Alef Logo
المرصد الصحفي
              

فلسفة اليونان وأثرها على بنية الفلسفة الإسلامية

ألف

2013-07-30

عبد المجيد الانتصار

إن كل تفكير إنساني هو بمثابة ظاهرة تخضع, مثل مختلف ظواهر الوجود الطبيعي والبشري؛ إلى قانون التأثير والتأثر. أي أن الممارسة الفكرية تتفاعل مع عوامل معينة تفعل في نشوئها، كما في تطورها. وهكذا هو الأمر بالنسبة للفكر الفلسفي لدى المسلمين، فهو كغيره من أنماط التفكير البشري نشأ وتطور نتيجة عوامل متنوعة، وتشكل نتيجة مجموعة من المكونات نتناول في هذه المقالة واحداً منها، وهو (المكون الفلسفي اليوناني ).

يمكن النظر إلى الفكر الفلسفي اليوناني، الذي ترجع نشأته إلى القرن السادس قبل الميلاد، في علاقته بتشكل الفلسفة الإسلامية بأنه مكون نظري مفاهيمي، من حيث أن فلسفة الإغريق ستمد الفلسفة الإسلامية، وهي في طور تكونها، بمفاهيم فلسفية ومحتويات نظرية ميتافزيقية. كما ستساهم حكمة (أفلاطون) و(أرسطو)، وبصورة مباشرة وقوية، في بلورة البنية النظرية للتفكير الفلسفي الإسلامي، والتي تلخصها الإشكالية المحورية المسماة بإشكالية (الحكمة والشريعة).

نتساءل الآن: أين تتجلى مظاهر الإسهام الفلسفي اليوناني في تشكل الفلسفة الإسلامية؟

لنشرع في البحث للإجابة عن هذا التساؤل:

أولاً - نجد حضور الأثر الفلسفي الإغريقي داخل بنية الفلسفة الإسلامية على مستوى المفهوم الفلسفي، باعتبار أن الفيلسوف المسلم، ومنذ البداية، اشتغل بالمفهوم اليوناني للفلسفة ومضامينها. ولعل إلقاء نظرة سريعة على رسائل الكندي، وهو أول فيلسوف في الإسلام، تدلنا على أن جهازه المفاهيمي يتأسس على اللغة الفلسفية اليونانية. وهكذا سنلقى أن مفاهيم أفلاطون وأرسطو هي التي تنسج نظام الخطاب وتكونه داخل كتابات الكندي الفلسفية.

لقد أفرد فيلسوف (كندة) رسالة لتحديد معاني بعض المصطلحات الفلسفية، ولم تكن عنده هذه المصطلحات غير تلك التي ترجمت عن اليونانية، مثل (الهيولى)، و(الصورة)، و(الأسطقسات) و(العناصر)، و(العلل الأربع):

المادية والصورية والفاعلة والغائية.. وغير ذلك من المفاهيم الفلسفية. كما أن رسائل الكندي، سواء في عناوينها أو في محتوياتها؛ تنطق بالمفهوم الفلسفي الإغريقي. فمن عناوين رسائله، مثلاً: (الجزء الأول في الفلسفة الأولى)، و(القول في الصورة). ومن بين ما نجد في ثنايا رسائله من مفاهيم، مثلاً: مفهوم (الفلسفة)، والزوج المفاهيمي (الظن - اليقين)، و(العلل الأربع)، و(المثل). وكما هو الأمر بالنسبة للكندي، سيكون المفهوم الفلسفي اليوناني حاضراً بقوة في فلسفات (الفارابي) و(ابن سينا) و(ابن باجة) و(ابن رشد)، بل سيكون مكونا أساسياً لخطاباتهم الفلسفية.

ثانياً: إن حضور المفهوم الفلسفي اليوناني في تكون الفلسفة الإسلامية، منذ الكندي إلى ابن رشد، يرتبط بحضور القضايا والمضامين الفلسفية التي أنتجها فلاسفة اليونان. فعلى الرغم من صياغة الفيلسوف المسلم لقضايا وإشكاليات خاصة به، أفرزتها شروط ثقافته ومجتمعه العربيين الإسلاميين، فإنه اشتغل بقضايا فلسفية كما صاغها فلاسفة اليونان، واستعاد في الوقت نفسه المحتوى المعرفي الذي ضمنوه لتلك القضايا، وذلك في صورة عرض أو شرح أو تلخيص أو تعليق.

لا يعني ما سبق أن الفلسفة الإسلامية تكرار لفلسفة اليونان، كما يرى بعض المستشرقين، بل يقصد بذلك أن فلسفة اليونان، قضاياها ومحتوياتها، شكلت مادة للتفكير الفلسفي في الإسلام، فكانت جزءاً لا يتجزأ من بنيته، ومكوناً جوهريا من مكوناته، دون إغفال خصوصية الفلسفة الإسلامية، انطلاقا من خصوصية واقعها العربي الإسلامي، كما يقول الأستاذ المرحوم محمد عابد الجابري في كتابه (نحن والتراث): «نقل أجدادنا الفلسفة اليونانية، كما وصلتهم، إلى اللغة العربية، وحاولوا التوفيق بينها وبين معطيات المجتمع الإسلامي الدينية والفكرية. ولكنهم لم يفعلوا ذلك لمجرد النقل والتوفيق. لم يكن عملهم ذلك مجرد ترف فكري، ولا كان صادراً عن الرغبة في الاطلاع على ما لدى الغير من معارف وعلوم، بل كانت هناك دوافع عميقة إلى ذلك، دوافع نابعة من واقعهم الاجتماعي والسياسي والثقافي؛ وبكلمة واحدة: واقعهم الحضاري العام».

ثالثاً: يمكن أن نرصد حضور المكون الفلسفي الإغريقي، باعتباره واحداً من مكونات الفلسفة الإسلامية، في البنية النظرية التي تحرك داخلها الفيلسوف المسلم، أي في الإشكالية المحورية التي وجهت تفكيره، وفي الأهداف التي اشتغل خطابه من أجلها. فقد انتظم تفكير فلاسفة الإسلام حول إشكالية (العقل و النقل). كما أن مقصدهم تحدد في تشريع القول الفلسفي داخل المجتمع والثقافة العربيين الإسلاميين. وبالنظر إلى ذلك نجد أن الفلسفة اليونانية تسكن عقل الفيلسوف المسلم لكي تساهم في تشكيله وتكوينه.

نعم ؛ لقد كان الفيلسوف المسلم يفكر باستمرار بواسطة الفلسفة اليونانية، حينما تأخذ باهتمامه مسألة (الحكمة والشريعة)، سواء بدمجهما أو بالفصل بينهما. أي أن الوعي الفلسفي لدى المسلمين لم ينفك عن الاستلهام المستمر للفلسفة اليونانية؛ إذ أن توجههم إلى إثبات مشروعية خطاب (الحكمة) لم يكن إلا تفكيراً في الحكمة الإغريقية، واستحضاراً لفلسفة اليونان.

نستنتج، إذن، أن فلسفة اليونان هي بمثابة ماضي الفكر الفلسفي في الإسلام. واستمر ذلك الماضي مكوناً للفلسفة الإسلامية منذ أن حققت حاضرها الفعلي الأول مع الكندي. ولم يكن ممكناً، تاريخياً، إلا أن يكون الأمر كذلك؛ لأنه لم يكن هناك بالنسبة لفلاسفة الإسلام من تراث فلسفي آخر غير الفلسفة اليونانية، فلسفة أفلاطون وأرسطو. ألم يقل عنهما الفارابي بأنهما (الحكيمان المقدمان المبرزان).

نخلص إلى أن الفكر الفلسفي اليوناني هو أحد المكونات الأساسية للتفكير الفلسفي الإسلامي، وهو مكون من خارج جسم الثقافة العربية الإسلامية. بينما نجد مكونات أخرى هي من صميم الدين الإسلامي والثقافة العربية، وهما (القرآن) و(العقلانية الاعتزالية). فرغم الأثر اليوناني، الذي لاحظنا وجوده داخل النسق الفلسفي الإسلامي، فإن ذلك لا يعني أن الفلسفة الإسلامية كانت نتيجة عامل واحد، هو الفلسفة اليونانية، بل إن تراثنا الفلسفي أسهمت في تكوينه عدة عوامل، تضافرت كي تشكل لغته ومفاهيمه وإشكالياته ومحتوياته.

عن المجلة العربية.














تعليق



dody

2016-02-14

أريد مقال الإستقصاء بالرفع.... الفلسفة الإسلامية وليدة الفلسفة اليونانية

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow