Alef Logo
مقالات ألف
              

الثورة والانقلاب

خيري الذهبي

خاص ألف

2013-06-23

كانت العلاقة بين الثورة واللاثورة , والحرب واللاحرب علاقة مربكة دائما لدارس تحولات الإنسان الفرد, فهو في الوقت الذي يكون فيه نموذجا للإنسان المنضبط الذي نادرا ما يصطدم بالأعراف والدين والقانون تجده لدى الثورة أو الحرب, أي لدى حالة الخروج عن المدينية, وقد تحول إلى المحطم ,المخترق للأعراف وللقوانين حالما يجد نفسه في بيئة تسمح له بتخطي العرف العام والقانون الاجتماعي, بل على العكس, فالفرد يجد نفسه عند سقوط الشرط المديني الخاضع للقانون في حالة من الهستيريا الجماعية المتحللة من القيود التي وضعها الإنسان لتسيير المجتمع صغيرا كان أم كبيرايحفظ عبرها ملكيته من منقولات, أو نسل, وكأن قيودا كانت تقيده وقد سقطت, والسؤال الذي لا يستطيع الدارس الهروب منه هو: لماذا يكون الأمر الأول الذي يحرص الفرد على القيام به حالما يبدأ الثورة, أو الحرب هو تحطيم التابوات الجنسية, ولماذا تنتشر الإغتصابات في الحروب, وبعد الحروب مباشرة, حتى لتتحول إلى وباء كثيرا ما تترك جراحا لاتندمل في ضمير الضحية أنثى كانت أم ذكرا, ولماذا يجعل المنفلتون النهب تاليا للاغتصاب رغم أن النهب باق فهو يحمله معه, والاغتصاب زائل, فما إن ينتهي المغتصب من مهمته في نشر نسله غير المرغوب فيه حتى ينصرف لنهبه ناسيا أو متناسيا ما قام به.
والحضارات البشرية اتفقت في مجموعها وبغض النظر عن الدين الذي تدين به على تحريم المحارم من الأقرباء, وعلى احترام عقد الزواج الذي يحرم المرأة المتزوجة على الآخرين, ولكنه في الوقت نفسه يقر, ولو بشكل ملتو أو غاض للبصرعلى أن الحرب تسقط المحرمات, وما حكاية القا ئد الإسلامي سيف الله المسلول خالد بن الوليد مع الجميلة المشتهاة ليلى بنت سنان زوجة القائد المتهم بالردة "مالك بن النويرة "إلا التفسير لهذا التناقض في القوانين, وهذه القصة التي لاتفسير لها إلا أن خالدا خضع للقانون البدوي السابق على الإسلام في أن الحرب والسبي يغيران قواعد اللعبة, فكاتبوا تاريخ تلك الحادثة يحدثون عن رفض الزوج مالك دفع الزكاة للمدينة "أبو بكر" مماجعله مرتدا في نظر الجيش الذي أرسله الخليفة لإعادة البداة إلى الاسلام, ولكن شكوك الباحثين القدامى والمعاصرين في خالد العسكري القريب من الزمن البدوي, وهو من رأى المرأة الشديدة الجمال, وكان خالد يعرف كما يبدومن قبل بجمالها, وإن منعه من تحويل إعجابه هذا إلى فعل إيجابي معرفته بأن المرأة متزوجة, وهذا ما يفسر قول مالك لزوجته الحسناء جدا عند لقائهما بخالد, ويبدو أن نظرات خالد كشفت عن اشتهائه لها حين قال لها مالك: قتلتني والله !فقد كان يعرف القانون البدوي " قانون السبي وتحليله المرأة السبية, القانون الذي يقول ــ أحلها سيفي ــ "وكان خليفة رسول الله ابو بكر قد طلب من رجال الحملة أنهم إذا سمعوا الأذان في مضارب المرتدين, وسمعوا الإقامة للصلاة نزلوا عليهم, فإن أجابوا إلى أداء الزكاة لم يقاربوهم إلا كمسلمين, فأخذوا الزكاة, وانصرفوا عنهم, ولما كان خالد قد وصل مسبوقا بشهرته الحربية المرفوقة بالنصر, فقد جاءت وفود بني تميم تنوي إعلان رجوعها إلى الإسلام, واستعدادها لدفع الزكاة على أحد الآراء, ولكن خالد وهو في المحصلة الأخيرة جنرال منتصر اعتاد الحصول على مكافأة المنتصر يأمر بالقبض على مالك ومن معه قبل أن يسمح لهم بالرجوع عن ردتهم وعن استعدادهم لدفع الزكاة, ولما كان الليل الصحراوي البارد قد حلّ جاءهم رسول خالد يقول للحراس : أدفئوا أسراكم , ولما كان لكل قبيلة لهجة تختلف في كناياتها عن الأخرى, فقد فهموا كما سيقولون لرسل الخليفة المستاء لما حدث : أن معنى أدفئوهم في لهجتهم هو"اقتلوهم ",فقتلوهم جميعا, واحتوى خالد على الجميلة زوجته دون ان ينتظر انقضاء عدتها, ولما حاول عمربن الخطاب محاسبته على فعلته هذه جاءه التفسير في أن معنى أدفئوا اسراكم لدى جند خالد كان اقتلوهم, فقتلوهم, وقتل الرجل لسوء الفهم اللغوي.! وبالطبع لم تكن حجة كهذه لتنطلي على عمر بن الخطاب, فأصر على القصاص الشرعي لقتل مسلم هو مالك والاحتواء على امرأته دون وجه حق, أو غطاء شرعي, ولكن أبو بكر سيجيبه : ما كنت لأغمد سيفا سلّه الله...وكان اسم خالد المعروف به : سيف الله المسلول.
فإذا ما انتقلنا من صدر الإسلام إلى مرحلة انتشار الإسلام, وعشنا مع انتصاراته التي سيترتب عليها الإستيلاء على أعداد كبيرة من العبيد والجواري, وفقدانهم المفاجئ لحريتهم وإنسانيتهم, وتحولهم من كائنات بشرية إلى بضاعة, مادة للتبادل, وما أسواق العبيد التي انتشرت في معظم عواصم العالم حاملة أجمل الفتيات والبنات اللواتي كن مدللات والديهم قبل أسرهم, وأقوى وأذكى الصبيان, إلى الأسواق الكبرى حيث كانت تجارة العبيد التجارة الأكثر إثراء في العالم, وربما لايفوقها في الإدرار المالي إلا التجارات الخطرة مثل تجارة البهارات والبخور, أي التجارة عبر طرفي العالم الشرقي والغربي, والتي كثيرا ما كانت نتيجتها الغرق بحرا, أو الموت قتلا على يدي قطاع الطرق وما أكثرهم في ذلك العصر, وربما كان هذا هو السبب في ارتفاع مستوى الجمال في العواصم الكبرى استانبول وفيينا,عاصمتي الامبراطوريات لمئات السنين, فإليهما كانت تحمل جميلات وجميلي الأرض في رحلة طوعية يقوم بها النخاسون, فينتقون الأجمل للقصور وأثرياء العواصم , وبذا يتم الخلط والتحسين النسلي.
ولكن هل يحق لنا من منطق بارد أن ننتبه إلى ما تفعله بنا الأم الطبيعة التي عايشتنا لملايين السنين, والأم الطبيعة قانون بلا أخلاق, ولادين, ولاحس اجتماعي, فكل مايهمها هوالارتقاء بالنوع , إطالة الجسد, إطالة العمر,بقاء النوع, وقدطالت قامة الإنسان حسب الدراسات الإثنولوجية بأكثر من عشر سنتيمترات في القرون الأخيرة, كما طال متوسط عمره بأكثر من عشرين سنة في القرن العشرين فقط.
ونعود إلى ما افتتحنا به مقالنا هذا:ما الذي يجعل الإنسان التقي, المطيع للقوانين الدينية, والأرضية ـ الاجتماعية يتخلى فجأة عن طاعاته وتحفظاته, فيخلعها عنه كما يخلع ثيابه, ويتحول إلى الساتير الذي كانه قبل آلاف السنين حين لم يكن دين أو قوانين اجتماعية, بل شهوة جنسية وفقط, هل نستطيع القول إنه كان العبد المطيع للأم الطبيعة ذات الرغبات ما قبل الاديان والمجتمع, فهو يسلك سلوك الدب أو الأسد الذي يقتل أطفال غيره الذين يعرف بطريقة غامضة أنهم ليسوا حاملي جيناته, وهو يريد الأنثى لتكون حامل جيناته فقط, أو أنه ببساطة يقتلهم لتخلو الأم المشغولة بأبنائها عن شهوتها وعنه, وهوحين يقتلهم يجعلها تتفرغ للاستجابة لشهوته, وإذن فما الذي يريده المغتصب البشري؟أهو يريد نشر نسله , ولكن ـ أعوذ بالله, فالمغتصب السوري لم يرد يوما نشر جيناته كالدب أو الضبع البري, لأنه كثيرا ما يكمل مهمته بقتل الأنثى التي اغتصبها! فهو إذن لم يعد إلى الجد الساتير , وهو لم يكن الابن المطيع للأم الطبيعة, فابن من إذن؟
مايسمى بثورة الثامن من آذار لم تكن يوما بالثورة وحتى المتلطين بها صاروا يخجلون من تسميتها بالثورة, فقد كانت مجرد انقلاب عسكري مما اعتادت عليه سورية للسبعين سنة الماضية وهي السنوات التي تركتنا فيها فرنسة لشأننا, فاستبدلنا الديموقراطية التي تركتها لنا بالمملوكية, مملوك قوي بارتباطاته الأجنبية ينقلب على مملوك تخلى عنه أسياده حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن, فهل ندم الناس المعايشين للانقلاب على أنهم لم يقوموا بما كان واجبا عليهم القيام به في حينه, الانفلات الجنسي والقتل, وهاهم يعوضون ما فاتهم الآن مع الفوائدالمركبة!!
المجموعات التي وصلت مع الحاكمين الجدد لم تستطع القيام بما كان جزء خفي في أعماقها يدعوها للقيام به, قتل أبناء الفحل الذي سبقهم إلى زرع جيناته في الأنثى المشتهاة ــ الوطن, فقد كانوا أكثر خجلا وارتباكا من القدرة على الادعاء بأنهم الفحل صاحب الحق في نشر البذور...كانت المدينة بأضوائها الباهرة, وسياراتها السريعة, وشرطتها المنتشرين في الزوايا والأركان والمخيفين بنظراتهم الجادة, والمنتظرة الخطأ أي خطأ لتحاسب عليه دون محاباة, والأنكى من هذا كله......نساءها المتعجرفات وراء مقاود سياراتهن تاركات روائح عطورهن وراءهن حيثما مررن, بنظراتهن الساحقة في احتقار إن جربت يوما التحرش بهن, أو مغازلتهن بطريقتك الريفية المقذعة" يلعن اللي خل..ما أحلاك "
كان الأمر مربكا فأنا ببسطارابن عمي العقيد سيد البلد".....هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ساقكم إلي قطينا......فلماذا أسكن في بيت متطرف أحس فيه أني المنبوذ رغم أن ابن عمي قد صار سيد البلد, ولماذا تشيح البنات عني إن حدقت بهن في شهوة, ثم يصرخ في أسى : لماذا تزدرينني أيتها المدينة المرغوبة, المكروهة, المشتهاة, النافرة, المحتقرة لاتكترث لثورتنا واعتلائنا العرش للمرة الأولى في العمر, وهكذا أخذ الأدب في التعبير عن القهر والكبوت, فظهرت رواية " الزمن الموحش".
في رواية الزمن الموحش سنرى التعويض عن الإحساس بخيانة المبدأ الذي انحدر إليه الانقلابيون, وسنرى محاولة التعويض, فالمدينة ليست متكبرة ولا مزدرية ولا رافضة, فهاهي بنسائها ترتمي تحت أقدام البطل الفاتح, وهاهي تتكشف عن نساء متشهيات شبقات عجز رجالهن " البورجوازيون" عن إشباع شبقهن, وهاهو البطل الريفي القوي جنسيا بلا حدود يتنطح للقيام بالمهمة, وهاهي المدينة المظلومة برجالها العجائز العنينين ترتمي بنسائها المتشهيات المحرومات أمام من يمكن أن يشبع شبقهن بلا حدود, وهاهي رواية لانص روائيا فيها إلا كبوت جنسية يحاول الكاتب أن يجد في كتابتها التفريغ لشهواته وشعوره بالنقص, فلقد انتصر ابن عمه العقيد, ولكنه هو لم ينتصر, وهكذا سيقوم بالحل الريفي التاريخي, فهو يحيل المدينة إلى امرأة شهوانية لينتصر "عليها" , على المدينة التي لم تستسام له, ينتصر عليها بعضوه الذي لاينكسر كما بندقية ابن عمه التي لم تنكسر أمام عدو أبدا.
كان النصف الثاني من القرن العشرين قرن وصول العسكرفي العالم ا لثالث إلى سلطة لم يعرفوا يوما كيف يركبوها, فلجأوا إلى ما اعتاد الآغوات القيام به في الريف, ولما لم يكن لديهم سابقة فكرية أو ممارسة حكمية, فلقد لجأوا إلى تكرار ما ظنوه الحكم أعني إعادة القيام بالعنف المطلق, فالإخضاع لايتم إلا بالعنف, وهكذا كتب السوداني الطيب صالح روايته العنفية الجنسية "موسم الهجرة إلى الشمال" وكتب السوري " حبيبتي يا حب التوت"وكتب المصري " مدينة بلا قلب".
الانقلابات التي قام بها أبناء العموم لم تعط أبناء العم الفرصة للانفلات كما فعل الخرمية, والقرامطة في العصر العباسي, ولم تعطهم الفرصة للانفلات التي حصل عليها الفرنسيون غداة الثورة البورجوازية, ولا كما سعد الشيوعيون الروس غداة ثورة اكتوبر, فما حصلوا عليه لم يكن أكثر من انقلاب مشكوك فيه من أكثر من طرف, وهكذا حولوا شهوة الانفلات من حدث حقيقي إلى معادل روائي.
وفجأة قامت الثورة, ولكنها لم تكن ثورتهم , بل كانت ثورة الآخر على الفساد الذي بدأ بانقلاب كان أهم ما أنجز هو خصاءأبناءالوطن, وفي الوقت نفسه لم يعط أبناء العم الحق بالانفلات متحصنين بالعنف الثوري, ولكنهم فجأة"ثانية" يأتيهم الأمر "نعم الأمر" بالانفلات, ولكنهم لم يعودوا الفحول الريفيين الشبقين, الممتلئين عافية, بل المهربين, الشبيحة, سكان الكباريهات, ولما لم تعد لديهم القوة على الاغتصاب لجأوا إلى القتل والتشويه لنرى للمرة الأولى الحياة تقلد الفن, ولنرى الآلاف من القاتل العاجز مصطفى سعيد بطل " موسم الهجرة إلى الشمال".

تعليق



سعد الهجري

2013-06-25

يا رب الأرباب ..نجي سوريا ...شكرا لك استاذ خيري ...كم تحتاج سوريا في هذه الايام حكماء من مثلك وبقيمتك..ينصتون لصوت العقل

نينار

2013-07-06

مقال مهم شكرا للكاتب

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الشخصية الروائية كما أراها

06-شباط-2021

ورنتون وايلدر همنغواي وجهان أصيلان لأميركا

28-تشرين الثاني-2020

مقتطفات فيس بوكية

22-آب-2020

شكوتك إلى الله

15-آب-2020

ثورنتون وايلدر همنغواي وجهان أصيلان لأميركا

09-أيار-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow