القــوقعـة / يوميات متلصص / مصطفى خليفة* ج 16/ والأخير
خاص ألف
2013-05-03
6 كانون الثاني .
رغم عدم وجود نساء فإن حفلة راس السنة كانت حلوة بكل المعايير , لديهم الكثير من النبيذ و العرق وبعض المشروبات الكحولية التي لا اسم لها , وكلها من صنعهم هنا .. من العنب و الفواكه و المربى كانوا يصنعون هذه المشروبات .. شربنا , أكلنا , غنينا ورقصنا .. حتى الصباح , الجميع كانوا فرحين شاركوا بكل جوارحهم ....
كنت أجلس في احدى زوايا المهجع أحتسي المشروبات وأراقب , أراقب أفعالهم وفرحهم وضحكهم , احاول أن اتلصص على دواخلهم !.. وأتساءل : هل يمكن أن يكون هذا الفرح حقيقياً ؟.. ألا يحمل كل منهم بين دفتي صدره إمرأة ما , زوجة .. خطيبة .. حبيبة ؟ ألا يتمنى في هذه اللحظة أن تكون هذه المرأة موجودة معه يراقصها .. يعانقها ؟.. ألا يشكل هذا الغياب الجارح لهذه المرأة .. مرارة وألماً ؟.. إذن من أين ينبع كل هذا الفرح المتطاير في أجواء السهرة؟
كان كل شيء يوحي بالبساطة و المحبة , لكن لم أستطيع أن أكون صافياً , جبال من الحزن و الكآبة تجثم على صدري , حاولت أن اشارك بكل كياني , لكن هناك شيئاً في داخلي يرفض الفرح .. يرفض لأنه لا يستطيع , لا يستطيع أن يقفز فوق جدار عالٍ وصلدٍ من الحزن المتراكم طوال هذه السنوات .
هناك .. في السجن الصحراوي , في الليالي الموحشة الكئيبة , الليالي التي تبدو بلا نهاية , عندما تترسخ القناعات بأن لا خروج من هنا !.. عندما يتساوى الموت و الحياة !.. وفي لحظات يصبح الموت أمنية !....
لم يكن لأكثر أحلامي وردية آنذاك أن تبلغ مطامحه الوضع الذي أنا فيه الآن !.. لم أكن استطيع أن أصل إلى قناعة حقيقية – رغم كل أحلام اليقظة – أنني قد أكون في يوم ما وسط جو من الفرح كسهرة رأس السنة التي عشتها هنا في هذا السجن الجبلي !.. رغم ذلك لم استطع الفرح , لم استطع أن أضحك ضحكة واحدة من القلب !.. هل مات الفرح داخلي في زحمة الموت تلك ؟.. هل سأبقى هكذا .. ولماذا ؟.. هل سأحمل بيادر العذاب والموت جاثمة على قلبي دائماً لتخنق كل ما هو جميل بالحياة ؟!.. لست أدري .
2 آذار .
وأخيراً بدأت جهود خالي – على ما يبدو – تؤتي ثمارها .
من بين الاشياء الأولى التي قمت بها في أول يوم لدى قدومي إلى السجن الجبلي هي ان نظرت إلى نفسي بالمرآة .. وأحسست بالخوف , صلع في مقدمة الراس , الشعر وقد طال كثيراً خلال وجودي بالفرع أصبح ميالاً إلى اللون الأبيض , الشاربان متهدلان وقد أبيّضّ أكثر من نصفهما , العينان غائرتان تحيط بهما هالتان سوداوان , الألم و القهر و الخوف و الذل .. قد حفرت أخاديدَ عميقةً على الجبين وحول العينين ! .. أبعدت المرآة بسرعة .
اليوم في العاشرة صباحاً حضر شرطي إلى باب الجناح يحمل بيده ورقة , صاح اسمي وقال لأبو وجيه رئيس الجناح :
- بلغ هذا .. عندو زيارة .
انشغل أكثر من عشرة اشخاص بمسالة تجهيزي وإعدادي للزيارة , حلاقة الذقن , تشذيب الشاربين , البنطال و القميص , الحذاء " سألوني عن نمرة حذائي واتوني بحذاء نمرته /42/ بناءً على طلبي , لكنه كان صغيراً , ولم تدخل قدمي إلا في حذاء نمرته /44/ لقد كبرت قدمي نمرتين !"
وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألبس فيها حذاءً منذ حوالي /13/ عاماً , مثلما كانت المرة الأولى التي أرى فيها مرآة طوال نفس المدة .
بعد أن ألبسوني كما يلبسون العريس , رشوني بالعطور , كنت متوتراً , يداي ترتجفان , دخنت سيجارة إلى حين مجيء السجان لأخذي إلى الزيارة .
مشيت إلى جانب السجان متوجساً مرتبكاً , كدت أقع مرتين بعد أن تعثرت بالحذاء الذي ألبسه " ما أصعب المشي بالحذاء " وصلنا إلى غرفة بابها مفتوح يجلس فيها رجل كهل ابيض الشعر وأمرأة شابة تحمل على صدرها طفلاً رضيعاً , وضع السجان يده على ظهري بلطف , وقال :
- تفضل .. ادخل .
دخلت .. واحتاج الأمر إلى عدة ثوان من التحديق حتى استطعت تبين ملامح أخي الأكبر !.. هو أيضاً لم يعرفني لأول وهلة " مضى تسعة عشر عاماً منذ أن رأيته أخر مرة " .
صرخت اسمه وأنا أتقدم نحوه .. احتضنني واجهشنا بالبكاء .
تعانقنا ونحن نبكي أكثر من دقيقة , رأسي على كتف أخي , ابكي لوعة .. اشتياقاً , ألماً وفرحاً .. أبكي ارتياحاً , هنا بر الأمان .
ابتعد أخي قليلاً , مسح دموعه وناولني منديلاً ورقياً لأمسح دموعي , التفت إلى حيث المرأة الشابة , كانت قد وضعت رضيعها على كرسي وجلست على آخر , تبكي وتنشج , تبكي بحرقة شديدة وقد غطت وجهها وعينيها بيديها , نظرت إلى أخي مستفهماً , وبحركة من راسي سألته عنها , من تكون ؟.
ووسط عينيه الدامعتين لاح شبح ابتسامة خفيفة , قال :
- ما عرفتها ؟ .. أكيد ما راح تعرفها .. يا أخي هذه بنتي .. بنتي لينا .
التفت إليها وكانت قد رفعت رأسها , احمرار البكاء يحيط ببؤبؤيها الأخضرين , قال :
- يا لينا .. قومي سلمي على عمك .
ألقت لينا نفسها بأحضاني , اعتصرتني واعتصرتها ونحن نلف حول نفسينا , أحسست بدوار قوي , كنت بلا وزن أطوف في الفضاء الرحب .. لا أرى شيئاً , لا أدري كيف جلست على أحد المقاعد , لينا تجلس في حجري كما كانت تفعل وهي صغيرة , تمسح دموعي , تقبلني وتقبلني وهي تهمس :
- يا عمو .. يا عمو .. شو عاملين فيك .. يا عمو .. آخ يا عمو .. آخ .. والله العظيم أنا اشتقت لك كثير ... شلون هيك ... شلون ؟!..
لينا .. بؤبؤ الروح .
عندما ولدت لينا , أنا الذي اخترت لها هذا الاسم , ومنذ أن اصبح عمرها ستنين كانت لا تفارقني " لينا حبيبة عمها .. هكذا كان الجميع يقول". تنام معي في السرير , حتى لو تأخرت في المجيء إلى البيت ونامت هي قبلي , كنت استيقظ صباحاً لأجدها نائمة إلى جانبي , تسيقظ عدة مرات في الليل , تتفقدني , وعندما أعود وسواءً أكنت صاحياً أم نائماً تندس إلى جانبي .
عندما ذهبت إلى فرنسا كان عمرها أكثر قليلاً من خمس سنوات , وهاهي الآن أمرأة كاملة , وأم أيضاً .
أمسك أخي كتف لينا وهزها قائلاً وهو يضحك :
- قومي انزلي من حضن عمك .. كسرتي رجليه .. شو ظانة حالك صغيرة لسى !
جلست لينا إلى جانبي مبقية يدي بين يديها , تعصر لينا يدي وتقبلها بينما أخي يحاول أن يطمئنني .. وأن خالي يبذل جهوداً جبارة لإخراجي من السجن وأنهم ورائي ولم يتركوني أبداً , وأفهمني أن خروجي من السجن مرتبط بموافقة رئيس الجمهورية !!.. وأنه منذ أكثر من عشر سنوات جرت العادة أن أي مسؤول في أجهزة الأمن يستطيع أن يسجن من يشاء , لكن خروج أي سجين يجب أن تتم بموافقة رئيس الدولة الذي يحتفظ بسجلات اسمية لكل السجناء السياسين !.
سألته عن صحة أمي وابي , فقال إنهما بخير .
انتهت الزيارة ولينا متعلقة بيدي .. تعصرها وتقبلها .
عدت إلى الجناح , إلى المهجع .. استقبلني أبو وجيه مبتسماً , و .. الحمد لله على السلامة , مبروك الزيارة .
يتكلمون معي , أجيب ... وأنا في حالة انعدام وزن , في خفة الريشة كنت !.
لاحظوا حالي , جلب لي أحدهم كأساً من العرق .. شربته دفعة واحدة , ضحك , جلب لي كأساً أخر .. شربته على دفعات , سألت أبو وجيه ماذا أفعل بالنقود التي أعطانيها أخي , قال:
- إذا شئت ضعها في الصندوق , هنا لا يحتفظ أحد بنقوده وكل شيء مشترك , " نقودهم مشتركة وتوضع في صندوق واحد , طعامهم مشترك , لباسهم مشترك " , عشرة آلاف ليرة وضعتها في الصندوق , قال الشخص الذي أخذ النقود إنني شخص غني , لأن الناس هنا كلهم فقراء , وأكبر مبلغ يستلمه السجين من أهله هو ألفا ليرة , قلت إن في السجن الصحراوي اشخاصاً أعطاهم أهلهم نصف مليون ليرة , اطلق هذا الشخص صفرة تعجب من بين شفتيه .
تممدت على فراشي , غطيت رأسي بالبطانيات .. نمت .
( حصيلة لأحاديث طويلة وممتدة على فترة طويلة , عرفت هنا من الشباب "كما يحبون أن يسموا أنفسهم" أن السبب الرئيس للتحقيق معي لدى جهات أمنية متعددة هو الصراع الشرس بين هذه الأجهزة , وقد شرحوا لي مع استخدام الكثير من التعابير السياسية مايسمونه "جوهر النظام السياسي في البلد" وآلية عمل الأجهزة , هذه الأجهزة التي جعلها رئيس الدولة تتنافس على شيئين أساسين : أولاً اثبات ولائها المطلق له , وثانياً الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب و الامتيازات .
ولكون خالي وزيراً شيوعياً , وبما أنه المتدخل لاطلاق سراحي فقد انعكس موقف الأجهزة الأمنية المختلفة , سلباً أو ايجاباً , من الشيوعيين عليّ , فبعض الأجهزة تكره الشيوعيين كرهاً مطلقاً ولا تميز بين شيوعي موالٍ للنظام وآخر معادٍ , بينما الأجهزة الأخرى تكرههم بدرجة أقل ) .
6 أيار .
أعادوني إلى فرع المخابرات الذي أتيت إليه عندما عدت من السجن الصحراوي .
زارني أخي وابنته لينا ثلاث مرات في السجن الجبلي , وفي آخر مرة قال لي أنهم يمكن أن يعيدوني إلى الفرع تمهيداً لإطلاق سراحي , وأنه يجب أن أكون مرناً ومتعاوناً .. و :
- اليد التي لا تسطيع عضها .. بوسها .. وادعي عليها بالكسر !.
صباحاً حضر السجان , نادى اسمي , طلب مني أن أجهز نفسي .
أعطاني زملائي السجناء خمسة آلاف ليرة , الكثير من الثياب , بعض الأطعمة , ودعني أبو وجيه بالقبلات :
- خليك رجّال , لا تخاف من شيء أبداً , نتمنى لك التوفيق و ... الحرية .
في الفرع درج .. ثم درج .. الباب ذو القضبان الحديدية , قرقعة الحديد الدائر في الحديد , ومن جديد زنزانة جديدة , اسماء جديدة محفورة على الجدران ذات اللون الأخضر الفاتح .
يومان من الوحدة .. مع أصوات التعذيب , الصراخ المعبر عن الألم الإنساني , رجال ونساء وأطفال حتى ! .. ومحاولة تجاهل كل ذلك , توبيخ الذات لأنها تحاول التجاهل ! .. التجاهل هو دعوة للبلادة و التحجر .
مساءً يفتح السجان الباب :
- قوم .. رئيس الفرع طالبك .
القي التحية على رئيس الفرع الذي سبق أن قابلته منذ شهور :
- مساء الخير .
- أهلاً وسهلاً , تفضل .. اجلس .
أجلس بهدوء .
تبدأ محاضرة فيها الكثير مما يقال في الراديو و التلفزيون عن الدور التقدمي الذي يلعبه السيد القائد رئيس الجمهورية ضد الرجعية و الاستعمار , وعن أفضاله على الناس وحكمته وشجاعته وبراعته .. و .. أخيراً :
- نحن قررنا نخلي سبيلك , لأنك انسان وطني , ولأن خالك قدم خدمات كبيرة للوطن .. و .. و ... بس نريد منك مسألتين روتينيتين !.. نريد منك أن توقع على تعهد بعدم العمل في السياسية , وأيضاً نريد منك أن تكتب برقية شكر للسيد الرئيس حفظه الله .
- برقية شكر ؟!
- نعم .. برقية تشكر فيها السيد الرئيس .
- برقية شكر ؟! .. ولكن على أي شيء أشكره ؟ .
نظر إليّ متعجباً , وباستغراب صادق قال :
- تشكره لأنه شملك برعايته ورحمته واخلى سبيلك .
مرة أخرى ركبني العناد البغلي الذي أصبح نهجاً لي أواجههم به كلما طلبوا مني شيء .
بأكثر ما يمكن من اللطف , قلت :
- أنا أسف سيادة العميد , لا استطيع أن أوقع لا على التعهد السياسي ولا على برقية الشكر .
ذهل العميد عندما سمع كلماتي !.. سكت قليلاً وبطريقة خبير أخفى كل ذهوله واندهاشه , قال :
- أنت تعرف أننا نكرنمك كرمى لخالك , لذلك أرجوا أن تلين رأسك قليلاً , يباسة الراس راح تضرك , وليكن بعلمك أن آلاف السجناء كتبوا برقيات شكر للسيد الرئيس بالدم , ولم يتم إخلاء سبيلهم .. فــ .. خليك عاقل ووقع أحسن لك .
فعلاً كنت أعرف أن المئات من السجناء كانوا يطلبون من إدارات السجون محاقن طبية يسحبون الدم من عروقهم بها ليستعملوه كحبر يكتبون به برقيات شكر أو استرحام لرئيس الجمهورية راجين اطلاق سراحهم من السجن , وعندما كانت ادارات السجون لا تعطيهم المحاقن فإنهم كانوا يجرحون أصابعهم ومن الدم النازف يكتبون برقيات الشكر والاسترحام .
لكن كنت قد قررت : " لا مزيد من الذل , وليكن السجن أو الموت " .
و الحقيقة أن معاشرتي الطويلة للسجناء في السجن الصحراوي و السجن الجبلي علمتني الكثير من الأشياء , وأهم ما تعلمته منهم هو معنى وأهمية الكرامة والرجولة , وهما شيئان شخصيان لا علاقة لهما بتنظيم أو نظام.
إن التوقيع على برقية الشكر كشرط لإخلاء السبيل هي الاختبار النهائي لهذه الأجهزة لتؤكد لهم أن هذا السجين قد تجرع الذل حتى النهاية وتحول إلى كائن لا يمكن أن يقف بوجههم يوماً ما، وهو على استعداد لتنفيذ كل ما يطلبونه منه, طالما هو على استعداد لأن يشكر كبيرهم على كل ما عاناه على يديه وأيدي من هم أصغر شأناً منه .
رفضت بقوة ان أوقع .
" لن اشكر من سجنني كل هذه السنوات الطويلة , لن أشكر من سرق عمري وشبابي .. لن أشكر من ضيع أجمل سنوات عمري .. "
كنت أردد هذه العبارات و الجمل بيني وبين نفسي , أشحذ فيها عزيمتي وأقوي إرادتي , كنت خائفاً من نفسي .. خائفاً من ضعفي .. ظللت أردد هذه الكلمات القوية لأبعد عني الضعف .
بعد أن يئس مني رئيس الفرع أمر بإعادتي إلى الزنزانة , أعادوني بخشونة ظاهرة .
بعد نصف ساعة من عودتي إلى الزنزانة دخل عليّ مدير السجن , وهو شخص مسن على أبواب التقاعد , طيب القلب كثيراً , يحاول مساعدة السجناء خفية وقدر المتاح .
بلهجة أبوية وبنوايا صادقة حاول اقناعي أن أوقع , شرح لي عواقب عدم التوقيع وأسهب في ذلك , وأورد اشياء كثيرة , منها :
- إن من يرفض التوقيع عادة هم القيادات و الزعماء و المعارضون بشدة للسلطة القائمة , لذلك فإن عدم توقيعي سيعتبر دليلاً على أنني من هؤلاء , وينسف كل أقوالي السابقة بأنني لم أعمل في السياسة ..
ظل يحاول خاتماً حديثه بالعبارة التي قالها لي أخي :
- اليد التي لا تستطيع عضها .. بوسها .. وادعو عليه بالكسر.
وبقيت مصراً على موقفي .
بعد ذهاب مدير السجن فكرت طويلاً , ضحكت .. لو كنت في السجن الصحراوي لاستطاعوا أن يجعلوني أوقع على آلاف البرقيات , لا بل إنهم يستطيعون أن يجعلوني أقبل حذاء أصغر شرطي !.
الشعور بالحماية .
معرفتي أن أهلي عامة وخالي على وجه الخصوص يتابعونني خطوة بخطوة ولّد لدي احساساً بأنني محمي , ويمكن أن يكون هو الأساس الفعلي لموقفي الرافض للتوقيع !.. ولكن ..
ألا يوجد شيء نابع من الذات ؟ .
3 تموز .
التاسعة وسبع وثلاثون دقيقة صباحاً، أقف على الرصيف المبلل بالمياه أمام الفرع بعد أن أغلقوا الباب خلفي .
واخيراً .. أنا حرّ ! .
ثلاثة عشر عاماً وثلاثة اشهر وثلاثة عشر يوماً .. مضت على وصول الطائرة , التي كنت على متنها , إلى مطار عاصمة الوطن .
دوار في الرأس , طنين في الاذنين , زوغان في العينين .
عشرات السيارات الصفراء تنطلق أمامي مسرعة وفي الاتجاهين , مئات الناس يهرولون بسرعة في كافة الاتجاهات .
سمعت من ينادي خلفي , التفت , رأيت حارس الفرع يشير لي بيده يأمرني أن أبتعد من أمام الفرع , " تساءلت : هل هي آخر أوامرهم لي ؟ " .
ابتعدت أكثر من مئة متر , وقفت على الرصيف , وقفت أمامي سيارة أجرة صفراء , سألني السائق إن كنت أريد الصعود .. صعدت , انطلقت السيارة مسرعةً , الهواء يضرب وجهي .. أغمضت عيني , سمعت صوت السائق :
- لوين رايح .. استاذ ؟
- إلى أي مكان !
سكت السائق قليلاً , نظر إلي في المرآة متفحصاً .. عاد للسؤال :
- لأي مكان .. تحب تروح استاذ ؟.
لم أكن راغباً بالحديث مع أي كان , اردت اسكاته قلت :
- أريد أن تأخذني مشوار .. دورة في كل الأحياء القديمة .
************
بعد خروجي من عند رئيس الفرع وبعد محاولة مدير السجن معي لأوقع , أهملوني تماماً أكثر من شهر ونصف , في الايام الأولى من هذه الفترة كنت فرحاً ومزهواً وراضياً عن نفسي تماماً , لكن مع استمرار الاهمال بدأ الاحساس بالضيق و الملل ينتابني , يومياً كنت اسمع أصوات التعذيب و الصراخ , وفي يوم من الأيام سمعت صراخ ولدٍ صغير يتعذب , فكرت أن أطرق الباب لأطلب منهم مقابلة رئيس الفرع !.
حتى الكلمات التي يجب أن أقولها له كانت جاهزة :
- سيدي العميد .. لقد فكرت طويلاً , وأنا على استعداد للتوقيع على أي ورقة تريد !.
فركت جبيني وأنا أسير خطوتين إلى الأمام ومثلهما إلى الخلف , جلست , وضعت رأسي بين يدي , فكرت , ضربت راسي بالحائط , بكيت .. بكيت , تمددت ونمت .
في 23 حزيران حوالي العاشرة صباحاً فتح السجان الباب وقال لي أن أجهز نفسي للزيارة .
أخي لوحده دون لينا , يجلس إلى جانب العميد , قام العميد وقال أنه سيتركنا لوحدنا لكي نأخذ حريتنا بالكلام , قال ذلك بمنتهى
08-أيار-2021
31-كانون الأول-2021 | |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين |
01-أيار-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |