هل تستعد روسيا لاستخدام الكيميائي في سوريا؟ / جورج محمد العلي.
خاص ألف
2013-04-09
على الرغم من ثبوت كذب رواية المافيا الأسدية المتعلقة بمقتل البوطي، فلا يحسبن أحد أن جعبة التحالف المافيوي الروسي ـ الأسدي قد تنضب من الأحابيل والحيل، التي كان آخرها مسرحية طلب هذه المافيا تحقيقاً من الأمم المتحدة في حادثة استخدام السلاح الكيميائي في "خان العسل" بالقرب من حلب.
تتكاثر وتزدحم الأدلة على تقسيم للأدوار والوظائف بين المافيتين الأسدية و الروسية، حسب موقع وحجم كل منهما على الخارطة السياسية الدولية، ومع تلاحق الأحداث، وباستعراض يسير للتعاطي الروسي إزاء بعض المحطات التي مرت بها الثورة، تتبدى الملامح العامة لأدوار طرفي هذا التحالف، إذ أوكلت للمافيا الأسدية ـ المخلوفية في سوريا مهمة افتعال أحداث جزئية، ذات طابع أمني ـ عسكري، فيما تولت المافيا الروسية تسويق المنتج السياسي لهذه الأحداث، مستخدمة عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، ومستفيدة من حجمها الدولي في التثمير السياسي والديبلوماسي لما تنجزه المافيا الأسدية ـ المخلوفية.
في هذا الإطار من توزيع المهام، يمكننا تفسير مجمل سلوك المافيا الروسية تجاه الثورة السورية، وإرجاع كل تصرف سياسي تقوم به إلى أساسه، وجذره الوظيفي المحدِّد له.
يكون ـ وفقاً لهذا التوزيع ـ على العصابة المخابراتية الحاكمة في سوريا أن تقوم بارتكاب جريمة توفر لها ما يلزم من الملابسات والمظاهر الشكلانية والتعتيم كي تتهم الثورة بها، ثم يجري تسليط الضوء عليها عبر أذرعها الإعلامية، وسرعان ما يتلقف "المعلم" الروسي هذا " المنجز" ليبني عليه خطاباً وأداءً سياسياً في الأمم المتحدة وسواها من المحافل السياسية الدولية التي يتواجد فيها.
هذا ما يفسر مثلاً صمت الخرسان الذي وصم رد الفعل الروسي على الجرائم الإرهابية اليومية التي كانت تقوم بها ميليشيات المافيا الأسدية بحق المتظاهرين السلميين قبل عسكرة الثورة، وهي جرائم مثبتة الوقوع، وتتوافر الأدلة الدامغة على فاعلها، بينما كانت جريمة غامضة ( كمقتل " سارية حسون" ) كفيلة بتبديد صمت الروس ذاك، وتبني الرواية الأسدية لها، واعتمادها رسمياً في خطاب مندوب المافيا الروسية في جلسة لمجلس الأمن الدولي، للدلالة على "همجية" الثورة، و"تطرف" الثوار، على الرغم من انعدام أي مؤشر أو دليل على تورط الثورة بها، بل وتوافر كل مؤيدات الشك بأن من قام بها عناصر مرتبطون بالمافيا الأسدية. (التهديد الصريح بالقتل الذي أطلقه أحد أبناء آل الشامي في الشجار الذي اندلع بينه وبين أحد أبناء المفتي حسون أثناء تشييع مفتي حلب ابراهيم السلقيني).
وروسيا، التي اعتبرت سقوط قذائف هاون - لا يعرف حتى اللحظة من أطلقها ـ على مقصف كلية العمارة في دمشق اعتداءً إرهابياً على " أحد صروح العلم ونشر قيم العلمانية " كانت شفتها عاقراً ولم تنبس بابن أو بنت شفة تجاه جريمة قصف طيران الميغ (المعروف من يملكه ويستخدمه) للمركز الثقافي في الرقة بعد تحريرها، ولم يصدر عنها أي رد فعل أو تصريح عندما قامت طائراتها (الطائرات الروسية!!) التي يقودها أعضاء في المافيا المتحالفة معها هنا في سوريا بقصف كلية أخرى للعمارة، في حلب، وكأن: قصفاً بالهاون للعمارة مجهول المصدر جريمةٌ لا تغتفر، وقصف آخرٌ، بالميغ، لعمارة (أخرى) مسألة لا تستوجب حتى لفت النظر!!
قد يتساءل حانقٌ، غاضبٌ: ألا تعلم روسيا أننا في عصر لم تعد تسمح فيه تقانة المعلومات بكل هذا التضليل والكذب، وأن ارتكاب الفاحشة سراً، كما كانت ترتكب في عهود ولت (مجازر حماه عام 1982) لم يعد أمراً متاحاً اليوم؟
نعم، هي تدرك ذلك، ومن قال ـ أيها المستغرب وقاحة المافيات ـ أنها توجه كذبها وخطابها السياسي لك؟
هي تستهدف فئات أخرى، لا تملك ما تملك أنت من حساسية إنسانية، تجعلك ترفض القتل، فئات مجردة من قيم وثقافة المواطنة، التي تحصنها من رذائل إباحة دم المواطن واستباحة حقه في الحياة، بغض النظر عن انتمائه أو موقفه من عصابة عائلية تدعي أنها دولة. فئات ليس لديها ذاك الاعتزاز والامتلاء بكرامتيها الوطنية والشخصية، ما يمنعها من الارتهان لشخص أو عائلة والاكتفاء بحدود وجودها بتلك المطابقة لحدود القطعان. فئات لا تدرك هول أن يكون من يحكمها قاتلها، ولا ترى غضاضةً في أن تكتشف كذب وزير خارجية الأسد حين عرض فيديوهات في مؤتمره الصحفي الشهير، قام بنسبة الجرائم المعروضة فيها للثوار، وتبين فيما بعد أنها تخص أحداثاً في لبنان، في الوقت الذي ترزح فيه فرنسا الآن تحت وطأة أزمة وعاصفة سياسية أطلقها اكتشاف كذب وزير ماليتها حول امتلاكه حساباً مصرفياً سرياً في سويسرا. فئات لا تفكر في مغزى أن يسلط إعلام سلطة الأسد الضوء على قتلى "عصابات إرهابية مسلحة" ويتباكى عليهم ويستنكف عن تسليط ذات الضوء على قتلى المظاهرات برغم زعمه أن من يقتلهم هو "عصابات مسلحة" ترمي إلى تأجيج الفتنة بين المواطنين المتظاهرين و "الدولة" حسبما كان يروج. فئات لن تفكر في معنى آخر كذبة لرئيس المافيا الأسدية، أطلقها في لقائه الأخير بصحفيين أتراك، حين زعم أن " الإرهابيين" قتلوا إمام جامع الحسن في الشيخ مقصود بحلب، مستعملاً كذبته تلك لتعزيز أكذوبة أخرى، هي أن ذات "الإرهابيين" قتلوا البوطي، مستهدفين الإسلام الوسطي المعتدل، ليظهر فيما بعد أن الإمام المذكور حي يرزق. فئات لا تقوم بمراجعة مواقفها من سلطةٍ سرب المنشقون عنها فيديو تلقين إحدى الفتيات قصة مختلقة عن قيام "الجيش الحر" باغتصابها...
من بين "حزمة " الفئات المستهدفة بالخداع المافيوي تبرز أهم فئة على الإطلاق، وهي الرأي العام الغربي، لما له من أثر كبير على رسم سياسات الحكومات، فدرجة حضور هذا الرأي العام في المنظومة السياسية للبلدان الغربية أعلى من مثيلتها في بلدان تكاد تكون درجة حضوره فيها وتأثيره على اتخاذ القرارات من قبل حكوماتها الصفر (كوريا " الديمقراطية!!!!!!" ـ كوبا ـ سوريا ـ إيران ـ روسيا ..).
هكذا، نستطيع أن نفهم مثلاً، قيام المنظومة المافيوية الروسية ـ الأسدية، ووفق منطق وحيز تقاسم الأدوار السالف ذكره، بتصنيع وتسويق "منتج" مطابق لدفتر الشروط والمواصفات المعتمد لدى " المستهلك الغربي" كي يطلق عليه صفة " الإرهاب". فالمقاييس والمعايير المكرسة، والتي تعطي للعمل الإرهابي سماته وهويته التنفيرية المقززة المثيرة لمخزون من الانطباعات والتصورات النابذة له ولمن يقوم به ـ والتي أضحت نمطية في الأذهان ـ يسهل على المخابراتين الروسية و الأسدية نمذجة "أدائهما" و تكييفه وأقلمته وفقاً لمتطلباتها:
تفجير سيارة مفخخة، يقودها "انتحاري!!" ويستحسن أن يودي بحياة مدنيين، ويفضل أن يكون بالقرب من مدرسة أو مشفى (آخر صيحات الموضة في هذا المجال الزعم بأن تفجيراً "انتحارياً!!" في مسجد أودى بحياة البوطي وأكثرمن أربعين شخص، وثبوت مقتله بطلقة في الرأس بعد تفجير صغير نجا منه وفق ما بينه فيديو تسجيل للدرس الديني الذي كان يلقيه البوطي)...بعد ذلك تقلع عملية الاستثمار الإعلامي، تتبعها مرحلة التسويق الروسي، وجني الغلة و " الأرباح" على المستويات التالية:
ـ ترميم صورتها على المستوى الأخلاقي، لتظهر حربها بأنها مبررة أخلاقياً.
ـ استدعاء ما يمكن أن يُـستدعى من تآزر ودعم لها من قبل بقايا مؤيديها وأنصارها.
ـ تشويه صورة الثورة، والتشويش على قدرتها في استقطاب المترددين والصامتين و الحياديين، وإدماجهم في فعالياتها المختلفة.
ـ فرملة، وإعاقة، أي مسعى أو توجه تدخلي مباشر، ونوعي، من قبل الغرب، ومنحه مسوغات التلكؤ، والتباطؤ، والترهل، في ارتكاسه على جرائم الأسد، وتوظيف مفاعيل " الإسلاموفوبيا"، في تكبيل أيدي حكوماته برأيه العام الذي يرفض دعم "الإرهاب" و يحرم التعاطي مع من يتبناه، ويتعاطف مع ضحاياه ومن "يقاوموه".
اتهام الثورة باستخدام السلاح الكيميائي، يجعل من المشهد الكيميائي في هذا السياق المافيوي مشهداً خطراً، إن لم يكن الأخطر على الإطلاق، لماذا؟
1ـ هو محاولة لإزاحة الحدود " الخط الأحمر" الذي رسمه الغرب للإجرام الأسدي، إذ يمكن باتباع أسلوب "ضربني وبكى سبقني واشتكى" ومسارعة المافيا الأسدية لطلب تحقيق أممي بأمر استعمال هذا السلاح تعزيز التردد الغربي في الاستجابة لموجبات تجاوز هذه الحدود، من خلال التمويه على الفاعل الحقيقي، وزرع الشكوك بأن فاعلاً "آخر" هو من قام بتجاوزها.
فإثارة الغبار، وإطلاق سحب الدخان حول مستخدمه الحقيقي، والرفض الروسي ـ الأسدي المشترك لأن يشمل التحقيق مناطق أخرى غير "خان العسل" التي يحق لنا الظن بأنهم حضروا بعناية مخابراتية فائقة مسرحها كما يحلو لهم، لا يهدف فحسب للتغطية على استعمال محدود لهذا السلاح في مناطق أخرى (حمص ـ العتيبة ـ عدرا ـ جوبر)، إنما تهيئة المجال الحيوي الملائم وتعزيزه بما يلزم من ضبابية للتغطية على استعمال موسع محتمل لهذا السلاح، تلصق تهمة استخدامه بـ " الآخر".
2ـ الإيحاء بأن ثمة لاعبين "كيميائيين" غير المافيا الأسدية على الساحة السورية يحرر المافيا الروسية ـ عند استخدامه ـ من تعهداتها الدولية التي عبرت عنها حين صرحت بأن السلاح الكيميائي في سوريا تحت السيطرة وأنها تضمن ذلك.
3ـ الاستفادة مما تخلقه أرهبة الثوار لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الغربي وبعض النخب، من خوف وحذر، فتصوير " الإرهاب " في سوريا على أنه نوعي، وفريد، وتصدير وتعميم خرافة أنه الإرهاب الوحيد في العالم الذي يملك ويستخدم أسلحة التدمير الشامل... سوف يسهم في خلق ضغوط على الحكومات الغربية تكبح أي تطوير محتمل لمواقفها العملية من المافيتين.
4ـ إيقاظ، واستحضار، ما تراكم في الوعي واللاوعي ـ تحديداً لدى الرأي العام الغربي ـ من نتائج أخلاقية وسياسية وخسائر بشرية ناجمة عن أكذوبة أسلحة التدمير الشامل في العراق، التي بررت حرباً مرفوضة ومستهجنة تبين أن هدفها الحقيقي هو غير الهدف المعلن لها " تخليص البشرية من نظام صدام الذي امتلك واستخدم السلاح الكيميائي في حلبجة"..بمعنى آخر، خلق حالة مطابقة بين نظام صدام والمافيا الأسدية، واستثارة ذكريات سيئة مؤداها: الغرب الكاذب بخصوص
صدام يكرر كذبته مع الأسد.
هل تحضر روسيا لاستخدام الكيميائي؟
بكل تأكيد، وهي إن لم تفعل مباشرة، وبشكل فج، وواضح، وجلي، تقوم بتهيئة الظروف والمناخات الملائمة لذلك، وتقليل خسائرها جراء استخدامه من مافيا تتزايد الشكوك بمدى قدرتها ونيتها في جعلها أكثر "عقلانية"، ربما لأن العلاقات بين المافيات لا تخضع لذات القواعد التي تحدد علاقات الدول ببعضها، إذ يبقى للمافيا خصوصيتها واستقلالها الكبيرعن حلفائها، الناجم أصلاً عن غياب الأسس و المعايير الوطنية والأخلاقية التي تحكم وتنظم وتحدد تعاطيها مع كل شيء: الوطن، والمواطن، وحتى الحلفاء من المافيات الأخرى.
روسيا، التي تتجاهل قصف المدنيين بـ "السكود" و الطيران ـ المعروف من يقوم به ـ وترفع عقيرتها حين تنفجر سيارة مفخخة، لا يعرف من فخخها وزرعها وفجرها في مناطق يفترض أنها محصنة وخاضعة أمنياً لسلطة الأسد المتخمة بالمستشارين الروس والإيرانيين، يمكن تشبيه دورها بذاك اللص القاتل، الذي حين يدهس باص ـ يقوده الأسد ـ شخصاً، يقدم على سرقة جزدان أحد المتفرجين على الحادث، ثم يملأ الدنيا صراخاً بأن الجريمة الكبرى هي سرقة الجزدان، وأن عيون النظارة ـ في الغرب خصوصاً ـ يجب أن تلتفت إلى السارق لا الداهس وغبرائه.
كاتب المادة واحد من كتاب ألف اضطر لعدم أثبات اسمه لضرورات أمنية وسنعلن عن اسمه بعد أن يصبح بأمان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |