"القمر اللاهب" للأرجنتيني ممبو جياردينلي: الشبق حتى القتل ـ محمد أبي سمرا
2013-05-14
القمر اللاهب" رواية صغيرة الحجم (126 صفحة من القطع المتوسط) للأرجنتيني ممبو جياردينلي المولود في العام 1947. صدرت في ترجمة عربية لخالد الجبيلي لدى دارَي "الجمل" البيروتية – البغدادية و"طوى" اللندنية، 2013. الأداء اللغوي في الترجمة سليم ودقيق. السرد في الرواية متقشف، كثيف، كحوادثها الروائية التي يتورط فيها راميرو، شخصيتها الرئيسية، من دون سابق تصور أو تصميم ولا إدارة، على الرغم من أنه "كان يعرف أن ذلك سيحدث لا محالة (...) ما إن وقعت عيناه على" الفتاة الصغيرة، ابنة الثالثة عشرة، آراسيلي، "إبنة طبيب البلدة القديم الذي كان صديق والده، وألحَّ عليه ليزوره في بيته". كان راميرو في الثانية والثلاثين من عمره، مطلّقاً وعائداً "الى موطنه بعد ثماني سنوات، سافر (فيها) كثيراً وعاش في أماكن بعيدة"، منها مدة "دراسته في فرنسا"، فلبّى دعوة الطبيب في سهرة على العشاء.
الشبق البصري والاغتصاب
أثناء السهرة – العشاء في منزل الطبيب وحديقته الخلفية، حضرت ايضاً زوجته وابنته الصغيرة الأقرب الى الطفولة أو المقبلة على المراهقة "مزهوة بنفسها ومرتبكة في آن واحد (...) بشعرها الطويل، وجدائلها المتغطرسة (...) وبعينيها البراقتين (...) غير المباليتين". في "مرات عديدة"، فيما راميرو "يتحدث عن السنوات الماضية، التقت" عيناه بعيني آراسيلي التي كانت "ترمقه بوقاحة" من دون أن "تحوّل نظرها عنه". كان العشاء عامراً بـ"النبيذ القرطبي"، والليلة حرارتها "رطبة وثقيلة". في شبق بصري "لم يتمكن" الزائر الضيف من إشاحة نظره عن "تنورة" الفتاة "القصيرة" وهي تنحسر "عن ساقيها السمراوين المكسوتين بزغب خفيف، المشبعتين بأشعة الشمس" واللامعتين في "ضوء القمر"، فيما والدها "الطبيب وزوجته الثملان" مستغرقان في "تعليقات يهدفان الى أن تكون جذابة".
في نهاية السهرة استبقى الطبيب ضيفه لينام في بيته، لأن "سيارته من طراز فورد 1947 القديمة التي استعارها من أحد أصدقائه"، تعطلت، فلم يشتغل محركها أمام المنزل. قبل إخلاده الى النوم في غرفة من بيت مضيفه، محاذية لغرفة الابنة الصغيرة، لمح راميرو، من شق الباب، آراسيلي "مستلقية على سريرها (...) شبه عارية، لا يكسو ردفيها الصغيرين إلا كيلوت صغير جداً: تسمّر في الممر، وقد أثاره هذا الجمال الباذخ (...) وعلى الفور أحس بالانتصاب"، فدخل غرفة الفتاة، جلس قربها، ثم "استلقى" عليها وبعد قليل من العراك، دخلها في عملية اغتصاب شبقيّة، مسعورة وعنيفة، اسكت فيها رعب آراسيلي ومحاولتها أن تصرخ، بالصفع واللكم والتكميم بالوسادة، فيما هو "يقذف على نحو متقطع" في داخلها. أما هي المراهقة العذراء المغتصبة في غرفتها ببيت أهلها، فراوحت حالها بين الرعب والنشوة، بين التنفس والتأوه والشهيق عالياً والنشيج في صوت مرتفع. إذذاك كان راميرو فاقداً "رشده" وسمع "صوتاً يقول له إنه أصبح حيواناً"، فاستمر في لكم وجه الفتاة المكمم بالوسادة، كأنه يريد خنقها وإنهاء حياتها، فـ"بدأت تهدأ شيئاً فشيئاً، فيما "هو ينظر الى النافذة، بقسوة، نظرات خالية من أي عاطفة، من دون أن يفهم لماذا فعل ذلك (مكرراً) أن القمر لاهب وخانق في (هذه) الليلة على نحو غير معتاد". كأنما لوثة شبقيّة قمرية مفاجئة ألمّت به، أو نزلت عليه كصاعقة، كقدر محتوم لا رادّ له، فاندفع منقاداً انقياداً أعمى الى فعلته، مستجيباً شبقية حسيّة محمومة منفلتة من عقالها، تستحيل السيطرة عليها، ولا مفرّ من إطفائها وإفراغها هنا والآن من دون إبطاء ولا إرجاء.
الشهوة والقتل
الحق أن الشخصية الرئيسية في "القمر اللاهب" - وسلسلة الأفعال الجرائمية المفاجئة التي تندفع اليها، فيفضي واحدها الى الآخر على نحوٍ عفوي وتلقائي وقدري، لكن مفرغاً من أي معنىً ورجع مأسويين للقدرية - تذكّر بشخصية "الغريب" في رواية ألبر كامو الشهيرة. شأنها في هذا الشبه أو الشبهة شأن مناخ الرواية وحوادثها التي تبتعد عن "غريب" كامو في اقترابها من كونها تذكّر بمناخ نوع من الأفلام الأميركية مثل فيلم "تاكسي درايفر" لمارتن سكورسيزي من بطولة روبير دونيرو الشاب في أواخر سبعينات القرن العشرين، حيث الطاقة على العنف والجريمة والشر، قدر ما هي صنيعة غريزة آثمة ومدمرة، تستهدف ايضاً خلاصاً تطهرياً، لكن مدمراً بدوره. فإقدام راميرو "القمر اللاهب" على اغتصاب الطفلة المراهقة، يكني عن فعل أساسي من أفعال تصريف الإثارة أو الشبق البصري المحموم المنبعث بقوة من تصدّر البصر وهيمنته على الحواس البشرية الأخرى في زمنٍ جعل البشر وعلاقاتهم الانسانية ورغباتهم وشهواتهم وأهواءهم صوراً ومشاهد استعراضية تخلب الأبصار والأفئدة والحواس الأخرى. حتى أن انسان الحداثة الذي تحولت رغباته وشهواته مجرّة من الصور المتدفقة على بصره من كل حدب وصوب، وجد نفسه يمشي في الشارع متمتماً شهوته ورغبته، على ما أشار مرةً الكاتب السوري الراحل أنطون مقدسي.
آراسيلي الطفلة المراهقة، أدى فعل الاغتصاب العنيف الذي حاول راميرو استكماله والهرب منه بمحاولته قتلها، الى تفجير شبقها وشهوتها، فأخذت تطارد مغتصبها قائلة له: هيا إفعل الآن، ادخلني. هذا فيما ورّطته جريمته الاولى وهربه منها بجريمة ثانية: ضرب والدها حتى الإغماء، ووضعه خلف مقود سيارته الفورد طراز 1947، وترك السيارة تهوي من شاهق منحدر الى نهر، فقضى الطبيب والد الفتاة غرقاً، ليضاعف القاتل حاجته الى الفرار وشهوته الى القتل هرباً من جريمته الاولى والثانية. في آخر لقاء له بآراسيلي التائهة مثله مطارِدةً شهوتها، سألها: "تظنين أنني أنا الذي قتلت والدكِ، صحيح؟"، فجاوبته: "لا أريد أن أتكلم، أريد أن أواصل عمل ذلك، إني أحترق... إمنحني المزيد". ذلك فيما هي "تتحرك (فوقه) على نحوٍ إيقاعي، تدفع ردفيها الى الجانبين، وتضيّق مهبلها". حدث هذا في سيارة فيات 600 استعارها راميرو من صديق آخر. في هذه السيارة تعاركا وتضاربا أثناء الجماع. هو "راح يضغط بقوة" على عنقها محاولاً خنقها، "لأنه كان يكرهها، لأنه لم يكن يستطيع التوقف عن إتيانها في كل مرة" تطلب منه ذلك قائلةً: "أريده الآن، امنحني المزيد". وفيما هو يمنحها المزيد "لم يتوقف عن الضغط على عنقها، باكياً متشنجاً، لاهثاً برعب من شدة العنف الذي بدر منه (...) حتى بعد أن همدت آراسيلي (...) وكُسرت رقبتها" وتدلى رأسها خارج السيارة "مثل قرنفلة تتدلى من جذع مكسور". أخيراً تملك "الخوف" راميرو، بينما "قضيبه" متصلب "مثل قلبه، مثل قطعة من حجر الصوان. ثم قذف وهو ينظر الى ذلك القمر المتوهج الهائج".
لا ندري إن كانت آراسيلي قد قضت خنقاً أم نجت من الموت، وإن كانت هي نفسها من قال عامل الفندق لراميرو في فندق فرَّ اليه على الحدود، إنها تريد أن تراه. "نظر (راميرو) الى الكتاب المقدس القابع على المنضدة الصغيرة وفكّر في الرب"، فيما عامل الهاتف يقول له تكراراً: "توجد سيدة شابة هنا تريد أن تراك. سيدة صغيرة يا سيدي". هل هي آراسيلي؟ الأرجح أنها هي، هل قامت من الموت؟
عن جريدة النهار.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |