Alef Logo
مقالات ألف
              

على عتبات السياسة.. تعرج طريق الحرية للسوريين لا ينتقص من الهدف

سعاد قطناني

2013-06-12

تسقط الأسماء والذكريات على عتبات السياسة، ولا يبقى سوى الأحلام تدق جدران المستحيل فلا الإيديولوجيا تنقذ الغرقى في الدماء السورية، ولا المبررات العابرة للتاريخ تبرر الجريمة، لم يبق سوى الأخلاق لتكون عكازاً يجنبنا عثرات الطريق في زمن الانهيارات.
ربما لم تكن سورية آخر الأمكنة التي جردت العالم من الأقنعة، والأفكار من زخرفها، حيث غاصت عميقاً في عبثيتها حين أصبح سقف البيت هو حجارة القبر، وحين أخرج اللعب بالكلمات وترتيبها حسب الظروف والمصالح كل المعاني النبيلة عن سياقها. فلا الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب هي هدفه، ولا حقوق الإنسان هي المآل والمبتغى، إنها مجرد لعبة مصالح بين قوى تريد استعادة هيبتها على حساب دم الشعب السوري وتوقه نحو الحرية، وقوى يهمها أن يبقى الواقع كما هو برموزه وديكتاتورياته، لأنه يؤمّن مصالحها ومصالح شركائها في المنطقة، خاصة إسرائيل.
يا ليتني أستطيع أن أخرج من نفسي وأرمي بعيداً كل هذا الكلام المتناثر فوق أوراقي ليمتزج مع الدماء والركام الذي يلف المكان من حولي.. فعيون الأطفال الذين قضوا في كل المجازر تلاحقني وتسألني: هل كانت دماؤنا حبات رمان سقطت على التراب!! أم نحن ضللنا طريقنا ولهذا أكلتنا الذئاب ذات ليل؟ أم أننا قـُتلنا لأننا كنا نبحث بين فتات الخبز عن السكر؟
ربما سأقول لهم إنهم لم يكونوا حكاية موجعة ضلت نهايتها، بل هي الضمائر التي ضلت بوصلتها… سأنثر بعضاً من الكلام، ربما تهدّئ هذه الكلمات شيئاً من روع أرواحهم الهائمة في السماء، وسأبحث عن الإجابات في التاريخ والجغرافية وربما أنبش الماضي وشيئاً من الحاضر كي أستوعب ما يجري.
الدماء تسيل على أرض سورية اليوم، بسبب القتل والمجازر من قبل نظام أصر على أن يذهب حتى النهاية بمعادلة ‘الأسد أو نحرق البلد’، وما يوازي ذلك من حرب سياسية على المستوى الإقليمي والدولي، مبنية على ذلك التوازن الدقيق بين قوة القتل والتدمير من قبل نظام مجرم، وإرادة شــعب فاجأ النظام والعالم وربما فاجأ نفسه في هذا الصمود الأسطوري من أجل نيل حريته.
ما يدورفي سورية جعل الاصطفاف حاداً ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي، حيث تقود روسيا وإيران وأدواتهما في المنطقة تحالفاً يدعم النظام السوري برؤية واضحة وأهداف ومصالح محددة الملامح، بينما لم يستطع الطرف الآخر والمتمثل بأمريكا وأوروبا أن يخرج من الفصام السياسي بين ما يدعيه من مبادئ ومصالحه في المنطقة، ليبني رؤية واضحة ومحددة الملامح حول صياغة موقف وفعل تتقاطع فيه مصالحه مع مصالح الشعب السوري.
هذا الاصطفاف الحاد انعكس بشكل أو بآخر على الشارع السوري والعربي، حيث تباينت الآراء وأخذت من هذا الاصطفاف مبرراً لمواقفها أو مسنداً تتكئ بأفكارها ومواقفها عليه، حيث يرى البعض من منطلق العداء التاريخي لإسرائيل وحليفتها أمريكا أن أي موقف تدعمه أمريكا يدفع المسألة، من مسألة شعب يناضل من أجل نيل حقوقه إلى مؤامرة على قوى ‘التصدي والممانعة’، وما يترتب على ذلك من أفعال وأقوال تذهب إلى درجة الدفاع عن النظام حتى النهاية، أو مواقف تتجه للحياد لأنها لا تستطيع أن تقف مع نظام ديكتاتوري سفاح، ولكنها بنفس الوقت لا تستطيع ان تقف مع المؤامرة التي تريد إسقاط ‘نظام الممانعة’. وهذا النوع من الحياد الذي يعني بأحسن حالاته الوقوف والدعم غير المعلن للنظام، وربما هو الأصعب والأكثر خطراً على مسيرة الثورة السورية.
أما مواقف بعض اليسار التقليدي وربما الأكثر راديكالية في صياغة موقفه، فهي تعتمد على نظرة مبنية على نظريات ورؤى فكرية وإرث تاريخي من شعارات ‘الرجعية العربية ودول النفظ وعلاقاتها مع أمريكا والغرب’، لتغوص بعيداً في التحليل الذي مفاده أن هذه الدول لا يمكن أن تدعم إلا ما هو في مصلحة إسرائيل والغرب، وبالتالي تعود إلى نظرية ‘المؤامرة’ التي تريد أن تقف في وجه قوى ‘الصمود والتصدي’.
إن تجربتنا مع أمريكا ومواقفها محفوظة عن ظهر قلب، فمواقف أمريكا وتاريخها مع القضايا العربية لم يكن في أي لحظة لصالح قضايانا، وهكذا كان الغرب بشكل عام عندما يتعلق الأمر بقضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فتعطيل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تساند القضية الفلسطينية والقضايا العربية خير شاهد على مدى الانحياز الكامل للطرف الإسرائيلي والكيل بمكيالين عندما يلزم الأمر ذلك. وهذا كله واضح ولا نريد مزيداً من البراهين والدلائل على توضيحه، بل إن هذا الوضوح في الرؤية يجعلنا أكثر قدرة على التعامل مع المواقف التي يتبناها الغرب وأمريكا، من حيث التمعن بها ودراستها وكيفية الاستفادة منها، بحيث يبقى الهدف والرؤية بما نريد وما يريدون واضحة. وهنا بالتحديد يأتي دور القيادة القادرة على المشي على حد السكين السياسي، كي تستفيد من لعبة المصالح لصالح الشعب السوري ومستقبله وقضيته العادلة في نيل الحرية وتحقيق الديمقراطية.
وإذا كان الوضوح إلى هذه الدرجة في الموقف الأمريكي وما يدور في فلكه فهل يمكن القول بالمقابل إن موقف روسيا من قضايانا كان ‘عادلاً’ و’منصفاً’ تاريخياً، وهل روسيا تقف إلى جانب العرب وتساند قضاياهم منذ الأزل؟
ما تقوم به روسيا اليوم وشعاراتها وادعاءاتها ترجعني إلى الخلف سنوات ليست بالبعيـــــدة، حين كانت تــــرفع شعــــارات أيام الاتحاد السوفييتي ووريثته الشرعية روسيا تتساوق مع ما يطرقه النظام اليوم من ممانعة وصمود وتصد للإمبريالية، وكأن تحالف اليوم يستدعي المثل القائل: ‘وافق شن طبقة’.
ما يحدث الآن مع من يتفاخرون بالموقف الروسي، يذكرني بالزمن الذي كان فيه اليسار العربي، أو من يدعون انتماءهم للفكر الماركسي يتبنون أفكار الاتحاد السوفييـــتي، بغض النظرعن الواقع العربي ومتطلباته النظرية والعملية إلى درجة التندر بالقول إذا أمطرت في موسكو يحمل هؤلاء اليساريين المظلات في بلدانهم. يومها كانت النقاشات والدفاع عن مواقف الاتحاد السوفييتي تحارب المنطق كي تنتصر الايديولوجيا، فعندما كان أحدهم يقابل شخصاً من الناس الوطنيين بفطرتهم وهو يتساءل مستغرباً اعتراف الاتحاد السوفييتي بدولة إسرائيل، كان يصمت ويحمر لونه ويجيب بكلمات مبهمة، ويبرر ما لا يمكن تبريره في نظر هؤلاء الوطنيين، ثم يعود إلى بيته يلهث وراء الكتب الحمراء يبحث بين السطورعلى ما ينجده كي يمتلك الحجة، متنقلاً بيــــن رفوف المكتبات ‘خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء’ متسائلاً ‘ما العــــمل؟’ وهو يســــتجدي ما يقتل المنطق البسيط كي يدافع ويــــبرر لحليفه ‘الاســــتراتيجي.
فالاتحاد السوفييتي بذلك الجبروت والقوة التي كان يمتلكهما والتي تفوق ما تدعيه روسيا لنفسها اليوم، لم يقف مع القضايا العربية الأساسية موقفاُ يتناسب مع ذلك الجبروت والقوة في إحقاق الحق ودعم من يدعي تحالفه معهم. تاريخياً لم يقف الاتحاد السوفييتي مع القضايا العربية بما يليق بموقف الحليف الاستراتيجي المدعي للمبادئ الكبرى في العدل والمساواة ومعاداة الإمبريالية وقيام دولة العدل الإنسانية، دولة ‘البروليتاريا’ فوق هذه المعمورة، بل على العكس كانت العلاقات البارزة في مواقفه تجاه قضايانا في كثير من الأحيان ضد حقوقنا. فحين حكمت مصالح الاتحاد السوفييتي أن يعترف بقيام ‘دولة إسرائيل’ بعد أقل من خمسة أيام على إعلانها اعترف اعترافاً كاملاً، رغم ما يحمله هذا الاعتراف من تعارض فكري وايديولوجي مع الأفكار والمبادئ التي كان ينادي بها، ظناً منه أن هذا الاعتراف سيدخله إلى المنطقة، وحتى حين ساند الاتحاد السوفييتي قضايانا لم تكن المبادئ والايديولوجيا هي المحرك، بل المصالح الكامنة وراء تلك المواقف هي من تحكم علاقاته.
أما اليوم وقد أزاحت روسيا عن وجهها قناع الأفكار والمبادئ والايديولوجيا، فقد تجلت المصالح والأطماع بأبشع صورها في التعامل مع الثورات العربية، ولا أدَل على ذلك إلا ما يحصل اليوم في الدعم المعلن من قبل روسيا لنظام الأسد، بكل وسائل القتل والفتك بالشعب السوري. وعلى الرغم من هذا الدعم فإن روسيا ومهما علت نبرة تمسكها بهذا النظام فلن تمده بأي قطعة سلاح يمكن أن تؤثر سلباً على أمن إسرائيل، بل بالعكس يمكن أن تتخلى عنه وتبيعه، في ما لو تحققت مصالحها عن طريق صفقة مع أمريكا وحلفائها الغربيين وإسرائيل.
ومن هنا يمكن القول لأولئك الذين يستندون الى الدعم الروسي للنظام ليجعلوا منه أداة إثبات أنه نظام ‘مقاوم وممانع′، إن المسألة ليست هكذا، فالساحة والصراع محكومان بمصالح وأطماع يسعى إليها الجميع في المنطقة، بمن فيهم الأمريكيون وحتى الأوروبيون. وعلينا أن نتذكر أن من فتح الساحة على مصراعيها لاستدراج تلك القوى بهذا الشكل السافر إلى المنطقة هو النظام، الذي لم يستجب لمطالب شعبه في الحرية بل جره إلى حرب أحرقت الأخضر واليابس، واستقدمت قوى طائفية ومذهبية أصبح من الصعب السيطرة عليها وعلى مآلات ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحرب المفتوحة على كافة الاحتمالات، التي لن يكون وجود هذا النظام أحد خيارات مستقبلها مهما كانت النتائج، لأن الثورة من حيث الجوهر، وعلى الرغم من كل إرهاصاتها هي خيار شعب آمن بحريته.
ربما تبدو التحليلات والكلمات ترف حين يكبر الوجع ويعلو صوت الرصاص، لكني أقولها: ربما تنبش الحروف مكامن الوجع والآه فينا كي نصرخ … كفى صمتاً.. كفى تبريراً فقد سقطت كل الأقنعة والوجع أخذ يأكل قلوبنا قضمة قضمة، فإذا كان الهدف من الثورة السورية هو نيل الحرية والكرامة، فإن تعرج الطريق وصعوبة المسلك لا ينتقص من معنى الهدف… فلا أمريكا ولا روسيا ولا العالم بأسره يريد لنا ما نريد.. وما نريده هو إرادتنا في رسم شكل جديد للقادم من الأيام … هذه الأيام التي نرشها بالأمل كي نصحو ذات يوم مشبعين بالكرامة… نتنفس حرية… وننام على وسادة من وطن.


تعليق



arbi noureddine

2013-06-12

وحده الشعب السوري هو من يقرر مصيره بنفسه ,وحده من يصنع مستقبله .كل المتدخلين في الشأن السوري تدفعهم المصالح لا غير.

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

29-نيسان-2017

أحبك أكثر.

17-أيلول-2014

غزة… أحلام لا تشبه المستحيل

17-آب-2014

داعش.. إبحار إلى قلب الظلمة

04-آب-2014

مخيم اليرموك متخم بالكرامة موغل بالجوع

01-آذار-2014

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow