أنا رجلٌ حر - باولو كويلو / جزء 3
خاص ألف
2013-02-06
ينشر الحبيب السابق الكتاب . لا كلمة عنه في الصحافة، إنما ابتاعه عدد قليل من الناس . أوصوا به إلى أناس آخرين، ابتاعوه بدورهم وأوصوا به إلى آخرين .
بعد أشهر ستة، نفدت الطبعة الأولى . بعد سنة، صدرت ثلاث طبعات وبدأت أكسب المال من الشيء الوحيد الذي لم أحلم يوماً أنه سيدر علي المال، من الأدب !!.
لا أدري كم من الوقت سيستمر الحلم، لكني أقرر أن أعيش كل لحظة وكأنها الأخيرة . أرى أن هذا النجاح يفتح الباب الذي طالما أردت فتحه : ناشرون آخرون يتوقون إلى نشر كتابي التالي .
جلي أنه لا يمكنني أن أتبع الدرب إلى سانتياغو كل سنة، فما الذي سأكتب عنه تاليا ؟ أو علي تحمل الهراء نفسه في أن أقبع أمام الآلة الكاتبة لأجد نفسي أفعل كل أمر باستثناء كتابة الجمل والمقاطع؟ من المهم أن أواصل إشراك الغير في نظرتي إلى العالم وأن أصف تجاربي في الحياة .
أحاول لأيام معدودة ولليالي عديدة، لكني أقرر أن ذلك مستحيل . ثم، ذات عشية ، أقع على قصة مشوقة في « ألف ليلة وليلة » ؛ فيها أجد رمز دربي خاصة، شيء يساعدني على فهم كياني ولماذا طال بي الأمر لاتخاذ قرار كان في انتظاري منذ الأزل . أستخدم تلك القصة كأساس لقصة أخرى عن راع ينطلق سعياً وراء حلمه، كنز مخبأ في أهرامات مصر . أروي فيها عن الحب الذي ينتظره هناك، كما انتظرتني إستير فيما سرت في دوائر ودوائر .
لم أعد شخصاً يحلم أن يصبح شيئاً : أنا كيان . أنا الراعي الذي يجتاز الصحراء، لكن أين الخيميائي الذي يعينه على المضي؟ عند الانتهاء من هذه الرواية، لم أفهم تماماً ما كتبت : إنها كقصة خيالية للراشدين، والراشدون أكثر اهتماماً بالحرب، والجنس، وقصص القوة؛ مع ذلك، قبلها الناشر . نشر الكتاب، وإذا بقرائي يدرجونه مرة ثانية على لوائح الكتب الأكثر مبيعاً .
بعد سنوات ثلاث، زواجي في أحسن حالته، وأقوم بأمر طالما أردت القيام به؛ وإذا بباكورة الترجمات تظهر، فالثانية، وإذا بالنجاح - بطيء إنما أكيد - يحمل مؤلفاتي إلى بقاع الأرض قاطبة .
أقرر الانتقال إلى باريس بسبب مقاهيها، وكتابها والحياة الثقافية فيها . أكتشف أن أيا منها لم يعد له أثر : باتت المقاهي تعج بالسياح وصور الناس الذين جعلوا من تلك الأماكن أماكن مشهورة . معظم الكتاب يولون الأسلوب اهتماما أكثر من المحتوى؛ يجهدون وراء التميز، إنما ينجحون في كونهم تافهين فحسب .
هدفي انطواء داخل عالمهم الصغير الخاص . أتعلم عبارة فرنسية مثيرة للاهتمام : " " renvoyer l‘ ascenseur ، ومعناها الحرفي " طلب المصعد إلى أعلى » ، أما معناها المجازي فمراد به « رد الجميل . » عملياً، أقول أمورا حسنة عن كتابك ، وأنت تقول أموراً حسنة عن كتابي، وهكذا، نخلق حياة ثقافية جديدة، ثورة، فلسفة جديدة ظاهرياً ؛ نعاني؛ لأن لا أحد يفهمنا، لكن في النهاية هذا ما حدث لعباقرة الماضي كل هم : أن يسيء المعاصرون فهمهم، هو بالطبع جزء لا يتجزأ من كون المرء فناناً عظيماً. ، وبداية ، يلقى » هم يطلبون المصعد إلى أعلى « مثل هؤلاء الكتاب بعض النجاح : لا يود الناس المخاطرة بتوجيه انتقاد صريح إلى شيء لا يفهمونه، لكنهم سرعان ما يدركون أنهم حفظوا في ذاكرة التاريخ ويكفون عن تصديق الانتقادات . إن الانترنت ولغتها البسيطة هي كل ما يلزم لتغيير العالم . عالم مواز ينبثق في باريس : كتاب جدد يصارعون لكي تفهم كلماتهم وأرواحهم . أنضم إلى هؤلاء الكتاب في مقاه لم يسمع بها أحد، لأن الكتاب لم يبلغوا الشهرة بعد وكذلك المقاهي . أطور أسلوبي منفرداً وأتعلم من ناشر كل ما أحتاج إلى معرفته بشأن الدعم المتبادل .. » ما مصرف الخدمة؟ «
. » أنت تعلم . الجميع يعلم «
. » محتمل، لكنني لم أفهم قولك جيداً «
أول من ذكر هذه العبارة كاتب أميركي . هذا «
المصرف من أقوى المصارف في العالم، وتجده في
. » نواحي الحياة كافة
نعم، لكنني أنحدر من بلد تفتقر إلى أي تراث «
. » أدبي . ما الخدمات التي يمكنني تقديمها لي يكن؟
" قل ما يهم ذلك . دعني أعطك مثلاً : أعرف أنك كاتب واعد، وأنك، ذات يوم، ستكون شديد النفوذ . أعرف ذلك، لأنني، على غرارك، كنت طموحاً ، مستقلاً ، صريحاً. لم أعد أملك الطاقة التي ملكتها يوماً، لكنني أريد مساعدتك لأنني لا أستطيع أو بالأحرى لا أريد منذ الآن أن أنسحق إلى نقطة النهاية . لا أحلم بالتقاعد، لا أزال أحلم بالكفاح المذهل الكامن في الحياة والقوة والمجد . . «
أبدأ بوضع ودائع في حسابك - ليست بودائع نقدية - أنت تعلم، إنما صلات ، أعرفك بفلان وفلان، أدبر بعض الصفقات ما دامت قانونية . تكون على علم بأنك مدين لي، لكنني لا أطالبك بأي شيء " .
. » . . . وذات يوم «
بالضبط . ذات يوم، سأطلب إليك «
خدمة . وبالطبع يمكنك قول " لا " ، لكنك تدرك أنك مدين لي . فتفعل ما أطلبه . أواظب على مساعدتك ويرى الآخرون أنك من الأشخاص المحترمين والمخلصين . فيودعون ما يودعون في حسابك
- وتكون الإيداعات دائماً على هيئة إيصالات، لأن هذا العالم قائم على الصلات لا غير. هم أيضا سيطلبون إليك خدمة، وسوف تحترم طلبهم وتساعد من ساعدك .
ومع الوقت، تكون قد ألقيت بشباكك على امتداد العالم، ستعرف ما أنت بحاجة إلى معرفته وسيزداد نفوذك تعاظماً " .
" قد أرفض ما تطلبه إلي " .
" قد تفعل، مصرف الخدمة استثمار خطر، شأنه شأن أي مصرف آخر . ترفض تأدية الخدمة التي طلبتها إليك، ظناً منك أني ساعدتك لأنك أهل للمساعدة، لأنك الأفضل وعلى الجميع الاعتراف تلقائيًا بموهبتك . حسن ، أشكرك عندئذ جزيل الشكر، وأطلب الخدمة إلى شخص آخر أو دعت في حسابه ودائع مختلفة؛ لكن من تلك اللحظة فصاعداً، سيعلم الجميع - من دون أن أضطر إلى التفوه بكلمة - بأنك غير جدير بالثقة .
سوف تكبر بنصف ما أمكنك أن تكبر، وبالطبع ليس بقدر ما وددت أن تكبر . وفي مرحلة ما، ستبدأ حياتك بالانحطاط، فأنت عبرت نصف الدرب، لا كلها، أنت نصف سعيد ونصف تعس، غير محبط وغير واثق الخطوة . لست باردًا ولا حارًا، أنت فاتر، وكما جاء على لسان أحد الإجيليين في كتاب مقد س ما : " الأمور الفاترة لا تطيب للذوق يودع الناشر الكثير من الودائع - أو الصلات– في حسابي لدى مصرف خدمة . أتعلم , أعاني , تترجم كتبي إلى الفرنسية , وفي تقاليد تلك البلد، الغريب مرحب به . ليس هذا فحسب، فالغريب عبارة عن نجاح ضخم ! بعد عشر سنوات، أصبحت أملك شقة واسعة تطل على نهر السين Seine ، القراء يحبونني والنقاد يكرهونني ) هم الذين عشقوني إلى أن بعت نسخ كتابي المائة ألف الأولى . منذ تلك اللحظة، كففت عن كوني « عبقرياً يساء فهمه . ) » أصبحت بنفسي مقرضاً للصلات .
تحصل إستير على الترخيص للعمل صحافية، وبغض النظر عن الخلافات العادية التي تطرأ على أي زواج، فأنا راض . أدرك للمرة الأولى أن كل ما شعرت به من إحباط في علاقاتي الغرامية وزيجاتي السابقة لم يكن له أي دخل بالمرأة المعنية، بل بمرارتي أنا . غير
أن إستير هي الوحيدة التي فهمت أمرا واحدا في غاية البساطة : لكي أتمكن من إيجادها، علي أن أجد نفسي أولا . نحن معا منذ ثماني سنوات؛ أثق بأنها حب حياتي، ومع أنني أحياناً ) أو بالحرى - تقتضي الصراحة - هنا، مراراً ( أغرم بنساء أخريات يعبرون طريقي، فلا أفكر أبدا باحتمال الطلاق . لا أسألها قط إن كانت على علم بعلاقاتي خارج الزوجية . هي لا تعلق على الموضوع .
لذلك، أذهل عندما كنا نخرج من السينما، حين تقول لي إنها طلبت إلى المجلة التي تعمل لديها أن تعد تقريرًا عن الحرب الأهلية في أفريقيا .
. » ماذا تقولين؟ «
. » إني أريد أن أكون مراسلة حرب «
أنت مجنونة، لست في حاجة إلى القيام . أنت « تقومين بالعمل الذي تريدينه الآن . وتجنين المال اليسير، الذي لا تحتاجين إليه لكسب عيشك . أنت تملكين كل الصلات التي تحتاجين إليها في مصرف . » زملائك » احترام « الخدمة . أنت موهوبة وقد كسبت
. » حسن إذا، فلنقل إنني أريد أن أكون وحدي «
. » بسببي أنا؟ «
لقد بنينا حياتنا سويا . أحب زوجي وهو «
. » يحبني، مع أنه أحيانا ليس أكثر الزواج وفاء
" لكنك لم تأت على ذكر أي شيء عن هذا من
قبل " .
" لأنه لا يهمني . أعني، ما الوفاء؟ الشعور بأنني أمتلك روحاً وجسداً ليسا لي؟ أو تتصور بأني لم أضاجع رجال آخرين طوال تلك السنوات التي قضيناها معاً ؟ " .
" لا يهمني ولا أريد أن أعرف " .
" حسن ، ولا أنا " .
" إذ ا، ما قضية رغبتك في الكتابة عن حرب في بقعة منسية من العالم؟ "
" كما قلت ، أحتاج إلى ذلك " .
" أو لم تحصلي على كل ما تحتاجين إليه؟ " .
" لدي كل ما قد تود امرأة الحصول عليه " .
" ما الريب في حياتك إذ ا؟ " .
" هذا بالتحديد : امتلك كل شيء، لكنني لست سعيدة . ولست الوحيدة؛ على مر السنوات، التقيت الناس على اختلافهم وأجريت مقابلات معهم : الغني، الفقير، القوي، وأولئك المكتفين بما لديهم . رأيت المرارة اللامحدودة هي نفسها في عيونهم كافة، تعاسة لا يكون الناس دوماً على استعداد للاعتراف بها . لكنها، بغض النظر عما كانوا يخبرونني، كانت دوماً هناك . هل تصغي؟ " .
" نعم، أنا أصغي . كنت أفكر فقط . إذا، في رأيك، لا أحد سعيد؟ " .
" بعض الناس يبدون سعداء، لكنهم لا يفكرون في الأمر كثيراً، سواهم يرسم مخططات : سوف أجد لي زوجاً، منزل ، ولدين، منزل في الريف . وما داموا منهمكين في هذا المنوال، يغدون كالثيران الساعية وراء المصارع : تأتي ردة فعلهم غريزياً، يمشون على
غير هدى، لا أدنى فكرة لديهم عن مكان الهدف . يحصلون على سياراتهم، حتى أنهم يشترون سيارة فراري أحياناً، ويخالون أن بها تكتسب الحياة معنى ، ولا يشكون في ذلك أبداً . غير أن عيونهم تخون تعاستهم التي يجهلون أنهم يحملونها في نفوسهم . هل أنت سعيد؟ " .
" لا أدري " .
" لا أدري إذا كان الجميع تعساء، أعلم أن الجميع مشغولون : يعملون أوقاتاً إضافية ، يقلقون بشأن أولادهم، أزواجهم، مهنهم، شهاداتهم، ما سيفعلونه في الغد، ما يحتاجون إلى شرائه، ما يحتاجون إلى امتلاكه لئلا يشعروا بالدونية، وسوى ذلك . يندر من يقول منهم : " أنا تعس " . معظمهم يقول " أنا بخير، حصلت على كل ما أريده " . ثم اسأل " ما الذي يسعدك؟ " . يأتي الجواب : " حصلت على كل شيء يمكن لي امرئ الحصول عليه، عائلة، منزل، عمل، صحة سليمة " . أسأل مجدداً : " هل استوقفت نفسك يوماً متسائل إذا كان هذا كل ما في الحياة؟ " يأتي الجواب : " نعم، هذا كل ما فيها " . أصر : " إذ ا معنى الحياة هو : العمل، العائلة، الأولاد الذين سيكبرون ويتركونك، زوج يغدو بمثابة صديق بدل من
حبيب حقيقي . وبالطبع، ذات يوم، سيكون لعملك نهاية . ماذا ستفعل عندما يحدث هذا؟ يأتي الجواب . . . لا جواب، هم يبد لون الموضوع " .
" لا، ما يريدون قوله هو : " عندما يكون الأولاد قد كبروا، عندما يصبح زوجي، بمثابة صديق عوضاً عن حبيب و لهان، عندما أتقاعد، عندها، ستسنح لي الفرصة أن أفعل ما أردت فعله دوماً : " السفر " . ثم يأتي السؤال : " أو لم تقل الآن أنك سعيد؟ أو لا تفعل ما أردت دوما فعله؟ " ثم يقولون إنهم كثيرو الانشغال ويبدلون الموضوع " .
" إذا رأوك مصراً، يختلقون دوماً شيئا يفتقرون إليه .
فرجل الأعمال لم يعقد بعد الصفقة التي يريد، ربة المنزل تود التمتع بمزيد من الاستقلالية ومزيد من المال، والفتى المغرم يخشى خسارة حبيبته، والمتخرج الجديد يتساءل بشأن مهنته هل هو مخير أم مسير ؟ وطبيب الأسنان كان يريد أن يكون مغنياً ، والمغني كان يريد أن يكون رجل سياسة، ورجل السياسة كان يريد أن يكون كاتباً ، والكاتب كان يريد أن يكون مزارعاً. حتى وإن التقيت أحداً يفعل ما اختار فعله، ترى روحه في عذاب . لم يجد السلام بعد هو أيضا . وإنني أسألك مجدداً : " هل أنت سعيد؟ " .
" لا . أملك المرأة التي أحب، المهنة التي طالما حلمت بها، نوع الحرية الذي يحسدني عليه جميع أصدقائي، الأسفار، التكريمات، المديح . لكن، هناك شيء . . . " .
" ماذا؟ " .
" تراودني فكرة أنني، إذا توقفت ، ستخلو الحياة من المعنى " .
" لا يمكنك أن تسترخي فحسب، أن تنظر إلى باريس , أن تمسك بيدي وتقول : حصلت على كل ما أريده، فلنستمتع الآن بما تبقيه الحياة لنا " .
" يمكنني أن أنظر إلى باريس أن أمسك بيدك، لكنني أعجز عن قول تلك الكلمات " .
" أراهن أن كل من في هذا الشارع الآن يراوده الشعور نفسه . المرأة الأنيقة التي مرت لتو ها من أمامنا، تقضي نهاراتها وهي تحاول إيقاف الزمن، وتتحقق من وزنها على الدوام، ظناً منها أن الحب و قف على ذلك . أنظر إلى الجهة المقابلة من الطريق : زوج وولدان . هما يشعران بسعادة غامرة عندما يخرجان برفقة ولديهما، إنما، في الوقت ذاته، يبقيهما اللاوعي في حالة ر عب ثابتة : هما يفكران في وظيفتهما التي قد يخسرانها، في المرض الذي قد يصابان به، في التأمين على الصحة الذي قد لا يجدي نفعًا، في أن يدهس أحد الولد . وفي محاولة إلهاء أنفسهما، يحاولان أيضا إيجاد طريقة للانعتاق من هذه المآسي، لحماية أنفسهما من العالم"
" والمتسول عند الزاوية؟ " .
" لا أدري ما حاله . لم يسبق لي أن تكلمت إلى متسول . إنه بالتأكيد انعكاس للبؤس، إنما عيناه، كعيني كل متسول، تبدوان وكأنهما تخفيان شيئاً . إن تعاسته واضحة جداً بحيث لا يسعني إلا تصديقها " .
" ما الناقص؟ " .
" لا أدنى فكرة لدي . أنظر إلى مجلات المشاهير وأرى فيها الجميع مبتسمين وراضين . وبما أنني، شخصيًا، متزوجة إلى مشهور، فإنني أدرك أن الحال ليست هكذا تمامًا : الجميع يضحكون ويستمتعون بأوقاتهم في تلك اللحظة، في تلك الصورة . لكن لاحقاً في الليلة التالية، أو في الصباح، تكون القصة مختلفة فعلاً . "
ماذا ينبغي أن أفعل كي أظهر باستمرار في المجلة؟ كيف لي أن أستر واقع أنني لم أعد أملك ما يكفي من المال لمواكبة نمط حياتي المترف؟، كيف لي أن أناور في حياتي المترفة أفضل مناورة لتبدو أكثر ترفاً من حياة أي من الخرين؟ الممثلة التي تظهر معي في الصورة والتي أبتسم معها وأحتفي، قد تختلس بعضا مني غداً ! هل ثيابي أجمل من ثيابها؟ لماذا نبتسم
ما دامت إحدانا تمقت الخرى؟ ، لماذا نتاجر بالسعادة لقراء هذه المجلة ونحن تعساء تعساء، ونحن عبدة الشهرة " .
" لسنا عبدة الشهرة " .
" لا يجن جنونك . لست أتحدث عنا " .
ما الذي يحدث إذ ا؟
" منذ سنوات، قرأت كتاباً روى قصة مشوقة . افتر ض أن هتلر انتصر في الحرب، و بطش بكل اليهود وأقنع شعبه أن العرق الأسمر الآري، سيد الأعراق، موجود فعليًا . وبعد ثلاثمائة سنة، يتمكن خلفاؤه من إبادة كل الهنود . تبدأ كتب التاريخ تتغير، وبعد مرور مائة سنة، ترى السود قد أبيدوا أيضاً . ويستغرق الأمر خمسمائة سنة، إنما، في نهاية المطاف، تنجح آلة الحرب الكلية القدرة في محو العرق الشرقي عن وجه الرض . تتحدث كتب التاريخ عن معارك موغلة في القدم ضد البرابرة، لكن لا أحد يطالع هذا الأمر عن كثب ذلك أنه بلا أهمية. وبعد مرور ألفي سنة على ولادة النازية، وفي حانة في طوكيو، مدينة استوطن فيها لخمسة قرون، ذوو العيون الزرق والقدود الهيفاء، ترى هانز وفريتز يتلذذان باحتساء الجعة . ثم ينظر هانز إلى فريتز ويسأله :
- فريتز، أو تعتقد أن هذا ما كان منذ الأزل؟
- ماذا؟ سأله فريتز .
- العالم .
- بالتأكيد، هكذا كان العالم من الأزل، أوليس
هذا ما لقناه؟ .
- طبعا . لا أدري ما الذي حملني على طرح سؤال بهذه السخافة .
انتهيا من احتساء الجعة، تحدثاً بأمور أخرى ونسيا السؤال كلياً "
" لا داعي للغوص حتى هذا العمق في الزمن الآتي، ما عليك سوى العودة إلى ألفي سنة
خلت . هل ترين نفسك في موقع عبادة مقصلة أو مشنقة أو كرسي كهربائي؟ " .
" أدرك ما ترمي إليه، أسوأ عذابات النسان على الإطلاق، الصليب . أذكر أن شيشرون أشار إليه على أنه " عقاب بطني " ينطوي على تعذيب المصلوب بشناعة قبل موته . ومع ذلك، في يومنا، يضعه الناس حول أعناقهم، يعلقونه على جدران غرف النوم، وقد توصلوا إلى تعريفه كرمز ديني، متغافلين عن أنهم ينظرون إلى آلة تعذيب " .
" مضى 250 سنة قبل أن يقرر أحدهم أن الوقت قد حان لبطال الاحتفاءات الوثنية بمناسبة حلول النقلب الشتوي، حينما تكون الشمس في أبعد نقطة عن الأرض . الر سل، ومن أتوا بعدهم، كانوا منهمكين Natalis في نشر رسالة المسيح ليتاح لهم القلق بشأن
لولادة الشمس، الذي ، المهرجان الميثرائي Invict Solis حدث في الخامس والعشرين من ديسمبر . ثم قرر حد الساقفة أن الاحتفاءات النقلبية تهدد الإيمان
وهكذا كان ! ألن، نحتفي بالقداديس، بالولادة، بالهدايا، بالعظات، بأطفال من البلاستيك في مذود، وبالقناعة الصلبة بأن المسيح قد ولد في ذلك اليوم بالذات ! " .
" ثم تأتي شجرة الميلاد . أو تدري مصدرها؟ " .
" ليس لدي أدنى فكرة " .
" قر ر القديس بونيفاس أن " ينصر " طقساً وثنيًا كان يرمي إلى تبجيل الله أودن طفل ، حيث تعودت القبائل الجرمانية، مرة كل سنة، نثر الهدايا حول شجرة .
سنديان ليجدها الولد , ظن ا منها أن هذا الأمر يسعد الله الوثني " .
" بالعودة إلى قصة هانز وفريتز : أتعتقدين أن الحضارة والعلاقات النسانية وآمالنا وانتصاراتنا، كلها نتاج قصة مغربلة أخرى فحسب؟ " .
" عندما كتبت عن الدرب إلى سانتياغو، وصلت إلى النتيجة ذاتها، أليس كذلك؟ كنت تعتقد أن نخبة دون سواها تعرف معنى الرموز السحرية، لكنك الآن تدرك أننا جميعاً على دراية بهذا المعنى، كل ما في الأمر أننا نسيناه " .
" معرفة ذلك لا تحدث أي فرق . يبذل الناس جهدهم لنسيان المقدرة السحرية الشاسعة التي يملكون، يبذلون جهدهم لرفضها، لأن ذلك قد يخل بعوالمهم الصغيرة الصافية " .
" لكننا جميعاً نملك القدرة، أليس كذلك؟ " .
" طبعا ، لكن لا نملك جميعا الشجاعة لتتبع أحلامنا والإشارات، لعل ذلك ما يجلب علينا التعاسة " .
" لا أدري، ولا أعني أنني تعسة طوال الوقت، أنا أستمتع بوقتي، أحبك ، أعشق عملي . لكن بين الحين والحين، تنتابني تلك التعاسة الموغلة، يوشحها الذنب أو الخوف أحياناً ؛ يذوي الشعور لكنه يرتد دوما ليذوي مجدداً . وعلى غرار هانز، أطرح ذاك السؤال
نفسه؛ ومتى عجزت عن الإجابة، أتناساه ببساطة . بوسعي أن أساعد الأولاد الجوعى، أن
أنشئ مؤسسة لأولاد الشارع، أن أشرع في خلاص الناس باسم المسيح، أن أفعل شيئاً يشعرني بأنني ذات فائدة، لكنني لا أريد ذلك . "
" لماذا إذ ا تريدين الذهاب لتغطية هذه الحرب؟ " .
" لأنني أعتقد أن الإنسان في أوقات الحرب، يعيش عند أبعد الحدود . في النهاية، قد يموت في اليوم التالي . أي امرئ يعيش على هذا النحو يتصرف بشكل مغاير للمعتاد " .
" إذ ا تريدين إيجاد الجواب عن سؤال هانز؟ " .
" نعم، أريد " .
اليوم ، في هذا الجناح الجميل في فندق البريستول، وبرج إيفل الذي يتلألأ أضواء لخمس دقائق كلما دقت الساعة معلنة مرور 60 دقيقة، وزجاجة نبيذ فارغة إلى جانبي وسجائري التي تفنى بسرعة، والناس يحيونني كما لو أن شيئاً شديد الخطورة لم يحدث، أتساءل : هل بدأ الأمر برمته لحظة خروجنا من السينما؟ أكان يجدر بي أن أدعها تنطلق سعياً وراء تلك القصة المغربلة أو كان يجدر بي أن أستبد وأطلب إليها أن تغض الطرف عن الفكرة بكاملها لأنها زوجتي وأريدها معي، وأحتاج إلى دعمها؟
هراء . حينها، عرفت ، كما أعرف الآن، أنني لا أملك خياراً سوى الانصياع لإرادتها . لو قلت : " أنت مخيرة بيني وبين أن تصبحي مراسلة حرب " ، لخنت كل ما فعلته إستير من أجلي . لم أكن على قناعة بهدفها الصريح ـ التماسها " القصة المغربلة " - لكنني
استنتجت أنها في حاجة إلى القليل من الحرية، للخروج، لاختبار انفعالات قوية . وما الريب في ذلك؟ قبلت ، لكن ليس قبل أن أوضح لها أن ذلك انسحاب كبير جداً من مصرف الخدمة ) الذي يبدو شيئاً مضحكاً عندما أفكر فيه ( .
على مدى سنتين، لحقت إستير نزاعات مختلفة في أقطار قريبة، متنقلة من قارة إلى قارة، أكثر من تغيير حذائها . كلما كانت تعود، كنت أعتقد أنها ستتخلى عن ذلك . بمنتهى البساطة، يستحيل العيش مطولاً في مكان ليس فيه طعام لائق، ولا استحمام يومي، ولا سينما ولا مسارح ..
كنت أسالها هل وجدت الجواب عن سؤال هانز، كانت تجيب دوماً أنها على الدرب الصواب، وأن علي الكتفاء بهذا . أحياناً، كانت تغيب أشهراً متواصلة عن المنزل؛ خلافا لما ينص عليه " تاريخ الزواج الرسمي " (بدأت استخدم مصطلحاتها ) ، أن المسافة تقو ي أواصر حبنا، وتظهر لنا مدى أهمية أحدنا للآخر .
علاقتنا، التي أتصور أنها بلغت ذروة المثالية عندما انتقلنا إلى باريس، كانت تتحسن .
وفي حدود فهمي للأمر، التقت ميخائيل عندما استدعتها الحاجة إلى مترجم يرافقها إلى بلد ما في آسيا الوسطى . بداية ، كانت تتحدث عنه بحماسة كبرى : كان شخصاً مفرط الحساسية، شخصاً رأى العام على حقيقته وليس كما أخبروه أنه يجب أن يكون . كان يصغرها بخمس سنوات، لكنه امتلك ميزة تصفها إستير بأنها " سحرية " . كنت أميل بسمعي إليها، بصبر ولباقة، كما لو أنني كنت مهتما بالفعل بذلك الفتى وأفكاره . لكنني في الحقيقة كنت أرتحل بعيداً، أتدارك في ذهني كل ما يتوجب علي : أفكاراً لمقالتي، أجوبة لأسئلة الصحافيين والناشرين، استراتيجيات لإغواء امرأة محددة تظهر أنها مهتمة
بأمري، مخططات لتسويق كتاب مستقبلي .
نهاية الجزء الثالث
إعداد : ألف /
يتبع ...
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |