إنها الديمقراطية ياغبي
خاص ألف
2013-02-01
الحرب الأهلية, الحرب الدينية, الحرب المذهبية, الحرب الطائفية, الخراب بأيدي أهل البلد, القتل على الهوية, القتل على لون البشرة, القتل على اختلاف اللهجة, القتل, القتل, القتل.
كنت أتوقع هذه الكارثة في فلسطين المتهودة, في إسرائيل, كنت أتوقعها بين الإشكيناز والتسفاراد, كنت أتوقعها بين اليهود العرب واليهود الأوروبيين, كنت أتوقعها بين الناطقين باللادينو والناطقين باليديش والناطقين بالعربية, كنت أتوقعها بين الحاخاميين والقرائين, كنت أتوقعها بين الحريديين والعلمانيين, بين التلموديين والربانيين.
ولكنها لم تقع... ولسوء الحظ الشديد لم تقع هناك, بل وقعت في مجتمعات الحضارة التي أنتجت الثقافة الآرامية التي يتكلم يهود إسرائيل الآن بها, ففي التواراة يقول ها أنت تتكلم بشفة كنعان. لم تقع هناك, بل وقعت في مجتمعات اقرأ, لم تقع هناك بل وقعت بين مواطني: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة !!! ولكن ما هذه الرسالة التي لم يفصح عنها أحد. أهي رسالة السجون والمخابرات والقتل الذريع وامتهان الكرامة البشرية حتى ليخجل أقسى حكام العالم من تجاوزها.
وقبل أن ندخل في تفاصيل الكارثة دعونا نذكر أن سورية التي تأسست سياسياً مع الجلاء في العام 1946 قد تزامنت في وقت تأسيسها مع قيام فلسطين المتهودة والتي سميت إسرائيل في العام 1948, وبذلك رأينا أمامنا مثالاً مخبرياً مريعاً, دولتان تبدآن الوجود السياسي في زمن واحد, وأرجو ألا يراجعني أحدهم ليقول إن سورية دولة قديمة فآباؤنا هم الأمويون والعباسيون و... وو... أرجو ألا يقول أحد هذا الكلام لأنا انقطعنا عن هؤلاء الناس وأعني آخر خليقة عباسي له بعض قيمة كالمعتصم أكثر من ألف عام, كان الحكم فيه لأبناء آسيا العميقة على اختلاف تسمياتهم, ولن أدخل في تفاصيل الأرقام وبيننا وبين آخر خليفة فاطمي, وها أنا ذا أذكره حتى لا أتهم بالانحياز المذهبي, فبيننا وبين آخر خليفة فاطمي أكثر من ثمانمئة عام, وإن أصررنا على الادعاء بأنا أحفادهم السياسيون, فسيأتي الإسرائيليون ليقولوا: إنا لسنا دولة حديثة بل نحن ورثة صناع التوراة واليهودية الكلاسيكية, وإذاً فلنترك الحديث في التاريخ.
التاريخ السياسي يقول إن الدولتين نشأتا على يد صانع أوروبي واحد هو انكلترا بلفور في فلسطين في بداية القرن والجنرال سبيرز في سورية في النصف الثاني من الاربعينات.
ولكن... أين الدولة السورية سياسياً واجتماعياً الآن, وأين حثالة الشعوب وشذاذ الآفاق في دولة إسرائيل التي نسمع باسمها ونخسر أمامها الحروب حرباً إثر حرب ولا أريد أن أسمع عن نصر 1973 التي وصلت فيها جيوش شذاذ الآفاق إلى سعسع وبيت جن, وصارت دمشق على مرمى مدفعيتها, ولولا شهامة الجيش العراقيي البطل الذي سارع إلى نجدتنا وطرد الجيش الإسرائيلي, فالله وحده يعلم ماالذي كان يمكن أن عليه سورية الآن !!
فرنسا التي احتلت سورية كانت ذات وجهين وثقافتين, فهناك فرنسا الحضارة والثقافة وفولتير ومونتيسيكيو وديديرو وروسو ودوماس وهوغو وتمثال الحرية الذي ما يزال منتصباً أمام نيويورك يدعو معذبي ومضطهدي العالم إلى الجنة على الأرض.. أمريكا !!! , و... فرنسا الفرقة الأجنبية ( الليجيون إيترانجيه ) أسوأ ما أنتج العالم من محاربين مرتزقة, إنهم من هربوا من بلادهم أياً ما كانت بلادهم, ملاحقين بجرائم جنائية, واغتصابات وسرقات, فتطوعوا في هذه الفرقة ليمحي ماضيهم ودينهم ومذهبهم وجرائمهم, ويتحولوا إلى مقاتلين فقط من أجل الإمبريالية الفرنسية, وكان يحارب إلى جانبهم جيوش المستعمرات من سنغال وهندوصينيين ( لاوس , كمبوديا , فيتنام ), و.. مغاربة, ونحن نخطىء كثيراً حين نتصور أن فرنسا كانت تضحي بأبناء باريس وليون ومارسيليا في حروبها الاستعمارية, فلديها من السنغال والجزائريين والكمبوديين والتشاديين ما يكفي لإشباع نهم عزرائيل وزيادة.
كانت فرنسا منذ العام 1870 أي بعد احتلال ألمانيا بسمارك لباريس قد تحولت في سلم الإمبرياليات إلى إمبريالية من الدرجة الثانية, وتحولت بريطانيا بعد احتلالها مصر والسودان وشرق إفريقيا إلى الإمبريالية الأولى التي ستظل متربعة عليها حتى الحرب العالمية الثانية.
كانت الدولة العثمانية قد آذنت بالانمحاء منذ انقلاب محمد علي وابنه العظيم ابراهيم عليها, والذي وصل إلى الأناضول بعد احتلال كل سورية, وكان من سوء حظ سورية أن ثار بعض أهلها ضد الحداثة التي جاء بها ابراهيم باشا ابن الثورة البورجوازية الفرنسية, ومن أهمها إعلانه المواطنة السورية متجاوزة الدين والمذهب والعرقية واللغة, ولكن بعض السوريين ثاروا مستعينين بالانكليز والروس.
ترك ابراهيم باشا سورية لتعود إلى النوم في حضن الدولة العثمانية التي رفضت أن تتعلم من درس ابراهيم باشا التلميذ النجيب للثورة البورجوازية الفرنسية والذي هدد نومها في العسل فلم تستفد من هذا الإيقاظ الخشن, وكانت الحرب العالمية الأولى التي وضعت نقطة النهاية للدولة العثمانية.
دخل اللمبي ولورانس العرب إلى دمشق وكان في ركابهما رجل اسمه فيصل بن الحسين المخدوع مع أبيه من الحلفاء بأنه سيكون ملك العرب, وأخيراً وبعد مفاوضات رضي بملك سورية ولكن فرنسا ابنة الفرانك والنورمان والتي يقوم مجد تاريخها وتاريخ نبلائها على مشاركتهم في الحروب الفرنجية التي سموها بالحروب الصليبية, فرنسا هذه سارعت في إرسال الكاثوليكي المتعصب غورو, المتعصب حتى لتخجل طالبان بتسامحها أمام تعصبه وهو من ضرب قبر صلاح الدين بقدمه بعد احتلال دمشق, وقال كلمته المشهورة: ها قد عدنا ياصلاح الدين, وفصل لبنان بعد توسيعه عن سورية لكن الثورة ما لبثت أن هبت, كانت ثورة ساذجة ترفض الجديد ( الاستعمار ) ولا تعرف ما البديل, فتمزقاتها الداخلية التاريخية, المذهبية, والمدينية, والإقليمية, والولاءات لأوروبيين مختلفين لعبت الدور الأكبر في إخفاق هذه الانتفاضة بعد سنتين, واستكان الناس للمفاوضات, وهنا تقدمت فرنسا البورجوازية فقدمت لسورية هبة الحريات التي عرفتها بعد الثورة البورجوازية.. حرية تشكيل الأحزاب, ومن تناقضات التاريخ أن يكون المستفيد الأكبر من هذه الحرية حزب البعث فيما بعد, ليضطهد كل حزب ما عداه, وقدمت لنا حرية الصحافة, فصار في سورية عشرات الصحف, وحرية الملكية التي لاقانون استملاك يهددها إلا في حدود القانون البورجوازي وليس الثوري البعثي !!! وحرية التظاهر, وحرمة الأماكن التعليمية والمقدسة من مساجد وكنائس فلا يهاجم رجال الإمبريالية القذرة!! المساجد ولا يدمروها سعياً وراء متظاهرين, ولا يهاجمون بيتاً إلا مع إذن من النيابة.
وكان المتعلم السوري يعيش صراعاً روحياً حين ذلك بين اشتهائه تقليد البورجوازية الفرنسي وديموقراطيتها وكراهيته لليجيون إيتراجنيه الإمبريالي الفرنسي برموزه , غورو وكاترو وسراي, وبدأت فرنسا في إنشاء الكتائب السورية والتي ستسمى فيما بعد بالجيش السوري, ولكن من دربه وأنشأه وأرانا مجده الذي انتظرناه طويلاً حتى رأينا إبداعاته في هذه الأيام, إنه الليجيون إيترانجيه.
كانت فرنسا تعاني ضعفاً داخلياً جعل استعمارها أقل دبلوماسية وإخفاء نوايا من بريطانيا, وكانت قد سقطت للمرة الثانية تحت الاحتلال الألماني في بدايات الحرب العالمية الثانية, وأدرك المستعمَرون أن فرنسا ليست بالقوة التي لا تـُهزم, وكتب أحد شخصيات روايتي (التحولات) فياض سلسلة مقالاته : اللهم و... شماتة.
انقسمت فرنسا إلى فرنستين, فرنسا ديغول, وفرنسا بيتان أو فيشي, وساعدت بريطانيا فرنسا ديغول التي رفضت الاحتلال الألماني, وساعدت الولايات المتحدة بريطانيا عند بدء ضعفها, وساعدت ستالين في الاتحاد السوفييتي عبر مضيق بيهرينغ في سيبيريا الشرقية بالغذاء والتسليح, وتجرأ السوريون ربما بغمزة من بريطانيا التي احتلت سورية واقعياً بعد طرد قوات فرنسا فيشي, وصارت سورية شكلياً تحت راية ديغول, وأخذ السياسيون السوريون متشجعين بوجود القوات البريطانية في سورية يتشددون في مطالبتهم بالجلاء, وانتهت الحرب ودخل ديغول باريس دخول المنتصر.
و.. حاول ضابط أحمق من ضباط الإمبريالية الفرنسية هو أوليفا روجيه قلب الطاولة السورية للبدء في الاستعمار من جديد, وهكذا أعد مقاتليه من السنغال والهنود الصينيين وقرر مهاجمة البرلمان السوري لحظة انعقاده مع كامل الحكومة السورية ليذبحوهم جميعاً ويبدأ روجيه المفاوضات من موقع القوي مع السوريين الذي سيعينهم للمفاوضات, ولكن السفير البريطاني الجنرال سبيرز مرر رسالة الى الحكومة السورية يحذرهم مما يعده لهم أوليفا روجيه, فهربت الحكومة مع أعضاء البرلمان في الليل إلى الأردن المحتل من بريطانيا, ولما اكتشف المهاجمون خلو البرلمان الا من شرطة الحراسة قاموا بقتلهم جميعاً بالسواطير وكان ذلك في التاسع والعشرين من أيار.
و... تدخل سبيرز فأمر الجيش الفرنسي بالعودة إلى ثكناته فوراً, و.. إلا...
عاد روجيه يجرر ذيله بين ساقيه, وعادت الحكومة السورية إلى دمشق, وبدأت المفاوضات للجلاء ولكن مع سبيرز الذي قال لرئيس الدولة وكان حينذاك شكري القوتلي: نحن يمكن أن ندخل معكم في مفاوضات على الجلاء تستمر لعقود مثل مفاوضات صدقي وبيفن في مصر, أو يمكن لكم ألا تجدوا جندياً أجنبياً واحداً على الأراضي السورية بعد أسبوع.
فهم الرئيس الأسبق ( البازار ) فسأل , وكانت هذه غلطته التي ندفع ثمنها اليوم: ماالمطلوب؟
قال سبيرز: ألا يسرح الجيش السوري, وكان يقصد الجيش الذي بناه الليجيون إيترانجيه, وتابع سبيرز: وألا تسرح الشرطة السورية والمكتب الثاني. ( وكان يكتم: الذي بنته المخابرات الفرنسية ) . ثم أكمل: وألا يحاكم أو يسرح مدراء الوزارات العامون وكان هؤلاء قد اقاموا حكومة خيانة للحركة الوطنية كان اسمها حكومة المديرين التي كان يرأسها بهيج الخطيب, والمديرون أو الأمناء العامون هم الوزراء الحقيقيون والدائمون, فالوزراء السياسيون طارئون يتغيرون مع كل انتخابات وتقدم حزب جديد للحكم .
كانت غلطة شكري القوتلي أن قبل بعرض سبيرز فرحاً بالجلاء ودفع الثمن بعد سنتين تماماً, فبعد الجلاء وبعد هزيمة سورية الوليدة أمام إسرائيل الوليدة التي اعتنى بتغذيتها الغرب والشرق وكان أول من اعترف بها لتكون الدولة الجديدة هو الاتحاد السوفييتي الصديق, بعد حرب 1948 وفرض اتفاقية رودوس والتي وقعتها أكثر من دولة عربية ما عدا سورية هذه الاتفاقية التي لا تقوم إلا بين ندين وكانت تعني الاعتراف الضمني بقيام إسرائيل فرفض شكري القوتلي التوقيع على هذه الاتفاقية كما رفض التوقيع على اتفاقية التابلاين التي تسمح للنفط البريطاني بالمرور عبر الأراضي السورية بشورط مزرية.
رفض شكري القوتلي أن تكون يده من توقع على اتفاقية كهذه, فهب حسني الزعيم وهو ضابط خريج مجرمي الليجيون إيترانجيه ليقوم بالانقلاب الأول الناجح في تاريخ سورية, فقد سبقه إلى ذلك ضابط آخر ولكنه أخفق .
اعتقل حسني الزعيم الحكومة كاملة وكاد يقوم بإعدامها لولا تدخل ملوك وحكام العرب.. وعرف شكري القوتلي ومن معه ما معنى استبقاء الجيش والأمن والمدراء العامين الذين أنشأتهم فرنسا.
ونعود إلى ما افتتحنا به مقالنا: لماذا نجحت إسرائيل في الحفاظ على السلم الوطني والتطور الاقتصادي وإخماد كل العلل والأمراض الأصيلة في بنيتها, وأخفقت سورية التي انتقلت من انقلاب يقوم به تلاميذ الليجيون إيترانيجه إلى انقلاب يقوم به تلميذ آخر لليجيون إيترانجيه, وتزايد المكتب الثاني حتى صار عشرين جهازاً يسيطر على كل نفس نتنفسه من الأعلى أو من الاسفل, وكان لا بد من ثورة تسعى إلى استقلال جديد لا يكون وراءه سبيرز ولا بهيج الخطيب .
أما فلسطين المتهودة فقد جلب الإشكيناز معهم من أوروبا التقاليد المدنية الأوروبية, أحزاباً حرة, وانتخابات حرة, وكنيست أو برلمان, وهستدروت أو نقابات عمال ليست عميلة للأمن أو حزب البعث, وأصروا على احترام تقاليد الغرب الديموقراطية فنجحوا في اجتياز كل فخاخ التاريخ, وفشل البعث إلا في أن يكون تلميذاً وحفيداً للأجداد الذين أنكرناهم وادعينا الأمويين والفاطميين, وأعني بهؤلاء الأجداد المماليك , ولهذا الأمر حديث آخر .
خيري الذهبي
[email protected]
dolly
2014-04-07
أظن يا استاذ أن عليك مراجعة التاريخ قليلا فلم يكن حكم الأمويين والعباسيين بهذا النقاء وبطشوا وعاثوا فسادا وبزخا في بلاطهم ثم تتكلم عن حكم المديرين لمعلوماتك لم يكونوا كما تصفهم ,كان جدي أحدهم ولم يأخذ يوما قرشا حرام أغلب وقته كان يجوب كل سوريا للاطلاع على وضع الزراعة وهو الذي وضع قانون الري وعندما استقال من منصبه انتقل إلى شقة بالإجرة ولم أسمع يوما أن أولاده استفادوا بركب السيارة التي وضعتها الحكومة تحت تصرفه حتى هو كان يذهب راجلا إلى عمله ثم هو ومن كانوا معه معروفين بثقافتهم العالية وبنزاهتهم أردت التنويه فقط
08-أيار-2021
06-شباط-2021 | |
28-تشرين الثاني-2020 | |
22-آب-2020 | |
15-آب-2020 | |
09-أيار-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |