد ميمون : آتني بأخي في اللّه أبا الهيلوج، فركب العبد وسار اللّيل كلّه، وكان أبو الهيلوج من أقرب أصحابه وأعزّهم عليه، وهو ابن الوزير، وكان أبو الهيلوج وأبو الهيجاء والعبد ميمون لم يكن في زمانهم أقوى منهم وأشجع، و كانوا من الطغاة الذين لا طاقة لأحد عليهم في الحرب، فلما وصل العبد ميمون أخبره بما وقع، فقال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، ثم ركب جوداه وأخذ معه أعز عبيده وسار إلى أن وصل المغارة فدخل و سلّم، فأخبره بما وقع له من حب الزاهرة و أخبره بما وقع في قعر المغارة، فتعجب أبو الهيلوج من ذلك و أخبره أيضاً أنه أراد الهجوم على قصرها فوجده نافذاً إلى هذه المغارة تحت الأرض، فلما جنّ الليل سمع لغط و كثرة الضحك و الحديث فقال له أدخل و أنظر لكي تعذر أخاك، فدخل و نظر فافتتن من حسنها و جمالها، فقال له : من الزاهرة من هذه البنات الأبكار ؟، فقال : هي صاحبةُ القد البهي و المبسم الشهي، صاحبة الخد الأحمر و التاج المجوهر و الجبين الأزهر و الحلّة المذهبة و الكرسي المرصع الذي ترصيعه كثير و مساميره من فضّه و أحلاقه من ذهب، ألتي يدها على ثغرها؛ فقال : إني رأيتها بينهن كالعلم، و لكن يا أخي أخبرك بشي أنت عنه غافل !! قال : ما هو ؟، قال : يا أخي لا شك أنّ هذا القصر عندهنّ للخلاعة لأنّهنّ يدْخلن فيه من اللّيل إلى اللّيل، و هو محل خلوه وأكل و شرب و خلاعة، و إنْ حدثتْك نفسك أن تصل إليها من غير هذا المكان فإنك لا تقدر على شيء لأنها مولعة بحب البنات، فلذلك لا تلتفت إليك و لا إلى صحبتك؛ فقال : يا أبا الهيلوج، ما عرفتك إلاّ عارفاً ناصحاً و لهذا بعثت لك، لأني لم أستغن عن رأيك و مشورتك؛ فقال له : يا أخي لولا أن اللّه منّ عليك المكان لما كنت تتصل بها أبداً، و لكن من هنا يكون الدخول لهذا القصر إنْ شاء اللّه، فلما أضاء الصباح أمر العبيد بحفر ذلك المكان، فهدموا منه قدر الحاجة ثم أنهم غيّبوا خيولهم في مغارةٍ و زربوا عليها من الوحوش و اللصوص ثم رجعوا و دخلوا هم و العبيد لتلك المغارة، و بلغوا إلى القصر و كل واحدٍ منهم بسيفه و درقته و ردّوا الثقب كما كان و دخلوا القصر فوجدوه مظلماً، فقدح أبو الهيلوج الزناد و أشعل شمعة كانت هناك، و جعلوا يدورون يميناً و شمالاً فوجدوا فيه عجائب و غرائب و فرش عجيبة و مساند على كل لون و ثريات و موائد و أطعمة و أشربة و فواكه و فرش عظيمة، فتعجبوا من ذلك و جعلوا يدورون فيه و يعدّون منازله، فوجدوا فيه منازل كثيرة، و وجدوا في آخره باباً داخله خوخةً صغيرةً مقفولةً بقفل؛ فقال أبو الهيلوج: أظن هذا هو الباب الذي يدخلن منه، ثم قال : يا أخي تعال نمكث في بعض منازل هذا القصر؛ فمكثوا في منزلٍ عظيمٍ مستورٍ عن الأبصار إلى أن أتى الليل و إذا بجارية فتحت الخوخة و خرجت و بيدها شمعة، فأشعلت تلك الثريات جميعاً و رتبت الفرش و نصبت الموائد و أحضرت تلك الأطعمة و صففت الأقداح و قدمت تلك الزجاجات و بخرته بأنواع الطيب، فلم تكن إلاّ ساعة و إذا بتلك الجواري و الأبكار يدخلن، يتبخترن في مشيتهن على الفرش، و مدت لهن الموائد بالأطعمة و الأشربة، فأكلن و شربن و غنين بأنواع الألحان، فلما امتلأن خمراً خرج الأربعة من أماكنهم و كل ضارب نقابه على وجهه؛ فقالت الزاهرة : من هؤلاء الهاجمين علينا في هذا الليل ؟ أمن الأرض خرجتم أو من السماء نزلتم ؟ و ما الذي تريدون ؟؛ قال : الوصال؛ قالت الزاهرة : ممن ؟، قال أبو الهيجاء : منك؛ فقالت : من أين تعرفني؟؛ فقال لها : أنا الذي التقيت بك في الصيد؛ فقالت : من أدخلك لهذا المكان ؟، قال : قدّرت فخمّنت ما الذي نفعل؟، و كان عندها أبكار مصفحات لم يقدر على دخولهن أحد و عندها امرأة يقال لها المنى لم يهيّجها رجل في نكاحها؛ فقالت في نفسها : ما لي لا أكيدهم بهؤلاء الأبكار و أنا أنجو، ثم قالت : ما نفعل إلاّ بشرط؛ فقالوا لها : شرطك مقبول؛ قالت : و إنْ لم تقبلوه، فأنتم الآن عندي أسرى، و نحكم فيكم بما نريد؛ فقالوا : نعم؛ فأخذت المواثيق و العهود عليهم ثم ضربت يدها على يد أبي الهيجاء و قالت له : أمّا أنت فشرطك أن تدخل في هذه الليلة على ثمانين بكراً من غير إنزال؛ فقال : قبلت هذا الشرط؛ فأدخلته إلى بيت و جعلت ترسل إليه واحدةً بعد واحدة و هو يدخل بهن إلى أن دخل على الجواري كلهنّ و لم ينزل منه مني، فتعجّبت من قوّته و جميع من كان حاضراً، ثم قالت له : و هذا العبد ما أسمه ؟ فقال : ميمون؛ فقالت : ينكح هذه المرأة خمسين مرةً بلا فتور سواءً أنزْل أو لم يُنزل إلاّ إذا أتته الضرورة التي لا بد منها؛ فتعجّبوا من هذا الشرط؛ فقال العبد ميمون : أنا أفعل، و كان يحب النّساء كثيراً، فدخلت معه المنى إلى أحد البيوت و أمرتها إذا تعب أن تخبرها، ثم قالت للأخير : و أنت ما اسمك ؟، فقال : أبو الهيلوج؛ فقالت له : نريد منك أن تدخل على هؤلاء النساء الأبكار ثلاثين يوماً و إيرك واقف لا ينام ليلاً و لا نهاراً، ثم قالت للرابع : ما اسمك ؟، فقال : فلاح؛ فقالت : و أنت نريد منك أن تخدم بين أيدينا، و يبقى عليّ شرطكم، فشرطوا عليها أن تحضر لهم حليب النوق و عسل صافي شراب من غير ماء لأبي الهيجاء و غذاؤه الحمص مطبوخا باللحم و البصل، ثم طلب أبو الهيلوج البصل الكبير مع اللحم و شرابه البصل المدقوق مع بعض مائه و يوضع في العسل، و تأتي صفة ذلك إن شاء اللّه، ثم قالت : ما تريد من الأغذية يا ميمون؛ فقال : غذائي مخاخ البيض مع الخبز؛ ثم أوفت لكل واحدٍ بما طلب، فقال أبو الهيجاء : قد أوفيت لك شرطك فأوفي لي الوصال يا زهرة فقالت : هيهات شرطكم سواء عندي أنت و أصحابك، فان كمل شرط أصحابك قضيت حوائجكم جميعاً و إنْ عجز واحداً منكم نقضت و أسرتكم بحول اللّه، ثم أن أبا الهيجاء جلس مع المرأة و البنات و الأكل و الشرب إلى أن أوفى أصحابه بالشرط، و كانت قبل ذلك طامعةً في أسرهم، و هي في كل يوم تزداد حسناً و جمالاً و فرحاً إلى أن اكتملت عشرون يوماً فتغيرت، فلمّا بلغوا الثلاثين بكت و كان أبو الهيلوج قد تمم الشّرط، و أتى و جلس مع صاحبه و هم في أكل و شرب و هي طامعة في العبد ميمون لعله يكلّ أو يتعب من النكاح، و في كل يوم ترسل إلى المنى و تسألها عنه فتقول لها كل يوم يزداد قوة، و ما أرى هؤلاء إلاّ غالبين، ثم خرجت و قالت لهم : إني سألت عن العبد فقالوا لي إنه تعب و مرض، فيقول لها أبو الهيجاء : إن لم يوف شرطه و يزيد فوقه عشرة أيام لأقلتنه؛ و لم يزل كذلك حتى كملت الخمسين يوماً ففرحت المنى لأنه كان أهلكها في نكاحها فتعدّت الخمسين يوماً و لم يبعد عنها، فبعثت المنى للزهرة تقول لها : يا مولاتي الشرط تعداه و لا أراه يفارقني، سألتك باللّه العظيم إلاّ ما أرحتني مما أنا فيه، فقد انفكت أفخاذي و أصبحت لا أقدر على الجلوس؛ فحلف أنْ لا يخرج إلاّ بعد عشرة أيام زيادةً فوق شرطها عشرة أيام، فتعجبوا من ذلك؛ و بعد الوفاء بالشروط جميعهاً حازوا على ما في القصر من أموالٍ و بناتٍ و خدمٍ و نساءٍ و حشمْ؛ و قسّموا ذلك بالسواء فيما بينهم، و سبب هذه الغنيمة من البنات المتقدم ذكرهن هو الأشربة التي تهيج على الجماع و ذلك مما يستحسنه العقل، و هو أن تدق البصل و تعصر ماءه و تأخذ من ذلك الماء كيلاً و من العسل المنزوع الرغوة كيلاً فتخلط الجميع و تطبخه بنار لينة حتى يذهب ماء البصل و يبقى العسل في قوام الأشربة فتنزله من فوق النار و تبرده في زجاجة لوقت الحاجة، فخذ منه أوقية و أمزجها مع ثلاثة آواق من ماء قد نُقّع فيه ماء الحمّص يوماً و ليلةً، و يشرب في ليالي الشتاء قبل النوم قليلاً، فإن من يشربه لا يهدأ تلك الليلة، و من داوم عليه لا يزال قائماً إيره منتشراً متيقظاً لا ينام، و من كان حار المزاج فلا يشرب منه لأنه يولد الحمى، و لا ينبغي لأحد أن يداوم عليه ثلاثة أيامٍ إلاّ أن يكون شيخاً أو بارداً في مزاجه و لا يشرب في الصيف أبداً .
انتهى و أنا استغفر اللّه من أضاليل اللّهو و أباطيل اللّغو و هو حسبي و نعم الوكيل
و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و صلى اللّه على سيدنا محمد
و على آله و صحبه و سلم تسليما؛ لا اله إلا اللّه
محمد رسول اللّه
انتهى الكتاب المستطاب بعون الملك الوهاب.
نهاية الجزء السادس والأخير
إعداد : ألف
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |