أرجح الأقوال في حكم كشف الفخذ للرجال
2008-03-31
صحت كمن ظفر بأمنية حين عثرت، في عداد البحوث المرسلة على الشبكة العنكبوتية، ببحث أصيل طارف كم كانت المكتبة العربية بحاجة إليه تسدّ به ثلما يتزايد، يوما بعد يوم، وكم اشتكى الباحثون في مشارق عالمنا الإسلامي وفي مغاربه غياب رصيد منه كاف.
" أرجح الأقوال في حكم كشف الفخذ للرجال " هو عنوان هذه اللّقيا التي طال انتظارها لمؤلّفه ( ع. ق. محمّد ) في إطار رسالة التخرج من الدراسات العليا بمعهد الحرم المكّي الشريف. ووجدت أن تقديمه إلى قرّاء ( الأوان ) خاصّة وقرّاء العربيّة عامّة من وجوه الغبطة به وتقريظه في آن، فضلا عن كون ذلك، في تقديري، عملا رساليّا لا يحتمل الإبطاء ولا التأخير.
افتتح " الباحث " خطبته، بعد الديباجة المناسبة، ببيان الباعث على اختياره هذا الموضوع فذكر انّه مزدوج، الأوّل يعود إلى شرف علم الفقه بين العلوم وإلى شغفه بمادّة الفقه،
والثاني قادح يتمثّل في أنّ "الباحث " كان، في أحد الأيّام، في أحد المحافل ( تشمل المآتم أيضا )، وكانت بعض المناقشات تدور في المجلس عن الفخذ هل هو عورة أم لا ( هذه تصلح منطلقا لدراسة أدب مثل هذه المجالس )، وكان أغلب من في المجلس من العوامّ ( أيْ دون " الباحث " وأضرابه من الخاصّة مرتبة ). وبعد أن كثر اللّغط في المجلس ( ممّا يدلّ على أنّ هذه النقطة الخطيرة قد غطّت على سائر نقاط جدول الأعمال ) اندفع رجلٌ منهم ورمى في وجه صاحبنا، دفعة واحدة وبلا تردّد، السؤال الحارق الكبير: هل الفخذ عورة أم ليس بعورة؟
لم يكن من صاحبنا البحّاثة الدرّاسة، بعد هذا المجلس، حتّى تكلّف أمر الفحص عن تلك المعضلة وندب نفسه لاستفراغ الجهد والإحاطة بحدود القول فيها بالاستناد على الأدلّة الشرعيّة. بدأ " الباحث " جريئا عارفا بأنّ الأمور ينبغي أن تؤخذ بالقوّة منذ البدء واعيا أنّ تحمّل المسؤوليّة أمرٌ لا مفرّ منه. وحمل على بعض من يتزيّد في حفظ العورة فميّز بين عورتيْن، عورة النظر التي يجب سترها عن الناظر وعورة الصلاة التي يجب سترها حال الصلاة. فالرجل يستر منكبيْه في الصلاة، وسترهما غير واجب في غير حال الصلاة مع رجال مثله. وكذلك المرأة تكشف وجهها في الصلاة، لكن لا يجوز لها كشفه في غير الصلاة وإن جاز لها أن تكشف عنه وعن ساقيها وسائر بدنها أمام زوجها. ويقول في لهجة واثقة مفحمة " فلا يحتجّنَّ محتجٌّ بعورة الصلاة على عورة النظر.." في إشارة إلى من قد يفترض أنّ عورة الصلاة عند المرأة من عورتها قدّام زوجها أيضا!. ولعلّ وضوحا في المنطلقات، بهذا القدر، قد استوجب من "الباحث " خطّة من جنسها، فكان أن بنى " بحثه " على ثلاثة مطالب: في المطلب الأوّل عالج المعنى اللّغويّ للفخذ. أمّا المطلب الثاني فانعقد على الدراسة الحديثيّة، وفيها مبحثان، مبحث أوّل جمع فيه ما يدلّ من الأحاديث على أنّ الفخذ عورة، ومبحث ثان جمع فيه ما يدلّ منها على أنّ الفخذ ليس بعورة. وأمّا المطلب الثالث فأداره على الدراسة الفقهيّة وعرض فيه لآراء " العلماء " في هذه المعضلة التي أشكلت وأدلّة كلّ فريق منهم.
وانتهى صاحب البحث، كما تقتضيه أصول البحث الأكاديميّ في مثل هذه الأطاريح، إلى مناقشة القوليْن فالترجيح. ورأى أنّ إجماع العلماء، في حفظ عورات الرجال، حاصل على أنّ السوءتيْن القبلَ والدبرَ عورةٌ، وأنّ الساق ليست عورة بإجماع، وأنّ الفخذ مختلف فيه. غير أنّه ذهب إلى أنّ القول الراجح هو الجمع بين القوليْن، وذلك بأن نقول إنّ العورة قسمان، عورة مخفّفة وهي الفخذان، وعورة مثقلة وهي السوءتان. وأجاز، من ثمّة، كشف المخفّفة مع من تستلزم أنشطتهم كشفها وسترها في محاسن الأخلاق وأماكن تجمّع الناس. أمّا القول بأنّ الفخذ عورة مطلقا أو إنّه ليس بعورة مطلقا فقول، في رأي بحّاثتنا، مرجوح.
الحقّ أنّه بمثل هذا البحث الأصيل يتمّ التصدّي لزحف الرذائل والفواحش عبر تذكير مسلمي هذا الزمان بأنّ حفظ العورة مدخلهم إلى المقايضة الحضاريّة مع سائر الأمم، بل إنّه بمثل هذه البحوث العفيفة والمنهجيّات والمقاصد السامية الطاهرة نفاخر معاهد اللاّهوت والناسوت فعلا. لقد جاء هذا البحث متأخّرا بعض الشيء، إذ لو دخلنا به ألفيّة أهل الكتاب الثالثة لكان حالنا أفضل، ولكن أن يأتي متأخّرا خير من أن لا يأتي. فليت الجامعات العربيّة تحتذي نهج معهد الحرم المكّي الشريف في التركيز على القضايا الصحيحة والإشكاليّات الحارقة، وشكرا لمن أرسل هذه اللّقيا على الشبكة العنكبوتيّة لتؤتَى من بلاد بعيدة ولتضحك، في زمن عابس، ربّات الحجال البواكي.
يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم...
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |