خِطابُ المُبالغة
خاص ألف
2013-07-14
في إحدى الأمسيات الحزبية الضيقة ذات الطابع التنظيمي، كنّا على موعدٍ مع خطابةٍ من نوعٍ جديد، خطابةٍ مرصودة في المجتمع ولكنها مُقنّعة، لا تُقاسُ إلا تماهياً مع السياق الذي تأتي فيه.
هذه الخطابة هي المبالغةُ أو التضخيم في نسبة الفعل أو الفاعل أو المفعول به، تأتي هكذا بلا مناسباتٍ مُجدولة، وبدون رقيبٍ أو حسيب، إنها خطابة الرهط الاجتماعي ذو الأنساق الفكرية واللغوية المتشابهة، والتي تشكّلت كجزءٍ من فن الخطابة الشعبية وخلال فترات طويلة، لتستقر كموروثٍ ثقافي عامٍ فضفاض إلى حد الفكاهة.
في الأمسية الربيعية المغلقة حزبياً، حضر سكرتير الحزب العام وعضو الأمانة العامة ورقيب الخدمات العامة، لقد كان شخصاً عاماً بحضوره حتى أنني اعتقدت بأنّه عموميٌ في أدقّ تفاصيل حياته الخاصة، لكثرة المناصب العامة التي اعتلاها داخل صفوف الحزب وفي مشوار تسلقه قمة الهرم السياسي للجماعة السياسية التي كانت تمثلنا ردحاً من الزمن...
لم يكتمل النصاب التنظيمي لاجتماعٍ حزبي كامل الأركان، فما كان من الشخص الأكثر عموميةً بيننا إلا أن اقترح علينا التحدث في موضوعٍ ما، لكي نستفيد من مخزن المعلومات الدفين بين تلافيف عقله التي اعتقدت كثيراً أنّه يملك الكثير منها (أي التلافيف والشقوق) والتي تعتبر إشارة من إشارات العبقرية. ولأنه لم يستطع أنّ يستوعب فكرة التجمع البشري الهائل نسبياً لمساحة الغرفة التي أُجلسنا فيها في حيٍّ مرمٍ من أحياء دمشق، دون أن يمارس طقوس الزعامة ويُتحفنا بآخر إنجازاته الكاريزمية القيادية.
سنتحدث في التاريخ... هكذا خاطبنا بعد أن وافقنا ضمنياً بأنّه يستطيع أن يختار الموضوع المناسب له.... بدأت الأمسية بسؤال عام وجّههُ لنا جمعياً: ما هو عدد الأكراد في العالم؟ ردّ الحضور جميعاً في اتفاقٍ عُرفيّ بين جميع أكراد العالم: يعني بحدود الـ 40 إلى 50 مليون ... هزّ القائد الزعيم رأسه قائلاً: كنت أعلم بأنكم ستتفوهون برقمٍ قريب من هذين الرقمين ...
دخل الأخ الزعيم المُجرد من ألقابه السياسية وفقاً للنظام الداخلي لحزبنا في ديباجةٍ خطابيةٍ، سياسية وتاريخية ليصل لاستنتاج مفاده بأن عددنا كأكراد أكبر من العدد المتداول كأيقونة منذ أكثر من عشرين عاماً، فأنا أتذكر هذا الرقم أي (40 إلى50 مليوناً) مُنذ أنّ كُنتُ طفلاً صغيراً أي قبل عشرين عاماً بالفعل دون زيادةٍ أو نقصان... قال في سياق حديثه: لقد زُرتُ العديد من الدول التي تحتضن الأكراد، وقصدت الدول الأربعة المتقاسمة لأراضي الكرد، وتجولت في العديد من المدن السورية كحماه وريف اللاذقية ودمشق وحلب، وكذلك المدن التركية الكبيرة كإسطنبول وأنقرة وأزمير وغيرها، ومدن إيرانية أيضاً، ناهيك عن مدن العراق وكذلك بعض الدول الأوربية التي يتواجد فيها الأكراد كجاليات كبيرة نسبياً ... فتوصلت لاستنتاج وهو بأن عددنا أكبر من ذلك بكثير ... قلت له بكم تقدّر عددنا في العالم "ماموستا" (ماموستا تعني الأستاذ أو المعلم) فقال: بين (70 إلى 80) مليون نسمة في جميع دول العالم ... لم يُحدث الرقم الجديد أيّة صدمة بين صفوف الرفاق الحزبييّن فهو رقمٌ قريبٌ إلى حدٍّ ما من الرقم الأصلي ويدغدغ مشاعرنا القومية الباطنية ... لكن المفاجأة كانت عندما انتفض أحد الرفاق المُخضرمين، وهو خريج جامعة دمشق قسم اللغة الفرنسية إبان عصور السبعينيات، ويُعتبر أحد قامات الحزب وخامةٌ من الخامات النادرة ... فقال ماموستا: أودّ أن أتداخل هنا ... التفتنا جمعياً للرفيق العتيد، ظنّاً منّا أنّه سيبلعُ الأخ القائد بمداخلةً من العيار الثقيل ... حتى أنً السكرتير العام نفسه توجّس من مداخلة الرفيق العتيد ... فقال له تفضل رفيق ... حينها نظرت إلى عيني الرفيق العتيد ورأيت فيهما نهماً للكلام، ورغبةً جامحةً في الانسلال إلى محور الحديث، فقد شعرت بأنّه إن لم يتحدث الآن فسيبقى في فاقةٍ إلى أبد الآبدين، وسيبقى يلوم نفسه أنّه لم يتحدث في هذه اللحظة المفصلية من حياته ...
قال الرفيق العتيد: بلغةٍ خطابيةٍ رخيصةٍ ابتدأت بشتيمةٍ متداولة في عُرف الأكراد ...: "عم تقول 70 أو 80 مليون ... يا سيدي روح بشرفي عددنا أكثر من 300 مليون"!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ثم أدار ظهره للجميع ... واعتلت الدهشة فوق وجوهنا في مشهد لن يتكرر إلا حين تستخدم الخطابة المبالغة فيها مرة أخرى ...
ولحينها سنبقى نرصد المبالغة في كلّ تفاصيل حياتنا ..
08-أيار-2021
09-كانون الثاني-2021 | |
15-آب-2020 | |
16-أيار-2020 | |
26-تشرين الأول-2019 | |
15-أيلول-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |