Alef Logo
المرصد الصحفي
              

الإعلام السوري: عودة الماضي واختفاء الحاضر! ـ عهد فاضل

ألف

2013-09-08

منذ بداية الأزمة السياسية في سورية، واندلاع الاحتجاجات ضد النظام والمطالبة بإسقاطه، كان الإعلام السوري يخوض معركة ضد الفئة المعارضة للنظام، بكل الأوجه. وكانت هذه الحرب التطهيرية التي يشنها الإعلام تقوم على مبدأ استبعاد أي اسم معارض مهما كان حجمه أو كانت مواقفه. كل كلمة تبث على الشاشة يجب أن تكون استئصالاً للمعارضة بكل أطيافها. ونجح التلفزيون السوري في معركته، وبات شاشة للموالين المتحمسين للتشكيك حتى بالأنفاس التي تتردد مابين صدور المعارضين..

وبعد مرور ما يقرب من ثلاثين شهرًا على الصراع ما بين السلطة والمعارضة، استعد التلفزيون الرسمي السوري لمعركة حقيقية بعيد التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي بالقيام بضربة عسكرية تم تأجيلها أخيرًا بانتظار رأي الكونجرس. فعادت الأغاني الوطنية القديمة وصور الأبيض والأسود، وحتى الشعارات القديمة التي كانت جزءًا من ثمانينيات القرن الماضي بكل ما تحمله من تمايز وخصوصية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام الإعلام الرسمي، ومعه القنوات الخاصة الموالية، ببث خطب قديمة للرئيس الراحل حافظ الأسد، وكذلك نشر مقاطع فيديو بالأبيض والأسود للرئيس السابق وهو في هذه الجبهة العسكرية أو تلك. وعندما كان الإعلام يشعر بضرورة وجود رأي رسمي ممثلاً عن التيارات الدينية في سورية، كالإخوان والسلفيين وسواهم، لم يجدوا بداً -مرة أخرى- من عرض خطب للأسد الأب يتعرض فيها للإخوان المسلمين.

لم يخطر ببال القائمين على رأس الإعلام السوري أنهم وبنشرهم خطب الأسد الأب، وصور الأبيض والأسود، ومعالجات الأسد الأب لموضوع التيارات الدينية، أنهم يعلنون صراحة بأن رئيسهم الحالي -الأسد الابن- لا يمتلك حتى جملة واحدة من شأنها “إثارة الحماس”، أو “تهييج الرأي العام”. لقد أعلن الإعلام الرسمي والموالي، في سورية، من حيث يدري أو لا يدري، أن رئيس الدولة لا يمتلك أي جاذبية في الحضور والتأثير بالناس. فانصرفوا الى أبيه الراحل، وبدا الرئيس الحالي مجرد مانح للأوامر الرئاسية، أمّا جاذبية النظام، فهي مستمدة من الغائب، الذي امتلك سحرًا مضاعفًا بسبب عجز الابن، أو عدم امتلاكه للقدرة على التأثير. وربما لهذا الأمر كانت صورة الأسد الأب بجوار صورة الأسد الابن في المقرات الرسمية من القصر الرئاسي إلى مجلس الوزراء إلى الإدارات العامة. ولو كان القصد من تجاور الصورتين، للرئيس السابق والحالي، هو إرث الدولة بصفة عامة، لكان وجب وضع صور رؤساء سوريين آخرين. وهو ما لم يحصل، كما يعرف الجميع.

بالإضافة إلى فتح أرشيف الثمانينيات بكل ما فيه من آثار فنية أو سياسية، نجد التلفزيون الرسمي يعمد إلى نشر أغنيات سياسية لبنانية. في إشارة فادحة أيضًا، إلى أن النظام الحالي لم يشكل جاذبية للملحنين، أو مؤلفي الأغاني، وإن وجدت أغنية محلية هنا أو هناك، فتكون باهتة ومصيرها الفشل أو انعدام التأثير، فيتوقفون عن بثها. ولعل أكثر أغنية يتم عرضها الآن على الشاشة الرسمية والقنوات الموالية هي أغنية “بكتب اسمك يا بلادي” وهي أغنية للمطرب اللبناني جوزف عازار! ولم يسأل الإعلام نفسه عن سر غياب الإنتاج الفني الرفيع عن قضية النظام؟ ولم يسأل نفسه عن استحضار الأسد الأب كاملاً في خطبه دون خطب الرئيس الحالي؟
ما هي المعركة العادلة التي يمكن أن يخوضها أي نظام إذا كان عاجزًا حتى عن إنتاج أغنية أو إلقاء خطاب؟

لقد أعلن الإعلام الرسمي والموالي، في سورية، من حيث يدري أو لا يدري، أن رئيس الدولة لا يمتلك أي جاذبية في الحضور والتأثير بالناس. فانصرفوا الى أبيه الراحل

المواد التي يعرضها التلفزيون الرسمي السوري، ومعه القنوات الخاصة الموالية، تختصر حقيقة الأوضاع تماماً أكثر من أي شيء آخر، من خلال الأدوات التالية:
- ضعف الرؤية، أو انعدامها، لقضية الإسلام السياسي، يتم التعويض عنها، برؤية ثمانينية للأمر، عبر إعادة بث خطب الرئيس السابق الأسد الأب.
- افتقاد الرئيس الحالي للكاريزما الخطابية، يتم التعويض عنها بإظهار خطب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
- غياب الخطاب الثقافي والفني، وخصوصًا منه الحماسي والداعي إلى التعلق بالأرض، يتم من خلال بث أغنيات لبنانية ومصرية جميلة، أو الاعتماد على محللين سياسيين لبنانيين بالمقام الأول.
- ضعف القدرة العسكرية للجيش النظامي هي الأخرى يتم تعويضها عبر الإشارة إلى “قوة إيران الصاروخية” أو نية إيران بالقتال إلى جانب النظام.
- العلاقة مع المجتمع الدولي، اختصرها الرئيس الأسد أخيرًا بقوله: روسيا جزءٌ من صمودنا!!

هذه هي الآلية التي تظهر فيها الدولة السورية الحالية، ما يعكس الفجوة الرهيبة مابين مكوناتها الأساسية، والذي يسقط بالتالي أساسها السياسي بالكامل. وبالاستناد إلى مقولة المفكر محمد أركون عن “مديونية المعنى” في إشارة إلى الارتباط اللامرئي مابين المعنى وأصوله، أو المعنى ومضامينه، فيكون مديونًا لسواه، يمكن القول عن مديونية الدولة في سورية، والتي من أشكالها الأكثر حضورًا مديونية الإعلام: الأزمة في الألفية الثالثة، والخطاب من الألفية الثانية! أما الخاسرون، وهم ضحايا الحرب الحالية في سورية، فهم الدليل الوحيد على أن الجمهورية العربية السورية لازالت على قيد الدول في القرن الحادي والعشرين. سوى ذلك مجرد مديونيات متوالية تبدأ من الكيان، وتمر بالخطاب، وتنتهي بالإنسان. هذا هو السبب الذي جعل التلفزيون الرسمي يخوض معركته في الحاضر ليفاجئنا جميعًا بأنه فاز .. في الماضي!

عن مجلة المجلة .







تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow