نصوص إشراقية في (الرؤية والمجاز) للسهروردي ــ قاسم محمد عباس
2008-04-04
في مشروعه الكبير الهادف إلى جمع وتحقيق مصادر التصوف الإسلامي أصدر الباحث قاسم محمد عباس حديثاً كتابه الجديد (نصوص إشراقية: ثلاث رسائل في الرؤية والمجاز) لشيخ الإشراق شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي، وقد وضع المحقق ثلاث مقدمات للكتاب المحقق هي (السهروردي كما رسمته المصادر التاريخية) و(المدونة السهروردية: مقاربة بمثابة عرض لمؤلفات السهروردي) و(كتاب رسائل الرؤية والمجاز) وهو عرض نقدي للكتاب مع ملحق لمصنفات السهروردي ثم عرض لطريقة التحقيق وصولاً إلى الغاية المتوخاة وهي عرض النص الكامل لهذا الكتاب مع تحقيقه.
وتأتي أهمية المقدمات الموضوعة من قبل المحقق من إنها عرضت بشكل متكامل لحياة السهروردي ومكانته التاريخية في مظان الإشراق وآراء الكتاب والباحثين والمستشرقين فيه، وقد سبق لقاسم محمد عباس أن أصدر عشرات الكتب المحققة في هذا المجال المهم من الفكر الإسلامي منها (ديوان الحلاج) كاملاً ومحققاً والمجموعة الصوفية الكاملة لأبي يزيد البسطامي ملحقاً بها كتاب تأويل الشطح، وكتاب (ختم الولاية) لمحيي الدين بن عربي و(اتحاد العاقل والمعقول) لصدر الدين الشيرازي وغيرها كثير وقد درج الباحث على إيراد مقدمة أو عدة مقدمات في حياة رجل التصوف وعصره والروايات المدونة حوله مع تحقيق شامل لهذه الروايات اضافة لتحقيق ونقد النصوص الاشراقية المتعلقة بذلك المفكر الإسلامي أو ذاك.
في فصل (السهروردي كما رسمته المصادر التاريخية)، ذكر المحقق مجمل الروايات التاريخية عن شخصية شهاب الدين يحيى بن حبش بن اميرك السهروردي المولود في قرية سهرورد بالقرب من زنجان شمالي شرق إيران المولود سنة 1153 ميلادي والذي اعدم في سجن حلب سنة 1191 للميلاد وعمره ثمانية وثلاثون عاماً بأمر من صلاح الدين الأيوبي بعد محاكمة أجريت له من قبل الفقهاء في مسجد حلب حيث (ظهر عليهم وأحرجهم)، فكتبوا محضراً بخروجه عن الدين للملك الظاهر حاكم حلب إلا أنه رفض إقامة حد القتل عليه فالتمسوا التنفيذ من صلاح الدين فأودعه السجن وأمر بإعدامه حيث يشير العماد الأصفهاني إلى ذلك وإن اختلف الرواة في طريقة الإعدام التي تذكرنا بمحاكمة الحلاج وإعدامه على نفس الشاكلة بتهمة المروق حيث يشير الدارس إلى ضرورة دراسة طريقة المحاكمة وحالة السهروردي المقتول بشكل مشابه لمقتل الحلاج.
في فصل (المدونة السهروردية) يناقش المؤلف الفكر السهروردي ومشروعه الإشراقي في محاولة لتقديم (صورة واضحة المعالم عن المدونة السهروردية التي تربو على الخمسين كتاباً) حيث يتابع المحقق مؤلفات السهروردي استناداً إلى عدة مصادر منها الثبت غير المصنف الذي قدمه تلميذه الشهرزوري ثم المحاولة الجادة التي تقدم بها لويس ماسنيون الذي بحث في علاقة ترتيب كتب شيخ الإشراق بتطور فلسفته (وفتح باب الجدل والبحث في هذا الاتجاه) حيث قسم ماسنيون كتب السهروردي إلى ثلاثة أقسام هي:
1- القسم الأول المتعلق بمرحلة الشباب ومنها كتب: الألواح العمادية – هياكل النور – الرسائل القصيرة.
2- القسم الثاني المتعلق بالمرحلة المشائية وكتب فيه: التلويحات – المقاومات – المطارحات – المناجيات.
3- القسم الثالث وهو ما يتعلق بالمرحلة السينوية الأفلاطونية وفيها كتب السهروردي: حكمة الإشراق – كلمات الصوفية – اعتقاد الحكماء.
وقد فتح هذا التصنيف الباب أمام مناقشات الباحثين أمثال (سبيز) و(ختك) والبروفيسور كوربان الذي اعتمد في التصنيف على الوحدة الجوهرية لمؤلفات السهروردي ومسارها المعنوي مهملاً التتابع التاريخي مقترحاً تقسيماً رباعياً آخر ناقشه الباحث الإيراني سيد حسين نصر، وأضاف إليه فيما نسبه الباحث المصري د. محمود أبو ريان إلى أن يبدأ القارئ بقراءة كتاب التلويحات ثم كتاب المقاومات وبعده المطارحات وذلك على أساس تصنيف كتب السهروردي تصنيفاً تعليمياً.
ويناقش المحقق آراء ماسنيون ومغالطاته التاريخية وذلك عبر تثبته التاريخي في سلسلة الكتب التي ألفها شيخ الإشراق مؤكداً أن كتاب الألواح العمادية أنجز بعد كتاب حكمة الإشراق مؤكداً في الوقت نفسه صعوبة إخضاع هذه المؤلفات إلى تسلسل زمني (لأن أعمال شيخ الإشراق تتضمن صبغة إشراقية بوجه عام) لافتقار الباحث والمحقق إلى تواريخ محددة لإثبات سيرة السهروردي وتسلسل مؤلفاته لذا ينبغي الاعتماد في التسلسل على دراسة فلسفته وسيرته الشخصية ذلك أن (الكتب العقائدية بوجه عام تهيئ العقل وتظهر قدرته على التجريد ولكن لا يتوفر لهذه القدرة أن تتحقق بدرجة كبيرة دون عزلة روحية) حيث يعتمد الباحث في المرحلة الأولى على القراءة المشائية ثم يتحول إلى المسلك الإشراقي لكن ذلك لم يمنع الباحث من تقديم فصله الثاني بعنوان (مصنفات شيخ الإشراق) حيث جمع فيها أربعة وسبعين كتاباً ونصاً دونها السهروردي بالعربية والفارسية تبدأ بـ(أدعية متفرقة) تنهى بـ(رسالة يزدان شاخت - معرفة الله) قام بنقدها موضوعياً وذكر أماكن وجودها في مكتبات وأوراق وكتب ثم تأتي مقدمة المحقق لكتاب (رسائل الرؤية والمجاز) وهي رسائل قصصية رمزية كتبها السهروردي لتكشف عن جزء من التجربة الروحية للإسلام التي اكتسبت عند شيخ الإشراق اتجاهاً متميزاً أو في هذه الرسائل القصصية بنية تقترب من حكايات القرون الوسطى الرمزية حيث يميط اللثام في كل قصة عن تجل من تجليات الحياة الروحية بالنسبة له ويكشف عن تجربة جوانية تفيد من مجموعة الرموز المدونة.
ويقدم المحقق بتحليل قصة (حفيف أجنحة جبرائيل) وفق محددين أساسيين أولهما بطل القصة وهو المريد الذي يتخيل الحكيم أو النبي المضمر في أعماقه وثانيها تحول لغة المريد حينما يطلب من مرشده تعليمه أسرار علم الجو وهو علم المعاني الباطنية التي تقوم على الرموز العددية للحروف والكلمات.
إن هذا التلخيص لتحليل الباحث يظل تلخيصاً مخلاً بجهده الكبير الذي عايش التجربة الروحية الإشراقية لشهاب الدين السهروردي وهو يقدم تحقيقه على أساس الأصول المتعارف عليها في تحقيق النصوص ليقدم لنا النص الكامل للرؤية والمجاز حيث ازدان الكتاب المحقق بتعليقات وشروح وإيضاحات الباحث الأستاذ قاسم محمد عباس الذي يقدم للمكتبة العربية جهداً جديداً مثمراً في مجال الدراسات والتحقيقات الإشراقية وهو جهد محمود دون شك.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |